تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الخميس 26-10-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
غزة… اليد والاسم
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن
حين تحولت زخات الرصاص إلى زخات قنابل قادمة من «أعالي البحار» لإنقاذ إسبارطة الجديدة من العماليق القدامى، ازداد حذر الأطفال من الموت غير الطبيعي، ومن مجهولية الموت الذي بعد الموت. ازداد حذرهم من انعدام القبر والشاهدة، ومن انعدام القدرة على تذكُّر أسمائهم بين يدي الله الذي يتقن الغفران ولا يدركه النسيان. أخذوا حذرهم أكثر مما ينبغي، واحتاطوا للقادم الذي لا مفر منه. وحين أدركوا فداحة مأساتهم بأن لا جنازة ولا تلقين ولا قبر ولا شاهدة… كتبوا أسماءهم على سواعدهم وسيقانهم ليقرأ الله شاهدة القبر المفتوح من علٍ، قبر ابنه الإنسان… جسده المستباح. بعد مئة عام، سيقول أستاذ الأديان للتلاميذ: حينها، لم يلُمْ أحد أطفال غزة على سرقة شواهد قبورهم قبل الموت. كان شعارهم المقدس: من حُرم القبر، فليسرق الشاهدة. كل يد شاهدة. كل ساق شاهدة. كل جسد مقبرة
«في غزة التي على البحر كان الأطفال الفلسطينيون يكتبون أسماءهم بالحبر الساخن على أطرافهم في حروب الإبادة ليسهل التعرف إليهم بعد الانفجار وجمع أشلائهم للدفن». هذا ما سيقرأه التلاميذ بعد مئة عام عن تاريخ الاستيطان البشري في غزة و«غلافها». حينها ستكون غزة، على درب طروادة، في قارة جديدة وفقاً لما يقرره «الفتح والفتح المضاد» في حروب البشر على الحيوانات البشرية. سيقولون إن الفلسطينيين قبل «عبور 7 تشرين الأول 2023» ظلوا يرددون لازمة غريبة مفادها أن التاريخ موشوم على أجسادهم التي صارت هي الأرشيف، إلى أن صاروا هم الوشم على جسد التاريخ الذي لم يتسع له أرشيف ولا أسطورة. سيعجب التلاميذ من أساتذتهم البائسين الذين سوَّل لهم خيال الهزيمة أنّ دليلة حملت من شمشون في فراش الخديعة، وأنجبت العماليق الجدد الذين سيحولون دون قيامته، والذين سيهدمون المعبد على رأسه من جديد إن قام، وأن حمَلة رأس المعمدان إلى الشام لم يلتقوا بحمَلة رأس الحسين إلى عسقلان، لكن وقع الحرب كفيل باختلاط الرؤوس.
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، كيف أوجد رجل أبيض في أوسلو التي في إسكندنافيا، رابطاً بين غزة التي على بحر الحياة وأريحا التي على بحر الموت، وكيف صاغ اتفاقية للسلام المستحيل بين البشر والحيوانات البشرية اسمه «غزة-أريحا أولاً». سيقولون إنها كانت اتفاقية سلام فاشلة بين إرادة الحياة وإرادة الموت، وحلماً ساذجاً للصلح بين بريَّة شمشون وبريَّة سدوم اللتين فاضتا بالدم والخطايا حتى قمة الانتحار في مسادا الدارسة. لن يفهم أحد حينها، كما لا يفهم أحد الآن، كيف احتمل الفلسطينيون في برِّ غزة ثلاثين عاماً لكسر الحصار وتمزيق «الغلاف»، والخروج من المغلف الذي منع عنهم الماء والهواء والغذاء والدواء. ولن يفهم أحد حينئذٍ، كما لا يفهم أحد الآن، كيف جاءت وحوش الحديد التي في «إسرائيل الجديدة [أميركا]» التي على ضفة الأطلسي لنجدة «إسرائيل القديمة [المستعمرة]» التي على ضفة المتوسط لئلا يبتلعها الطوفان. وسيظل اللغز الأكبر الذي لن يستطيع أحد حله بعد مئة عام، كما لا يستطيع أحد حله الآن، هو موقف حامية رام الله، التي بين غزة وأريحا، من الحرب، رغم أنه موقف مشفوع بنظرية مؤامرة رصينة: غزة تآمرت على نفسها مع العدو لقطع رأسها بـ«السيوف الحديدية» والنيل من شرعية تمثيل حامية المشروع الوطني لشعب كامل من الحيوانات البشرية التي رفضت الموت في القفص، وأبت الامتثال لسوط الجلاد واعتقاده الغريب بأنه «ربّ الجنود»، وحكمة الأرنب وحلمه الغريب بأنه سيصير سلحفاة حين يكبر.
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، طقوس الحياة والموت في غزة. سيردد أستاذ الإحصاء أسطورة خمسين ألف امرأة فلسطينية حملن قبل الحرب، وخمسين ألفاً حملن في الحرب… لتكتمل الأسطورة، وإن الفلسطينيين، في لفتة طروادية لانتصار برسم الاكتمال، قرروا تسمية كل مولود جديد: «طوفان». في مدن البشر حيث المستشفيات التي لا تعمل بالطاقة الإلهية، كان الغزاة يمنحون للأحياء من المواليد الجدد هوية أولى: إسورة تعريفية على رسغ اليد اليمنى لئلا يضيع في زحام الحضانة، ويمنحون للأموات من المواليد القدامى هوية أخيرة: بطاقة تعريفية بخيط خيش على إبهام قدمه اليسرى لئلا يضيع في زحام المشرحة.
«لَجعَل درع من صدري واحمي رفيقي»
أما في مدن الحيوانات البشرية، حيث أتت قنابل الموت على المستشفيات بحضاناتها ومشارحها، فكان الأطفال الفلسطينيون يكتبون أسماءهم بالحبر الساخن على أطرافهم في حروب الإبادة ليسهل التعرف إليهم وجمع أشلائهم للدفن بعد أن يتم الانفجار وليمة الخراب. كانوا يكتبون أسماءهم على أيديهم وسيقانهم في التقاء غير مفهوم لإرادة الحبو إلى الحياة بإرادة المشي إلى الموت في غزة التي تتساوى فيها الاحتمالات، بعدما هدمت وحوش الحديد مستشفياتها لعقد صلح بين الوجود والعدم. أما الأجنّة في أرحام الحوامل المئة ألف، فكانوا ينتظرون الخروج إلى الحياة أو الموت للانضمام إلى «طوفان» الأسماء التي لم تنتقل بعد من حدِّ الوجود بالقوة إلى حدِّ الوجود بالفعل.
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، معنى الكتابة والمحو في غزة. سيقول أستاذ الفلسفة إن الوشم في مدن البشر دليل على هوية الحي، ولكن الوشم في مدينة الحيوانات البشرية دليل على هوية الحي في هيئته الجديدة كميّت، أو الميت في هيئته القديمة كحي. الموت دليل الوجود وشرطه: «أنا أموت، إذاً أنا موجود»، إذ لا وجود لي، كحيوان بشري، قبل إعلان موتي على الشاشات الذكية للبشر الذين يقتلونني من بعد بأسلحتهم الذكية، فيصير موتي دليلاً على وجودي لا حياتي. هذا هو كوجيتو غزة في زمن الفداء القاتل والمعرفة المقاتلة. لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، أن الكتابة بالحبر الذي ينتحل صفات الوشم هي جسر أطفال غزة لملاشاة المسافة بين العوالم التي تتغاير بين حياة تشبه الموت وموت يشبه الحياة. الكتابة تسخر من لعبة الحياة والموت، لا لأنها جسر بينهما يفصح عن معنى الضفتين، بل لأنها تدرك قدرتها على البقاء في وجه مطر الإبادة القادم من سماء الإنسانية التي أعلنت خريف الإنسان.
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، أنّ الوشم ليس نظام تصنيف للأحياء بقدر ما هو نظام تصنيف للأموات. فالكبير كبرت هويته لتفصح عنه ويفصح عنها، وأما الصغير، فلا يملك من هويته إلا اسمه الذي سيحيله إلى شخص بلا ذات: من نقطة في عالم الغيب إلى خط في عالم الشهادة… هذه هي حكايتنا في بلادنا فلسطين: النقطة في التاريخ تحتاج إلى حرب كاملة لتصير خطاً في الجغرافيا. لكن ملاقاة الموت تلزم الجسد بالاحتراس من لذة البقاء بوثيقة تضمن لذة الفناء. وأما وثيقة الضمان، فهي الكتابة المستحيلة التي أوصى بها الله لئلا تضيع حقوق العباد… لا على طريقة إشعيا، خبير الأسماء والشؤم القديم، الذي أفاق من موته قبل سبعين عاماً وأعار لسماسرة الدم «نصباً أفضل من البنين والبنات، واسماً أبدياً لا ينقطع» في بيت غيره وعلى أسوارهم التي على حافة القدس والمذبحة: «يد واسم». بل على طريقة أطفال غزة: فمن أعاره الله جسداً وروحاً، توجب عليه كتابة صك الإعارة على الجسد لئلا تفقد الروح ركوبتها في الذهاب إلى آخر الحب، وآخر الحرب. الأطفال يعيرون الله والكون أياديهم وأسماءهم، فتصير غزة كلها: اليد والاسم.
