في 31 تشرين الأول/اكتوبر، أي في اليوم الخامس والعشرين من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، والذي جاء عقب العملية البطولية “طوفان الأقصى” التي شنّتها كتائب عز الدين القسام في السابع من تشرين الأول/اكتوبر، أعلن اليمن بشكل رسمي (شنّ عمليتين قبل ذلك نصرة لقطاع غزة)، أنه جزءٌ من هذا الطوفان العظيم.
الإعلان الرسمي جاء على لسان المتحدث بإسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، أن “القوات المسلحة اليمنية أطلقت دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة على أهداف مختلفة للعدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة”، مؤكداً أن “هذه العملية هي العملية الثالثة نصرة لإخواننا المظلومين في فلسطين، وأن القوات اليمنية مستمرة في تنفيذ المزيد من الضربات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيرة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي”.
أكد اليمن منذ بداية الحرب أن عملياته العسكرية والاستراتيجية ستكون ضمن مسار تصاعدي، وفي هذا السياق جاء كلام قائد حركة “أنصار الله” السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي معلناً أن بلاده لن تردد في فعل “كل ما يستطيع، وكل ما يمكنه عمله، إذا تدخل الأميركي، وتم تجاوز الخطوط الحمر… عبر الصواريخ والمسيّرات وكل ما نستطيع”.
وهذا ما حدث. ففي الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر أعلنت “أنصار الله” بدء مرحلة جديدة من استهداف كيان الاحتلال، والمتمثلة “باتخاذِ كافةِ الإجراءاتِ العمليةِ لتنفيذِ التوجيهاتِ الصادرةِ بشأنِ التعاملِ المناسبِ مع أيّ سفينةٍ إسرائيليةٍ في البحرِ الأحمر”، حتى توقف الحرب على غزة، معلنة في الوقت ذاته تنفيذ عمليتين عسكريتين على أهداف حساسة في إيلات في الأراضي المحتلة. لتعلن الحركة بعدها بأسبوع تقريباً أنها ستقوم باستهداف جميع أنواع السفن التي تحمل علم الكيان الصهيوني، التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، والتي تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، داعيةً جميع دول العالم إلى “سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن، تجنب الشحن على متن هذه السفن أو التعامل معها، إضافة إلى إبلاغ سفنهم بالابتعاد عن هذه السفن”.
سريعاً، نفذ اليمن تهديده. قام الأخير بعمليةً عسكريةً في البحرِ الأحمرِ كان من نتائجِها الاستيلاءُ على سفينةٍ إسرائيليةٍ واقتيادُها إلى الساحلِ اليمنيِّ. وفي الثالث من الشهر الحالي، استهدفت القوات البحرية اليمنية سفينتينِ إسرائيليتينِ في بابِ المندب وهما سفينة “يونِتي إكسبلورر” وسفينة ” نمبر ناين”، معلنة استمرارها في “منعِ السفنِ الإسرائيليةِ من الملاحةِ في البحرينِ الأحمرِ والعربي حتى يتوقفَ العُدوانُ الإسرائيليُّ على إخوانِنا الصامدين في قطاعِ غزة”.
أهمية وتأثير ودلالات الانخراط اليمني في الحرب
لتوضيح هذه النقطة لا بد من الإجابة أولاً عن السؤال التالي: لماذا يملك البحر الأحمر وباب المندب هذه الأهمية والتأثير على أكثر من صعيد؟
بالنسبة للبحر الأحمر، فإن الأخير يعتبر بمثابة شريان مائي عالمي يستمد أهميته الإستراتيجية من موقعه الجغرافي الذي وفر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلسي عبره، وزادت هذه الأهمية بعد اكتشاف النفط في دول الخليج العربية.
لهذا البحر أهمية إستراتيجية للأمن القومي العربي والأفريقي والأمن العالمي. يعتبر قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة ومن هنا تزيد أهميته الإستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو الأمنية. وهو الطريق الرئيسي الذى يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر وأيضاً نقل نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأميركية عبره.
وللبحر الأحمر دوره في التجارة الدولية بين أوروبا وآسيا وتقدر السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر سنوياً بأكثر من عشرين ألف سفينة. وتقع ثروات قاع البحر الأحمر في نطاق المنطقة الإقتصادية للدول المطلة عليه، إذ يمثل العمق الإستراتيجي لكل من السعودية ومصر.
