تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 23-10-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
مَن الغبي (أو أكثر) الذي يريد إراحة العدوّ من عمليات المقاومة؟
ابراهيم الأمين
هل قرّرت حكومة لبنان سياسة خارجية خاصة حيال ما يجري في الجنوب وربطاً بما يجري في فلسطين؟
جدّية السؤال، على هزالته بالنسبة إلى كثيرين، مردّها إلى التصريحات المقلقة لوزير الخارجية عبدالله بوحبيب، والاتصالات غير المعلنة التي يجريها وآخرين في السلطة مع الجهات الغربية. وهي مواقف تستند إلى «تهديد» الولايات المتحدة وأوروبا بأن لبنان سيُدمَّر كلياً إذا دخل حزب الله الحرب لمساعدة حركة حماس في غزة.
بعد أسبوعين على بدء الحرب في جنوب فلسطين، وتصاعد الاحتكاك العسكري على الحدود مع لبنان، استسلمت الدبلوماسية الغربية إزاء مهمة استطلاع موقف حزب الله. لم يبقَ موفد أو صديق أو وسيط أو سياسي أو باحث أو إعلامي أو رجل أعمال إلا وجرّب حظه للحصول على جواب شافٍ من الحزب عما يفكر فيه للفترة المقبلة، إلى درجة دفعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى القول قبل مغادرتها بيروت: «ستكون توصيتي للرئيس إيمانويل ماكرون بأن الحرب قائمة بين لبنان وإسرائيل. صمت حزب الله لا يمنع من الاستنتاج بأنه يتجهّز لحرب قاسية. والخط الأحمر عنده هو بالضبط ما تريد حكومة إسرائيل تجاوزه في حربها ضد حماس».
الخلاصة الفرنسية نفسها تبادلها دبلوماسيون غربيون وعرب في بيروت يدركون بالتجربة صعوبة سبر أغوار الحزب، ولا سيما أن الجميع يدرك أن التواصل مع الحزب لم يعد مجدياً في ظل إصراره على «إستراتيجية الغموض» التي زادتها مؤشرات رصدتها الأجهزة الأمنية الغربية المحتارة في تفسير ما يقوم به. فهم يوافقون الجهات الإسرائيلية على أن الحزب ليس في حالة استنفار قصوى، وأن مؤسساته تعمل بشكل طبيعي، وأن الجهوزية واضحة فقط عند الحافة الحدودية. وهناك من بينهم من يطمئن نفسه بأن الحزب لا يرغب بتعديل قواعد الاشتباك، ويريد حصر المواجهة في مزارع شبعا، وأن الانتقال إلى مستوى أعلى من التصعيد أتى من جانب فصائل فلسطينية تنفّذ عمليات عبر الحدود تضامناً مع غزة. وفي هذه النقطة، تزداد حيرة الغربيين، إذ تفيدهم قوات اليونيفل بأن أحداً لا يمكنه القيام بعمل عسكري في الجنوب من دون علم حزب الله الذي يقول لهم إنه ليس حارساً للحدود. كذلك يدرك هؤلاء أن لا قدرة للجيش اللبناني على قمع المجموعات الفلسطينية، وتبريراته في ذلك أن النقاط التي يتحرك فيها المقاتلون مغلقة بفعل إمساك حزب الله بها.
في كل الحالات، يبدو البحث عن أجوبة في هذا المجال تمريناً دائماً للدبلوماسية الغربية وللأجهزة الأمنية، فيما إسرائيل، وحدها، تعرف أكثر من الجميع ما يريده حزب الله. وتدرك، تحديداً، أن الحزب لا يمكنه الصمت إزاء حرب حاسمة تُشن ضد المقاومة في فلسطين. وهي لا توفد وسطاء ولا تبعث برسائل للحصول على توضيحات من الحزب، بل تجرّب حظها في احتمال أن يرتدع حزب الله ويدير ظهره لما يجري في جنوب فلسطين. ولذلك، الرهان الأساسي للعدو هو على الدور الأميركي. أما الآخرون فليسوا سوى سعاة بريد يوصلون رسائل من دون اجتهادات. وإسرائيل التي لا تحتاج إلى من يخبرها عن «إستراتيجية الغموض» كانت تريد من الولايات المتحدة، ليس لفت انتباه الحزب أو تحذيره، بل أن تمارس تهديداً مباشراً وموجعاً وفعّالاً على الحزب. ولذلك تدرّج الأمر من بيانات ورسائل تولّت نقلها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا ومندوبون في الأمم المتحدة وعبر الدبلوماسية الفرنسية التي حملت رسائل كبيرة. في مرحلة لاحقة، تحديداً عندما لم يسمع العدو سوى الصمت رداً على رسائله، سارع إلى الاستنجاد بالأميركيين طالباً منهم القيام بخطوة عملانية، فكان القرار بإرسال قطع عسكرية بحرية إلى المتوسط، ولم يخف الأميركيون أن وظيفة هذه الأسلحة هي ردع حزب الله، قبل أن يخرج الرئيس الأميركي جو بايدن بنفسه ليحذّر الحزب وإيران من القيام بأي شيء.
انتظر الأميركيون ومعهم إسرائيل رد فعل المقاومة في لبنان على هذه الرسائل. ولم يتأخر الوقت حتى ظهرت علامات الجواب. رفع مستوى العمليات ضد مواقع العدو عند الحافة الحدودية، ورفع مستوى الخطاب السياسي الذي تولّته إيران مباشرة على لسان رئيس دبلوماسيتها حسين أمير عبداللهيان بعد اجتماعه مع قيادة حزب الله في لبنان. وبعد وقت قصير، وإزاء رفع العدو الأميركي سقف تهديداته عبر القنوات الدبلوماسية، جاء الرد على شكل عمليات عسكرية مباشرة ضد القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق، ومناورات صامتة في بحر العرب والبحر الأحمر، والتقاط العدو إشارات استخباراتية إلى احتمال حصول عمليات ضد مصالح إسرائيل أو أميركا في أكثر من دولة في المنطقة.
وزيرة خارجية فرنسا: الحرب الكبيرة آتية لأن إسرائيل
ستتجاوز الخط الأحمر الذي يضعه
حزب الله
كان لهذه الردود أثرها الكبير على الموقف الإسرائيلي الذي بات مضطراً لاتباع سياسة مختلفة في الميدان، فلجأ إلى إجراءات عسكرية غير مسبوقة، وأعطى قادة وحداته في الميدان حرية التصرف إزاء عمليات حزب الله، والقيام بضربات من دون الحذر المعتاد بعدم إصابة مقاومين، فيما تستمر المساعي لتطويق الأمر، ويبحث جميع أصدقاء إسرائيل في الطريق الأفضل لاحتواء الموقف على الجبهة الشمالية.
وسط هذا البحر من الرسائل النارية والدبلوماسية، ثمة من أخرج أرنباً من جيبه، فكان اقتراح وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بأن تقوم الولايات المتحدة وأوروبا باتصالات مع إسرائيل لدفعها إلى خطوات من شأنها احتواء الموقف على الجبهة الشمالية. وبخلاف ما يقوله بوحبيب من أنه وزير للخارجية وليس مقاوماً يحمل السلاح، فقد بادر إلى إطلاق مواقف تنمّ عن أمر خطير للغاية، سواء كان هو صاحب الفكرة أو منفّذاً لها، علماً أنه هو من بادر بالتواصل مع قنوات محلية وعربية ودولية لترتيب مقابلات معه، ليقول: أقنعوا إسرائيل بإعلان وقف النار، ما يساعدنا في إقناع حزب الله بوقف نشاطه العسكري عند الحدود. فجأة صار بوحبيب ساعياً إلى توفير ما تريده إسرائيل بشدة في هذه اللحظات على الجبهة الشمالية، حتى لو ادّعى لاحقاً بأنه يقصد وقفاً لإطلاق النار في فلسطين. وهو لم يكتف بالتفكير في أمر خطير كهذا، بل أعلن أن موقفه جاء بعد تنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومسؤولين آخرين من القوى السياسية البارزة.
وبعيداً عن حيرة الخبراء والناس حول من هو الأقل صدقاً، نفى رئيس الحكومة أن يكون هو خلف «مبادرة» وزير خارجيته، بل أكثر من ذلك، فقد نُقل عنه قوله: «لست فؤاد السنيورة، وأريد تنسيق كل خطوة مع المقاومة، حتى ولو كنت أكثر ميلاً إلى عدم الذهاب إلى الحرب». كذلك تبيّن أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ليس في أجواء ما يقوم به بوحبيب، بل يجري الحديث عن توتر في العلاقة بينهما منذ أكثر من أسبوع، علماً أن فريق باسيل يشكو من رفض بوحبيب، منذ أشهر، التنسيق مع الفريق الذي سمّاه إلى المنصب الذي يحتلّه. فيما الفرق الدبلوماسية المعنية تشير إلى أن جدول أعمال بوحبيب اليومي لا يخلو من اتصال أو محادثة كتابية أو لقاء مع السفيرة الأميركية.