«إنا نبشِّرك… اسمه يحيى»
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، معنى انتحال أطفال غزة أسماء الله الحسنى وقد حجبت الطائرات صلواتهم من الوصول. سيقول أستاذ الأديان إن الجسد هو أجمل كتب الله القديمة لأنه الوسيط الهالك بين كتاب الزمان وكتاب المكان، وواو العطف بين كتاب القرآن وكتاب الأكوان، ولا يكتب الكتاب إلا كاتبه. فأستاذ الأديان، ورغم شبهة التقوى التي تقطر من شيب لحيته كمطر كسول، يفهم في الفنون الأدائية للبيان والاقتصاد السياسي للدلالة، ويعرف أنّ الإنسان يملك الاسم ولا يملك الجسم، رغم أن من يُسمِّي يُحيي، وأن من يُسمِّي يُميت. حينها، ستردُّ عليه أطياف أطفال غزة بأنهم لم يرغبوا في انتحال ولا كمال، ولم يقصدوا اختطاف القلم المقدس من صاحبه الذي تعرَّقت يده من خطايا البشر… فكان البحر. سيقولون إن أستاذ الدين في المدرسة الصغيرة علَّمهم أن الحساب يوم القيامة سيكون بلغة القرآن. وحتى يأمنوا على مستقبلهم ألا يضيع في مملكة السماء كما ضاع في مملكة الأرض، كتبوا أسماءهم بالعربية الفصحى. سيقولون إن أحد رفاقهم الأشقياء حاول التغرير بهم حين روَّج إشاعةً تفيد بأن في السماء رباً ثانياً أبيض لا يعرف إلا إنكليزية «سي. إن. إن»، ورباً ثالثاً رمادياً لا يعرف إلا عبرية «غاليه تساهل»، وأن عليهم الالتزام بالقانون الانتدابي وكتابة أسمائهم باللغات الثلاث ليقرأها العالم… لكنهم لم يعيروه اهتماماً. فأطفال غزة يتقنون الغياب رغم خشيتهم من غدر الغيب. لقد واصلوا كتابة أسمائهم بحروف العربية، وأصروا على سرقة حروف الله ليقدموها هدية له لحظة اللقاء.
الفدائيون القدامى، لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، كيف نسوا أسماء الأمهات على «كعب البارودة»
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، معنى الغفران حين فقدت الحيوانات البشرية القدرة على النسيان. لكن أستاذ علم الإنسان لا يكترث لعلم الأخلاق ودراسات الذاكرة. فكل ما يهمه، بعد مئة عام، أن أطفال غزة خلخلوا حدود المعرفة: فالوشم في كل الثقافات علامة بلوغ، ولكنه عند أطفال غزة علامة عدم بلوغ أي شيء. بعد مئة عام، سيقول أستاذ علم الإنسان لتلاميذه إن أطفال غزة كانوا يقرأون على جدران المدارس وزواريب المخيم عبارة غامضة، تقول: «احذروا الموت الطبيعي، ولا تموتوا إلا بين زخّات الرصاص» ينسبها أستاذ التربية الوطنية إلى روائي من عكا التي على البحر اسمه غسان كنفاني. وحين تحولت زخات الرصاص إلى زخات قنابل قادمة من «أعالي البحار» لإنقاذ إسبارطة الجديدة من العماليق القدامى، ازداد حذر الأطفال من الموت غير الطبيعي، ومن مجهولية الموت الذي بعد الموت. ازداد حذرهم من انعدام القبر والشاهدة، ومن انعدام القدرة على تذكُّر أسمائهم بين يدي الله الذي يتقن الغفران ولا يدركه النسيان. أخذوا حذرهم أكثر مما ينبغي، واحتاطوا للقادم الذي لا مفر منه، وحين أدركوا فداحة مأساتهم بأن لا جنازة ولا تلقين ولا قبر ولا شاهدة… كتبوا أسماءهم على سواعدهم وسيقانهم ليقرأ الله شاهدة القبر المفتوح من علٍ، قبر ابنه الإنسان… جسده المستباح. بعد مئة عام، سيقول أستاذ الأديان للتلاميذ: حينها، لم يلُمْ أحد أطفال غزة على سرقة شواهد قبورهم قبل الموت. كان شعارهم المقدس: من حُرم القبر، فليسرق الشاهدة. كل يد شاهدة. كل ساق شاهدة. كل جسد مقبرة.
بعد مئة عام، سيخبر أستاذ الأدب تلاميذه أن أستاذ اللغة العربية الطيب علَّم أطفال المخيم قصيدة من خارج المنهاج عن «خطبة الهندي الأحمر»
لن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، كيف خلقت أسطورة واقعها في برِّ غزة. لكن أستاذ الأدب يتجنب المقارنة حين يتعلق الأمر بالمعاناة والمحرقة. فأطفال غزة كتبوا أسماءهم بأنفسهم على أجسادهم، ولم يجبرهم أحد على كتابتها في معسكر إبادتهم المفتوح. بعد مئة عام، سيخبر أستاذ الأدب تلاميذه أن أستاذ اللغة العربية الطيب علَّم أطفال المخيم قصيدة من خارج المنهاج المدرسي عن «خطبة الهندي الأحمر» المنسوبة إلى شاعر من بروة الجليل قرب عكا التي على البحر اسمه محمود درويش. يقتبس الشاعر في أول القصيدة خاتمة خطبة سياتل، زعيم قبيلة دواميش التي على ضفة الأطلسي أمام الرجل الأبيض: «هل قلت موتى؟ لا موت هناك، بل تغيير عوالم». صدَّق الأطفال الهندي الأحمر وحلموا بعوالمه الأخرى التي لن يغزوها سيد البيْض. لكن الأطفال، الذين لا يعرفون الصحراء ولا يأمنون غدر الغيب، لم يحسنوا السير وراء السراب، ولم يثقوا إلا بالكتابة التي لا تفارق أجسادهم الظامئة في تيه سيناء المفتوح على الأبد. لم يكتبوا أسماءهم لوراثة أرض الكلام، ولا لامتلاك المعنى، بل لرشق عيون الكون ومكوِّنه ببحر من الحبر. كانوا صغاراً أبرياء يكتبون أسماءهم، ويحضنون أمهاتهم، إن لزم الأمر، قبل أن تبدأ الغارة وتنتهي بطرفة عين. أما الفدائيون القدامى، فلن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، كيف نسوا أسماء الأمهات على «كعب البارودة»… والذين يحفظون حداء «حين يصيح البروقي ما في عوقهِ، كلاشينكوفي يسابقني يطير من شوقي»، ولا يعرفون سياتل ولا درويش، ولا يعلمون أن من أدار ظهره للتاريخ سيدير له التاريخ ظهره، فلن يفهم أحد بعد مئة عام، كما لا يفهم أحد الآن، أين ذهبت بنادقهم حين بدأت الحرب وحين انتهت. وأما غزة التي في جنوب فلسطين، فلن يبتلعها البحر، وستنتصر.
صاحب الدار جُنّ [2]: وقائع التهويل والتهديد
ابراهيم الأمين
عاش العالم ساعات من الصدمة بعد الإعلان عن عملية «طوفان الأقصى». لم يكن أحد قادراً على استيعاب ما حصل. في إسرائيل، حيث ارتفع العويل، كان هناك من ينظر شمالاً خشية أن تكون العملية جزءاً من خطة أوسع بالتعاون مع محور المقاومة. الاتصالات العالمية، في الأيام الأولى التي أعقبت يوم 7 أكتوبر المجيد، تمحورت حول سؤال واحد: هل ستفتح ساحة أخرى في وجه إسرائيل؟
الهلع في كيان العدو انعكس في تصرفات أنصاره الغربيين وتصريحاتهم ومداولاتهم. كانت بيروت وجهة هؤلاء جميعاً، حيث بدأت اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع حزب الله، بإشراف أميركي كامل. فقد بدا واضحاً أن حاملي الرسائل كانوا يعملون ضمن توجّه أميركي هدفه أمر واحد: جدوا الطريقة الأفضل لإقناع حزب الله بعدم التورط. وأرفق الأميركيون نصيحتهم هذه بعبارات اعتقدوا أنها تساعد الوسطاء كالقول إن المعطيات لا تشير الى تورط مباشر للحزب وإيران في العملية. وكان على الوسطاء السذّج إكمال الجملة بالقول: اتركوا الأمر بين إسرائيل وحماس!
