لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أن الارهاب التكفيري هو من يعمل على تشويه صورة الاسلام وتقديمه الى العالم على أنه دين القتل والذبح والإرهاب, وتفتيت الأمة وتمزيقها وتحويل أبنائها الى شيع وجماعات وأحزاب ومذاهب متقاتلة ومتناحرة, معتبراً: أن التضحية في مواجهته هي تضحية من أجل حماية الدين والحفاظ على وحدة الأمة.
ورأى: أن المقاومة مع حلفائها استطاعت أن تنهي في حلب فصلاً من فصول العدوان التكفيري على أمتنا, وأن التطورات العسكرية الدراماتيكية التي تشهدها حلب لمصلحة الجيش السوري وحلفاءه فتحت الباب أمام الفصل الأخير لاسترجاع حلب بالكامل إلى أحضان الدولة في سوريا.
وقال: إن تسارع التطورات والإنجازات الميدانية هذه ما كانت لتحصل لولا الإنهيار الكبير في صفوف المجموعات الإرهابية المسلحة وسقوطها المدوي أمام ضربات الجيش والمقاومة وحلفائهما, والتصميم والعزم الكبير لدى محور المقاومة على حسم معركة حلب بالكامل بالرغم من الصراخ وردود الفعل التي أبداها الغرب وجوقة المتضررين والخاسرين والمهزومين الدوليين والإقليميين.. هؤلاء قلبهم على أدواتهم المهزومة في حلب وليس على المدنيين في حلب.. هؤلاء يريدون من خلال صراخهم وردود فعلهم عرقلة تقدم الجيش السوري وحلفاءه في شرق حلب تحت ذريعة الوضع الإنساني, من أجل إعطاء وقت وفرصة للمجموعات الارهابية المسلحة لتلتقط أنفاسها وتعيد تجميع قواتها وتنظيم صفوفها والحصول على إحتياجاتها التسليحية, للمحافظة ولو على شراكة جزئية في السيطرة على المدينة, ولكنهم فشلوا في ذلك كله أمام عزم وتصميم الجيش وحلفائه على استكمال المعركة بمعزل عن كل ردود الفعل هذه.
وأشار: الى أن الغربيين والرعاة الدوليين والإقلميين للمسلحين وبعدما خسروا معركة حلب يطالبون من أجل إنهاء الحرب في سوريا بدمج المعارضة في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية! وهم يريدون بذلك أن يحققوا بالعمل السياسي وبالدبلوماسية ما عجزوا عن تحقيقه بالسلاح والقتل والإرهاب, وهذا ما لا يمكن أن يحصل.
وشدد: على أنه بعد كلّ الهزائم التي مُنيت بها هذه المجموعات الإرهابية في سوريا وفي العراق وفي ليبيا ليس أمام هؤلاء وداعميهم والمراهنين عليهم سوى التسليم بالخسارة والهزيمة ورمي السلاح والكف عن القتل والتدمير في المنطقة, والذهاب الى الحل السياسي الذي هو الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة السورية.
مؤكداً: بأن تعايش شعوب هذه المنطقة مع هذه الجماعات الهجينة والقاتلة والإرهابية هو أمر مستحيل وليس قابلاً للمساومات ولا للتسويات .
نص الخطبة
في هذه الأيام مرت وتمر علينا ذكريات تاريخية عظيمة من الهجرة النبوية الى المدينة في بداية ربيع الأول الى شهادة الإمام الحسن العسكري(ع) في الثامن منه وزواج النبي(ص) من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد في العاشر منه, وكل هذه المناسبات جليلة, وقد تحدثت عن الهجرة النبوية في الإسبوع الماضي, كما تحدثت في أوقات أخرى عن الإمام العسكري(ع), ولذلك سأتحدث في هذه الفرصة عن المناسبة الثالثة وهي زواج النبي(ص) بخديجة.
يذكر المؤرخون أن النبي (ص) تزوج بالسيدة خديجة بنت خويلد، وهي زوجته الأولى، عندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره الشريف وذلك بعد عودته من رحلته الثانية إلى الشام، في تجارة مشتركة مع السيدة خديجة.