كان على بوحبيب – طالما أنه يقول بأنه دبلوماسي مُحلّف – أن يختار كلماته بدقّة، فلا يساوي بين شهداء لبنان وقتلى العدو، وأن لا يتحدث عن المقاومة في لبنان وكأنها حالة غريبة مفروضة على اللبنانيين. بالنتيجة، قائمة أخطاء وزير الخارجية باتت طويلة جداً منذ معركة التجديد لولاية القوات الدولية في الجنوب. وهو إذ يبرّر ذلك، في مجالسه العلنية، بأن أحداً لا يحترم القرار 1701، فقد لا يكون أحد بحاجة إلى وثائق ويكيليكس لمعرفة ما يُقال في الجلسات المغلقة.
الترهيب الغربي مستمرّ: اكبحوا حزب الله وإلّا!
فيما كثّفت المقاومة ضرباتها على مواقع العدو الإسرائيلي على الحدود، توزّع المشهد السياسي الداخلي بين تحذيرات عواصم دولية تطلب من رعاياها مغادرة لبنان أو عدم زيارته، واستمرار الضغط على القوى السياسية لـ«منع حزب الله من الانخراط في حرب تؤذي لبنان».
وأشارت مصادر سياسية إلى «استياء كبير لدى السفراء الموجودين في بيروت بسبب عدم تجاوب الحزب مع أيّ من الرسائل التي تُنقل له عبر مسؤولين لبنانيين». وكشفت المصادر عن «تراجع سقف الكلام الدبلوماسي الذي بدأ بالتهديد والتحذير من شنّ أي ضربات ضد إسرائيل من جنوب لبنان، إلى الحديث عن ضرورة الحفاظ على المواجهات الحدودية ضمن إطار اللعبة وقواعد الاشتباك»، بعدَ أن «بدأ السفراء والمسؤولون الذين حملوا رسائل ولا يزالون ينقلونها يفقدون الأمل بسبب تجاهل الحزب لهم، إذ يتبلّغ هؤلاء من مسؤولين لبنانيين رسميين بأن لا جواب حاسِماً ومطمئِناً من الحزب في هذا المجال».
مع ذلك، يوصل المسؤولون الأميركيون تفعيل الخط الساخن مع المسؤولين اللبنانيين ويؤكدون أنهم «يعملون مع الجانب الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، وأن على القوى السياسية أن تضغط على الحزب للقبول بهذا المسعى والالتزام بأي اتفاق قد يحصل».
وقد أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن اتصالين تلقّاهما من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير خارجية مصر سامح شكري للتشاور في مساعي وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن الاتصالات الدبلوماسية التي يقوم بها دولياً وعربياً ومحلياً مستمرّة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وجنوبه تحديداً، ومنع تمدد الحرب الدائرة في غزة إلى لبنان. ولا يكتفي الأميركيون بالتواصل مع ميقاتي، بل هناك خط موازٍ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط، بحسب أوساط سياسية لـ«التواصل مع الحزب لمنع التصعيد أو الحسابات الخاطئة».
40 سنة على الهروب الدموي للأميركيين من لبنان | واشنطن تهدد بإرسال المارينز: أهلاً بهالطلة!
قرابة الخامسة والنصف من صباح الأحد 23 تشرين الأول 1983، دخلت شاحنة مرسيدس صفراء مقرّ الثكنة الرئيسية لـ«كتيبة الإنزال» التابعة لمشاة البحرية الأميركية (المارينز) قرب مطار بيروت. قام سائق الشاحنة بجولة دائرية جنوب موقف السيارات في الثكنة ثم خرج من المكان. وعند الساعة السادسة والدقيقة الـ 22 صباحاً، عادت الشاحنة واقتحمت المقرّ مسرعة، ولكن هذه المرة من الجهة الغربية لموقف السيارات، وقامت بعملية التفافية قبل أن تتجه مباشرة نحو حاجز من الأسلاك الشائكة يفصل بين موقف السيارات والمبنى. وبعد أن قطعت الحاجز مسرعة، اجتازت البوابة الرئيسية، وانفجرت في الردهة داخل المبنى. وأدت قوة الانفجار إلى رفع المبنى المكوّن من أربع طبقات في الهواء، ما دمّر أعمدة الدعم والقواعد قبل أن ينهار البناء تماماً.
روايات كثيرة صيغت حول ما حدث، السائد فيها هو التحقيقات التي أجرتها الإدارة الأميركية. لكن، لم تصدر رواية عن الجهة المنفّذة منذ تاريخ العملية. وأجمع الشهود على أن ما حدث كان على صورة مناورة، إذ قال الحرّاس، إنهم سبقوا أن شاهدوا الشاحنة، وتصرفوا معها باسترخاء، لأنها تشبه الشاحنات التي تنقل الحاجيات إلى الثكنة. عملياً، لم يتلقَّ الحراس أي إنذار كي يتأهبوا ويطلقوا النار عليها قبل أن تخترق موقعَي الحراسة والمدخل الرئيسي. ووفقاً للحارس نائب العريف، إيدي دفرانكو، الذي بقي على قيد الحياة، فقد كان موجوداً في مركز الحراسة رقم 7، عند المدخل الرئيسي حيث اقتحمت الشاحنة، وقال أيضاً إنه عندما رأى الشاحنة أول مرة قبل أن تقترب، اعتقد أنها مثل عشرات الشاحنات التي تنقل المياه والبضائع والمعدات يومياً من محطة الشحن في المطار.
تضاربت المعلومات حول كمية المتفجرات التي كانت مزروعة في الشاحنة، ولكن الرقم الأكثر تداولاً أشار إلى خمسة أطنان من مادة الـ«تي. أن. تي» الشديدة الانفجار. وكانت المتفجرات موضّبة بطريقة مدروسة، إذ يتجه عصف الانفجار إلى الأعلى، ما تسبب في دمار كبير وإصابة كل من كان في المبنى. وقد أُعلن لاحقاً عن مقتل 241 أميركياً، بينهم 220 من جنود المارينز.
لم تمرّ دقائق قليلة على التفجير، حتى دوى انفجار ضخم آخر، في مبنى دراكار الكائن في الرملة البيضاء حيث مقرّ المظليين الفرنسيين، ما أدى إلى مقتل 58 منهم. الانفجار الذي ظلّ الخلاف قائماً حول طريقته، أُشير إليه حينئذٍ على أنه ناجم أيضاً عن سيارة مفخّخة اقتحمت المكان، محمّلة بنحو خمسة أطنان من المتفجرات.
بعد 40 عاماً على أهم الضربات للاحتلال الأميركي يعود قادة الولايات المتحدة إلى سيناريو الاستعراض نفسه
الرواية حول الشاحنة قابلتها رواية أخرى، قُدّمت بعد ثلاثين سنة. فقد نشرت صحيفة الـ«موند» الفرنسية تحقيقاً عام 2013، أوردت فيه شهادات تستند إلى تحقيقات السلطات الفرنسية. ونقلت عن جنود فرنسيين كانوا في مبنى مجاور، يسمى كاتاماران، ويقع على بعد أقل من 100 متر من مبنى داكار، أنهم خرجوا إلى الشرفة بعد انفجار الثكنة الأميركية، وبعد دقيقتين انفجر مبنى دراكار. إلا أنهم قالوا إنهم لم يروا أي شاحنة تدخل إلى المبنى. كما نُقل عن الضابط المسؤول عن حماية المبنى الناجي عمر ماري ماغدلين قوله: «المبنى كان محاطاً بسور ومحميّاً بسدود ترابية، وكان الشارع مغلقاً من الجانبين، فيما البناء مسيّج بعوائق وأسلاك شائكة، ما يجعل مرور شاحنة من دون ملاحظتها أمراً غير ممكن». لكن، لم يستمع أحد لهؤلاء الشهود أثناء التحقيقات، ومُنع الناجون من الحديث مع أي كان.
أرسلت واشنطن، الأدميرال روبرت إل. جاي لونغ، ممثل وزارة الدفاع الأميركية للتحقيق في انفجار «المارينز». لكن الوضع كان يزداد سوداوية على القوات الأميركية، إذ تواصلت العمليات ضد جنود «المارينز»، قبل أن يُعلن الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، في 7 شباط 1984، نقل قوات «المارينز» من القواعد في مطار بيروت إلى السفن الأميركية على الشاطىء. وفي أسبوعين، قامت الحاملة «يو إس إس نيو جيرزي» بعمليات قصف انتقامية ضد مناطق كثيرة في لبنان، قبل أن يصدر الأمر الأميركي بالخروج نهائياً من لبنان ومياهه في 26 شباط 1984.