جواب حزب الله للوسطاء جميعاً كان أن الأولوية هي لوقف العدوان على غزة. وسمع هؤلاء بوضوح أن من لا يوقف الحرب لا يمكنه مطالبة الآخرين بالصمت، ولكن من دون أن يقدّم أيّ إشارة الى ما ينوي القيام به، وأرفق الصمت الذي التزمه بتنفيذ عمليات في مزارع شبعا. أقنع الغربيون أنفسهم بأن هذا «رد فعل محمول» طالما أنه ضمن قواعد اللعبة. لكن الإسرائيليين كانوا يعرفون أن الأمر ليس على هذا النحو، وأن الحزب سيجد سبيلاً للقيام بما هو أكثر. فيما غرق دبلوماسيون وأمنيون غربيون في تحليل مقاصد دعوة القائد محمد ضيف المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران الى الدخول في المعركة: هل هو طلب نجدة مستعجلة، أم هو تأكيد على أن «طوفان الأقصى» من ضمن أهداف المحور؟ وبقي السؤال – اللغز: كيف يمكن إقناع حزب الله أو ردعه؟
لم يطل الوقت قبل أن يستسلم الوسطاء، بعدما فهموا أن حزب الله لن يجيب عن هذا السؤال، وأقنعوا أنفسهم بأنه طالما استمر صمت السيد حسن نصر الله، فإن الموقف الحاسم لم يصدر بعد.
ولكن، قبل الوصول الى هذه الخلاصة، لم يوفّر هؤلاء تهديداً من توسع الحرب، وتعريض لبنان المنهك لضربات مدمرة لن يجد من ينجده منها. وسعى الأميركيون لدى حلفائهم من اللبنانيين لرفع الصوت. رغم معرفتهم بأن هؤلاء ليسوا في موقع من يناقش سفيرة غربية تقول لهم إن إسرائيل اليوم تشبه وحشاً جريحاً ينبغي تجنّب غضبه.
الحصيلة السلبية لهذه الاتصالات دفعت بإسرائيل الى تعبئة عسكرية ضخمة لا تتعلق فقط بالحرب مع قطاع غزة، وإنما أيضاً لتأمين «الحدود» مع لبنان، حيث نُشرت قوات مقاتلة وفرق من قوات الاحتياط وألوية مدرعة. وفي الوقت نفسه، طلبت تل أبيب من الأميركيين القيام بخطوات عملانية لردع إيران وحزب الله، فوجد الأميركيون أن استعراضاً كبيراً للقوة في البحر الأبيض المتوسط يخدم هذه الفكرة، بالتوازي مع رفع سقف رسائل التهديد بأنهم لن يقبلوا بضربة أخرى لجيش الاحتلال، وطلبوا من جهات أوروبية إبلاغ حزب الله أنه في حال انضمامه الى الحرب، ستوجه إسرائيل وحلفاؤها ضربة قاضية للدولة السورية وحكومتها، وأن الرئيس بشار الأسد وأفراد عائلته سيتعرّضون للقتل، وستدمّر دمشق والجيش السوري، مع فتح الباب أمام المجموعات المسلحة للسيطرة على سوريا بأكملها.
الفرنسيون الذين يحافظون على خطوط الاتصال، عادوا – بعد زيارة رئيسهم إيمانويل ماكرون للأراضي المحتلة – للحديث عن خشية كبيرة من توسّع الحرب، وقدّموا تقديراً، هدفه الفعلي ليس قراءة الوقائع، بقدر ما يحمل تهديداً للمقاومة في لبنان، إذ قالوا صراحة: «ربما يفكر حزب الله في عمل استباقي يكون مقدّمة لحرب واسعة، وفي هذه الحالة، سيتم تحميل الحزب ولبنان المسؤولية، وسيكون الثمن قاسياً». وأضافوا: «ما فهمناه من إسرائيل أن لديها تصورات للعمل في غزة، قد تلامس حدوداً لا يمكن لحزب الله السكوت عنها، وبالتالي، سيندفع إلى فعل يقود إلى حرب موسّعة. وفي الحالتين، فإن إسرائيل تقول بأنها ستدمّر مؤسسات الدولة اللبنانية وليس مؤسسات حزب الله فقط»!
هدّد الأميركيون بقتل بشار الأسد وتدمير دمشق وإيران بتدفيعها ثمن الهجمات على قواعدهم
جواب حزب الله عن هذه الرسائل كان برفع مستوى المواجهات على طول الحدود مع فلسطين، وبدء العمل بخطة تعطيل المواقع العسكرية والأمنية الإسرائيلية. والحديث، هنا، عن 56 موقعاً عسكرياً ومقر قيادة وثكنة ومركز تجسس من رأس الناقورة الى مزارع شبعا المحتلة. واقتصر برنامج العمل، حتى اللحظة، على استخدام الصواريخ الموجهة («كورنيت» وما يعادله) لضرب هذه المواقع والمدرعات الموجودة فيه، وعدم اللجوء الى أي أسلحة أخرى. وأصرّت المقاومة على تنفيذ هذا الهدف بمعزل عن الكلفة البشرية، إذ تدرك أنها تخوض معركة لا تتمتع فيها بعنصر المباغتة، ولا باتساع أرض المعركة، ولا باستخدام أسلحة عن بعد، بل بمواجهات مباشرة جعلت العدو يلجأ الى مسيّرات قاتلة تولت استهداف مقاومين، في الميدان أو في بعض نقاط تمركزهم، ما أدى الى استشهاد 43 مقاوماً حتى يوم أمس.
أراد العدو من سلوكه الميداني الارتقاء في رسائل ردعه، كمن يقول للمقاومة إنه مستعد للمواجهة. لكنه اضطرّ، عملياً، الى إدخال تعديلات كبيرة على خططه الميدانية، وليس تفصيلاً أن يفرغ العدو منطقة كاملة بعمق يتجاوز ستة كيلومترات من المستوطنين، وأن يفرّ أكثر من نصف من يسكنون في عمق 10 الى 12 كلم. كما اضطرّ العدو إلى إخفاء معظم جنوده داخل منازل المستوطنين، وحاذر إرسال دباباته الى السواتر الحدودية.
في غضون ذلك، كان الجيش الأميركي يوسع انتشاره في المنطقة، بالتزامن مع تفعيل خط اتصالات لتهديد طهران. صحيح أن واشنطن رفضت تبنّي رواية العدو بأن إيران تقف خلف هجوم 7 أكتوبر، لكن دوائر أميركية كثيرة بدأت بالإشارة الى الدعم غير المتوقف لحماس وبقية قوى المقاومة، وإلى الخدمات الاستشارية واللوجستية والتدريبية التي تقدمها إيران وحلفاؤها في المنطقة لقوى المقاومة في فلسطين.
وما زاد في رفع واشنطن من مستوى التهديد هو ردّ إيران برسائل مقابلة. فقد واظب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على التحذير من أن استمرار العدوان على غزة سيشعل المنطقة. ورغم حرص طهران على التأكيد أن قوى المقاومة الحليفة لها تتمتع باستقلالية في اتخاذ الإجراء الذي تراه مناسباً، إلا أن مباشرة فصائل المقاومة العراقية توجيه ضربات تجاوز عددها الـ 17 ضد قواعد عسكرية أميركية في سوريا والعراق، فهمه الأميركيون كجواب إيراني على التهديدات.
صحيح أن في واشنطن من يقول إن كل المؤشرات تقود الى أن إيران لا تريد توسيع الحرب. لكن أصحاب هذا الرأي نفسه وجدوا أن عليهم التلويح لإيران بأنها ستدفع ثمن ما يقوم به حلفاؤها. وكانت الذروة، بالنسبة الى الأميركيين، ما قام به «أنصار الله» في اليمن. وهو اختبار جعل أجراس الإنذار تدقّ في كل المنطقة، باعتبار أن القدرات اليمينة لا تزعج إسرائيل فحسب، بل تهدد تعطيل حركة الملاحة المدنية والعسكرية والتجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، وإمدادات الطاقة والتبادل التجاري في كل المنطقة.
ما هو وارد في البريد الديبلوماسي أن واشنطن اقتربت من لحظة اتخاذ قرار الرد المباشر. ويقدر أنه عند سقوط أول قتيل من الجنود الأميركيين، فإن الولايات المتحدة ستردّ بقسوة، وستحمّل إيران المسؤولية، وتطالبها باتخاذ الإجراءات لوقف الضربات ضد قواتها، في وقت لا تريد فيه الولايات المتحدة لأحد أن يحمّلها مسؤولية ما تقوم به إسرائيل، والمشاركة في الحرب الإسرائيلية.
