اثارت زيارة الامين العام للامم المتحدة والمسؤولين الغربيين سجالات سياسية ومخاوف من نوايا مبيتة لدى المجتمع الدولي ترمي الى توطين السوريين في لبنان. يعود القلق الى التجارب السابقة التي مرّ بها لبنان مع النزوح الفلسطيني ثم الى تحوّل مؤخرا اقامة السوريين المؤقتة الى دائمة وربطها بالحل السياسي في سوريا، كما يعود القلق الى اعتبار المجتمـــع الدولــــي الســوري ” لاجئا ” وليس ” نازحا ” واستخدام ” العودة الطوعية ” وليست ” العودة القسرية ” اضافة الى اتخاذ الاتحاد الاوروبي مؤخرا قرارا يحدّ من تدفق السوريين الى دولها ( 1.39 % من اجمالي السوريين النازحين ) لقاء تقديم اغراءات مالية لدول الجوار لتنفيذ مشاريع في البنية التحتية والانماء والتعليم مع شرط ابقاء النازحين في أماكن تواجدهم ومنحهم اجازات عمل واقامات…
د. غازي وزني
يقتضي على الحكومة التعاطي بجدية مع ملف النازحين لمواجهة الاخطار والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والقانونية:
1- اقتصاديا: يقدّر البنك الدولي الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الازمة السورية والنزوح في فترة 2012 – 2015 بحوالي 13.1 مليار دولار منها 5.6 مليار دولار في عام 2015 ( حوالي 11 % من الناتج المحلي ) وتصل الخسائر حتى نهاية العام 2016 الى 20 مليار دولار.
ساهم النزوح السوري ( 1.5 مليون ) في زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 1.3 % في العام 2014 نتيجة تزايد الحركة الاستهلاكية كما ساهم في تحريك القطاع العقاري عبر شراء الشقق أو الاستئجار فضلا عن انه قام باستثمارات محدودة في قطاع التجزئة والسياحة والصناعة عبر فتحه محلات تجارية ومقاهي ومطاعم ونقل مصانعه من سوريا الى لبنان.
2- ديموغرافيا: يبلغ عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية الامم الممتحدة في نهاية العام 2015، حوالي 1.070 مليون نازح في لبنان اي حوالي 27 % من عدد السكان بينما لا يتجاوز المسجلين في الاردن 670 الف ( 11 % من عدد السكان ) وفي تركيا 1.9 مليون ( 2.5 % مــــن عدد السكان ).
ينتشر النازحون السوريون بشكل عشوائي في لبنان في اكثر من 1400 موقع وفي معظم المناطق اللبنانية مع وجود عدد كبير من هذه المواقع خارج سيطرة ورقابة الدولة مشكلة بؤرا أمنية قابلة للانفجار بينما تستضيف تركيا والاردن النازحين السوريين في مخيمات تحت رقابتها وسيطرتها. أدى النزوح السوري الى اكتظاظ سكاني في لبنان اذ ارتفعت الكثافة السكانية من 370 شخص في كل كيلو متر مربع الى 520 شخص بينما تصل الكثافة السكانية في الاردن الى 62 شخص وفي تركيا الى 100 شخص في كل كيلو متر مربع.
3- اجتماعيا: تسبب النزوح السوري بارتفاع معدلات البطالة من 11 % الى 25 % من القوى العاملة ووصل المعدل الى 34 % لدى الشباب ذلك نتيجة زيادة عدد طالبي العمل بنسبة 50 % كما تسبب باتساع العمالة غير النظامية من 50 % الى 60 % ( 92 % من العمالة السورية غير نظاميـة ) وتخفيض مستويات الاجور ( الدخل المتوسط الشهري للنازح السوري العامل 418 الف ليرة اي أقل بنحو 40 % من الحد الادنى للاجور فـــي لبنـــان البالــغ 675 الف ).
تظهر البيانات وجود 62 % من السوريين المسجلين تفوق أعمارهم 15 سنة أي يستطيعـون العمــل ( حوالي 733 الف شخص ) منهم 47 % للذكور أي 344 الف كما تظهر البيانات ان نسبة البطالة لدى السوريين تصل الى 30 % للذكور و 68 % للاناث.