ويختصر البحر الأحمر المسافة بين الشرق والغرب ويُتاخم الكثير من المناطق الحساسة ذات التأثير الحيوي مثل منابع النيل وروافده والأماكن المقدسة الإسلامية.
ويوجد في هذا البحر العديد من الجزر والخلجان ذات الأهمية الاستراتيجة. فخليج السويس ممر ملاحي مهم وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس وفيه معظم آبار النفط المصرية ومدخله مضيق مهم هو مضيق جوبال.
أما مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر فيمتد في المياه الإقليمية لثلاث دول هي اليمن وجيبوتي وإريتريا ويستمد أهميته من أنه المنفذ الوحيد المتحكم تماماً في البحر الأحمر من الناحيتين العسكرية والتجارية.
ماذا عن أهمية البحر الأحمر في ما يتعلق بأمن الكيان الإسرائيلي؟
هنا نذكر أن العدو ركز في نظرية أمنه القومي على البحر الأحمر، بوصفه يقع ضمن اتجاهها الاستراتيجي الجنوبي ليشمل الدول العربية المشاطئة له ودول القرن الأفريقي المتحكمة في مدخله الجنوبي، بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل.
لذلك خطط كيان الاحتلال منذ نشأته للسيطرة على البحر الأحمر بجميع منافذه وإقامة ما يسمى “إسرائيل” الكبرى “الممتدة من النيل إلى الفرات”. وفي إطار المنظور الإسرائيلي فالبحر الأحمر ممر مائي دولي ينبغي أن يظل مفتوحا ًلسفن الدول جميعاً بما فيها “إسرائيل” وهم يقولون إنه “لا حق للعرب في السيطرة أو تقييد حرية الملاحة فيه”.
يشكل البحر الأحمر عاملاً أساسياً للأمن القومي العربي كونه منطقة الصراع العربي الإسرئيلي وبؤر الصراع الأخرى في المحيط الهندي والخليج العربي. وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، حيث عززت الولايات المتحدة الأميركية بثقلها في منطقة البحر الأحمر بحجة حماية طرق الملاحة الدولية في إطار حملتها الدولية على ما يعرف بالإرهاب.
ويمكن القول إن العدو كان المستفيد الأول من ذلك، حيث ألقى بكل ثقله في ما يُسمى “الحرب ضد الإرهاب” وأصبح هناك تمركز إسرائيلي إلى جانب التمركز الأميركي في الصومال وجيبوتي، خصوصاً بعد تفجير الفندق المملوك لـ “إسرائيل” في مومباسا في كينيا، مما أعطى الأخيرة الذريعة في البقاء في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
من هنا كانت السيطرة على البحر الأحمر هدفاً للسياسة الصهيونية.
وقد احتلت “إسرائيل” مرفأ إيلات (أم الرشراش)في آذار مارس 1949 بعد توقيع اتفاقية رودس ليكون مدخلها إلى خليج العقبة والبحر الأحمر لإقامة العلاقات مع الدول الأفريقية والآسيوية.
ونجحت في استثمار علاقتها مع أثيوبيا قبل إنفصال إريتريا عنها، في الحصول على جزيرة دهلك في البحر الأحمر عام 1975، كي تُقيم عليها أول قاعدة عسكرية. وتلا ذلك استئجار جزيرتي “حالب وفاطمة”، ثم سنشيان ودميرا.
وأكدت مصادر دبلوماسية غربية في أسمرا وأديس أبابا وجود طائرات إسرائيلية مجهزة بمعدات تجسس متطورة في دهلك مما يحقق لها الإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومراقبتها من الجنوب حتى إيلات، وتأمين التحرك التجاري الإسرائيلي وضمان إغلاق باب المندب في وجه العرب في أي وقت، حسب المصادر.
هذه الأهمية عكستها ردود الفعل في أوساط العدو على التصعيد اليمني خلال الحرب الحالية، إذ رأت وسائل إعلام العدو أن “المحاولات من اليمن ستستمر رغم كل طبقات الحماية والطائرات الحربية التي تجري دوريات في البحر الأحمر”، لافتة إلى أنه “بعد الهجمات اليمنية يظهر أنّ السعودية على الرغم من كل الدعم الأميركي لم تأخذ شيئاً من “أنصار الله””.
