في ظل كل ما يجري في الاقليم من تطورات مصدرها العدوان الصهيوني على قطاع غزة، عادت الاوضاع الداخلية اللبنانية لتحتل مساحة من الاهتمام المحلي بشكل واضح مع بروز عودة الاهتمام الخارجي والاقليمي لا سيما فيما يتعلق بموضوع الفراغ الرئاسي او المفترض ان يتمدد الى مناصب قيادية عليا كقيادة الجيش اللبناني.
وبالسياق، تطرح مسألة تجنب الفراغ في قيادة الجيش من بوابة البحث عن حل، يتمحور حتى الساعة بين إمكانية التمديد للقائد الحالي العماد جوزيف عون(الذي يحال الى التقاعد في العاشر من شهر كانون الثاني/يناير 2024) او تعيين قائد جديد او استلام الضابط الاعلى رتبة المهام بما يضمن حسن سير المرفق العام وعدم تعطله أيا كانت الظروف.
وبالإطار ذكرت بعض الصحف اللبنانية ان “السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا تعمل للتمديد لقائد الجيش باعتبار هذا الحل هو الحل الأمثل في ظل الظروف الحالية، سواء المتعلقة بالوضع في المنطقة أو بالمؤسسة العسكرية نفسها”، ولفتت الى ان “شيا تمارس ضغوطا ليس فقط على القوى الحليفة لها، بل أيضاً على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يؤكّد أنه لا يمانع التمديد لعون، لكن يشير إلى أن هناك حاجة إلى شبه إجماع داخلي عليه، أو إلى تخريجة قانونية غير متوفرة حتى الآن”.
هذا وكشفت المصادر الصحفية أن “السفير السعودي في لبنان وليد البخاري التقى عون وأبلغه بأن الرياض تدعم بقاءه في منصبه، ولا تمانع وصوله إلى رئاسة الجمهورية”، وتابعت “البخاري قال لقائد الجيش، صراحة، إن السعودية لا تزال تعمل وفق قرار عدم التورط في أي عملية سياسية لبنانية داخلية، لكنه لفت إلى أن حلفاءنا، مثل القوات اللبنانية وغيرها، يقفون إلى جانبكم”، وأشارت الى ان “الموفد القطري الى لبنان شدد على ان وضع المؤسسة العسكرية لا يحتمل فراغاً في منصب القائد، وطالما أن هناك مشكلة سياسية أو قانونية في تعيين بديل، فإن الأفضل التمديد له، وفي هذه الحالة لن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية”.
أما بالبحث في المخارج الممكن للإشكالية المطروحة، فقالت المصادر الصحفية “يبدو أنه تمّ استبعاد فكرة مشاركة وزير الدفاع موريس سليم في اجتماع الحكومة حاملاً مقترحاً لتشكيلات جديدة لقيادة الجيش تشمل القائد وأعضاء المجلس العسكري”، ولفتت الى ان “رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لا يزال يعترض على حضور سليم مجلس الوزراء، وإن لدى التيار الرد القانوني على أي محاولة لتجاوز الوزير في تعيين قائد جديد أو التمديد للقائد الحالي”، وأكدت أن “أي قرار يتجاوز وزير الدفاع سيتم الطعن فيه وإبطاله قانونياً، وبالتالي، لن يتعامل مع أي نتيجة لقرار حكومي يتجاوزه، وسيلجأ إلى رفض التعامل مع أي مذكّرات إدارية تصدر عن قائد ممدّد له أو قائد معيّن من دون موافقته”.
يذكر انه وفقا للمادة 25 من قانون الدفاع الوطني يعين قائد الجيش اللبناني من بين الضباط العامين، المجازين بالأركان الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، أي ان تعيين قائد الجيش يجب ان يمر حكما عبر اقتراح وزير الدفاع ولا يمكن تجاوزه بهذا الشأن.
إلا ان هناك من يتحدث عن مخارج اخرى للاشكالية المطروحة، تشبه ما جرى في حاكمية مصرف لبنان وقيادة المديرية العامة للامن العام حيث تم استلام الموظف الاعلى لمهام الحاكم او مدير الامن العام، وبالتالي يجب تطبيق نفس الامر في قيادة الجيش، ما يعني انه -انطلاقا من هذا الرأي- يجب تعيين رئيس جديد للأركان يتولى قيادة الجيش في حالة الشغور، في حين انه يوجد رأي قانوني وسياسي “يطالب بالتمديد لقائد الجيش الحالي او تأجيل تسريحه مدة من الزمن باعتبار ان الاوضاع الحالية لا تسمح بحصول هذا الفراغ، وذلك عملا بما تتطلبه المصلحة العامة للبلد والمؤسسة العسكرية”.
وبالإطار، أشار الخبير الدستوريّ الدكتور جهاد اسماعيل، في حديثٍ لموقع المنار، إلى أن “صدور التمديد لقائد الجيش عن مجلس الوزراء هو، بمقتضى الحال، صدوره عن سلطة غير مختصة، وإلغاءٌ للموجب القانوني في المادة ٥٦ من قانون الدفاع الوطني لجهة شرط السن القانونية للعماد وغيره من الضباط، وبالتالي أيّ تأجيل لتسريح ضابط في الجيش يجب أن يقترن بحالتين لا ثالث لهما: وجود اعتلال صحي، قرار وزير الدفاع بناءً على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب او الطوارئ او تكليف الجيش بالمحافظة على الأمن، وهما حالتان غير متوفرين”.
وأضاف اسماعيل ان “إصرار مجلس الوزراء على تمرير التمديد بمرسوم صادر عنه، وهو، على أي حال، غير قانوني، من دون أن يقترن بتوقيع وزير الدفاع هو عيبٌ دستوري، ذلك ان المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء المناطة به مؤقتا صلاحيات رئيس الجمهورية يجب ان تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء وان تحمل على الاقل اضافة الى توقيع رئيس مجلس الوزراء توقيع الوزير المختص كما لو كان المرسوم صادرا عن رئيس الجمهورية وذلك عملا بصراحة احكام المادة 54 من الدستور، ما يعني أن توقيع وزير الدفاع إجراء جوهري يؤثر على صحة ودستورية المرسوم، وبالتالي يشكّل غيابه سبباً رئيسياً لبطلان المرسوم، وهو أمرٌ كان قد أكّده مجلس شورى الدولة في القرار ١٣٣/١٩٩٧، عندما قال بموجب هذا القرار بأن توقيع الوزير المختص ليس أمراً شكلياً لازماً فحسب بل أنه من المقومات الجوهرية لتكوين المرسوم لتعلقه بالصلاحية، وخلو المرسوم من توقيع الوزير المختص يجعل من هذا المرسوم عملاً ادارياً باطلاً لصدوره عن سلطة غير صالحة”.
وعن الاقتراح الذي تقدّم به نواب تكتل “الجمهورية القوية”، قال اسماعيل “هو اقتراح لتعديل فئة واحدة من الفئات المشمولة في المادة ٥٦ من قانون الدفاع الوطني وتمييزها عن سائر الضباط، وانطباقها، بالنتيجة، على فرد واحد دون سواه، بما يخالف شروط التجرّد والعموميّة في التشريع الّتي أكدها المجلس الدستوري في القرار رقم ٢/٢٠١٧، لأنّ نيّة المشرّع، في هذا الاقتراح، اتجهت نحو تمديد ولاية قائد الجيش حصرا”.
المصدر: موقع المنار + الصحف اللبنانية