كذلك تسبب النزوح السوري الى زيادة الفقراء في لبنان حوالي 160 الف نسمة من 28 % الــــى 32 % من اللبنانيين مع الاشارة الى انتشار اعداد ضخمة من النازحين في المناطق الحدودية التي تعاني مشاكل اجتماعية وتنموية ( البقاع وشمال لبنان ) في المقابل تصل نسبة الفقراء لدى النازحين السوريين الى 70 %.
4- قانونيا: يقتضي على لبنان تحديد الهوية القانونية للسوري لديه ( لاجئ أو نازح ).
لم يوقع لبنان على معاهدة الامم المتحدة لعام 1951 او على البروتوكول لعام 1967 الخاصة باللاجئين ولكنه في المقابل وافق على ان تسجل المفوضية للامم المتحدة اللاجئين لديها ما قد يترتب على لبنان مستقبلا مسؤوليات وأعباء وواجبات حيالهم لا سيما ان المفوصية تتعامل معهم على اساس انهم لاجئون وليسوا نازحون.
ان اعطاء صفة اللاجئ في بلد ما يرتب على سلطات ذلك البلد واجبات وحقوق حيالهم كما ترتب اعباء انسانية واقتصادية واجتماعية ومسؤولية حمايتهم وتوفير الملجأ والامن والظروف الملائمة لمعيشتهم. يعطي اللجؤ حقوقا وامتيازات للاجئ تتساوى مع مواطنين دول اللجؤ كما تفرض على الدولة واجب احترام مبدأ ” عدم الابعاد ” حتى انتفاء اسباب اللجؤ.
تفيد التقارير الدولية ان 60 % من النازحين السوريين يعود سبب نزوحهم الى الاشتباكات وانعدام الامن في مناطقهم وحوالي 32 % لاسباب سياسية . لذلك فان عودة النازحين السوريين الى سوريا لن تكون قريبة وهي مرتبطة بالاحداث الامنية والسياسية في سوريا.
5- ماليا: يعود ضعف المساعدات الدولية الى صعوبة المنظمات الدولية تحديد اعداد النازحين وحاجاتهم في ظل عدم وجود مخيمات للنازحين على غرار الاردن وتركيا، والى انقسام افرقاء الحكومة حول طريقة تعاطيهم مع ملف النازحين، والى الهدر وعدم الشفافية في استخدام المساعدات بين بعض المنظمات الدولية والجهات اللبنانية.
بلغت المساعدات الدولية للبنان في فترة 2011 – 2015 حوالي 3.3 مليار دولار وتمثل حوالـــي 40 % من احتياجاته ويقدر ان يحصل في العام الحالي على حوالي المليار دولار بينما تتجاوز احتياجات النزوح 2.4 مليار دولار.
تظهر البيانات وجود 53 % من النازحين تقل أعمارهم عن 18 سنة أي يحتاجون الى العناية الصحية ووجود 33 % من النازحين تراوح أعمارهم بين 5 و 17 سنة أي حوالي 384 الف في عمر الدراسة.
في المقابل حصلت تركيا مؤخرا عبر ابتزازها المجتمع الدولي بفتح حدودها لانتقال النازحين الى أوروبا على مساعدات مالية بقيمة 3 مليار يورو اضافة الى الغاء التأشيرات لمواطنيها لدخول الاتحاد الاوروبي…
6- التوصيات: ستكون اقامة النازحين السوريين في لبنان طويلة الامد بانتظار الحل السياسي والاعماري في سوريا. لذلك يقتضي على الحكومة:
– تحديد الاطار القانوني للسوريين في لبنان ( نازح أو لاجئ )
– انشاء مخيمات للنازحين السوريين في الاراض السورية القريبة من الحدود اللبنانية تكون تحت رعاية الامم المتحدة وتمويلها ويتم ذلك بالتنسيق مباشرة أو غير مباشرة مع السلطات السورية.
– اعتماد السلطات اللبنانية على مقاربة تنموية للنازحين السوريين في المناطق تساهم في تحريك الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل وتعزيز التضامن الاجتماعي
– انشاء صندوق العودة: تتولى الدول المانحة تمويله وترمي الى تشجيع العودة الامنة للنازحين السوريين الى وطنهم عبر اعطائهم منحا مالية.
المصدر: خاص