من يقف خلف العملية؟
لم يكن تفجير مقرّ «المارينز» حدثاً عادياً بالنسبة إلى الأميركيين، إذ كانت له نتائجه الكبيرة التي تُرجمت لاحقاً بسقوط الحكم الحليف لواشنطن في لبنان، وتداعي نتائج الغزو الإسرائيلي. وفي ظل الحرب الباردة التي كانت قائمة مع الاتحاد السوفياتي حينذاك، أُطلق كثير من المواقف التي اتهمت موسكو ودمشق بالوقوف خلف الهجوم، أو تقديم تسهيلات له. لكن الاستخبارات العسكرية الأميركية سرعان ما وضعت على طاولات العاملين لديها ملفاً جديداً: الجهاديون المقرّبون من إيران.
مضى وقت غير قصير نسبياً على إبراز الأميركيين الاتهام المباشر لرجال مقربين من إيران بالوقوف خلف الهجوم، وربطوه بالهجمات التي طالت رجال الاستخبارات العسكرية الأميركية في لبنان، وموجة خطف الرهائن الأميركيين والغربيين. وبعد أعوام قليلة، صار الغرب يتحدّث عن أن المجموعات التي عاد حزب الله وتأسّس منها، هي التي تقف خلف العمليات، وبرز لأول مرة اسم الشهيد عماد مغنية في رأس قائمة المطلوبين.
طواقم الاستخبارات المركزية التي تناوبت على ملفات الشرق الأوسط، كانت دائماً تعمل بدافع «شخصي» ضد من حمّلتهم المسؤولية عن الهجوم. ولذلك ورد في عدد من التقارير الأميركية كتب بعضُها محلّلون سابقون في الاستخبارات، فإن «مطاردة عماد مغنية كانت شخصية». اتهمت واشنطن الشهيد رضوان بأنه يقف أيضاً خلف تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983، والذي أدى إلى تدمير محطة وكالة المخابرات المركزية بأكملها، ومقتل رئيس فرع الشرق الأوسط بالوكالة، وإنه كان يقف خلف اختطاف الرئيس لمحطة وكالة المخابرات المركزية، ويليام باكلي، وتصفيته، في 1984، والذي أُرسل إلى بيروت عام 1983 لإنشاء محطة جديدة لوكالة المخابرات بعد تدمير المحطة السابقة. وقال مسؤول كبير في المخابرات المركزية: «إن احتجاز باكلي أدى إلى إغلاق أنشطة المخابرات المركزية الأميركية في البلاد».
رامسفيلد لشولتز: علينا تذكير أنفسنا دائماً بأن الدخول في شيء هو دائماً أسهل من الخروج منه
في كتابه «المعلوم والمجهول»، أورد دونالد رامسفيلد، المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان في عهد ريغان، عنواناً خاصاًَ بالفصل المخصص لعملية تفجير مقر المارينز في بيروت، وأسماه «ابتسامة الموت». كل من يكتب عن تلك العملية يذكر أن سائق الشاحنة التي انفجرت في مبنى المارينز كان يبتسم قبل ثوانٍ من الانفجار، وفقاً لروايات الشهود. الانفجار قتل 241 جندياً من أصل 350 كانوا يشكّلون عديد الكتيبة الأولى من فرقة المشاة البحرية الثامنة، ومثّل أكبر ضربة للمارينز في تاريخها. قال رامسفيلد «إن تفجير مقر المارينز هو أكبر هجوم إرهابي على الولايات المتحدة الأميركية قبل 11 أيلول».
رامسفيلد نفسه، أورد تعليقاً لنائب الرئيس الأميركي حينذاك، جورج بوش الأب، قال فيه «لن نسمح لمجموعة من الإرهابيين الغدارين، الجبناء، في رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة». وعلّق رامسفيلد: «أتفق معه بكل ما قال، إلا أنهم ليسوا جبناء، ولا أعتقد أن مجموعة من الأشخاص مستعدين لقيادة شاحنة وتفجيرها وقتل أنفسهم هم مجموعة من الجبناء». وأشار رامسفيلد إلى أنه قدّم إلى وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، جورج شولتز، ملاحظته بعد أن وصل إلى بيروت وقال فيها إنه يعتقد أنه «يجب ردم الهوة الموجودة بين التصور المبالغ فيه، وبين قدرتنا والواقع»، وثانياً «أن لا نستخدم أبداً الجنود الأميركيين كقوات حفظ سلام، لأننا كنا هدفاً كبيراً»، وثالثاً «تذكير أنفسنا دائماً بأن الدخول في شيء هو دائماً أسهل من الخروج منه».
بعد مرور أربعين عاماً على واحدة من أهم عمليات المقاومة للاحتلال الأميركي في المنطقة، يعود قادة الولايات المتحدة إلى تكرار سيناريو الاستعراض نفسه. قبل أيام، أُعلن في الولايات المتحدة أن وزير الدفاع لويد أوستن أمر 2000 جندي أميركي، بالاستعداد لاحتمال المشاركة في حرب إلى جانب إسرائيل. في حين، قال متخصصون، إن هذه المجموعة من العسكريين، لن تكون لديها مهمات قتالية، بل يقتصر دورها على الدعم اللوجستي، إلا أن الخطوة قد تكون مقدّمة لإرسال مزيد من الجنود بمهمات قتالية مستقبلاً. وفي حال قررت الولايات المتحدة الدخول مباشرة في الحرب القائمة اليوم، فإن في لبنان والمنطقة، من ينتظر هؤلاء، وبين هؤلاء لبنانيون يلتزمون بحملة وزارة السياحة ويقولون لهؤلاء: أهلاً بهالطلة!
عسكر أميركا في لبنان… والنووي أيضاً!
لم تكن «زيارة» الوحدة البرمائية البحرية للمارينز الأميركي عام 1982 الأولى إلى لبنان، بل سبقتها أخرى عام 1958، بطلب من الرئيس كميل شمعون الذي كان يواجه انتفاضة شعبية مسلحة في وجه حكمه. يومها، أرسل الرئيس الأميركي، أيزنهاور، الفوج الثاني لقوات المارينز. وصل 1700 جندي إلى شاطىء بيروت، بعدما كان الأسطول السادس التابع للبحرية الأميركية قد جمع أكثر من 70 سفينة حربية للمواكبة.
ووفقاً لبروس رايدل في كتابه (بيروت 1958- كيف بدأت حروب أميركا في الشرق الأوسط)، كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي ترسل فيها الولايات المتحدة قوات مقاتلة إلى المنطقة العربية. ويضيف: في 15 تموز 1958، كان لبنان مقبلاً على كارثة، المسلمون يعتبرون أنّ التدخل الأميركي ضدهم، والمسيحيون يعتبرون أن الأميركيين جاؤوا لينقذوا حكمهم ورئيسهم كميل شمعون. كان الأميركيون يتحضرون للحرب، وكما تقتضي الإجراءات في ذلك الوقت. ويشير الكاتب الأميركي إلى أن واشنطن طلبت من ألمانيا تجهيز بطاريات تحمل صواريخ، يمكن أن تكون بينها رؤوس نووية، ولكن ما إن وصلت الصواريخ عبر البحر حتى عادت عبر الجو إلى ألمانيا، وانتهت الأزمة اللبنانية بالطرق الدبلوماسية وفقاً للكاتب.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران عام 1982، واحتلال العاصمة بيروت بعد إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها، وقد بقيت في بيروت «قوات حفظ السلام» التي أُرسلت في آب للإشراف على إجلاء المقاتلين الفلسطينين، تشكلت القوات الأجنبية يومها من 800 جندي من وحدة برمائية بحرية أميركية، و400 جندي فرنسي، و800 جندي ايطالي. بعد انتهاء عملية الإجلاء خرجت القوة الاميركية منتصف شهر أيلول، قبل أن تعود قوات المارينز إلى لبنان في 26 أيلول من العام نفسه، إثر تصفية بشير الجميل، والتي أعقبها ارتكاب العدو وحلفائه من قوات الجبهة اللبنانية مجزرة صبرا وشاتيلا. وضُمّت قوة المارينز إلى «قوات حفظ السلام».
بين تشرين الأول وكانون الأول من العام نفسه، نُقلت الأسلحة والمدرعات من البوارج الحربية الأميركية إلى البر. وقامت بعض القوات الأميركية أيضاً بدوريات في أحياء المنطقة الشرقية من بيروت، خلف ما كان يعرف وقتها بالخط الأخضر. وبالتوازي، نفذت القوات الأميركية برنامجاً لتدريب عناصر من الجيش اللبناني.