اليوم، نشهد حشداً أميركياً غير مسبوق في المنطقة. حاملات طائرات ومعها أكثر من عشرة آلاف من جنود البحرية. وتعزيز للقواعد العسكرية، ونشر عدد غير قليل من منظومات الدفاع الجوي المتطورة في إسرائيل والسعودية والأردن ومصر، وعدد أقل في قواعد العدو الأميركي في العراق وسوريا، الى جانب ما هو موجود على متن المدمّرات في البحر، وزيادة عدد الطائرات الحربية في قواعد تقع في دول جنوب أوروبا، وإرسال عدد غير قليل من القوات الخاصة التي تكلّف عادة بعمليات تدمير منظومات مهمة للعدو، أو البحث عن مفقودين. وهي قوات متصلة بمنظومة استخبارات خاصة، بعضها انتشر في فلسطين، وبعضها الآخر يجري تجهيزه في قواعد جنوب إيطاليا واليونان. ما يعني أن الانتشار الأميركي – الذي تقول واشنطن إن وظيفته ردعية فقط – قد يتحوّل في أي لحظة إلى قوة قادرة على الهجوم أيضاً، عدا عن أنه يلزم أميركا، أكثر من قبل، بأن تكون صاحبة القرار في أي عمل عسكري تنوي إسرائيل القيام به، سواء في مواجهة قوى محور المقاومة خارج فلسطين، أو بما خصّ الغزو البري للقطاع.
المُسيّرات لم تفقد المقاومة المبادرة… و«ظهور متدرج» لنصرالله
لم يفقد حزب الله المبادرة تجاه الجبهة الشمالية كما كان يتوقّع قادة جيش العدو بعد إجراءات الإخلاء والتخفّي التي اعتمدها على طول حدود فلسطين المحتلة مع لبنان. وفيما تحوّلت المستوطنات الإسرائيلية إلى ثكنات عسكرية يتوارى فيها جنود العدو وآلياتهم، واصلت المقاومة إطلاق مزيد من الصواريخ الموجّهة، موقعة خسائر بشرية ومادية إضافية في صفوف جيش الاحتلال.
وأعلن حزب الله، أمس، استهداف دبابة إسرائيلية في ثكنة أفيفيم بالصواريخ الموجّهة موقعاً أفراد طاقمها بين قتيل وجريح، فيما أقر المتحدث باسم جيش الاحتلال بالعملية. كما استهدف الحزب موقعَي حانيتا والبحري بالصواريخ الموجّهة وتم تدمير عدد من تجهيزاتها الفنية والتقنية. في حين، تحدّث إعلام العدو عن رصد إطلاق 4 صواريخ من لبنان، إثر دويّ صفارات الإنذار في مستوطنة كريات شمونة.
وأعلن حزب الله أمس استشهاد كلّ من إسماعيل حسن المولى (حربتا – البقاع)، وعادل محمود زعيتر (القصر – البقاع)، وحيدر جواد الترشيشي (الناصرية – البقاع)، وجعفر هاشم مفلح (الخريبة – البقاع)، ومحمود أحمد درويش (بيروت).
إلا أن التطور اللافت الذي سُجّل على المشهد أمس، كان اللقاء الذي جمع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، حيث جرى «استعراض الأحداث الأخيرة في قطاع غزة منذ بدء عملية طوفان الأقصى وما تلاها من تطورات، والمواجهات عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وجرى تقييم للمواقف المتّخذة دولياً وإقليمياً وما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحساسة لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين»، بحسب بيان للعلاقات الإعلامية في حزب الله.
العاروري: نشهد ملحمة بطولية على طول الحدود في جنوب لبنان
توزيع خبر اللقاء، بعد الإعلان عن اتصال هاتفي بين نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قبل يومين، رأت فيهما مصادر مطّلعة «ظهوراً متدرّجاً للسيد نصرالله، رداً على ما يُروّج عن احتجابه»، لافتة إلى أن تعميم كلمة مكتوبة بخط يد السيد نصرالله أمس يطلب فيها من الوحدات والمؤسسات الإعلامية التابعة لحزب الله اعتماد عبارة «شهداء على طريق القدس» في بيانات النعي للشهداء، «يشير إلى وجود هدوء في إدارة الأحداث، يسمح بإيلاء أهمية للمعركة الإعلامية بموازاة المعركة السياسية والعسكرية».
وأكد العاروري في تصريح لقناة «المنار» مساء «أننا في لقاءات مستمرة والاخوة في حزب الله على كافة المستويات منخرطون في هذه المعركة، وهي معركتهم كما هي معركتنا». وقال «إننا والاخوة في حزب الله وكل قوى المقاومة على اتصال وتنسيق دائم على وحدة الهدف، ونشهد ملحمة بطولية في لبنان مع المحتل على طول الحدود الجنوبية حيث تندلع اشتباكات يومية ويسقط شهداء يوميًا من حزب الله وسرايا القدس وكتائب القسام».
باسيل وفرنجية: للوقوف إلى جانب المقاومة
واصل رئيس التيار الوطني الحر جولته يوم أمس من الشمال استكمالاً للمبادرة التي بدأها منذ أيام بعقد اجتماعات مع كل الأطراف السياسية تحسباً لتوسّع اعتداء العدو الإسرائيلي على لبنان. وفي الصباح، التقى باسيل تكتل الاعتدال الوطني «للتأكيد على أن لا تكاتف أو وحدة وطنية من دون المكوّن السني»، تلاه لقاء مع رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي وتكتل التوافق الوطني المؤلّف من النواب حسن مراد وطه ناجي وعدنان طرابلسي ومحمد يحيى، مكرّراً «أننا لا نريد الحرب ولا نسعى إليها ولكن في حال تمّ الاعتداء علينا سنقوم بالدفاع عن أنفسنا».
أما اللقاء الأهم فهو الذي ختم به باسيل نهاره بزيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في بنشعي، نظراً إلى الخلافات التي طبعت علاقة الرجلين منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. وقالت مصادر التيار الوطني الحر إن «عنوان الجولة المتمحور حول خلق جو تعاضد مع المقاومة الوطنية وحماية لبنان ووحدته تطلّب انفتاحاً على جميع القوى، وكان من الطبيعي أن تشمل الجولة فرنجية الذي يتمتع بكتلة نيابية، وكونه مرشحاً إلى رئاسة الجمهورية ومعنياً بالتطورات الحاصلة ميدانياً وبالنقاط الأربع الواردة في المبادرة: إنشاء حزام أمان سياسي ووطني لحماية لبنان، احتضان المقاومة اللبنانية ودعم المقاومة الفلسطينية، الحثّ على انتخاب رئيس جمهورية وإعادة الانتظام للمؤسسات، وملف النازحين». وفي ما خصّ الخلافات بين الرجلين، أشارت المصادر إلى أنهما «وضعا كل المسائل المختلف عليها جانباً، فلا سبب زيارة باسيل هو الطلب من فرنجية الانسحاب ولا الأخير يطلب من التيار انتخابه. بل على العكس تميّز اللقاء بتطابق تام في وجهات النظر عبّر عنه فرنجية نفسه في كلمته لناحية الموقف الواضح بضرورة الوقوف إلى جانب المقاومة وحماية البلد والبحث عن طريقة لتحصين الموقف الوطني». وبحسب المصادر فإن هذه الزيارة هي «بداية كسر جليد» بين التيار الوطني الحر وتيار المردة.
في موازاة ذلك رأت القوى المنضوية تحت ما يُسمى «معارضة»، وتضم القوات والكتائب والنواب المستقلّين، أن من الأفضل أن يبقى التواصل بين التيار وبينها وفق الآلية التي اعتُمدت عند التقاطع على جهاد أزعور وهو تواصل على مستوى النواب حيث مثّل التيارَ يومها النائبان ندى بستاني وجورج عطالله والنائب السابق إدي معلوف.
تنسيق تام مع حزب الله وبقية القوى السياسية: الاشتراكي «حضّر» الجبل لاستقبال النازحين
من يتتبّع حركة المناطق الواقعة تحت نفوذ الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل والإجراءات التي تقوم بها «وحدات» من الحزب، فضلاً عن متطوّعين ومتطوّعات، يستخلِص مخاوف من مؤشرات اندلاع حرب كبرى. ومع أنْ لا أحد قادرٌ على الجزم بمآل الوضع في الأيام والأسابيع المقبلة، إلا أن ما أُنْجِز أو لا يزال يُعمل عليه، يجري على قاعدة أن الحرب واقعة غداً. أعدّ الحزب الاشتراكي خطّة طوارئ احترازية لاستقبال النازحين من الجنوب والضاحية، بتنسيق تام مع حزب الله، وبالتعاون مع بقية القوى السياسية
في الساعات الأولى التي تلَت عملية «طوفان الأقصى»، بدا النائب السابق وليد جنبلاط عازماً على فرض إيقاعه الخاص في مقاربة الحدث، إذ تقدّم على بقية الأطراف السياسية في إعلان وقوفه «مع المقاومة والجنوبيين في حال اعتدت إسرائيل على لبنان».
