في الذكرى الخمسين لحرب تشرين التحريرية، استفاق كيان الاحتلال على مفاجأة “السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 “، التي دفعته لاعلان حالة التأهب للحرب للمرّة الأولى منذ نصف قرن، ليُظهر كيان الاحتلال في حالة عجز أمني جديد، أمام ارادة المقاومين التي استطاعت اختراق المنظومة الأمنية لكيان الاحتلال، والسيطرة على عدد من المستوطنات، بعد اسقاطهم خطّ الدفاع الأمامي عنها، موقعين عشرات القتلى والأسرى في صفوفه جنود العدو ومستوطنيه.
سيناريو اقتحام الجليل المحتل، الذي بات هاجساً تتوقعه سلطات العدو من الجانب اللبناني، تفاجأ به العدو من الحدود الجنوبية مع قطاع غزّة، مع اقتحام عشرات المقاومين الفلسطينيين، المستوطنات المحاذية لقطاع غزّة، متخطين كل الحواجز والتدابير العسكرية، التي تحاصر القطاع.
فشل ثلاثي الأبعاد يصيب المستويين الاستخباراتي والعسكري الى جانب المستوى السياسي، حيث تظهر الأحداث أنّ المستويات الثلاثة، التي شهدت خلال السنوات الماضية خلافات كبيرة بشأن كيفية التعامل مع المقاومة المتصاعدة على امتداد الأراضي المحتلة، تحتاج لساعات عدّة، لتستوعب حجم الضربة التي يتلقّاها الكيان من فصائل المقاومة الفلسطينية.
العملية التي أطلقت عليها المقاومة شعار “طوفان الأقصى” بدلالاتها المختلفة، طغى عليها الطابع الأمني المحكم، الذي اخترق كل دفاعات العدو وتحصيناته على حدود القطاع، ليضعه في مأزق أمام مستوطنيه، أمام عزم المقاومين الفلسطينيين، حيث أصبحث ثلاث مستوطنات على الأقل، مسرحاً لعمليات المقاومة، بعدما أحكمت سيطرتها عليها، باعتراف قادة عسكريين، ووسائل اعلام العدو، التي أكّدت أنّ المعارك تدور في 12 مستوطنة في غلاف قطاع غزّة.
عملية التضليل الصاروخية المكثفة التي رافقت الاقتحامات، كانت كفيلة بسقوط خطّ الدفاع الأمامي عن المستوطنات، وفق ما يؤكد المراسلون العسكريون للقنوات العبرية، مشيرين الى أنّ الهجوم بدأ ضدّ المواقع العسكرية، حيث سقط العديد منها بأيدي المقاتلين الفلسطينيين، في فشل خطير لكل معايير الحماية حول قطاع غزّة.
وفيما كان المتحدث باسم جيش الاحتلال يفيد عن معارك تدور عند معبر ايرز وقاعدة زيكيم البحرية، كانت التقارير الاعلامية والمشاهد المصورة، تؤكد سيطرة المقاومين على مواقع وحواجز عسكرية، ومن ضمنها موقع “ناحل عوز”، وقتل العديد من الجنود والضبّاط الصهاينة، وأسر آخرين، والذين تمّ سحبهم الى داخل قطاع غزّة.
مشاهد انسحاب المقاومين، على متن آليات عسكرية اسرائيلية، ومعهم العديد من أسرى الاحتلال، أظهر بدوره حجم الضربة القوية التي تلقّهاها العدو، والفشل في مواجهة هذا الهجوم المباغت على كل المستويات، لاسيّما أنّه نفّذ من البرّ والبحر والجو، مخترقاً كل اجراءات الاحتلال، واستعداداته على مدى السنوات الماضية.
وبشكل يُظهر التنسيق الكبير بين وحدات المقاومة الفلسطينية، فإنّ اقتحام المستوطنات جرى على عدّة دفعات، ما يفقد قوّة الردع الاسرائيلية فعاليتها، في ظلّ وجود المستوطنين داخل المستوطنات، حيث أكّد المراسل العسكري “ألون بن ديفيد” أن الجيش يجد صعوبة في استعادة السيطرة على المستوطنات، التي دخل اليها مقاتلو حركة حماس، والتي وصلت الى عمق ثمانية كيلومترات داخل الأراضي المحتلة.