العمليات ضد الأميركيين… والجهاد الإسلامي
مع انطلاق المواجهات العسكرية ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، خرجت فصائل لبنانية وفلسطينية لتقوم بالعمليات. وبعد الهدوء الذي رافق خروج المقاتلين الفلسطينيين، وتعزز سلطة الحكم للرئيس أمين الجميل، كانت مجموعات فدائية جديدة تظهر علناً، لكن بأسماء وهمية لم يكن الهدف منها سوى الإشارة إلى الطابع العقائدي لهذه المجموعات. وكان الأبرز بينها منظمة الجهاد الإسلامي التي تبنّت عمليات كثيرة، من بينها تفجير مقرَّي المارينز والمظليين الفرنسيين.
جنود القوات المتعددة الجنسية تعرضوا لعميات كثيرة. في عام 1983، وفي 16 أذار تحديداً، أُصيب 5 جنود من المارينز في هجوم جنوب بيروت. وبعدها بشهر، وتحديداً عند الواحدة من بعد ظهر 18 نيسان، اقتحمت شاحنة محملة بنحو طنّ من المواد المتفجرة مقر السفارة الأميركية في بيروت وانفجرت مدمّرةً المبنى، ومخلّفة خسائر كبيرة من بينها 17 أميركياً، ثمانية منهم ضباط في وكالة المخابرات المركزية (CIA)، وإصابة أكثر من 100 آخرين. وقد تبين لاحقاً أن التفجير حدث أثناء انعقاد اجتماع خاص لممثلي وكالة الاستخبارات الأميركية في المنطقة. وفي شهر أيار من العام نفسه، أُطلقت النيران على مروحية تابعة للمارينز، ليتبيّن أن قائد المارينز في لبنان، الكولونيل جايمس ميد، كان على متنها. وفي شهري آب وأيلول أيضاً، تعرضت ثكنة المارينز قرب مطار بيروت لعمليات عسكرية، ما أدى إلى مقتل خمسة جنود وإصابة 49 جندياً آخرين. في حين كانت المجموعات العسكرية الفرنسية والإيطالية تتعرض هي أيضاً لعمليات عسكرية، ما أدى إلى مقتل جندي فرنسي وإصابة خمسة جنود إيطاليين. وفي شهر أيلول أيضاً، قصفت المدمرتان «يو إس إس جون رودجيرز» و«يو إس إس فيرجينيا» مناطق في جبل لبنان، وسقطت قذائف كبيرة في مناطق بين الشوف وعاليه، حيث كانت قوى لبنان حليفة سوريا تسيطر على المكان. وفي 24 أيلول من العام نفسه، وصلت البارجة «يو إس إس نيو جيرسي» إلى شواطىء بيروت. وفي تلك المدة، ارتفعت وتيرة الهجمات ضد القوات المتعددة الجنسيات، وأُطلقت النيران على مروحيتين تابعتين للمارينز، وأُصيب اثنان من جنودهما بطلقات رشاشات خفيفة. كما قُتل جندي في 14 تشرين الأول وأُصيب 5 بجروح نتيجة طلقات نارية من قناص، وآخر نتيجة قنبلة، وفي التاسع عشر من الشهر نفسه، أُصيب 4 من جنود المارينز بعد أن أُحبطت عملية لتفجير آليتهم.
سكّان الضاحية يعيشون على توقيت غزة
بحذر وترقّب، يراقب أهل الضاحية وسكانها الأوضاع في غزة وعلى الحدود مع فلسطين. المنطقة التي دفعت الثمن الأغلى في حرب تموز 2006، تعرف تماماً أن لا أمان للمدنيين من العدو في أيّ مواجهة مقبلة. لذلك، ومنذ اليوم الأول لبدء المواجهات على الحدود مع فلسطين المحتلة، بدأ كلٌّ وضع «الخطة ب» موضع التنفيذ، خصوصاً في حارة حريك وبئر العبد اللتين، قياساً بمجريات عدوان 2006، تُعدّان في «دائرة التهديد المباشر»، فيما يعيش أهالي الشياح والغبيري أيامهم بحذر من دون استعدادات واضحة للمغادرة. فالآلاف جهّزوا حقائب قرب أبواب منازلهم، تحتوي على الأوراق الرسمية كالهويات وجوازات السفر، وأدوية، وأموال وممتلكات ثمينة من مجوهرات أو سندات ملكية.
مريم التي عايشت حرب تموز تقول «لست مضطرة لإعادة التجربة، لذلك أخرجت أولادي من منطقة بئر العبد نحو بلدتي كيفون». ورغم «الاعتياد» على انحصار المواجهات حتى الآن على الجبهة الشمالية، إلا أن «سيارتي دائماً مفولة بنزين، وخبر انطلاق الاجتياح البري لغزة يعني الانتقال إلى منزلي الثاني في جبيل»، قالت آمال التي تصف خوفها من الحرب بـ«المتحرّك مع وتيرة الأخبار القادمة من غزة»، لكنّها مطمئنّة تماماً لانتصار المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فـ«العدو لن يتمكن من التقدم برياً»، بالتالي، «لا حلّ أمامه سوى التدمير الشامل، والصور الآتية من غزة مخيفة».
المشهد في الضاحية ليس واحداً. فالقدرة على الرحيل ومغادرة البيوت رفاهية غير متوافرة للبعض. إذ وصل إيجار الشقة الصغيرة إلى 600 دولار في المناطق «الآمنة» القريبة للضاحية. لذلك، قرّر كثيرون عدم المغادرة، رغم مخاطر وقوع الحرب، «لأننا جرّبنا ذلّ التهجير في حرب 2006، ولن نعيد الكرّة»، يقول خليل، الأستاذ في التعليم الرسمي، مشيراً إلى «أنني اشتريت تمويناً وملأت خزان المياه الاحتياطي على سطح المبنى، وأستعدّ للحصار». يؤكد خليل أنه «مطمئن لعدم قدرة العدو على إعادة مشهد تموز»، وفي حال احتدمت الحرب، وقرّر الخروج من منزله، «لن أترك الضاحية، بل سأنتقل إلى منطقة أخرى فيها أكثر أمناً». أما ساعة خروجه، فيربطها بـ«قصف تل أبيب، فوفقاً لمعادلة المقاومة، لن تُقصف الضاحية قبل وصول الصواريخ إلى عاصمة الكيان».
مغتربون أيضاً قرروا العودة للبقاء إلى جانب أهلهم في مدة الترقب الحالية. مصطفى أحد هؤلاء، قدم ليقيم في بلدة في العديسة المواجهة للحدود الفلسطينية مع أهله الرافضين أصلاً لفكرة مغادرة المنزل، مفضلين الانتهاء من قطاف الزيتون. أما مريم، فتركت ألمانيا التي قضت فيها فصل الصيف، وعادت رافضةً المغادرة الآن. «لست خائفة»، تقول، و«لا أريد المغادرة، فابنتي تريد البقاء في مدرستها هنا، كما لا أرغب في العيش في مكان وأهلي في مكان آخر، عشنا الحرب عدة مرات، ولن تفرق اليوم». وحول وجود خطة طوارئ للرحيل عن منزلها في الضاحية في حال وقوع الحرب، تشير إلى أنها جهّزت منزل أقاربها في منطقة بربور للانتقال إليه عند الطوارئ.
المفارقة أن الضاحية استقبلت أخيراً عدداً كبيراً من أهالي القرى الحدودية، إلا أنّ هؤلاء يعدّون إقامتهم فيها مؤقتة، رغم أنّ بعضهم «عتلان هم الطلعة مرة ثانية». من جهته، يحاول محمد علوية القادم من مارون الرأس التنسيق مع أقارب له للاستفادة من منزل كبير يملكه أحد مغتربي القرية في منطقة الجبل، من دون اللجوء إلى استئجار منزل آخر، حيث وصلت قيمة إيجار المنزل إلى 1200 دولار الأسبوع الفائت.
المبيع في الصيدليات وحال المستشفيات
مشاهد الاستعداد للحرب تنسحب على الصيدليات، «مبيع الأدوية المزمنة زاد على نحو كبير»، وفقاً للصيدلانية دارين حجازي. «الضغط على أدوية السكري والقلب تضاعف مقارنةً مع الشهر الماضي، والمقتدرون يشترون كميات من الأدوية تكفي لعدّة أشهر». وحول تلبية الموردين للطلب الكبير على الدواء، أشارت حجازي إلى «تجاوب الشركات مع الطلبات، ولكن معظم الصيدليات توقفت عن تخزين الأدوية مع بداية الأزمة عام 2019 لعدم قدرتها على تحمل تقلبات الأسعار».
