تقع قرية كاليتشي شمال كازاخستان، وتبعد 400 كيلومتر شمال غربي العاصمة أستانة، وبينها وبين الحدود الروسية، نحو 230 كيلومتراً.
بدأت حالات النوم المفاجئ تصيب سكان القرية، فينام الشخص فجأة وهو يعمل أو يتكلم أو يقود، ثُم يستيقظ بعد فترة تتراوح ما بين يومين إلى 6 أيام، دون أن يذكر ما حدث له، مع هلاوس سمعية وبصرية.
أول حالة من النوم المفاجئ سُجّلت عام 2013، لكن السكان المحليين يُؤكدون أن هذه الظاهرة بدأت منذ عام 2010، وكانت أول الضحايا، وفقاً لرواية سكان القرية، من نصيب ليبوف لايبوكا التي كانت تتحدث مع أصدقائها ذات صباح، كما العادة، لتسقط فجأة على كرسيها دون حراك، أُجريت لها فحوصات سريعة، لم تكشف عن أية إصابات، لكنها أيضاً لم تستجب لمحاولة إيقاظها، وظلت نائمة 4 أيام كاملة، حتى استيقظت من تلقاء نفسها، وهي تعاني فقدان ذاكرة مؤقتاً.
انتشرت الظاهرة سريعاً، حتى أصابت 129 شخصاً من أصل 680 هم سكان القرية، وفي صيف 2014، أُصيب 60 شخصاً بالنوم المفاجئ، واستيقظوا تباعاً مع فقدان ذاكرة جزئي، وغثيان ودوار، وأُصيب بعضهم بسكتات دماغية في أثناء نومهم.
مع بداية عام 2014، نام مجموعة من الطلاب بشكل مفاجئ في فصول الدراسة، على أثر ذلك بدأت الحصص الدراسية تتوقف بعد أن بدأ الأطفال يرون الهلاوس، مثل رُؤية ثلاجات تتدلى من أسقف الفصول الدراسية، وأقزام، وأفيال عملاقة، وأحصنة مُجنّحة!
من جهة اُخرى، عانى سكان القرية قلة الموارد الاقتصادية؛ نظراً لقلة الأيدي العاملة، وذلك لتزايد أعداد المصابين بنوبات النوم المفاجئ.
وقد أُصيب بتلك النوبات زوّار من خارج القرية، وتعافوا منها بمجرد خروجهم منها؛ بل إن قططاً أُصيبت هي أيضاً بالظاهرة الغريبة، فكانت تغطّ في النوم العميق لأيّام، وتستيقظ فجأة لتموء بوحشية دون أسباب واضحة.
بعد أن سُلّط الضوء على المرض، اعتقدت وزارة الصحة في كازاخستان أن السبب قد يكون الأبخرة المضاعفة التي يتعرض لها السكان في موسم التدفئة، فتصبح المنازل سيئة التهوية، لكن مع تغيّر الفصول، واستمرار الوضع على ما هو عليه، تهافتت المساعدات الطبية والعلمية للبحث في الأسباب وراء هذه الظاهرة، فأُخذت 7 آلاف عينة للدراسة من السكان، وتربة القرية وهوائها.
بعد الفحوصات، استبعد الأطباء أن يكون السبب مرض الالتهاب السحائي، عكس ما كان متوقعاً، كما أعلن العلماء أنه لا يوجد في التربة ولا في المياه ولا في الهواء ما يُجبر الناس على النوم المفاجئ.
لكن مع الأبحاث المستمرة خلال السنين الماضية، ظهرت 3 تفسيرات محتملة لهذه الظاهرة:
1- مناجم اليورانيوم المغلقة: أشارت أصابع الاتهام أولاً إلى مناجم اليورانيوم المجاورة للقرية، والتي أُغلقت في عهد الاتحاد السوفييتي.
وفحصت وزارة الصحة أكثر من 7 آلاف من المنازل المجاورة لهذه المناجم، لكنها لم تجد ارتفاعاً كبيراً بمستويات الإشعاع، ولا في المعادن الثقيلة بالهواء ولا في الأملاح.
وجد العلماء في عدد من المنازل، آثاراً لعنصر الرادون، الناتج من تحلل اليورانيوم، لكن هذه الآثار لم تكن كافية لتفسير الظاهرة، ولم يجد الأطباء أيضاً أن أعراض الظاهرة تتوافق مع التسمم الإشعاعي.
2- أول أكسيد الكربون يحل محل الأكسجين في جسم الضحايا: أجرى علماء متخصصون من معهد الإيكولجيا الإشعاعية، ومن معهد الصحة والأمراض المهنية، ومن معهد الفيزياء النووية، فحوصات على عينات مختلفة من القرية، وقد أرسلوا نتائج العينات إلى براغ عاصمة التشيك، وموسكو العاصمة الروسية، للتأكد من أن السبب قد يكون أول أكسيد الكربون.
وكانت العينات قد كشفت عن تركيزات عالية من أول أكسيد الكربون في الهواء، بنحو 10 أضعاف ما هو مسموح به في كازاخستان، وفقاً لما أشار إليه “سيرغي لوكاشينكو”، مدير المركز النووي الوطني في معهد السلامة الإشعاعية وعلم البيئة.
3- هوس العزلة قد يؤدي إلى هستيريا جماعية: عندما عجز الأطباء والعلماء عن الحصول على تفسير علمي يتوافق مع الأعراض والبيئة المحيطة للسكان، لم يبق سوى تفسير وحيد يحتاج إلى دلائل لتؤكده أيضاً، وهو الهستيريا الجماعية؛ إذ تظهر بسبب القلق طويل الأجل، ثم يتم تحويله إلى أعراض بدنية مثل الضحك، والبكاء، والنوم المتواصل، وارتعاش الأطراف، وما إلى ذلك.
وتظهر الأعراض في محاولة للسيطرة على القلق، تتكون ببطء، ثم تتطور، ويمكن أن تستمر سنوات. وتنتشر هذه الظاهرة في المجتمعات الصغيرة المُغلقة والمنعزلة، كالمدارس والمصانع، وعلى ما يبدو فإن هذه القرية تبدو بيئة مناسبة للمرض. يقول روبرت بارثولوميو، وهو متخصص في هذا النوع من الهستيريا، بجامعة نيوزيلندا: “إنهم يُعانون أعراضاً حقيقية، ولكنها ليست بسبب الإشعاع، وإنما بسبب القلق”.
ومع هذه التفسيرات الثلاثة، تبقى هي وغيرها مجرد احتمالات، ولا يوجد إجماع عليها في المجتمع العلمي، ويظل السبب إلى الآن مجهولاً.
ولم تنتظر الحكومة الكازاخستانية التوصل إلى حل اللغز؛ إذ بدأت في نقل السكان من قريتهم إلى مناطق أُخرى؛ خوفاً من تطور الظاهرة.
لكن في حال أمكن تفسير الظاهرة تبعاً للأثر النفسي، كحالة هستيريا جماعية، فستنضم إلى مفاجآت العقل البشري في التواصل، كالمشاركة الجماعية، والتأثير بأجسادنا، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة.
المصدر: هافينغتون بوست