جيش الاحتلال الذي وصف الوضع بالصعب، أشار المتحدث باسمه أنّ التقديرات تشير بأنه لا يزال مقاتلين فلسطينيين في كل غلاف غزّة، فيما اعتبرت القناة 13 العبرية أنّ العملية خطط لها باتقان وعلى مدى أشهر طويلة، لاسيّما أنّ المقاتلين الفلسطينيين تمتعتوا بجرأة كبيرة، وصلت بهم الى حدّ ارسال تعزيزات اضافية الى المستوطنات، التي سقط فيها العشرات من القتلى والجرحى، ومن ضمنهم اصابة قائد شرطة الاحتلال في المنطقة الجنوبية.
وفي حين كان المقاومون الفلسطينيون يتحصنون في المستوطنات محتجزين العديد من المستوطنين، ولم تلقّ نداءات المستوطنين لحمايتهم من هجمات المقاومين الفلسطينيين أذاناً صاغية من قبل قوات الاحتلال والشرطة، اعتبر رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو أنّ الكيان دخل في حالة حرب، قائلاً “إنّ حماس شنت هجوما قاتلا مفاجئا على دولة إسرائيل ومواطنيها”.
وقال نتنياهو إنه أمر “بتطهير المستوطنات من الإرهابيين”، على حد تعبيره، وأنّه أصدر أوامره باطلاق عملية واسعة النطاق لتعبئة جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، مشيراً الى أنّ كيانه “سيعزز أمن الحدود لردع الآخرين من ارتكاب خطأ الانضمام إلى هذه الحرب”، بينما أشارت وسائل اعلامية بأنّ نتنياهو أمر وزراءه بعدم الإدلاء بأي تصريحات عن الحرب مع غزة.
حرب لم يُكتف بوصفها بأنّها تشكل فشلا أمنياً ذريعاً للعدو، إنّما أعادت الى الأذهان اللحظات الأولى لحرب تشرين التحريرية، حيث وجد الكيان نفسه إسرائيل “بلا معلومات استخبارية تماماً، بما يشبه الفترة التي سبقت اندلاع حرب عام 1973″، ذلك وفق ما جاء في تحليل بعنوان “مفاجأة أكتوبر” نُشر على موقع صحيفة “يسرائيل هيوم”، للجنرال إليعزر مروم، القائد السابق لسلاح البحرية في الجيش الإسرائيلي.
ولكي يدلل على حجم الفشل، عدّ مروم ما شهده الكيان اليوم بأنه يمثل “ناقوس إنذار” لما يمكن أن يحدث في حال تفجرت مواجهة على الجبهة الشمالية أو اندلعت مواجهات مع فلسطينيي الداخل، وقال مروم إنّ الجيش “مطالب أولاً بإعادة الأمن في المنطقة الجنوبية وفي الوقت ذاته التحسب لإمكانية تفجر ساحات أخرى”، لافتاً إلى أن “هجوم اليوم كان مخططاً له بشكل مسبق”.
المعلق العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، جزم بأن “الاستخبارات الإسرائيلية فوجئت بالهجوم”، ولم تكن هناك تقديرات استخبارية مسبقة تشير إلى إمكانية شن هجوم من هذا النوع، مؤكداً أنّ قادة الأجهزة السياسية والعسكرية، تعرضوا لصدمة كبيرة بعد الهجوم المفاجئ من “حماس”.
معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة “هارتس” يوسي ملمان، وافق الآراء السابقة بشأن مدى تشابه المفاجأة التي واجهها كيان الاحتلال، في هذا الهجوم مع تلك التي واجهها في بداية حرب عام 1973، واصفاً تصرف “حماس” بأنه مشابه لتصرف مصر في ذلك الزمن. وقال “كما حدث في يوم الغفران، فوجئت إسرائيل، وحماس تصرفت بشكل مماثل لمصر حينها، فأجرت مناورة وعبر مقاتلوها الحدود تحت غطاء تلك المناورة”، لافتاً إلى أن رسائل الجيش بعد مرور ساعات على بدء الهجوم كانت “غامضة”.
يُشار الى أنّ حرب اكتوبر 1973، جرت نهار السبت السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، الموافق العاشر من رمضان 1393هـ، حيث باغت فيها الجيشان المصري والسوري، قوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء والجولان، بضربات جوية محكمة، وتوغلت على اثرها القوات المصرية عشرين كيلومتراً شرق قناة السويس، متخطية خط برليف، وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان، قبل ان يتم الاعلان عن وقف اطلاق بتدخلّ أميركي، وبقرار من مجلس الأمن الدولي، في الرابع والعشرين من شهر تشرين أول/اكتوبر.
المصدر: موقع المنار + يونيوز