من جهة أخرى، حذّر الصيدلاني إبراهيم العلي العامل في شركة توريد أدوية للمستشفيات من عدم وجود مخزون كافٍ من التجهيزات الطبية والأدوية في المستشفيات التي «كانت تحتفظ بكميات كافية لسنة قبل الأزمة الاقتصادية، أما الآن، فلا تشتري ستوكات تكفي لأكثر من شهر واحد».
«وصمة الأنصار» تلاحق الاحتلال: الضفة هدفاً لـ«هستيريا» إسرائيلية
رام الله | يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي، وفي ذروة العدوان الذي يشنّه على قطاع غزة، لم ينسَ اللطمات التي وُجّهت إليه مراراً في مخيم جنين، فانتهز الوقت على حين غرّة، وشنّ غارة جوية بطائرة حربية من طراز «إف-16» على مسجد «الأنصار»، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 20 عاماً، وتحمل في طيّاتها تصعيداً ينذر بمرحلة خطيرة، علماً أن المرّة الأخيرة التي استُخدم فيها سلاح الطيران هناك، كانت في الثالث من تموز الماضي، حين استُعين بمروحية «أباتشي» لتأمين عمليّة إنقاذ قوات وآليات عسكرية وقعت في كمين في جنين. وفي ذلك الشهر، ولدى إطلاقه عملية عسكرية واسعة في المخيم، كانت حارة الدمج التي تطلّ على هذا الأخير، أحد أبرز محاور الاقتحامات الإسرائيلية، إذ شهدت أعنف الاشتباكات والمواجهات بين جنود العدو والمقاومين، الذين نجحوا في نصْب كمائن قاتلة ومُحكمة للجنود الإسرائيليين. ووقتها، تحصّن مقاومون في مسجد «الأنصار» الذي تعرّض لحصار من قِبَل قوات الاحتلال، وقصفٍ لمحيطه من الطائرات المُسيّرة، غير أن المقاتلين تمكّنوا من الانسحاب عبر نفق في أسفل المسجد، ليُجنّ جنون العدو.
هذه اللطمة، والخسائر التي تكبّدتها إسرائيل من جرّائها، لم ينسَها جيشها الذي عاد، فجر الأحد، ليقصف المسجد بصاروخ موجّه، مدمّراً طبقاته الثلاث بشكل كامل، بذريعة «تدمير مسار نفق تحت الأرض»، وتصفية «خليّة مشتركة لحماس والجهاد الإسلامي كانت موجودة داخل النفق، وهي مسؤولة عن سلسلة من الهجمات التي تمّ تنفيذها في الأشهر الأخيرة». وأظهر القصف، الذي استشهد على إثره مقاومان، هما: محمد عبدالله من محافظة سلفيت، ومحمد عايد من جنين، وأصيب ثلاثة آخرون، اختراقَ الصاروخ طبقات المسجد الذي لا يزال صامداً، على رغم أنه بات معرّضاً للانهيار في أيّ لحظة. وبحسب رواية الأهالي، فإن ما تعرّض له المسجد من قصف بطائرة حربية، لم يسبق له مثيل منذ «الانتفاضة الثانية» قبل عشرين عاماً.
وتُستشفّ من لجوء الاحتلال إلى القصف الجوي بهذا الشكل، عدّة دلالات؛ أُولاها، رسالة تصعيد يبتغي العدو توجيهها إلى المقاومين، ومفادها أن الضفة لن تكون بمنأى عمّا تواجهه غزة من عدوان وقصف جوي، من دون الحاجة إلى المغامرة والزجّ بقوات في المخيم، ولا سيما بعدما تكبّد خسائر بشرية في اقتحامات سابقة لمخيمَي جنين ونور شمس، حيث قُتل، قبل أيام، ضابط، وأصيب 10 جنود بانفجار عبوة ناسفة. وكانت قوات الاحتلال توعّدت مخيم جنين بمعركة كبيرة، عقب عمليتها في مخيم نور شمس قبل أيام والتي استمرت لأكثر من 30 ساعة، واستشهد خلالها 13، جلّهم في انفجار طائرة مُسيّرة انتحارية. وبالإضافة إلى ما تقدّم، تكشف عملية القصف حالة التخبّط والارتباك في صفوف جنود العدو، وهو ما ظهر في أكثر من حادثة منذ معركة «طوفان الأقصى»، ولا سيما حين أَطلق جنود الاحتلال النار على زملائهم وعلى مستوطنين في أكثر من مكان، وأردوهم. ولعلّ حوادث من هذا النوع، هي ما يقلق الجيش الإسرائيلي من مسألة الدخول إلى المخيم، في ظلّ الاشتباكات التي تجري في الأزقة، علماً أن الجندي الذي قُتل قبل أربعة أشهر في مخيم جنين، استُهدف بنيران صديقة. وفيما لم تَعُد حالة الاستنفار والرعب في صفوف العدو خافية على أحد، إلّا أن الجيش لا يزال يوجّه تهديدات إلى عائلات المقاومين بقصف منازلهم واعتقالهم جميعاً، في حال لم يسلّم أبناؤها أنفسهم.
ولم يقتصر التصعيد على مدينة جنين؛ إذ شهدت مناطق أخرى في الضفة، فجر أمس، مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، أسفرت عن استشهاد أربعة شبان، لترتفع حصيلة الشهداء في الضفة، منذ بدء «طوفان الأقصى»، إلى 92. واستشهد كل من عدنان بني عودة (19 عاماً) من بلدة طمون قرب طوباس بعد إصابته برصاص الاحتلال في الرأس خلال مواجهات في بلدته؛ ومالك جميل شرقاوي (26 عاماً) برصاصة في القلب أَطلقها عليه جيش العدو خلال اقتحام نابلس ومخيم عسكر. كما اقتحمت قوات الاحتلال بلدة قباطية قرب جنين، وحاصرت منزلاً اندلعت قربه اشتباكات مسلّحة، استشهد خلالها عبيدة كميل (19 عاماً)، فيما استشهد قتادة غنيمات (20 عاماً) برصاص العدو عند مدخل مخيم العروب بعد إطلاق النار عليه واحتجاز جثمانه. ومساءً، استشهد شابان من قرية زواتا في نابلس، هما جهاد مازن صبحي صالح (29 عاماً)، ومحمد قاسم أبو زر (17 عاماً). أيضاً، وصلت إصابتان إلى مستشفى «رفيديا» الحكومي، إحداهما خطيرة في الصدر، وإصابة ثالثة طفيفة بالرصاص الحي في القدم وصلت إلى «المستشفى العربي التخصّصي».
مع ازدياد توزيع السلاح على المستوطنين، باتت عربدة هؤلاء سيناريو يتكرّر في مناطق متفرّقة من الضفة
كذلك، اقتحمت قوات الاحتلال بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت، ومدينة طولكرم، وعدة منازل في بلدة زيتا (شمال طولكرم)، في وقت قامت فيه جرافة تابعة للجيش بتخريب ممتلكات الأهالي خلال اقتحام مدينة طوباس، حيث اعتُقل 65 مواطناً، بينهم أسرى سابقون، ليرتفع عدد حالات الاعتقال، منذ السابع من الجاري، إلى أكثر من 1130. ولا تشمل هذه الإحصائية العمّال ولا معتقلي غزة، حيث لم تتمكّن المؤسّسات، إلى اليوم، من الوصول إلى أعداد دقيقة وواضحة لهم. وكان لافتاً أيضاً، هجوم مستوطنين، مساء السبت، على بلدة حوارة، التي باتت تعاني بدورها من حصار خانق ومنع للتجوال بفعل قيود الاحتلال، حيث أقدم هؤلاء، تحت حماية جنود العدو، على إحراق المحالّ التجارية وممتلكات الفلسطينيين وأطلقوا النار في الهواء. ومع ازدياد توزيع السلاح عليهم، باتت عربدة المستوطنين في الضفة سيناريو يتكرّر في مناطق متفرّقة، على غرار ما جرى قبل أيام من إطلاق مستوطن النار على شاب في الخليل، وحادثة أخرى في بيت لحم، إضافةً إلى عشرات الهجمات والاعتداءات على المزارعين في حقول الزيتون في أرجاء الضفة.
