كُشف النقاب في تل أبيب، وللمرّة الأولى، عن شهادة الجنديّ، غلعاد شاليط، الذي كان مأسورًا لدى حركة حماس في قطاع غزّة لمدة خمسة أعوام ونصف (حزيران/يونيو 2006- تشرين الاول/أكتوبر 2011).
المُحلل المُخضرم، بن كاسبيت، من صحيفة معاريف العبريّة، سرد في تقريرٍ نشره وقائع التحقيق الذي تمّ إجراؤه من قبل جيش الاحتلال بعد إنجاز صفقة التبادل بين الاحتلال وحماس، وإعادة شاليط إلى “الديار”.
كاسبيت شدّدّ على أنّ الرقابة العسكريّة شطبت مقاطع من محضر التحقيق لأسبابٍ معروفةٍ، على حدّ تعبيره.
ومع ذلك، فإنّ تسريب محضر التحقيق ونشره يكشف خبايا وخفايا جديدة لم تُنشر من قبل، الأمر الذي يُضفي على التقرير “مصداقيّةٍ” مُعينةٍ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الكيان العبريّ، بوساطة إعلامها المُتطوّع، تخوض ضدّ الأمّة العربيّة بشكلٍ عامٍّ، وضدّ الشعب الفلسطينيّ بشكلٍ خاصٍّ حربًا نفسيةً لكيّ الوعي واستدخال الهزيمة وتكريس فوقية “إسرائيل” والإمعان في ترسيخ دونية العربيّ.
وجاء في التقرير العبريّ إنّ “الحكاية التي ستقرؤونها في هذه السطور هي حكاية شاليط، إنّها نسخته هو كما أخبر بها محققيه من الجيش الإسرائيليّ، لقد كان خائفًا كما يبدو من التقائهم، لقد كان خجلاً ممّا يُوشك أنْ يرويه لهم، لكنّه فعل ذلك بقلبٍ مفتوحٍ يدعو إلى الاحترام، لم يُخفِ عنهم أيّ تفصيل، لقد اعترف بأنّه فشل، وأنّه لم يقُم بواجبه، لقد قال ذلك بدموعٍ منهمرةٍ، وليس بسبب الضغط أو الإملاء”.
:شاليط يتمتّع بذاكرة استثنائية، لقد عرف بالضبط ما مرّ به في كلّ يومٍ من أيام الأسر، ومتى انتقل من مكان لآخر، وكيف كان، وما الذي أكله، وما الذي فعله، وما الذي حدث معه”.
وشدّدّ المُحلل الإسرائيليّ على أنّ “قضية شاليط هي قضية إخفاق كبير، بالنسبة لطاقم الدبابة ولشاليط شخصيًا أيضًا، وللمخابرات كذلك، وسيما الشاباك الذي لم ينجح في تعقّب آثاره لأكثر من خمس سنوات”. ولفت إلى أنّ شاليط سلّم نفسه لآسريه دون قتال.
وبحسب كاسبيت فإنّ شاليط هو شخص انطوائيّ وحساس وليّن، ربمّا كان من المفترض ألّا يكون ضمن طاقم دبابة مقاتل، ربمّا لم يكن مناسبًا لهذا العمل، عندما أصيبت دبابته أصابه الفزع وفشل في الأداء، وصف “بطل” الذي خلعه عليه رئيس الأركان بيني غانتس عندما عاد إلى البلاد ليس في محله.
وتابع قائلاً إنّ شاليط غير جدير بلقب بطل، إنّه نوع مناهض للبطولة، إنّه جندي علق في وضعٍ صعبٍ فاختار الخنوع، ليس في هذا السلوك بطولة، إنمّا هي حكاية إنسانيّة مؤثرة وحزينة، على حدّ تعبيره.