وانطلاقاً من قراءته للتداعيات الإستراتيجية لما يجري، سارع إلى عقد اجتماع ضمّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط وكل مسؤوليه، مشدّداً على نقاط ثلاث: الأولى، دعم القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية أياً كانت والوقوف إلى جانب الفلسطينيين، مذكّراً بمواقف كمال جنبلاط من هذه القضية. والثانية، أن الحدث قد يتطور عسكرياً ويصل إلى لبنان، وفي هذه الحال «سنقف إلى جانب أهلنا في الجنوب والمقاومة وحزب الله». والثالثة، إعلان حال استنفار وإعداد خطة لاستقبال النازحين في حال حصول مستجدّات كبيرة في الجنوب.
وعلى الفور، كلّف زعيم المختارة مفوّض الداخلية في الحزب هشام ناصر الدين بتشكيل لجنة مركزية تضم أعضاء ووكلاء في المناطق لوضع خطة عمل تشمل الشوف وعاليه والمتن الأعلى وبعبدا وراشيا وحاصبيا. ومنذ أكثر من أسبوع، بدأ الحزب تحضير خطط الطوارئ لفتح أبواب الجبل أمام عدد كبير من النازحين من المناطق الجنوبيّة في حال شهد الوضع العسكري مزيداً من التدهور، فجرى مسح للمراكز والمدارس والشقق المتوافرة للإيجار. وبدأت محاولات، بطلب من تيمور جنبلاط، لكبح جماح «مستغلّي الأزمات» بعدم المبالغة في الأسعار، رغم أنّ ضبط هذا الأمر ليس سهلاً. وشُكّلت خليّة طوارئ مؤلّفة مناطقياً من وكيل الداخلية والمؤسسات الرافدة مهمّتها الرئيسيّة استقبال النازحين وتوزيعهم على مراكز النزوح، وتوجيههم إلى الطرقات التي يُمكن سلوكها في حال تعرّضت طرق معينة للقصف، مع وضع أكثر من سيناريو في هذا الإطار. كما يهتم «الاشتراكي» بتحديد المراكز والعناصر الذين سيواكبون كلاً منها، إضافة إلى تشكيل فرق للدّعم النفسي للأطفال.
وأوضح ناصر الدين لـ «الأخبار» أن الخطة تتضمن «لجنة مركزية أساسية تنبثق منها لجان في كل المناطق، منها لوجستي لتحديد الاحتياجات، وأخرى مكلّفة بإحصاء مدارس المنطقة وتحديد القدرة الاستيعابية واللوازم المطلوبة ولا سيما في فصل الشتاء من مولّدات كهرباء ووسائل تدفئة، ولجان لإجراء مسح شامل للمستشفيات ومراكز الرعايا الصحية». وتشارك في الخطة «منظمة الشباب في الحزب، الاتحاد النسائي، جمعية الخرّيجين، الكشاف، المكتب التربوي، جمعية نضال لأجل الإنسان وجمعية فرح التي تتولّى جزءاً أساسياً من العمل لجهة تأمين لوازم للإيواء». وكل من هذه اللجان تضم مسؤولين إداريين ولوجستيين وتربويين وأمنيين (للتنسيق مع القوى الأمنية)، فضلاً عن أطباء ومسعفين، وهم مسجّلون بالأسماء على الورق وجاهزون. ويعقد هؤلاء اجتماعات يومية في ما بينهم، ومع مسؤولين في أحزاب أخرى لجمع أكبر عدد من المعطيات والاتفاق على التعاون. ويتولى أعضاء من هذه اللجان التواصل مع وزارة الصحة والمستشفيات التي طلِب منها تأمين «مخزون من اللوازم الطبية يكفي ستة أشهر على الأقل»، كما جرى التواصل مع مديري المدارس لتحديد القدرة الاستيعابية لكل مدرسة. وبحسب ناصر الدين، «وصل عدد المدارس إلى 150 تضم 3000 غرفة». وفي القطاع الصحي، هناك حوالي 13 مستشفى يجري تجهيزها من بينها مستشفيات الشحار في قبرشمون، سبلين، عين وزين، كمال جنبلاط، الجبل، واثنان في حاصبيا وراشيا. أما مراكز الرعايا الصحية فجرى تخصيص 13 منها في الشوف، و14 في عاليه، و27 في قضاء بعبدا، و8 في راشيا وحاصبيا. ويجري تحضير مراكز في مناطق أخرى قادرة على تقديم الخدمات».
لجان فرعية وخلايا عمل… وتجهيز 150 مدرسة تضم 3000 غرفة و13 مستشفى و62 مركزاً صحياً
وترافق ذلك مع تنسيق مع الصليب الأحمر الذي يملك «7 مراكز في الشوف وعاليه، في كل منها 3 سيارات إسعاف مجهّزة للطوارئ»، وأكّد الصليب الأحمر أنه «يستطيع تأمين بعض الاحتياجات اللازمة من حصص غذائية وصحية متى أعطت الحكومة الضوء الأخضر، وهو سيتصرف وفقاً للخطة الموضوعة مع الحزب». فيما جرت مساعٍ مع المنظمات الدولية لتكون جزءاً من هذه الخطة، إلا أن ما كانَ مفاجئاً هو «عدم إظهارها أي استعداد للتعاون وكأنّها غير معنية».
وأكّد ناصر الدين أنه «تمّت تهيئة الأرضية بشكل كامل، في حال حصول أي تطور يدفع الأهالي إلى النزوح»، مشيراً إلى أن «بعض العائلات نزحت بالفعل إلى الجبل ومنطقة الإقليم لكنّ العدد لا يزال محدوداً».
إلى ذلك، تتواصل اجتماعات أعضاء خلايا الأزمة في المناطق مع المسؤولين في الأجهزة الرسمية والبلديّات بهدف توحيد الجهود، إضافة إلى اجتماعات بين «الاشتراكي» وبقيّة الأحزاب من دون استثناء، بطلب من جنبلاط، لضمّها إلى خلايا الأزمة الموسّعة مع البلديات المعنيّة. أما التنسيق مع «حزب الله» كما شرحه ناصر الدين، فيبدو في أعلى مستوياته، مع تواصل مُكثّف واجتماعات شبه يومية بين الفريقين للبحث في كل التفاصيل. ويشمل التنسيق تبادل معلومات بشأن الأعداد المتوقّع نزوحها، ودرس حاجات النازحين في كل مركز من الغذاء والطبابة والمحروقات وغيرها والاحتياجات التي يُمكن أن يؤمّنها الطرفان، تحديداً حزب الله، بمعزل عن الدولة. كما يراقب «الاشتراكي» بشكل يومي الأسواق لجهة الحاجة إلى كميات المواد الغذائية والتأكّد من أي نقص فيها وإلى أي مدّة تكفي الكميات الموجودة.
اللواء:
حزب الله يستعد لمواجهات طويلة.. والاحتلال يتكتَّم على قتلاه
«مصالحة رئاسية» بين باسيل وفرنجية.. واشتباك بين ميقاتي وسليم حول الصلاحيات
لم يجتمعوا للسلم، بل مضت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإغراق غزة ومخيمات القطاع جنوباً وشمالاً بقذائف الهاون والتدمير والخراب، حتى بدت احياء وعمارات وبنايات ومؤسسات مثالاً على همجية التدمير الإسرائيلي وإبادة البشر والحجر على حد سواء.
وفي المشهد من لبنان، شكل الإعلان عن اجتماع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع كل من الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، حدثاً بحد ذاته، لجهة ان قيادة المقاومة من لبنان إلى فلسطين، ما تزال ممسكة بمقدرات المواجهة واحتمالاتها الصعبة والمعقدة، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه لو طالت الحرب، كما تروج المستويات المختلفة في اسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الاميركية والمعسكر الغربي.
وفي الوقائع، وعلى الرغم من الكلفة الباهظة للمواجهات منذ السبت في 7 ت1 الجاري التي دفعها حزب الله عبر العدد المتزايد من شهدائه، فإن الحزب يستعد لمواجهات طويلة في الجنوب، سواء بالاشتباكات المباشرة أو استهداف مواقع الاحتلال بمحاذاة الشريط الحدودي بصواريخ «الكورنيت» وغيرها من الاسلحة والمسيرات والمدفعية القادرة على إلحاق الخسائر بالاحتلال، والذي دأب على التكتم على قتلاه، لا سيما على جبهة الجنوب المشتعلة..
ولئن صوّب السيد نصر الله في رسالة إلى المعنيين في الاحداث والمؤسسات الاعلامية في حزب الله تسمية شهداء الحزب بـ «الشهداء على طريق القدس» انسجاماً مع حقيقة المعركة القائمة مع العدو الإسرائيلي منذ 7 ت1 مع «طوفان الاقصى» فإن المواجهة تتخذ أبعاداً متعددة، وانشطاراً واسعاً على جبهة العالم ككل.