وعلى رغم استمرار الاقتحامات والاعتقالات، والاستنفار العسكري في عموم الضفة والمترافق مع اعتداءات متزايدة للمستوطنين، فضلاً عن تشديد الإجراءات على الحواجز العسكرية، استمرّت أعمال المقاومة في موازاة المُسيّرات الجماهيرية المندّدة بالعدوان على غزة. وقد سُجّل، منذ بدء العدوان حتى ظهيرة أمس، نحو 1249 عملاً مقاوماً، من بينها 348 عملية إطلاق نار، ومحاولتا إطلاق صواريخ من جنين، و48 عملية نوعية، و851 مواجهات بأشكال مختلفة، خلّفت قتيلين في صفوف الاحتلال، بينما بلغ عدد الشهداء قرابة 96 شهيداً.
اللواء:
جبهة الجنوب تحتدم وموقف هستيري لنتنياهو: سنسحق لبنان!
بلينكن على خط التحذيرات.. وبوحبيب إلى دمشق اليوم
لم تتخطَ «حرب المواقع» على امتداد جبهة طولها اكثر من 100 كلم، المخطط المرسوم لها.
فعلى الرغم من ضراوة المواجهة، وارتفاع عدد شهداء حزب الله الى 22 شهيداً (نعاهم الحزب ببيانات رسمية، وشيع معظمهم)، لم تهدأ حركة «الفر والكر» عبر قصف اهداف عسكرية للاحتلال على عمق يتراوح بين 2 و5 كلم، عند الطرف الآخر من الحدود، والرد الصاروخي والمدفعي، وعبر المسيرات على المقاومة المنتشرة في التلال والأودية من الظهيرة وعيتا الشعب ومرواحين ومارون الراس وعيترون والعديسة والخيام الى كفرشوبا ومزارع شبعا.
وفضلا عن انهاك وحدات النخبة في الجيش الاسرائيلي وسقوط القتلى والجرحى بين الضباط والجنود، ضمن معادلة تحييد المدنيين، بدأت القيادة في اسرائيل على المستوى الرسمي والعسكري توسيع دائرة التهديد للبنان من إلحاق خسائر موجعة بضربات توجه اليه اذا لم يوقف حزب الله عملياته، وآخرها ما جاء على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بما ان حزب الله سيرتكب اكبر خطأ في حياته اذا ما قرر الدخول في الحرب بالتزامن مع طلب من وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن من الرئيس نجيب ميقاتي السعي لمنع حصول انفجار واسع اذا قرر حزب الله الدخول في الحرب، ثم جاء وزير الدفاع لويد اوستن ليرفع من وتيرة التهديد، عبر رسالة لايران، تضمنت ان الولايات المتحدة لن تتردد في التحرك عسكرياً ضد اي منظمة او بلد، يسعى الى توسيع النزاع في الشرق الاوسط بين اسرائيل وحركة حماس.
وحالة الارباك التي احدثتها المقاومة في الجنوب، فضلا عن الرسائل المشفرة التي لم يتأخر الاحتلال في قراءتها، أدّت إلى تحرك رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو باتجاه الحدود اللبنانية، وقال من هناك: مستعدون لكل السيناريوهات، وسنرد بحزم على حزب الله اذا قرر المواجهة.. وسيواجه حزب الله حربا اقوى من الـ2006، مؤكدا من مقر قيادة المنطقة الشمالية: سنسحق لبنان، وسيشتاق حزب الله لحرب لبنان الثانية.
وسط هذه الاجواء، أكدت أوساط مراقبة لـ«اللواء» أن لبنان لا يزال في دائرة متابعة التطورات، ويضع المسؤولون والأحزاب جميع الاحتمالات أمامهم سواء بالنسبة إلى التهدئة أو التصعيد في الجنوب.
وقالت هذه الأوساط أن خطة الطوارىء التي وضعتها الحكومة قائمة وهناك قطاعات اقتصادية وتربوية وضعت المعنيين باعتمادها خطط معينة لمواجهة أي تطور سلبي، وهناك رسائل بدأت بالوصول من عدد من المدارس إلى أهالي الطلاب حول التدابير الاحترازية إذا تفاقم الوضع ومنها العودة إلى التدريس عن بُعد ، مشيرة الى ان الرئيس نجيب ميقاتي يواصل في الوقت نفسه اتصالاته الهادفة الى الاستقرار وليس مستبعدا عقد جلسة لمجلس الوزراء قريبا.
في الوقت نفسه لاحظت الأوساط أن مواقف عدد من الدول بدأت تظهر بشأن التحذير من فتح عدة جبهات.
بو حبيب إلى دمشق
وعلى خط الاتصالات مع سوريا، يتوجه اليوم وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب الى دمشق للقاء نظيره السوري فيصل المقداد، والبحث في مواضيع ذات اهتمام مشترك، من قضية النازحين في ضوء المعارك الجارية في غزة وجنوب لبنان، وانعكاساتها على لبنان وسوريا.
جولة باسيل
سياسياً، يبدأ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل جولة على القيادات السياسية بهدف البحث عن سبيل حماية لبنان والوحدة الوطنية.
ومن بنت جبيل، اعلن النائب في كتلة «الوفاء للمقاومة» حسن فضل الله ان اسرائيل كانت تعد لضربة استباقية على لبنان، ولا خيار امامنا سوى استخدام حقنا المشروع في الدفاع عن بلدنا.
الوضع الميداني
ولليوم السادس عشر على التوالي، بقي الوضع الأمني المتوتر في الجنوب اللبناني محافظا على حرارة متصاعدة من التصعيد.ولم تخرج العمليات العسكرية وتبادل القصف عن اطار ضوابط اللعبة التي تلتزم بها اطراف القتال.
وخلال الساعات الماضية، ادى قصف «حزب الله» على مواقع الاحتلال الاسرائيلي الى احتراق سواتر ومحيط موقع البياض مقابل بلدة بليدا، اضافة الى قصف موقعي العباد ومسكاف عام، وموقع حانيتا، وموقع رويسات العلم في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وتلال كفرشوبا بالصواريخ الموجهة والقذائف المدفعية، وحقق القصف وفق بيان الحزب «اصابات مؤكدة، وتدمير كمية من تجهيزاته الفنية والتقنية».
ومساء امس، استهدفت المقاومة الاسلامية موقع رويسات العلم في مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا بالاسلحة المدفعية، وحققت اصابات مباشرة، كما استهدفت موقعي العباد ومسكاف عام بالصواريخ الموجهة.
وقررت اسرائيل اخلاء 14 مستوطنة ضمن مسافة 5 كلم عن الحدود مع لبنان.
وليلاً، تمكن الصليب الاحمر والجيش اللبناني، بمؤازرة قوات الامم المتحدة العاملة في الجنوب «اليونيفيل» من سحب جثث 6 شهداء لحزب الله من خراج بلدة راميا.
البناء:
بلينكن: لا نريد التصعيد لكننا سنردّ… وجئنا بالحاملات للردع لا للاستفزاز
نتنياهو بعد عملية خان يونس يفضل تأجيل العملية البرية وتهديد ثانٍ لمشفى القدس
6 شهداء للمقاومة واشتباكات لساعات في موقع العاصي وتدمير الجدار الإلكتروني
كتب المحرّر السياسيّ
على إيقاع العدوان الأميركي الإسرائيلي على غزة في يومه السادس عشر، تحركت المواقف السياسية والجبهات العسكرية، وكان الأبرز سياسياً الكلام الصادر عن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، الذي لم يُخفِ اهتمامه بمعادلة إخلاء المزيد من الرهائن مقابل المزيد من المساعدات الإنسانية، فلم ينجح بإخفاء الربط بينهما في تصريح قال فيه إنه يأمل رؤية الإفراج عن المزيد من الرهائن من جانب حركة حماس، مضيفاً أنه يعتقد بأن حلحلة قضية المياه في غزة قد بدأت، في ابتزاز نموذجي يذكر بسلوك عصابات القراصنة والمافيات الإجرامية في مقايضة الماء والدواء والغذاء بأثمان.
في السياسة تحدّث بلينكن عن وجود حاملات الطائرات في شرق المتوسط وعلاقتها بالحرب التي ترعاها حكومة بلاده وتنفذها قوات جيش الاحتلال، مسجلاً تراجعاً عن لغة التهديد لقوى المقاومة، فتحدّث عن عدم رغبته برؤية جبهة ثانية وثالثة في هذه الحرب، وأن الحاملات والبوارج جاءت للردع لا للاستفزاز، وأن حكومته لا تريد تصعيداً، لكنها ستردّ على أي استهداف تتعرّض له قواتها.
في المسار العسكري حول غزة وعليها وفيها، حدثان كبيران، تهديد ثانٍ من جيش الاحتلال لمستشفى القدس بالإخلاء، في ظل وجود آلاف النازحين فيه، وسط مخاوف من مجازر تشبه مجزرة مستشفى المعمداني. وبالتوازي نجاح المقاومة الفلسطينية باستدراج وحدات مدرعة لجيش الاحتلال إلى خارج السياج الفاصل وتطويقها وإلحاق خسائر كبيرة بين صفوفها. وجاء في صحيفة «يسرائيل اليوم» بعد العملية أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يميل إلى تأجيل العملية البرية، بخلاف رأي القادة العسكريين.