ووفقًا لمحضر التحقيق، فإنّ “شاليط يتذكر فترة أسره جيّدًا، لم يكُن في سراديب، لم يعانِ تقريبًا، ضربوه وقيّدوه في الأيّام الأولى، ولكن سرعان ما عرفوا أنّه رجل هش قد ينكسر بين أيديهم إذا بالغوا بتعذيبه، لم يرغبوا أنْ يموت، فقد يكون موته كارثة بالنسبة لهم، شاليط كان الكنز الأعظم للشعب الفلسطينيّ في تلك المرحلة”.
وأردف كاسبيت، اعتمادًا على التسريب “لقد تنقلّ في فترة أسره بين عدد من العائلات الفلسطينيّة في مختلف أنحاء القطاع، شاهد التلفاز واستمع إلى المذياع، حتى أنّه دخل أكثر من مرّةٍ إلى الانترنت”.
لقد استمع إلى جميع التقارير عن عملية “الرصاص المصبوب”، وشاهد جميع مباريات المونديال في العام 2010. إنّه ما يزال يذكر بالضبط المباراة التي شاهدها يوم نقلوه من بيت عائلة إلى بيت عائلة أخرى، لقد كانت مباراة اسبانيا بطلة العالم المرشحة، لقد تلقّى معاملةً محترمةً.
وأوضح أنّ “المشكلة الوحيدة كانت في الطعام، لم يكن هناك الكثير من الإمكانيات المطبخية، لقد أكل شاليط ما يأكله الغزيون، وسيما الحمص، لقد كان يعيش حالة نفسيّة صعبةً وتضعضعت أركانه طبعًا، وهو الأمر الذي أثرّ على شهيته وأدّى إلى انخفاضٍ كبيرٍ على وزنه، لم يضرب عن الطعام ولم يفكر في الأمر”.
“في أحد الأيام أكل مع الأسرة المستضيفة فوق سطح المنزل في خان يونس، وعن السطح شوهد البحر، في ظروفٍ أخرى كان ليشعر وكأنّه في إجازةٍ”.
ولفت كاسبيت، إلى أنّ شاليط تواصل مع خاطفيه بالعبريّة والانجليزيّة، حرّاسه تبدّلوا طوال فترة أسره، ومبدئيًا كان طاقمًا خاصَّا يقوم بحراسته، وقد تبادل أفراده المناوبات، شاليط كان على علمٍ تامٍّ بما يجري في “إسرائيل”.
وتابع المُحلل الإسرائيليّ قائلاً “لم يكُن في خطر خلال عملية الرصاص المصبوب، وإنْ كان يشعر بغضب مَنْ يحيطون به. شاليط تعاون مع محققيه وخاطفيه، لم يعرف الكثير عن الجيش، لم يكن لديه الكثير ليُقدّمه لهم، القليل الذي يعرفه أفشى به، سُئل عن تحصينات الجيش الإسرائيليّ وعن دبابة المركافه، كان مهمًا له أنْ يُرضيهم، وأنْ يُعطيهم معلومات ليحصل على المعاملة الجيّدة”.
المُحلل أكّد على أنّ شاليط كرّرّ في التحقيق معه من قبل اجيش الاحتلال تفاصيل الحدث، مُشدّدًا على أنّ ما أورده في الصحيفة هو نسخة شاليط بتمامها تقريبًا، عدا عن إسقاطات الرقابة العسكريّة التي اقتضتها الضرورة، على حدّ تعبيره.
*صفقة تبادل الأسرى بين حماس والكيان الإسرائيلي 2011 أوْ صفقة شاليط أوْ صفقة وفاء الأحرار كما يسميها الفلسطينيون، تُعدّ إحدى أضخم عمليات تبادل الأسرى العربيّة “الإسرائيليّة”. شملت إفراج الاحتلال عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل شاليط.
وقد أعلن عن التوصّل لهذه الصفقة في 11 تشرين الأوّل/أكتوبر 2011 بوساطةٍ مصريّةٍ. وتُعتبر هذه الصفقة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينيّة التي تمّت عملية الأسر ومكان الاحتجاز والتفاوض داخل أرض فلسطين.
المصدر: فلسطين اليوم