لقاء تشاوري وأزمة مع سليم
وسط هذه الأجواء المشعة بالانفراج الداخلي، انعقد بدعوة من الرئيس نجيب ميقاتي لقاء تشاوري وزاري في السراي الكبير (كانت اللواء أشارت إليه في عددها أمس) ، بمشاركة وزراء التيار الوطني الحر، لكن إشكالاً وقع في بداية الجلسة مع وزير الدفاع موريس سليم الذي أثار الكتاب الذي وجهه إليه الرئيس ميقاتي حول التعيينات في المراكز الشاغرة في المؤسسة العسكرية.
وتبين أن سليم سلم ميقاتي كتاب اعتراض، مع كتابه في ما خص ايجاد حلول لشغور مركز قيادة الجيش، مع ان الاجتماع كان مخصصاً للتداول في زيارة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى دمشق ولقاء مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.
وفهم ان مسألة مشاركة وزير التيار الوطني الحر في جلسات مجلس الوزراء بات على همة الاتصال المفتوح مع وزير العدل هنري خوري، وهو وزير الدفاع بالوكالة، وأرسل كتاب تحضير الاقتراحات في ما خص ملء الفراغ في المؤسسة العسكرية إليه ايضاً، وهذا ما أغاظ وزير الدفاع.
ويذكر أن وزير الدفاع موريس سليم كان قد خرج من قاعة اجتماع اللقاء التشاوري في السراي الحكومي غاضباً، وكان يصرخ «يا عيب الشوم».
وأشارت المعلومات إلى أن “صراخ وزير الدفاع سببه إشكال حصل مع ميقاتي على خلفية التعيينات العسكرية في الجيش في المواقع الشاغرة وتعاطي ميقاتي مع الموضوع لجهة التسويق لطرح التمديد لقائد الجيش ولرئيس الأركان”.
كما اشارت الى ان ما أزعج وزير الدفاع في كتاب ميقاتي الذي طالبه فيه بالتعيينات كان تذكير ميقاتي له بالمادة 70 من الدستور التي تتحدث عن أنه يحق لمجلس النواب اتهام رئيس الحكومة والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى في حال إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم.
وأفيد بأن وزير الدفاع ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار غادرا قاعة السراي إلى سيارتهما غاضبَين، ليعود حجار لاحقاً الى الداخل. لينضم وزير العدل هنري خوري لاحقاً إلى وزير الدفاع في سيارته لمحاولة حل إشكال ما حصل. إلا ان سليم عاد وغادر السراي.
وقالت أوساط مراقبة عبر اللواء أن ما جرى في اللقاء التشاوري في السراي بشأن اقتراح ملء الشغور في المراكز الأمنية قد يفتح النقاش بشأن مصيره لاسيما أن اللقاء بين رئيس حكومة تصريف الأعمال والنائب جبران باسيل هدف إلى البحث في توحيد الموقف من التطورات، وسألت عن توقيت المراسلة بشأن نفس الشغور في مركز قيادة الجيش بالزيارة .
وأشارت الأوساط إلى أن بيان وزير الدفاع الذي صدر بشأن توضيح المراسلة جاء يؤشر أنه أي الوزير كان بعيدا عنه واكدت أن هناك غموضا في الملف واسئلة تطرح عما إذا كان باسيل وافق ضمنيا على التمديد وقبل ذلك المراكز الأمنية في المجلس العسكري.
إلى ذلك اعتبرت أن حراك باسيل قد لا يخرج بالنتائج التي يريدها، ولذلك لا بد من ترقب الخطوات المقبلة منه ومن افرقاء آخرين .
باسيل في بنشعي
وفي اليوم الثالث لجولته على القيادات والكتل النيابية، التقى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تكتل الاعتدال الوطني بالاضافة إلى الرئيس فيصل كرامي مع نواب التكتل الوطني، ثم انتقل بعد ذلك إلى بنشعي، حيث استقبله رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية.
استمر الاجتماع بين باسيل وفرنجية ساعة قال بعده رئيس التيار الوطني:أنا سعيد بزيارة فرنجية وفي هذه الظروف نتخطى الحواجز ولقيت تجاوباً مع الأفكار التي طرحتها، وحصل تفاهم كبير على مختلف الأفكار حول كيفية الالتقاء في مواجهة خطر الحرب والتوحّد في العمل واعادة الانتظام الى المؤسسات
وقال:«آمل أن يتم التفاهم والتقارب بين الجميع لمواجهة خطر الحرب.
بدوره، اشار فرنجية الى ان «لبنان اهم من الرئاسة ونحن تحدثنا بموضوع البلد ونحن متفاهمون بنسبة كبيرة بنسبة 99 في المئة من المواضيع.
وقال: « اننا اكدنا حرصنا على البلد، والمقاومة اظهرت حرصا على لبنان ولا استطيع المزايدة على المقاومة في هذا الموضوع، وباسيل معنا، ويجب العمل لدرء الانقسام، والواقع يقترب من التمنيات، وما يحدث في فلسطين وغزة جريمة بحق الانسانية».
وقال فرنجية: التيار الوطني الحر ما زال عند موقفه في موضوع الرئاسة، مضيفاً أن باسيل أبدى نية التعاون في حال وصولي إلى الرئاسة».
وعند الخامسة من بعد ظهر اليوم، يعقد باسيل مؤتمراً صحافياً، يتحدث فيه عن جولاته، وما آلت إليه، وما يتعين فعله.
لجنة المال
نيابياً، عقدت لجنة المال والموازنة جلسة برئاسة النائب ابراهيم كنعان، ناقشت فيه الفصل الثالث من مشروع موازنة الـ 2024 المتعلق بالتعديلات الضريبية بحضور وزير المال يوسف خليل.
واقرت اللجنة المواد ٢٣ الى ٤٣ وعلقت ال٤٤ وال٤٥ من الفصل الضريبي المتعلقتين بالرسوم القضائية والسياحية، مطالبة بحضور وزارتي السياحة والعدل في جلسة مقبلة».
وطالبت لجنة المال بحضور مصرف لبنان جلسة لجنة المال للاطلاع منه على ما يتعلّق بسعر الصرف وطريقة احتسابه للرسوم والضرائب.
واشار كنعان عقب الجلسة الى ان «الوضع الاقتصادي الصعب لا يجب ان يغيب عن ذهننا عند الحديث عن رسوم وضرائب والعدالة الاجتماعية تقتضي التمييز بين المكلفين بالضرائب ومن يتوجب عليهم الرسم نسبة لمداخيلهم وحجم اعمالهم».
اضاف كنعان «لا تزال الرواتب، مقارنة مع الأوضاع المعيشية، دون المستوى المطلوب، وهو ما يجب أخذه بالاعتبار لناحية عدم وضع المزيد من الأعباء والأثقال على الأفراد الذين لا يمتلكون القدرة على تحمّلها».
سياسياً، طالب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الرئيسين نبيه بري وميقاتي بأن يحترم لبنان قرارات الشرعية الدولية ولا سيما القرار 1701، فإذا كانا جادَّين بهذا الموقف عليهما أن يطلبا إذًا ، من الجيش اللبناني الانتشار في منطقة عمل القوات الدولية، كذلك دعوة بقية المسلحين، سواء كانوا لبنانيين أم فلسطينيين إلى الانسحاب من هذه المنطقة.
الوضع الجنوبي
ميدانياً، دارت بعد ظهر أمس اشتباكات بالاسلحة الرشاشة بين الجيش الاسرائيلي وعناصر من المقاومة في موقع المالكية في الاراضي المحتلة قبالة عيترون.
وكان المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي اعترف باصابة دبابة بصاروخ موجَّه أطلق من لبنان تجاه أفيفيم..
من جانبه، قال الناطق الرسمي بإسم اليونيفيل أندريا تيننتي إن تبادل إطلاق النار استمر على طول الخط الأزرق أمس.
وأضاف: «خلافاً لبعض التقارير، لم يتم استهداف أو إصابة أي دوريات تابعة لليونيفيل خلال هذه الاشتباكات، ولا يزال حفظة السلام التابعين لليونيفيل يتابعون مهامهم ويواصلون أنشطتهم، بما في ذلك الدوريات».
إلى ذاك شكل المؤتمر المسيحي الدائم لجنة طوارئ للمساهمة في مساعدة النازحين المسيحيين من القرى الحدودية هربا من القصف الإسرائيلي، وذلك بالتعاون مع المرجعيات الكنسية.