عسكرياً أيضاً ونتنياهو أيضاً، تهديد للبنان بالدمار إذا وسّع حزب الله من نطاق تدخله في حرب غزة، بينما المقاومة التي زفت ستة شهداء أمس، وسّعت نطاق مساهمتها العسكرية في حرب الاستنزاف التي تخوضها ضد جيش الاحتلال، واشتبكت لساعات مع موقع العاصي، وهاجمت مجدداً معسكر برانيت، وأكملت تدمير الجدار الالكتروني في مواقع وأبراج جديدة.
رأى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان، أنّ العدوان “الاسرائيلي” المتصاعد على غزة، وعلى مناطق الضفة والقدس وجنوب لبنان، يؤشر إلى أنّ العدو “الإسرائيلي”، يذهب باتجاه استخدام كلّ أرصدته، من آلة عسكرية ودعم أميركي ـ غربي غير محدود، لإيهام مستوطنيه بأنه لا يزال قادراً على حمايتهم، في حين أنّ الوقائع على الأرض، أثبتت أنّ جنود هذا العدو لا يستطيعون حتى حماية أنفسهم حين تشتدّ المواجهة.
وخلال اجتماع عقده للمنفذين العامين في لبنان وبعض أعضاء هيئات المنفذيات، في قاعة الشهيد خالد علوان في بيروت، أشار حردان الى أن المقاومة في فلسطين ولبنان وفي كلّ بلادنا تمتلك عناصر قوة ستمكّنها من فرض معادلات جديدة، والتحية للمقاومين الذين يواجهون بعزّ وبطولة عدواً مجرماً متغطرساً يلقى كلّ أشكال الدعم من الغرب الاستعماري.
وقال حردان “نحن حزب مقاوم ومقاتل بالفطرة والإرادة والتدريب وحاضرون لنكون حيث يجب أن نكون ولدينا قدرات وإمكانيات سنستخدمها في هذه المواجهة المصيرية”، مضيفاً: “من الخطأ الرهان على ما يُسمّى المجتمع الدولي وقراراته لردع “إسرائيل” عن جرائمها بحقّ أطفال فلسطين طالما أنّ مؤسسات المجتمع الدولي تخضع للمشيئة الأميركية ـ “الإسرائيلية”.
إلى ذلك ارتفعت وتيرة التصعيد على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة مع كثافة العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة ضد مواقع وأهداف وثكنات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الخطوط الأمامية شمال فلسطين المحتلة، وقد وصل عمق بعض العمليات إلى 5 كلم، على أن تتوسّع الى عمق أكبر الى 6 و7 و8 و9 كلم وربما أكثر في الأيام المقبلة والأهداف جاهزة والمقاومة مستعدّة وفق ما تكشف مصادر ميدانية لـ”البناء”، والتي تؤكد بأن العدو الإسرائيلي أخلى كل المستوطنات في شمال فلسطين على عمق 10 كلم، وحتى عندما جال رئيس حكومة الاحتلال على منطقة الشمال أمس، بدت المستوطنات خالية.
واللافت هو دخول طائرات العدو الحربية والمسيّرات بقوة وكثافة على خط المعركة وذلك بعدما دمّرت المقاومة نسبة كبيرة من منظومة المراقبة والاتصال الإلكترونية خلال الأيام القليلة الماضية، كما لوحظ أن الطائرات الحربية تقصف بعشوائية ومن دون بنك أهداف واضح، ما يعكس حالة الهيستيريا لدى جيش الاحتلال. في المقابل أدخلت المقاومة أنواعاً جديدة من الصواريخ التي تصيب أهدافها بدقة لا سيما الكورنيت.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن قصف حزب الله مواقع لجيش الاحتلال في الشمال أدّى لتعطيل جزء من منظومة الرصد على طول الحدود.
وأعلن متحدث باسم حكومة الاحتلال أن أكثر من 200 ألف شخص تم إجلاؤهم من بلدات قرب الحدود مع قطاع غزة وجنوب لبنان، منذ 7 تشرين الأول الحالي.
ودارت اشتباكات عنيفة أمس بين مجاهدي حزب الله وموقع العاصي الإسرائيلي عند شمال ميس الجبل. ولفتت المعلومات إلى أن جيش الإحتلال قام بعملية تمشيط من موقع العاصي قرب ميس الجبل تزامناً مع إلقاء قنابل مضيئة في الأجواء. وأشارت الى سقوط جريح من بلدة ميس الجبل بطلقة نارية مصدرها موقع العاصي تمّ نقله الى المستشفى للمعالجة.
وأعلنت المقاومة الإسلامية، في بيان، أنّ مجاهديها هاجموا، موقعي العدو في رويسات العلم في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية والقذائف المدفعية وحققوا فيها إصابات مباشرة. كما هاجموا موقعي العدو الصهيوني في تلة العبّاد ومستوطنة “مسكاف عام” بالصواريخ الموجّهة والقذائف المدفعية وحققوا فيهما إصابات مؤكدة، واستهدفوا موقعي بيّاض بليدا والمالكية، بالصواريخ الموجهّة والقذائف المدفعية وحققوا فيهما إصابات مؤكدة. كما استهدفوا تجمعاً لجنود العدو الصهيوني في ثكنة برانيت عند الحدود اللبنانية الفلسطينية بالصواريخ الموجّهة وأوقعوا في صفوفهم إصابات مؤكدة.
وشنّ العدو الإسرائيلي سلسلة اعتداءات، واستهدف سيارة من نوع “رابيد” في خراج عيترون، كانت تقلّ عمالاً سوريين ذهبوا ليتفقدوا مزرعة الدجاج التي يعملون فيها، وأصيبوا بجروح طفيفة وحوصروا بالقصف عمل الصليب الأحمر وقوات الطوارئ على إجلائهم. فيما دخلت قافلة إنسانية للصليب الأحمر اللبناني وقوات الطوارئ الى بلدة رامية الحدودية لإجلاء جثامين.
وأشارت مصادر مطلعة على تقييم المقاومة للأوضاع على الحدود الجنوبية، إلى أننا في سياق تصعيديّ على مستوى الحرب في فلسطين المحتلة، وكذلك الأمر على الجبهة مع “إسرائيل”، فالسخونة هي سيدة الموقف والحدود تتمزّق والحواجز أمام المقاومة “تتفتق” ونقترب رويداً رويداً من المواجهة الكبرى، والمقاومة في لبنان مستعدّة لكافة الاحتمالات وهي كما محور المقاومة، على استعداد للأسوأ وللحرب الكبرى إن فرضت عليه.
وشدّدت المصادر لـ”البناء” على أن “كيان الاحتلال الإسرائيلي لن ينعم بالهدوء على الجبهة الشمالية التي ستبقى مشتعلة وستشتعل أكثر كل يوم طالما العدو الإسرائيلي يوغل ويتمادى في قصف الأهداف المدنية ويقترب من الدخول الى غزة، كما يقول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأننا “نقاتل لقضية حياة أو موت ولا مجال للتعايش مع حركة حماس في غزة”.
ولفتت المصادر الى أن “المعركة على الحدود الجنوبية ستزداد سخونة، ولا أفق للتسوية حتى الآن ولا صوت يعلو فوق صوت القتال والمدفع والصواريخ والمقاومة ستستمرّ بعملياتها وبوتيرة أكبر وستحصد المزيد من القتلى والخسائر في صفوف العدو وستدخل الكيان بحرب استنزاف طويلة جداً عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية وقد تنتقل الى مرحلة جديدة من العمليات النوعيّة وغير المسبوقة التي تؤلم العدو كثيراً”.
وكشفت المصادر أن “مستوى الاستنفار والاستعداد والتنسيق في محور المقاومة بأعلى مستوياته، وسيدخل الحرب الكبرى بحال فرضتها “إسرائيل” عليه”، مشيرة الى أن “محور المقاومة لا يريد الحرب الكبرى، لكنه لا يخشاها ويملك مقدراتها لكن الاحتلال الاسرائيلي يريد الحرب الكبرى، لكن يخشاها ولا يملك مقدراتها، والدليل عجزه عن الدخول بحرب برية ضد غزة رغم دخولنا بالأسبوع الثالث للحرب”.
ويعمد المسؤولون في كيان الاحتلال إلى رفع معنويات الجيش والمستوطنين بإطلاق التهديدات، وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه “إذا ذهب حزب الله إلى حرب مع “إسرائيل” فإن ذلك سيجلب دماراً لا يمكن تصوره عليه وعلى لبنان».
