قد لا يكون مجدياً على المستوى الشعبي، الإستمرار في المتابعة الإعلامية الحثيثة لتشكيل حكومة عمرها الأقصى ستة أشهر، وبرنامج عملها محصورٌ بالتحضير للإنتخابات النيابية المتوقَّعة في أيار/ مايو من العام 2017، وبيانها الوزاري سيأتي حُكماً مستنسخاً عن بيانات الحكومات السابقة، خاصة أن المواطنين اللبنانيين العاديين، يجدون أنفسهم فعلاً غير معنيين بهذه التشكيلة ولا ينتظرون منها تغييرات إنمائية، بل ينتظرون رؤية أقلام اقتراع في تجربة اختبار الذات لإحداث نوعٍ من التغيير في الوجوه والنهج، علماً بأن هذا التغيير لن يحدث وليس مطلوباً أن يحدث، لا في الوجوه ولا في النهج على قاعدة قلب الطاولة، لأن بعض من كانوا على الطاولة البرلمانية منذ العام 2009 واستمروا مع التمديد للمجلس، مطلوبٌ حضورهم ونهجهم، لأنهم نجحوا في مواقعهم، وكانوا السَنَد الوطني في مواقفهم، خاصة خلال الحقبة التي مرَّ بها لبنان منذ العام 2011 وحتى الآن، وما زال يُقاوم ارتداداتها نتيجة زلازل ما يُسمَّى “الربيع العربي”.
ولا يبدو أن هناك قانون انتخاب بديل عن قانون الستين، يُمكن أن يكون قاسماً مشتركاً، وسط زحمة القوانين المطروحة، والتي حاول الرئيس بري مؤخراً، حصرها بثلاثة من أصل نحو ثمانية عشر قانوناً، بهدف التوصُّل الى قانون يضمن مصالح جميع الفرقاء، لكن المؤسف في الأمر، أن الشعب اللبناني لا علاقة مباشرة له بإبداء الرأي بالقانون الأنسب لأن الدستور اللبناني لا ينصّ على الإستفتاء الشعبي.
قانون “لبنان دائرة إنتخابية واحدة” مع مراعاة النسبية على مستوى المحافظة أو القضاء، هو من المشاريع الأكثر شعبية، ويرفع الوطن من دائرة الزواريب السياسية الى ميادين المواطَنَة الجامعة وعدالة التمثيل والشراكة الفعلية، وقد أجمعت نتائج الكثير من استطلاعات الرأي على هذا القانون، الذي له مريدوه على امتداد الخارطة الجغرافية والديموغرافية، وإذا كان له بعض الرافضين، فَتَحت ذريعة انتفاء العلاقة المُباشرة بين الناخب والنائب، وهنا تبرز مشكلة النظرة الى دور النائب وتُبعِدُه عن دوره التشريعي والمُراقب لأعمال الحكومة ومحاسبتها، ليغدو “مُعقِّب معاملات” أو “مُقدِّم خدمات”، وهذا ما يدعو للأسف الى الخوف من أن يتحوَّل الوطن الى دساكر صغيرة.
وإذا كان قانون الدائرة الواحدة، يًشكِّل نوعاً من الخوف المُفتعل من ذوبان الأقليات، واختفاء فاعلية أصواتها في اختيار ممثليها، فإن النسبية على مستوى المحافظة أو القضاء هي “الغربال العادل” الذي يحفظ حقوق هذه الأقليات، بحيث يرتقي الى “الدائرة الواحدة” الممثلون الفعليون لها، لكن المشكلة ليست لدى الشرائح الشعبية، بل لدى بعض المؤتمنين على حقوق الأقليات، الذين تُناسبهم قوانين الدوائر الصغرى، رغم أن النبض الشعبي مغايرٌ جداً، خاصة أن بعض الزعامات المناطقية – التي وصلت الى البرلمان او التي أخفقت – لم تكُن علاقاتها ودِّية مع بعضها، وانعكست سلباً على قواعدها الشعبية التي أصابها التململ من نزاعات لا تُقارب همومها، دون الحاجة الى ذكر هذه المناطق والزعامات المناطقية.
إن مماطلة البعض في إقرار قانون انتخاب وطني، تمهيدٌ مكشوف لإجراء الإنتخابات وفق قانون الستين، مما يُخالِف إرادة الشرائح الشعبية التي تتموضع ضمن قناعاتها وثوابتها التي تأسست بعد التحرير عام 2000، وردع عدوان تموز عام 2006، إضافة الى ما مرَّ به الشعب اللبناني خلال السنوات الخمس الأخيرة من خلال أقدس معمودية وأقسى تجربة لخياراته الوطنية، ومن حقنا أن نسأل الأكثرية التي دامت منذ العام 2005 وعلى مدى إحدى عشرة سنة، لماذا لم تستطع امتلاك الأكثرية الشعبية؟! وماذا استطاعت أن تُبدِّل من السياسات الوطنية والتفاف الشعب خلف الجيش والمقاومة، ولماذا لا تقتطف بشائر عودة الدولة من خلال انتخاب رئيسٍ للجمهورية وصل الى بعبدا نتيجة هذا الإلتفاف الوطني السيادي؟
وهنا لا بدّ وأن نستذكر مواقف الرئيس ميشال عون، عندما كان بين الجماهير قُبيل انتخابات العام 2009، بصفته مرشحاً عن كسروان ورئيس أكبر كتلة برلمانية مسيحية،عندما أكَّد من قلب جونيه، على قوة التحالف الإستراتيجي بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وتساءل المراقبون يومذاك، عن مدى التأثير السلبي على صناديق الإقتراع، وجاء الردّ في صناديق الإقتراع، أن غالبية المسيحيين – مع الإعتذار لو تحدثنا في الجانب الطائفي – هم مع خيارات المعادلة الذهبية ومع الرؤية الإستراتيجية التي تجمع اللبنانيين بكافة أطيافهم ضمن مشروعٍ وطنيٍّ مصيريّ وتحديداً خلف الجيش والمقاومة، وبالتالي فإن الأقطاب الساعين الى الدوائر الصغرى لضمان مصالحهم الإنتخابية، لا يعتبرون الإرادة الشعبية مرجعهم في طروحات تجعل الوطن كانتونات أو إتحادات فيدرالية لا يحتملها لبنان ولا يتقبَّلها الشعب.
ولأن الأكثريات الوهمية، الناتجة عن قانون الستين أو أي قانون دوائر صغرى مُشابه، أو عن الإغراءات الإنتخابية المادية منها والمعنوية بما فيها استقدام المُهاجرين، كلها عوامل لا تعكس الواقع، فإن نتائج الإنتخابات النيابية في العام 2017، قد لا تعني القواعد الشعبية، وتحرم المجلس النيابي من صفته التمثيلية، ويغدو بعض الأقطاب في واد والشعب في وادٍ آخر، يبحث عن دولة تستحق الشعب وتستحق الوطن…
المصدر: موقع المنار