البناء:
مجلس الأمن يفشل في إصدار قرار بوقف النار في غزة بسبب الفيتو الأميركي… والمذبحة مستمرة
السيد نصرالله يبحث مع قادة الجهاد وحماس ما يجب على المحور… والشهداء على طريق القدس
باسيل يختتم جولته بلقاء فرنجية… و«لبنان أهم من الرئاسة»… و«نتخطى الحواجز والتفاهم كبير»
كتب المحرّر السياسيّ
بينما تتواصل فصول المذبحة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق المدنيين في غزة حاصداً مئات الشهداء كل يوم، كان آخرهم شهداء مجزرة مخيم النصيرات جنوب وادي غزة حيث تجمّع النازحون من شمال غزة ومدينة غزة وفقاً لنصائح الاحتلال بالانتقال الى جنوب وادي غزة، ومنهم كانت عائلة مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار لوقف إطلاق النار، وكان واضحاً أن واشنطن لن تسمح بوقف النار، وأنها تريد من أي قرار أن يمثل دعماً دولياً للضوء الأخضر الذي منحته واشنطن لجيش الاحتلال لمواصلة عمليات القتل.
كيف يمكن وقف المذبحة، بينما المقاومة في غزة جاهزة للمواجهة البرية التي يؤجلها جيش الاحتلال ويتهرّب من خوضها كل يوم بعذر جديد، وبعد الحديث عن طلب أميركي بتأجيل العملية البرية، نفاه الرئيس الأميركي جو بايدن، جاء الحديث عن ربط العملية البرية بإجلاء السكان وتبرير القصف التدميريّ القاتل والأسلحة الجديدة المستخدمة فيه، بقوة تدمير وقتل غير مسبوقة، كطريق لإقناع المدنيين بترك المنطقة، إذا بقوا على قيد الحياة. ووسط السؤال عن كيف يمكن إيقاف المذبحة يبدو الموقف العربي ظاهرة صوتية بلا أدوات تأثير رغم كثرتها بين أيدي العرب إذا توافرت الإرادة، وتتجمّع بين أيدي العرب ممرات التجارة العالمية وموارد الطاقة، ما يجعل العيون تشخص صوب محور المقاومة، الذي انعقد لقاء قيادي لأركانه برعاية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي استقبل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس صالح العاروري، حيث جرى استعراض الأحداث الأخيرة في قطاع غزة منذ بدء عملية طوفان الأقصى وما تلاها من تطوّرات على كل صعيد، وكذلك المواجهات القائمة عند الحدود اللبنانية، كما جاء في بيان لحزب الله عن اللقاء مرفقاً بصورة. وبحسب البيان «جرى خلال اللقاء تقييم للمواقف المتخذة دوليًا وإقليميًا وما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحسّاسة لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان الغادر والوحشي على شعبنا المظلوم والصامد في غزة وفي الضفة الغربية، وتمّ الاتفاق على مواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات بشكل يومي ودائم».
وبالتزامن نشر حزب الله صورة رسالة بخط يد السيد نصرالله تعدو لتوصيف شهداء المقاومة «شهداء على طريق القدس»، ما فتح الباب للتساؤل عن معنى التزامن بين اللقاء والرسالة، كتعبير عن استعداد السيد نصرالله للانتقال إلى مرحلة جديدة في مساندة المقاومة في غزة، لم تتبلور ملامحها، بقدر ما تمّ التوقف أمام مغزى الإشارة إلى ما يجب على محور المقاومة فعله لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان الغادر والوحشيّ، ومثلها ربط الشهداء بطريق القدس وليس بنصرة غزة.
داخلياً سجلت الحركة السياسية لقاء تاريخياً جمع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، واللقاء الذي توّج جولة شاملة على المرجعيات السياسية قام بها باسيل، وعقب اللقاء قال فرنجية إن لبنان أهم من الرئاسة، بينما قال باسيل إنه لأجل الوطن يجب تخطي كل الحواجز، وإن التفاهم كان كبيراً.
لا يزال الوضع الأمني على الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة بموازاة التطورات الميدانية في غزة، يطغى على المشهد الداخلي، في ظل تكثيف المقاومة الإسلامية عملياتها النوعية على طول الشريط الحدودي وفي الخطوط الأمامية والتي حصدت المزيد من القتلى والجرحى الإسرائيليين ما دفع قيادات العدو للإقرار بأن حزب الله أنهك جيش الاحتلال في جبهة الشمال، وسط مخاوف حقيقية لدى قيادة الاحتلال من توسيع حزب الله لنطاق عملياته وتحركاته بحال دخل جيش الاحتلال بعملية برية لقطاع غزة، ما يعني الدخول إلى مرحلة أكثر حرجاً وخطورة بالنسبة لكيان الاحتلال الذي لا يستطيع القتال على جبهتين، وفق ما يؤكد مسؤولون وخبراء عسكريون أميركيون وإسرائيليون.
وتشير مصادر ميدانية لـ»البناء» الى أن جيش الاحتلال يعيش أسوأ مرحلة على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، ويتخذ إجراءات مشددة لكنه يضطر الى التحرك والانتقال للقيام بمهمات أمنية لا سيما تسيير دوريات بعد الاشتباه بعمليات تسلل من الأراضي اللبنانية، وينتقل عبر سيارات مدنية للتمويه، لكن سرعان ما تسقط آليات العدو في الكمائن التي تنصبها المقاومة. وأكدت المصادر أن يد المقاومة لا زالت هي الطولى وستبقى ومستعدة لقتال لأشهر ولسنوات ولم تبدأ بالكشف عن المفاجآت التي ستؤلم العدو وتوجّه له ضربات قاسية.
وأعلنت المقاومة الإسلامية عن استهداف مجاهديها، دبابة صهيونيّة في ثكنة «أفيفيم» بالصواريخ الموجهّة وأوقعوا أفراد طاقمها بين قتيل وجريح. كما استهدفت المقاومة موقعي حانيتا والبحري بالصواريخ الموجّهة وتمّ تدمير عدد من التجهيزات الفنية والتقنية.
ونشر الإعلام الحربي في حزب الله، مقطع فيديو يظهر لحظة استهداف موقعي جيش الإسرائيلي في خربة المنارة وثكنة برانيت عند الحدود الفلسطينية بالأسلحة الصاروخية الموجّهة والقذائف المدفعية وحققوا فيهما إصابات مباشرة.
وواصل العدو الإسرائيلي عدوانه العشوائي على القرى والبلدات الجنوبية، وقصف على أطراف بلدة راميا مع تحليق كثيف للطيران الحربي. ونجا الزميلان في قناة «المنار» المراسل سامر الحاج علي والمصور علي داوود الزين بفضل العناية الإلهيّة بعد سقوط قذيفة مباشرة على بعد 20 متراً من مكان وجودهم على طريق بلدة طير حرفا أثناء تغطيتهم المباشرة للاحداث الأمنية عند الحدود الجنوبية، وكانت سقطت بالقرب من المكان 4 قذائف مدفعية مباشرة مصدرها دبابة متمركزة في موقع حانيتا خلف السواتر.
وزفّ حزب الله 4 من عناصره أمس الذين ارتقوا خلال أداء واجبهم الجهادي في المواجهة مع العدو الاسرائيلي.
واستقبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، حيث جرى استعراض الأحداث الأخيرة في قطاع غزة منذ بدء عملية طوفان الأقصى وما تلاها من تطورات على كل صعيد، وكذلك المواجهات القائمة عند الحدود اللبنانية. وبحسب البيان «جرى خلال اللقاء تقييم للمواقف المتخذة دوليًا وإقليميًا وما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحساسة لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان الغادر والوحشي على شعبنا المظلوم والصامد في غزة وفي الضفة الغربية، وتمّ الاتفاق على مواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات بشكل يومي ودائم».
ولفتت أوساط سياسية وعسكرية لـ»البناء» الى أن «لعبة الوقت حاسمة في مسار الحرب في غزة، إذ أن التفويض الذي ناله جيش الاحتلال من الولايات المتحدة والقوى الغربية وتواطؤ الكثير من الدول العربية لتدمير غزة من الجو واجتياحها برياً، بدأ ينفد، وها قد دخلنا في نهاية الأسبوع الثالث للحرب ولم تبدأ العملية البرية، ما يعني وجود شرخ بين قيادة الكيان السياسية والعسكرية، وتحذيرات أميركية من عواقب العملية البرية على غزة، لأن كيان الاحتلال لم يعد يحتمل ضربة ثانية تضاف الى ضربة 7 تشرين، هذا عدا الخطر الذي يمثله دخول حزب الله الى الجليل والى المستوطنات وإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية بحال استباحت «إسرائيل» والولايات المتحدة قطاع غزة، إضافة الى وجود قرار حاسم لدى قيادة محور المقاومة بتحريك الجبهات عند حلول ساعة الصفر». ولذلك ترجّح الأوساط «أن تُمنح اسرائيل مدة زمنية تتراوح بين أسبوعين الى شهر لشنّ عملية برية محدودة لمحاولة تحقيق انتصار وهمي ويجري حينها بدء مفاوضات على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والاستيطان والمسجد الأقصى». وشددت الأوساط على أن «كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن أن بلاده لا تريد توسيع الحرب، يؤشر الى أن الولايات المتحدة لا مصلحة لديها ولا لحلفائها باشتعال حرب إقليمية تدمر المصالح الغربية في الشرق الأوسط وربما في الخليج. وتستبعد الأوساط أن تتوسّع الحرب في لبنان على غرار العام 2006، إلا إذا ارتكبت «إسرائيل» حماقة متجاوزة الخطوط الحمراء الإقليمية والدولية. وهذا مستبعَد في الوقت الراهن لأسباب داخلية إسرائيلية وإقليمية – دولية».