وقد اتفقت النصوص على أن السيدة خديجة كانت من أفضل نساء قريش في مكة، في خلقها وخلقها وجميع مواهبها.
وهي بالاضافة إلى ذلك كانت من أثرياء مكة ومن كبار تجارها، الذين كانوا يستوردون البضاعة من الشام، ويصدورون إليها كل ما يدخل إلى الحجاز. ولآن السيدة خديجة جمعت إلى ثروتها المادية الشرف والعفة والكرم، فقد أصبحت تعد السيدة الأولى في مكة أنذاك. ولهذا كان الناس يدعونها في الجاهلية بـ”الطاهرة”، وعرفت بـ”سيدة قريش”.
هذه الصفات وهذه السمعة الطيبة وهذه المكانة الاجتماعية المرموقة لخديجة جعلت كل رجال قومها يطمحون إلى الاقتران بها.
فقد تقدم لخطبتها كبار الشخصيات من قريش، ومنهم كبار التجار، وبذلوا لها الأموال الطائلة. وكان ممن تقدم لخطبتها عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل، وأبو سفيان، وغيرهم ولكنها رفضتهم جميعاً، واختارت محمد بن عبدلله(ص) ليكون زوجاً لها مع قلة ماله، اختارته من بين الجميع لأنهاعرفت فيه الصدق والأمانة والإخلاص والعفة وكرم الاخلاق، وشرف النفس, وكمال العقل ، والخصال الكريمة التي رفعته على السادة وعلى الكبار الكبار من أشراف مكة.
ونكاد نقطع بسبب كثرة النصوص أن السيدة خديجة هي التي بادرت أولاً وأبدت رغبتها في الزواج من رسول الله (ص) قبل مبادرته هو.
وتفيد رواية اليعقوبي عن عمار بن ياسر أن السيدة خديجة أرسلت أختها هالة إلى عمار وكان صديقاً للنبي (ص) وأبدت أمامه رغبة السيدة خديجة في الزواج من محمد (ص) وبعد أن عرض عمار على النبي (ص) هذا الأمر وافق النبي (ص) دون تردد، وتم الاتفاق على وقت تعقد فيه الخطبة. ولما جاء ذلك اليوم علم عمها عمر بن أسد أو ورقة بن نوفل بالأمر، لأن أباها قد قتل قبل ذلك في الحروب التي نشبت بين القبائل.
وجاء الرسول (ص) ومعه بعض الشخصيات من قريش، وبعض أعمامه، يتقدمهم عمه أبو طالب، لطلب يدها من عمها. وبعد أن دخلوا عليه تولى أبو طالب الحديث وقال في خطبته، كما يروي ثقة الإسلام الكليني :”الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية اسماعيل وأنزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي محمد بن عبدالله ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلا في المال، فإن المال رفد جار، (أي رزق الله الذي أعطاه لعباده بقدر حاجاتهم) وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها. والمهر عليّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآحله. وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل”.
ونقف عند خطبة أبي طالب هذه على الحقائق الآتية :
أولاً: إن كلمات أبي طالب بحق ابن أخيه مثل قوله “ولا عدل له في الخلق”أي لا نظير ولا شبيه له في الوجود أو “وله حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل”، وغير ذلك، تدلنا هذه الكلمات على مدى ما كان يتمتع به النبي محمد (ص) في تلك المرحلة من مكانة ومنزلة في قلوب الناس وعقولهم.
