حذر العاملون في المجال الإنساني التابعون للأمم المتحدة اليوم الجمعة من أن الأطفال “يولدون في الجحيم” في غزة، وأنه من المحتمل أن يموت العديد من الأطفال الآخرين نتيجة الظروف القاسية التي تزداد وطأتها في القطاع.
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأنه كان هناك ما يقرب من 20 ألف ولادة منذ بدء القصف الإسرائيلي واسع النطاق في قطاع غزة. وأكدت أن المشاكل المزمنة في الوصول إلى المساعدات أدت إلى إجراء عمليات قيصرية دون تخدير، بينما لم تتمكن نساء أخريات من ولادة أطفالهن الذين يموتون في الأرحام بسبب الضغط الزائد على الطاقم الطبي.
وفي المؤتمر الصحفي نصف الأسبوعي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، قالت أخصائية الاتصال في اليونيسف، تيس إنغرام عبر الفيديو من عمان “تواجه الأمهات تحديات لا يمكن تصورها في الحصول على الرعاية الطبية المناسبة والتغذية والحماية قبل الولادة وأثناءها وبعدها”. وأضافت “أن تصبحي أما يجب أن يكون وقتا للاحتفال. أما في غزة، فهو طفل آخر يولد في الجحيم”.
ومن أجل مساعدة النساء والأطفال الأكثر ضعفا في غزة، قامت اليونيسف بتوصيل تركيبة الحليب والمكملات الغذائية للأمهات اللاتي لا يستطعن الرضاعة الطبيعية، إلى جانب الإمدادات الطبية للفرق الطبية المنهكة، ولكن هناك حاجة إلى أكثر من ذلك بكثير.
وأوضحت تيس إنغرام التي عادت للتو من جنوب غزة، أن العاملين في المستشفى الإماراتي المكتظ في رفح اضطروا إلى إخراج الأمهات من المستشفى “في غضون ثلاث ساعات بعد إجراء العملية القيصرية”، وهو وضع “يفوق التصديق ويتطلب اتخاذ إجراءات فورية”.
وأضافت أن القصف المستمر والنزوح “يؤثران بشكل مباشر على الأطفال حديثي الولادة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات نقص التغذية ومشاكل النمو وغيرها من المضاعفات الصحية”. وقالت المسؤولة الأممية إنه يُعتقد أن حوالي 135 ألف طفل دون سن الثانية معرضون لخطر سوء التغذية الحاد في الوقت الراهن، وسط ظروف “غير إنسانية” بالملاجئ المؤقتة وسوء التغذية والمياه غير الآمنة.
وأضافت “رؤية الأطفال حديثي الولادة وهم يعانون، بينما تنزف بعض الأمهات حتى الموت، يجب أن يبقينا جميعا مستيقظين في الليل”. وقالت كذلك “إن معرفة أن طفلين إسرائيليين صغيرين اختطفا في 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يتم إطلاق سراحهما بعد، يجب أن يبقينا مستيقظين أيضا”.
وبدوره، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عن القلق من تأكيد حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي “إيه” في غزة. وقال الدكتور تيدروس في منشور على موقع إكس “إن الظروف المعيشية غير الإنسانية، حيث بالكاد توجد مياه نظيفة ومراحيض نظيفة و(تتعذر) إمكانية الحفاظ على نظافة المناطق المحيطة، ستمكن من انتشار التهاب الكبد A بشكل أكبر، وتسلط الضوء على مدى خطورة البيئة (هناك) بشكل هائل لنشر الأمراض”.