على المستوى الرسمي، عرض رئيس مجلس النواب نبيه بري الأوضاع العامة مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا في عين التينة.
سياسياً، واصل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل جولته على القيادات السياسية، وبرزت زيارته أمس الى بنشعي حيث التقى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي أشار إلى أن «لبنان أهم من الرئاسة ونحن تحدّثنا بموضوع البلد ونحن متفاهمون بنسبة كبيرة». وأشار فرنجية إلى أننا «أكدنا حرصنا على البلد، والمقاومة أظهرت حرصاً على لبنان ولا أستطيع المزايدة على المقاومة في هذا الموضوع. ونحن لا نحرص على لبنان أكثر من حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عليه، وباسيل معنا، ويجب العمل لدرء الانقسام، والواقع يقترب من التمنيات، وما يحدث في فلسطين وغزة جريمة بحق الإنسانية».
وفي دردشة مع الصحافيين، أكد فرنجية بأن التيار الوطني الحر ما زال على موقفه في موضوع الرئاسة واللقاء اليوم (أمس) كان من أجل تحصين الموقف الداخلي، وأبدى باسيل نية التعاون في حال وصولي الى الرئاسة.
في المقابل، أشار النائب باسيل بعد اللقاء خلال مؤتمر صحافي مشترك مع فرنجية، إلى أن هناك تفاهماً كبيراً على مختلف الأفكار التي تمّ عرضها حول كيفية الالتقاء في مواجهة خطر الحرب والتوحّد في العمل وإعادة الانتظام الى المؤسسات. ولفت باسيل الى انه «سعيد بزيارة فرنجية وفي هذه الظروف نتخطى الحواجز، ولقيت تجاوباً مع الأفكار التي طرحتها».
وأشارت مصادر «البناء» الى أن جولة باسيل لها أهمية كبيرة في تعزيز التضامن الوطني وتحصين الساحة الداخلية لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان. وعلى الرغم من أن جولة باسيل لا سيما على الرئيس بري وفرنجية لا تشير إلى تغيّر بالمواقف السياسية من الملف الرئاسي، إلا أنها يمكن التأسيس عليها لمراحل مقبلة من الحوار.
وكان باسيل زار رئيس «تيار الكرامة» النائب فيصل كرامي ونواب تكتل «التوافق الوطني» طه ناجي وحسن مراد ومحمد يحيى وعدنان طرابلسي، ورافق رئيس التيار أعضاء تكتل «لبنان القوي» النواب جيمي جبور وشربل مارون. كما زار باسيل تكتل الاعتدال الوطني، وقال بعد الاجتماع: «لا تنجح أي فكرة في البلد إذا تمّ تغييب أي فريق ولا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأمين مشاركة كلّ المكوّنات الوطنية وهذا أساس الزيارة». اضاف: «لا وحدة وطنية ولا يمكن الحفاظ عليها من دون المكوّن السني في البلد وسنتابع بآلية عمل كي نحقق نتائج بالتعاون على أمل أن تنعكس إيجاباً على جميع اللبنانيين».
على الصعيد الحكومي، وبعد لقاء كسر الجليد السياسي بين باسيل ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عقد لقاء وزاري تشاوري جامع في السراي خصّص للبحث في كل المستجدات ومنها ملف النزوح، حضره الوزراء المحسوبون على التيار الوطني الحر، إلا أن اللقاء لم يمر على خير، بل شهد توتراً بين وزراء التيار ورئيس الحكومة، ما أدّى الى خروج وزيري الدفاع والشؤون الاجتماعية من الجلسة غاضبين.
وأفادت وسائل إعلامية بأنّ وزير الدفاع موريس سليم خرج من قاعة اجتماع اللقاء التشاوري في السراي الحكومي غاضبًا، وكان يصرخ بالقول: «يا عيب الشوم». كما غادر سليم وهيكتور حجار قاعة السراي إلى سيارتيهما غاضبَين، ليعود حجار لاحقًا إلى الداخل. لينضم وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري لاحقاً إلى وزير الدفاع في سيارته لمحاولة حل إشكال ما حصل. إلا ان سليم عاد وغادر السراي.
وأوضح المكتب الإعلامي لوزير الدفاع في بيان الى أنه «قبيل مغادرة وزير الدفاع مكتبه في طريقه الى السرايا، تسلم مراسلة عاجلة من رئيس الحكومة تحت عنوان «رفع اقتراحات لتفادي الشغور المرتقب في مركز قيادة الجيش» صيغت بأسلوب غير مألوف في المخاطبة بين رئيس الحكومة والوزراء خُتمت بالطلب من وزير الدفاع «وبالسرعة القصوى رفع الاقتراحات اللازمة» بالنسبة لتفادي الشغور «بما من شأنه تأمين الاستقرار المنشود في الجيش لا سيما في مركز القيادة بعيداً عن الجدل القانوني وما يرافقه من نقاشات وأراء فقهية»، كما ورد في مراسلة رئيس الحكومة».
وأضاف مكتب سليم: «هذه المراسلة وما تضمنته من عبارات لا تتناغم مع علاقة رئيس الحكومة مع الوزراء ولا سيما وزير الدفاع الذي أبدى كل تعاون في أكثر من ملف لأنه حريص على وحدة المؤسسة العسكرية وعلى دورها الوطني لا سيما في مثل هذه الظروف الراهنة ولا يحتاج إلى دروس من احد في هذا الصدد، الا ان النقاش مع رئيس الحكومة لم يسفر عن أي نتيجة خصوصاً لجهة الاسباب التي دفعته الى توجيه هذه المراسلة المستغربة مضموناً وأسلوباً. وعليه غادر وزير الدفاع السرايا من دون ان يشارك في «اللقاء التشاوري».
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور الحجار، إلى أن «من يحلّ مكان رئيس الجمهورية هم الـ24 وزيراً، وقد عالج رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام هذا الأمر على مدى سنتين ونيف، ونحن اليوم على استعداد أن تكون مشاركتنا في مقابل غياب رئيس الجمهورية بـ 24 وزيراً».
وتوقعت مصادر حكومية لـ»البناء» معركة سياسية في ملف قائد الجيش ورئيس الأركان في ظل الخلاف السياسيّ الحادّ حولهما. مستبعدة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون نظراً للرفض القاطع من باسيل.
وبعد انتهاء اجتماع السرايا، أعلن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، عن موضوع التمديد لقائد الجيش والقيادات الأمنية، أن «الكتاب الذي وجّهه الرئيس ميقاتي الى الوزراء كان بمثابة متابعة لهذا الموضوع، وأعود وأكرر بأن لا قراراً نهائياً في موضوع شغور قيادة الجيش»، لافتاً الى أن «موضوع مشاركة وزراء التيار الوطني الحر في الجلسات المقبلة كان للمرة الأولى مطروحاً بشكل جدّي، وبطبيعة الحال، لدى الوزراء مطالب وسيتابع هذا الموضوع وزير العدل مع ميقاتي».
ولفت مكاري إلى أننا «بحثنا بزيارة بو حبيب الى سورية واتصالاته هناك، إضافة الى الوضع في جنوب لبنان وفي فلسطين المحتلة». كاشفاً أن «هناك اتصالات تجري بين ميقاتي والوزراء مع مسؤولي المنظمات الدولية، ووضعنا ميقاتي في أجواء ما يحصل في موضوع النازحين، وفي النهاية إذا حصل تدهور في الجنوب سيكون هناك نازحون لبنانيون وسوريون، وهذه أمور يلزمها حل وطرحت حلول وستصدر قرارات بها غداً (اليوم)».
وفي سياق ذلك، أوضح وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، بعد لقائه نائب المنسّق الخاص للأمم المتحدة عمران ريزا، اننا «لن نتفهم، بعد نهاية الشهر الحالي، التأخير الحاصل في تسليم داتا النازحين وعدم التزام الاتفاق الموقع بيننا في وقت سابق». وأضاف «أجرينا حوارًا بنّاء يتعلّق بالنازحين مع ممثلي الأمم المتحدة على هامش زيارتنا سورية، واجتماعات المتابعة مستمرة مع نظرائهم العاملين في لبنان».
المصدر: صحف