ثانياً:إن أبا طالب يعتبر أن المعيار والمقياس للتفضيل بين الرجال ليس المال والجاه والموقع .. وإنما الأخلاق والصدق والأمانة والعفة والكرم والصفات النبيلة التي يربيها الإنسان في شخصيته, لأن المال والجاه لا يصنعان أخلاقاً بينما الأخلاق والأمانة والسلوك الحسن قد يصنع مالاً وجاهاً وموقعاً للإنسان, ولذلك لا يصح أن نفضل الرجل الذي يملك مالاً فقط للزواج من فتياتنا إن لم يكن يملك ديناً وأخلاقاً, بل علينا أن نفضل الرجال الذين يملكون التزاماً وأخلاقاً وصفات إنسانية حسنة للزواج من فتياتنا وإن لم يملكوا مالاً أو جاهاً.. أبو طالب ينظر إلى الإنسان من منظار أسمى وأنبل من المال والجاه. فالرجل الفاضل في نظر أبي طالب، ليس هو صاحب المال الكثير والجاه العريض، ليس هو الإنسان الغني وصاحب الثروة وإنما هو الرجل الذي يمتلك في شخصيته كل الصفات والخصال الكريمة التي تحلى بها محمد بن عبد الله(ص).
ثالثاً: إن كلمة أبي طالب “وجعلنا الحكام على الناس”، تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم من شرف وموقع ومكانة في مجتمع مكة، بحيث إنهم كانوا سادة وحكاما على الناس آنذاك.
رابعاً: إن صريح الخطبة أيضا أن أبا طالب هو الذي تكفّل بمهر السيدة خديجة. ولكن خديجة (رضوان الله عليها)، كما تقول رواية الكليني في الكافي، عادت وتكفلت هي بالمهر. الأمر الذي أثار تعجب بعض الحاضرين فقالوا :”يا عجبا المهر على النساء للرجال؟!”. فغضب أبو طالب وقال :”إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر . وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي”.
وهكذا تمّت مراسيم زواج النبي الأكرم(ص) المبارك من السيدة خديجة (ع). ويرجّح أكثر المؤرخين أن عمر السيدة خديجة حين تزوج بها النبي (ص) كان ثمانية وعشرين عاماً وليس أربعين عاماً كما هو الشائع. وعلى هذا فهي كانت أكبر من النبي بثلاث سنين فقط وليس بخمسة عشر سنة، لأننا قلنا إن النبي (ص) كان عمره الشريف حين الزاوج من السيدة خديجة خمساً وعشرين سنة. كما أن السيدة خديجة (عليها السلام) لم تتزوج بأحد قبل النبي (ص)، وكانت عذراء, خلافاً لما هو شائع أيضاً من أن خديجة كانت متزوجة برجل قبل النبي(ص) ولم تكن بكراً حين زواج النبي(ص) بها. وهذا ما أكده جمع من المؤرخين مثل البلاذاري وأبي القاسم الكوفي والسيد المرتضى في كتاب “تلخيص الشافي”، وغيرهم.
ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن القول بأن النبي(ص) إنما تزوج خديجة الثرية طمعاً في مالها هو قول باطل تكذّبه كل الشواهد التاريخية. فإن حياة الرسول الأعظم (ص) من بدايتها إلى نهايتها تدل على أنه ما كان يقيم للمال وزناً ولم يكن يعطي للمال أي اعتبار أو قيمة, ولا كان المال يشكل هدفاً بالنسبة إليه. ولقد أنفقت السيدة خديجة(ع) بعد بعثة الرسول (ص) كل أموالها طائعة راغبة وباختيارها وبملء إرادتها، ليس على النبي(ص) وملذاته وإنما على الدعوة إلى الإسلام وفي خدمة الرسالة. إضافة إلى ذلك أن السيدة خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي (ص) ولم يتقدم هو لطلب يدها حتى يقال إنه فعل ذلك طمعاً بمالها.
كما أن حبه وإجلاله وتعظيمه للسيدة خديجة وتقديره واحترامه الشديد لها، حتى بعد وفاتها وذهاب مالها وثروتها، دليل واضح على بطلان هذا الإفتراء بحق النبي الأكرم (ص)، وعلى أن تقديره واحترامه لها كان لأجل عفّتها وطهرها وإيمانها ووفائها وقداستها وإخلاصها للرسالة وتضحيتها بكل ما تملك في سبيل هذا الدين وفي خدمة الرسالة.