ولفت نتنياهو في حديث لقوات الاحتلال المقاتلة خلال جولته على منطقة الشمال، الى أن “حرب غزة “حياة أو موت” بالنسبة لـ”إسرائيل”، ولا نستطيع القول بعد ما إذا كان حزب الله سيقرّر الدخول في الحرب بالكامل».
إلا أن ما أوردته صحيفة “معاريف” العبرية يجوّف تهديدات نتنياهو وغيره من قادة الاحتلال، بقولها تحت عنوان في ظل حرب “سيوف حديدية” والتسخين في المنطقة الشمالية، نشر معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني تقريره بخصوص حجم ترسانة الصواريخ لدى حزب الله.
وقالت الصحيفة إن “حزب الله هو فيلق إيرانيّ مجهّز بالعديد من الوسائل القتالية ذات القوة التدميرية الكبيرة، ويتكوّن هذا الفيلق من جنود نظاميّين وجنود احتياطيّين، ويقدّر أن قوته تتراوح بين 50 ألفاً إلى 100 ألف مقاتل، وترتيب القوات هذا يتضمن أيضًا قوة الرضوان، وهي وحدة كوماندوز تتمتع بخبرة قتالية من المواجهات في سورية، ويبلغ عددها بتقدير حذر حوالي 2500 مقاتل وحتى أكثر.. ويجب أن نضيف إلى ترتيب القوات هذا دعم خارجي من نشطاء شيعة، من بين جملة أمور من الدول المجاورة مثل أفغانستان، باكستان، سورية والعراق”.
وأضافت أن “الوسائل الهجوميّة لدى حزب الله مؤثرة جداً”، وأن الأمر يتعلق بـ “كميات ضخمة من 200000- 150000 صاروخ، قذيفة هاون، منها مئات الصواريخ لها دقة عالية وقدرة تدمير كبيرة”. وأشار التقرير إلى أنه “في حالة اندلاع مواجهة، فإن ذلك يستلزم تحويل المنظومات المضادة لدينا إلى الحماية المستهدفة للبنى التحتية المدنية والعسكرية”.
ويشير خبراء عسكريون لـ”البناء” الى أن أحد “أهم العوامل الأساسية لتأجيل الاحتلال الاسرائيلي اجتياح قطاع غزة، هو تهيّبه من دخول حزب الله بالحرب عبر إطلاق الصواريخ والدخول الى المستوطنات وإلى الجليل”. ويوضح الخبراء أن “عمليات المقاومة في لبنان تشكل جبهة كاملة يخوضها العدو الإسرائيلي وبالتالي حزب الله يحقق أهدافه وهي إشغال العدو وإنهاكه وإرباكه وتشتيت قواه وقدراته وشل منطقة الشمال برمتها وتخفيف الضغط عن قطاع غزة واستدراج القوات الإسرائيلية الى الشمال والأهم تهديد العدو بتوسيع الجبهة بحال قرر اجتياح غزة”.
وكشفت مصادر سياسية لـ”البناء” عن أن الرسائل الديبلوماسية الخارجية لم تتوقف بل تتساقط على لبنان وعلى الحكومة اللبنانية تتضمن تهديدات للبنان وضغوطاً لمنع حزب الله من الانخراط بالحرب بحال دخلت القوات الاسرائيلية الى غزة، مشيرة الى أن “الحزب يرُد بالصمت ويكتفي بالرد المناسب عبر مسؤوليه في المستوى القيادي فقط”.
وجدد حزب الله على لسان مسؤوليه موقفه بالوقوف الى جانب غزة والاستعداد لكافة الاحتمالات، وشدد رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيّد هاشم صفي الدين على أن “كل من لا يقف مع أطفال ونساء ومظلومي فلسطين ومظلومي غزة هو من يجب أن يُسأل، وسيحاسبه التاريخ على توانيه وخذلانه وضعفه وتهربه من المسؤولية، ومن وحي ما خبرناه أقول لكم نحن مطمئنون. لا يجب لأحد أن يقلق مهما كانت الأوضاع. فالنصر بالإيمان، والعلم والحكمة والبصيرة، وحينما نواجه العدو على الحدود، نواجه عدوًا ما زال يحتلّ أرضنا ويهددنا ويرتكب أقبح المجازر بحق الشعب الفلسطيني ويقصف المستشفيات”.
بدوره، أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد النائب أننا “جزء من التصدّي لهذه العدوانية ونحن لا نقصّر ولم نقصّر، والخبير يعرف أهمية ما نفعل، لكن نحن لسنا معنيين بأن نواكب ثرثرات المثرثرين هنا وهناك، ولسنا معنيين بأن نُقدّم كشف حساب لما نفعله لأحد على الإطلاق، كشفنا نقدّمه لله، لأننا نقاوم في سبيل الله ومن أجل الله، القدس قدس المسلمين وفلسطين قضية الأمة المركزية، لم نقصّر في الدفاع عنها وفي نصرتها وفي الذود عن شعبها وفي الضغط على العدو من أجل أن يوقف عدوانه على المظلومين المعذبين المقهورين”.
وتابع “نحن لسنا طرفًا مراقبًا ونحن نقوم بما علينا وفق رؤيتنا التي تنصر قضيتنا المركزية وتحمي شعبنا وتضعف الضغط لعدونا وتمنع عدوانيته وتحمي بلدنا وأهلنا أيضًا، نحن لا نفرّط بشيء من أجل شيء، بل نتحرّك في ضوء رؤية واضحة يمكن أن تحقق الهدف السياسي الذي ننشد ونريد”.
وشيّعت المقاومة الإسلامية، كوكبة من الشهداء الذين ارتقوا أثناء قيامهم بواجبهم الجهادي.
الى ذلك، لفت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الى أنّ “الاتصالات الديبلوماسية التي نقوم بها دوليًا وعربيًا واللقاءات المحلية مستمرة في سبيل وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وجنوبه تحديدًا، ومنع تمدّد الحرب الدائرة في غزة الى لبنان”. وأشار أمام زواره بحسب ما نقل مكتبه الإعلامي، إلى “أنّني أتفهم شعور الخوف والقلق الذي ينتاب اللبنانيين جراء ما يحصل، ودعوات عدد من السفارات لرعاياها لمغادرة لبنان، لكنني لن أتوانى عن بذل كل الجهود لحماية لبنان”.
وشدّد ميقاتي، على أنّ “الاجتماعات والاستعدادات التي نقوم بها من أجل وضع خطة طوارئ لمواجهة ما قد يحصل، هي خطوة وقائية أساسية من باب الحيطة، لأننا في مواجهة عدو نعرف تاريخه الدموي، ولكننا في الوقت ذاته مطمئنون إلى أن أصدقاء لبنان يواصلون معنا بذل كل الجهود لإعادة الوضع الى طبيعته وعدم تطوره نحو الأسوأ”.
وتلقى ميقاتي اتصالاً من وزير خارجية مصر سامح شكري، وتشاور معه في مجمل الأوضاع الراهنة في لبنان وغزة، والمساعي الجارية لوقف العدوان الإسرائيلي.
وفي المواقف أيضاً أشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق في تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أنه “كفى تآمراً عربياً ودولياً وإسرائيلياً على الشعب الفلسطيني في غزة. مئات القتلى والجرحى يومياً ومعابر رفح شبه مقفلة تمرّ من خلالها بضع شاحنات لمئات الآلاف من المشردين ولعشرات المستشفيات المستهدفة، وكأنكم يا يا حكام السراب زملاء بيلاطس البنطي في اغتيال شعب غزة”.
على صعيد آخر، غمز جنبلاط من قناة التيار الوطني الحر، ولفت الى أنّه “أما وأن البلاد في شبه حالة حرب أيعقل أن تقاطع بعض القوى السياسية وبعض الشخصيات مجلس الوزراء للتمديد لقائد الجيش الحالي (العماد جوزاف عون) ولتعيين رئيس الاركان؟”.
وقال في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “كفانا حسابات رئاسية متخلفة فلنكن جبهة عمل واحدة لمواجهة اقصى الاحتمالات”.
وفي ضوء المخاطر والتحديات التي يواجهها لبنان، خصوصًا بعد العدوان الإسرائيلي والاحداث في غزّة واندلاع الاشتباكات على الحدود الجنوبية للبنان، قرّر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل القيام ابتداءً من اليوم بجولة تشاورية على القيادات السياسية في البلاد عنوانها حماية لبنان والوحدة الوطنية.
ووفق ما علمت “البناء” فإن باسيل سيلتقي ميقاتي في السرايا الحكومية ومع جنبلاط في كليمنصو عصر اليوم.
المصدر: صحف