فنّد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ما قام به الوفد اللبناني الرسمي برئاسته في المؤتمر العام للاونيسكو في باريس واعتبر ان:”لبنان مازال ضمير العرب ومرآة كرامتهم في زمن امتهان الكرامات وزمن الإذعان والسكوت والتطبيع المذلّ.” كلام الوزير المرتضى جاء في مقال له تحت عنوان “مجدنا زائل وفلسطين باقية-تقرير عن أعمال الوفد اللبناني الرسمي في المؤتمر العام للاونيسكو قي باريس” جرى نشره اليوم في جريدة الجمهورية وتضمّن الآتي:
” مجدنا زائل وفلسطين باقية
( تجربة الوفد اللبناني الرسمي في الأونيسكو-باريس)
لبنان مازال ضمير العرب. ما زال مرآة كرامتهم في زمن امتهان الكرامات وزمن الإذعان والسكوت والتطبيع المذلّ. كل المخطط الصهيوني بُنيَ على مدماك واحد هو تغييب فلسطين من الوجدان ومتى يرضخ الوجدان بالنسيان والتيئيس تمّحي الإرادة وتتحول أحلام الحرية إلى أضغاث أحلام.
عندما نقول مقاومة نقول بدءًا كلمة لا. أكثر الكلمات جرأةً في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي وما يرافقه من إضطهاد وتنكيل ومصادرة أراضي فلسطين وقضمها وتهويدها. خمسٌ وسبعون سنة من السّبي والعنصريَّة والإعتقالات التعسفية. كلّ ذلك أدى إلى طوفان الأقصى الذي خلخل أقفال السجون وفتح الزنازين الكبيرة على الوطن الفلسطيني.
في غزّة يسطّر الأبطال ملحمة ستعلّمها معاهد العلوم العسكرية لمئات قادمة من السنوات وهنا في لبنان مقاومة باسلة تُعمي العدو وتشغله وتصطاده كما يُتَصَيَّدُ البطّ على حد تعبير العدو. وهنا في لبنان معركة الكلمة إنما الكلمة الحرة التي بدأت في لبنان واستُكمِلَت في باريس خلال انعقاد المؤتمر الثاني والأربعين لمنظمة الأونيسكو التي شهدت معركة حامية الوطيس بين مشروعَين منذ أيام. مشروع الصحوة العربية من أجل غزّة قدّمته اليمن تحت عنوان ” تأثير وعواقب الوضع الراهن في قطاع غزة- فلسطين في ما يخص جميع جوانب مهمة اليونسكو” وبين محاولات أميركية مستميتة بقيادة سفيرة الولايات المتحدة لدى اليونسكو ميشال سيسون بحضور 194 دولة فكانت النتيجة وبفضل لوبي لبناني مهني ومنظّم قادته وزارة الثقافة 96 صوتًا لمصلحة مشروع القرار العربي مقابل 8 أصوات ضدّه وبامتناع 33 دولة عن التصويت.
المتصهينون بين وفود الدول المشاركة استماتوا لتشويه مشروع القرار عبر تقديم مشروع مضاد يشطب إسم فلسطين من مشروع القرار العربي الأساسي عبر إضافة فقرات تتهم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتنادي بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وبإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من دون قيد أو شرط.
تصدّى وفدنا لهذه المساعي على مدى يومين ماراتونيَّين كاملين لا سيما من خلال معركة إدراج البند العربي على جدول أعمال المؤتمر العام حيث أوعزنا إلى مستشارنا روني ألفا القيام بمداخلة مضادة لمحاولات الولايات المتحدة وحلفائها من الدول في اليونسكو تأجيل إدراج مشروع القرار تمهيدًا لتطييره نهائيًا من جدول أعمال المؤتمر فاعتبر مستشار الوزارة أنَّ كل النظم الأخلاقية التي قامت عليها اليونسكو منذ تأسيسها في العام 1945 هي على المحك اليوم وأن مشروع القرار العربي يفرض نفسه على أخلاقيات المنظمة وأنَّ إدراجه ملزم بحكم نظامها الداخلي ما دفع رئيسة المؤتمر السيدة سيمونا ميريلا ميكوليسكو إلى إدراج بند غزة باستعمال مطرقة الرئاسة شاكرةً للمداخلة اللبنانية.
وكانت معركتنا التالية في اليوم التالي عند إلقاء كلمة الوفود حيث ارتأينا أن نفتتح كلمتنا بطلب الوقوف دقيقة صمت حدادًا على أرواح شهداء غزّة ضحايا الإعتداءات الإسرائيليَّة وسط امتعاض الوفد الأميركي ومحاولات تشويش من الوفود المتصهينة الداعمة لإسرائيل فكانت المفاجأة بوقوف الأغلبية الساحقة من الوفود مشاركين لنا في دعوتنا وسط ظاهرة استثنائية هي مشاركة منصة رئاسة المؤتمر برمتها وقوفًا ما أشَّرَ إلى الإنتصار الثاني وهو إقرار بند غزة بصيغته العربية وإسقاط التعديلات الأميركية.
نكرر النتيجة مرة جديدة: 96 صوتًا لمصلحة مشروع القرار العربي مقابل 8 أصوات ضدّه وبامتناع 33 دولة عن التصويت. هو إنجاز عربي بتنسيق كامل مع وفدنا اللبناني الذي نوجه له تحية إكبار مُثنينَ على دور بعثتنا الدبلوماسيَّة في اليونيسكو والقائم بالأعمال الاستاذ نديم صوراتي التي واكبت الخطة وسهّلت عمل وفدنا وأمّنت التواصل مع ممثلي الوفود العربية في اجتماعات جانبيَّة خُصِّصَت للتحضير لكل جولة بحسب ما يتيحه النظام الداخلي لليونيسكو.
بعد إلقاء كلمتنا التي قوطعت مرات عدة بالتصفيق قصدت وفود عربية وأجنبية كرسي لبنان وكان رقمه ” واحد” وتلقينا سيلًا من التهاني وكم أثَّرَ بنا وأبكانا اقتراب فتاة فلسطينية من الوفد الفلسطيني حيث عانقتنا ودمع العين يسبقها قائلة بصوت متهدّج: ” والدي قتلته اسرائيل اوّل من امس في غزّة رفعتم رؤوسنا ورؤوس العرب. وأطفات بكلمتك ناراً كادت تحرق كبدي”.
نورد هذه الوقائع لا بحثًا عن مجد زائل ولا امتداحًا لواجب هو أقل ما يوجب علينا ضميرنا القيام به إنما لنقول أنَّ لبنان يمكنه ان يقود وأن قضية الحق فلسطين موجودة وغالبة ولا تحتاج سوى إلى من يُعلي صوتها ومن يتجرّأ على رفع رايتها. فلسطين تبقى قضية العرب المركزية ومن دون قيام دولتها من البحر إلى النهر لَن نستَكين وليس هناك من قوة في العالم تستطيع أن تتغلب على الذين يقفون إلى الجانب الصحيح من التاريخ.”
المصدر: بريد الموقع