وقال يوئيل جوزانسكي، الباحث البارز في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي “أعتقد أن الناس لا يتحدثون بما فيه الكفاية عن التهديد الحقيقي الذي يشكله الحوثيون على “إسرائيل”: الحد من حرية الملاحة”، موضحاً أن “معظم التجارة الإسرائيلية ترتبط بالبحر. إن استهداف ذلك يمكن أن يؤدي ليس فقط إلى رد فعل إسرائيلي، بل إلى رد فعل عربي وغربي أيضًا”.
وتابع جوزانسكي بالقول “لديهم ترسانة من الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى صواريخ كروز والصواريخ الباليستية لكن من الصعب جدًا على “إسرائيل” الرد على تهديد على بعد 2000 كيلومتر”.
من جهتها، كتبت “صحيفة معاريف” الاسرائيلية أنه “مثلما تحاول “إسرائيل” احتواء ما يحدث على الجبهة الشمالية حتى لا تلحق الضرر بالجهد الرئيسي في قطاع غزة، فمن المرجح أن تكون هذه أيضاً الاستراتيجية في التعامل مع هذا التهديد، لكن يبدو أن هذا التهديد لا يزال متوقعا أن يرافق “إسرائيل” حتى بعد انتهاء القتال، ولذلك من المناسب ان تبلور من الآن سياسة واستراتيجية للتعامل مع هذا التهديد”، مضيفة أن
“التطورات الأخيرة في جنوب البحر الأحمر تتطلب من المؤسسة الأمنية والعسكرية والذراع البحرية الإسرائيلية تقدير وضع فيما يتعلق بطريقة العمل التي يجب اعتمادها لمنع مثل هذه العمليات في المستقبل. يجب على إسرائيل مراقبة التغيرات التي تتشكل في هذه المناطق، وبلورة سياسة تتعلق بمجالات التجارة البحرية، وحرية الملاحة وأمنها، واستغلال المجال البحري لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وكذلك دراسة سياسة بناء القوة البحرية وتشغيلها في ساحة البحر الأحمر، والتي تزداد أهمية”.
نير غولدشتاين، مدير عام معهد GFI،(The Good Food Institute Israel)، في محادثة مع صحيفة “إسرائيل هيوم”، قال إنه “يتم استيراد أكثر من 70٪ من طعامنا عن طريق البحر، وبشكل رئيسي 85٪ من الماشية. إنها تصل إلينا بسفن، عبر موانئ إيلات وأشدود وحيفا. هذه الموانئ الثلاث أو الطرق المؤدية إليها مهددة من قبل أعدائنا، ويجب أن نستعد لذلك. الحوثيون يهددون الدخول إلى البحر الأحمر، الذي تصل إلينا عبره السفن القادمة من أستراليا التي تحتوي على 15٪ من واردات عجول اللحم إلى إسرائيل”.
وفي السياق نفسه، أوضح غولدشتاين أن “القلق الاقتصادي هو من الآثار الواسعة على الشحن البحري إلى “إسرائيل””، مشيراً إلى أنه “في أعقاب الحرب، كانت هناك بالفعل زيادة كبيرة في أسعار الشحن الجوي بسبب التأثير على رحلات الشركات الأجنبية إلى “إسرائيل”، مضيفاً أن “الخشية الحالية هي من زيادة موازية في تكلفة الشحن البحري أيضاً إلى “إسرائيل”، بسبب الزيادة في تكلفة التأمين أو إلغاء خطوط إلى إسرائيل. الزيادة في أسعار الشحن لها تأثير على غلاء المعيشة – في غلاء البضائع المستوردة وفي التأخير المحتمل لمواعيد الشحن، إذ إنه قد يكون هناك تأثير سلبي على مواعيد التسليم وتكاليف مجمل المنتجات المستوردة، وقلق خاص على المنتجات التي تصل إلى الكيان عبر البحر الأحمر إلى ميناء إيلات، وخاصة المركبات من موانئ الشرق”.
قانون
يُذكر أنه في سياق المواجهة التي يخوضها اليمن، وقع رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن مهدي المشاط على قانون حظر وتجريم الاعتراف بكيان العدو الصهيوني والتطبيع معه.
وشدد المشاط على أن القانون سيتيح لليمن التحرك بفاعلية أكبر وبشكل رسمي في مواجهة الكيان الصهيوني ودعم الشعب والمقاومة الفلسطينية.
كما أكد الرئيس المشاط على أن “موقف اليمن في مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لا تراجع عنه”، مضيفاً “مستمرون في استهداف الكيان الصهيوني بكل الطرق الممكنة حتى يتوقف عدوانه والإبادة الجماعية للأشقاء في غزة”.
المصدر: موقع المنار