حدث هذا في 13 تشرين الأول/اكتوبر هذا العام. حدث على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تحديداً أطراف قرية علما الشعب الجنوبية. هناك سقطت قذيفة “من مكان ما”، إذ إن كثيرين تقصدوا تجهيل الفاعل، سقطت على رؤوس صحافيين من وسائل إعلامية مختلفة كانوا يقومون بواجبهم المهني في نقل أحداث المواجهة بين المقاومة والعدو الاسرائيلي.
حدث هذا فعلاً، بالصوت والصورة. استشهد المصور الزميل عصام عبدالله وجرح آخرون. وفي وقت كان من المفترض فيه التعامل مع الأمر كجريمة حرب والذهاب فوراً إلى اجراءات التحقيق والمحاكمة، أي بدل أن يكون السؤال ما المسار الفعلي الذي يجب سلوكه لحماية الصحافيين في هذه الحرب، وذلك لا يكون طبعاً إلا من خلال ردع الجاني ومحاسبته، بات السؤال من هو الجاني؟ وهذا يعكس عدم وجود نية لأي تحقيق رسمي يليها محاكمة جدية، إنها ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بـ “اسرائيل” وهو ليس بجديد.
إنها الازدواجية نفسها التي قتلت لاحقاً وتقتل عشرات الصحافيين في غزة، وآلاف الأبرياء والأطفال، واستهداف المستشفيات، والكثير، إنه المسار الذي سمح للعدو أن يقتل بعد عصام الزيميلين فرح عمر وربيع المعماري.
بعد مرور شهر ونصف تقريباً على الجريمة عينها، في وقت لم تتحرك فيه أي هيئة قضائية دولية للقيام بأي تحقيق، صدرت نتائج تحقيق أجرته على مدار أسابيع وكالة فرانس برس مع منظمة Airwars.
التحقيق الذي قام على تحليل قطعة من قذيفة وعشرات مقاطع الفيديو والصور، فضلًا عن صور أقمار اصطناعية ومقابلات مع شهود، خلص إلى أن العدو الاسرائيلي هو من استهدف الصحافيين، حيث “عُثر على قطعة من قذيفة بين الحجارة المتناثرة قرب جثة عبد الله، وهي ناتجة عن الضربة الأولى التي قتلت عبد الله وأصابت عاصي”. وقد عرض التحقيق صور القذيفة على ستة خبراء أسلحة أجمعوا على أنها قذيفة دبابة من عيار 120 ملم بزعانف للتثبيت، تستخدمها “إسرائيل” من دباباتها من نوع ميركافا، ولا يوجد في المنطقة أي مجموعة عسكرية تستخدم هذا النوع من الأسلحة، وفق الخبراء.
في المقابل، لم يردّ جيش العدو الإسرائيلي على سؤال “فرانس برس” حول نتائج التحقيق الذي أجرته.
وخلص تحقيقان منفصلان أجرتهما كلّ من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن “الضربة إسرائيلية”، لافتين إلى أنه “وإن كان لا يمكن تحديد أي دبابة أطلقت القذيفة، فقد أظهر التحقيق أنها أُطلقت من موقع عسكري قريب من موقع الجرداح الإسرائيلي إلى جنوب شرق التلة التي كان الصحافيون عليها، وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أن الدبابات الإسرائيلية كانت تعمل من ذلك الموقع في حينه”.
ماذا بعد هذه التحقيقات؟
السؤال الآن: بعد النتائج المعلنة من قبل هذه الجهات استناداً إلى الأدلة العلمية، هل من الممكن أن يُبنى عليها لجرّ المسؤولين في كيان الاحتلال إلى المحاكمة؟
هنا تحضر ازدواجية المعايير مجدداً، إذ إنه وبالرغم من هذا “المسار المفيد” الذي قامت به هذه الجهات، إلا أن ما نتج عنه يصطدم بواقع مؤسف، تحدث عنه المتخصص في العدالة الجنائية د. عمر نشابة في مقابلة مع “موقع المنار”.
نتيجة لذلك، لا بد من البحث عن بدائل لرفع صوت المظلومين والمستضعفين، ولو بعيداً عن هذا النظام الدولي وقوانينه، التي يستثنى منها العدو. فمن هو البديل؟
من الواضح أن العداون الأخير غير المسبوق على قطاع غزة، وضع كل القوانين الدولية أمام تساؤلات كبرى حول جدواها، في وقت قد يقوم جيش بارتكاب المئات من جرائم الحرب في فترة زمنية قصيرة وبشكل موثق بالصوت والصورة، ولا تتم مساءلته، بل تجند كل الوسائل لتعميم سرديته. لقد كسر الأخير كل الخطوط الحمراء، فعلى من يعوّل أهل الحق والحقيقة؟
المصدر: موقع المنار