وتشير أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أنه في المتوسط، يتشارك 500 شخص في مرحاض واحد، ويضطر أكثر من 2000 شخص إلى استخدام حمام واحد، مما يزيد من خطر انتشار المرض. وأفادت المنظمة بأنه بالإضافة إلى الارتفاع الحاد في التهابات الجهاز التنفسي العلوي، فإن حالات الإسهال بين الأطفال دون سن الخامسة المسجلة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 كانت أعلى بـ 26 مرة مما تم تسجيله عن نفس الفترة من عام 2022.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد اليوم الجمعة في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق ياساريفيتش إن الناس يتم دفعهم إلى أماكن أصغر من أي وقت مضى، حيث يقيمون في ملاجئ مكتظة مع عدم إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة، أو إلى مراحيض.
وأضاف المسؤول الأممي أن شريحة كبيرة من السكان في غزة بمن فيهم الأشخاص الذين أصيبوا وتعرضوا للقصف، “يحتاجون إلى مساعدة طبية فورية”. وأشار إلى أن مجمع ناصر الطبي في خان يونس لم يبق فيه سوى طبيبين في قسم الطوارئ مقارنة بـ 24 طبيبا قبل الحرب، مع وجود 14 سريرا فقط للعناية المركزة اليوم، مقارنة بـ 45 سريرا، وأربعة ممرضين فقط من أصل 20 قبل التصعيد.
بدوره، أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق العميق إزاء التقارير التي تفيد بمقتل ما يقرب من 25,000 شخص، وفقا لوزارة الصحة في غزة، يُعتقد أن 70% منهم من النساء والأطفال، كما أصيب ما لا يقل عن 61,500 آخرين، في حين “يوجد عدة آلاف آخرين تحت الأنقاض، ويفترض أن العديد منهم ماتوا”.
وقال أجيث سونغاي، مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، في المؤتمر الصحفي في جنيف عبر الفيديو من رفح في غزة، إن النازحين ما زالوا يصلون إلى رفح بالآلاف.
وأضاف سونغاي “رأيت رجالا وأطفالا يحفرون بحثا عن الطوب ليتمكنوا من تثبيت الخيام المصنوعة من الأكياس البلاستيكية. هذه أزمة حقوق إنسان ضخمة. وكارثة إنسانية كبرى من صنع الإنسان. تحتاج غزة إلى زيادة عاجلة في المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الاستجابة للحماية”.
وأشار سونغاي إلى استمرار انقطاع الاتصالات لأيام، مضيفا أن هذا “زاد من الارتباك والخوف” لأنه منع سكان غزة من الوصول إلى الخدمات والمعلومات حول المكان الذي يجب عليهم إجلاؤه. وتابع المسؤول الأممي قائلا “إن البيئة هنا تشبه وعاء الضغط، وسط فوضى عارمة، نظرا للوضع الإنساني الرهيب، والنقص، وانتشار الخوف والغضب”.
ووصف سونغاي كيف أن القصف العنيف على وسط غزة وخان يونس كان “مرئيا ومسموعا بوضوح من رفح، وخاصة في الليل”. وقال إنه بعد وصوله إلى غزة يوم الاثنين الماضي، كان بإمكانه “سماع القصف أحيانا عدة مرات في ساعة واحدة”. وقال إن الليل كان “الوقت الأكثر رعبا” خلال الغارات، بالنسبة لسكان غزة.
وأشار إلى أن أكثر من 100 مدني ما زالوا محتجزين كرهائن في القطاع، والذين “لا يمكن رؤيتهم، ويسمعون بالتأكيد نفس الأصوات ويشعرون بنفس الخوف”.
وفي آخر تحديث له حول الأزمة، كرر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، المخاوف العميقة من أن بعثات الإغاثة الآمنة والفعالة في أي مكان في غزة لا تزال معرضة للخطر الشديد بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على إدخال المعدات الحيوية، بما في ذلك أجهزة الاتصالات المناسبة.
وأكد المكتب أن منع الجيش الإسرائيلي الوصول إلى المناطق الواقعة شمال وادي غزة “أعاق أيضا الجهود المبذولة لزيادة توفير المساعدة المنقذة للحياة هناك، وأضاف تكلفة كبيرة إلى الاستجابة الشاملة”.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام