يا لثقل هذه الأيام وما حملت وتحمل وستحمل في رأسك يا بيبي*. من البديهي أنها أدّت بك إلى الدوران حول نفسك، الدوران والدوران حتى السقوط في متاهات السؤال الكبير: أين خشبة الخلاص؟ ربما تكون قد طرحته على سارة زوجتك التي سبق أن سقطت معك ايضاً في حفرة الفساد، لكنكما وجدتما إلى حد ما سبيل الخروج منها ولو دوساً على “ديمقراطية” الكيان، فلتذهب كلها إلى الجحيم، فأنت يا بيبي بعضُ ما تبقى من زمنه الجميل ولا بأس بكل ذلك.
لكن سارة تدور حول نفسها ايضاً، أليس كذلك؟ ومعكم في حلقة الدوران عينها وزير حربك (سنتحدث عن حربك) يوآف غالانت وهرتسي هاليفي رئيس أركان جيشك “الذي لا يقهر” تماماً كالأبطال الخارقين في أفلام هوليوود الشهيرة، أي منها تفضل بالمناسبة؟، حتى زعيم المعارضة يائير لبيد الذي لم ترقه يوماً والذي دعاك إلى التركيز أكثر في إدارة حربك (سنتحدث عنها) يدور ايضاً في متاهة الخلاص، الكل يدور يا بيبي، كل من في كابينيت الحرب الذي شكلته في 11 تشرين الأول/اكتوبر، كل من في “الكيبوتس” (كم بقي هناك بالمناسبة؟)، كل من في ايلات وحيفا وكريات شمونة وسديروت وعسقلان والقدس وجنين ونهاريا، كل من في غوش دان وغوش عتصيون، والجليل، لعله أمرٌ شبيه بما يُسمى دوران البحر، ألم يضربكم الطوفان منذ شهر تقريباً، في صباح السابع من تشرين الأول/اكتوبر؟ حقاً يا لهول ما حدث يا بيبي؟ يا لثقل تلك الساعات.
لنتحدث عن حربك. هنا الثقل القاتل، وهنا تعود لطرح السؤال “أين خشبة الخلاص؟”. أعتقد أنك طرحته، منذ اتصالك الأول مع صديقك وداعمك جو (رئيس الولايات المتحدة الأميركية) ، عقب الطوفان، وبعدها مضيتما معاً إلى الحرب الكبرى، وفي الأفق هدف أكبر: عودة الردع وعودة جيش لم يكن يقهر، ومرّت الأيام والأسابيع، وأصبح ذلك الهدف شجرة هزيلة تسلقتها وسط طوفان عظيم لا ينضب رغم كل النار التي تكلفكم يومياً 260 ميلون دولار، رغم خسائر اقتصادية قدرت بخمس مليارات شيكل يومياً، رغم مئات القتلى من جنودكم، رغم قتل أكثر من أربعة آلاف طفل فلسطيني، هم جزء من أكثر من احدى عشر ألف “ارهابي” ادعيتم قتلهم حتى اللحظة، رغم إغلاق الأبواب وقطع المياه والكهرباء والوقود والطعام، رغم قصف مستشفى المعمداني، رغم اجتياح غزة، وإذ بك تقول لجو: أريد النزول فأين خشبة الخلاص؟ هل لذلك قررتما اقتحام “مستشفى الشفاء”، إذ إن الجهود الاستخباراتية أكدت أن قيادة الطوفان تمكث هناك بشكل أساسي، إضافة إلى مستشفيات أخرى حولوها مقرات لهم ومخابئ لأسراكم، يا لانعدام الانسانية لديهم!
مضيتم إليها. أيامٌ من الاشتباكات والقصف العنيف، سبقها أيامٌ من التصريحات والأحاديث المطولة عن شبكة أنفاق معقدة أسفل المجمع الطبي الأكبر في القطاع، وعن مخازن سلاح، ورجال ملثمين، تسمر العالم خلالها أمام الشاشات ينتظر وينتظر حتى استفاق صباح الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر على جندي من جيشك يعلن عن انجاز هو الأهم في تاريخ الحروب: جعبة تحمل اسمهم “حماس”، كلاشينكوف وحاسوب قادوا من خلاله شهراً من المعارك والتصدي، وبعض العتاد، أين الرهائن بالمناسبة؟
هل تذكر كولن باول يا بيبي؟ إن لم تفعل فقد فعلنا. إنه الشريط نفسه. لا بأس سأحدثك عنه سريعاً. بالمناسبة فإن صديقك جو يعرف باول جيداً، يمكنك القول بأنه استلهم “سيناريو الشفاء” من قصته: في الخامس من شباط/فبراير عام 2003، وقف وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول أمام مجلس الأمن، قائلاً “ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”. كان ذلك الخطاب بمثابة إعلان صريح لغزو ذلك البلد الذي تم في 19 آذار/مارس 2003، بعدها لم ير أحد أي أسلحة للدمار الشامل، انسحب الجيش الأميركي بعد ستة عشر عاماً وسبقته آلاف الصناديق المحملة بالجثث.
- “بيبي” هو لقب يُطلق على رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
المصدر: موقع المنار