ما نتعلمه من هذه السيدة العظيمة هو أن يكون لدينا الإستعداد للتضحية في سبيل حماية هذا الدين وحماية هذه الأمة, كما ضحت هي من أجل حمايتهما, هذا الدين الذي بُذلت في سبيله تضحياتٌ كبيرة من خديجة ومن علي ومن الصحابة والمسلمين المخلصين والأوفياء لدينهم, يأتي اليوم منيعمل على تشويه صورته وتقديمه الى العالم على أنه دين القتل والذبح والإرهاب, ومن يعمل على تفتيت هذه الأمة وتمزيقها وتحويل أبنائها الى شيع وجماعات وأحزاب ومذاهب متقاتلة ومتناحرة.
الارهاب التكفيري اليوم هو من يقدم هذه الصورة عن ديننا وهو من يعمل على تمزيق الأمة الإسلامية, والتضحية في مواجهته هي تضحية من أجل حماية الدين والحفاظ على وحدة الأمة.
اليوم المقاومة مع حلفائها استطاعت أن تنهي في حلب فصلاً من فصول العدوان التكفيري على أمتنا.
والتطورات العسكرية الدراماتيكية التي تشهدها حلب لمصلحة الجيش السوري وحلفاءه فتحت الباب أمام الفصل الأخير لاسترجاع حلب بالكامل إلى أحضان الدولة في سوريا.
إن تسارع التطورات والإنجازات الميدانية هذه ما كانت لتحصل لولا الإنهيار الكبير في صفوف المجموعات الإرهابية المسلحة وسقوطها المدوي أمام ضربات الجيش والمقاومة وحلفائهما, والتصميم والعزم الكبير لدى محور المقاومة على حسم معركة حلب بالكامل بالرغم من الصراخ وردود الفعل التي أبداها الغرب وجوقة المتضررين والخاسرين والمهزومين الدوليين والإقليميين.. هؤلاء قلبهم على أدواتهم المهزومة في حلب وليس على المدنيين في حلب.. هؤلاء يريدون من خلال صراخهم وردود فعلهم عرقلة تقدم الجيش السوري وحلفاءه في شرق حلب تحت ذريعة الوضع الإنساني, من أجل إعطاء وقت وفرصة للمجموعات الارهابية المسلحة لتلتقط أنفاسها وتعيد تجميع قواتها وتنظيم صفوفها والحصول على إحتياجاتها التسليحية, للمحافظة ولو على شراكة جزئية في السيطرة على المدينة, ولكنهم فشلوا في ذلك كله أمام عزم وتصميم الجيش وحلفائه على استكمال المعركة بمعزل عن كل ردود الفعل هذه.
واليوم بعدما خسروا معركة حلب يطالبون من أجل إنهاء الحرب في سوريا بدمج المعارضة في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية! وأن الشعب هو الذي يحدد قيادته. هذا ما قاله جون كيري(وزير الخارجية الأمريكي) ورددته ممثلة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي التي دعت الى نظام محافظات لا مركزي في سوريا يتيح للمعارضة المسلحة الإندماج في القوات والمؤسسات العسكرية والأمنية, وهم يريدون بذلك في الحقيقة أن يحققوا بالعمل السياسي وبالدبلوماسية الهادئة ما عجزوا عن تحقيقه بالسلاح والقتل والإرهاب, وهذا ما لا يمكن أن يحصل.
بعد كلّ الهزائم التي مُنيت بها هذه المجموعات الإرهابية في سوريا وفي العراق وفي ليبيا ليس أمام هؤلاء وداعميهم والمراهنين عليهم سوى التسليم بالخسارة والهزيمة ورمي السلاح والكف عن القتل والتدمير في المنطقة, والذهاب الى الحل السياسي الذي هو الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة السورية.
وعلى الجميع أن يعلم بأن تعايش شعوب هذه المنطقة مع هذه الجماعات الهجينة والقاتلة والإرهابية هو أمر مستحيل وليس قابلاً للمساومات ولا للتسويات .
المصدر: خاص