في الوقت الحالي، أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. فبدءاً من الملابس الرياضية المزودة خصيصاً ببعض الحساسات الإلكترونية لمراقبة الأداء أثناء ممارسة التمارين الرياضية، مروراًوبالقبعات الصوفية الصغيرة التي من شأنها متابعة الإشارات الحيوية للأطفال حديثي الولادة، وصولاً للأدوات الإلكترونية القابلة للارتداء – التي تُدمج مع الملابس أو حتى مع جلودنا نحن البشر – القادرة على رصد المؤشرات الحيوية لأجسادنا.
وهناك خيار وحيد لصنع مكونات رخيصة بكميات كبيرة وذلك من خلال طباعة الأجهزة الإلكترونية باستخدام طريقة تشبه كثيراً طرق الطباعة التقليدية ولكن مع إضافة أحبار وظيفية كهربية خاصة.
ولكن تلك الصناعة الواعدة – المعتمدة على طباعة الأجزاء الإلكترونية لإنتاج أجهزة رخيصة الثمن و مرنة، تحتوي على بطاريات وأجهزة استشعار ودوائر إلكترونية قابلة للارتداء يمكن دمجها مع الألبسة الذكية – التي يُستثمر بها مليارات الدولارات – بها عيب رئيسي وهو أن الإلكترونيات المطبوعة هشة للغاية.
يعكف الباحثون في مختبر جوزيف وانغ للهندسة النانوية بجامعة كاليفورنيا على تطوير حل لهذه المشكلة؛ وهو عبارة عن حبر يحتوي على جزيئات مغناطيسية، وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة The New York Times، فإنه في حالة حدوث أية كسور في تلك الأجهزة المطبوعة بخاصية الحبر المغناطيسي، ستعمل الجزيئات على جذب بعضها البعض لسد الفجوة التي حدثت نتيجة الكسر.
وقد رأينا سابقاً خصائص مشابهة لتلك الموجودة بالحبر المغناطيسي في ألواح نتريد البورون – مركب فائق الصلابة وهو أشبه في تركيبه إلي مادة الكربون، أما اﻷلواح نفسها فهي تشبه الغرافين ولكن على عكس الغرافين،فهذه اﻷلواح غير موصلة للكهرباء- النانوية التي تستطيع إصلاح نفسها حتى وإن كُسرت إلى نصفين، وفي البطاريات وغيرها من الأشياء الأخرى، ولكن الميزة في هذه الأحبار هي قابليتها للطباعة.
وبحسب صحيفة The New York Times ،أعرب إيماي باندودكار – الدارس في مختبر د.وانغ وأحد مُعدي هذه الدراسة – عن رغبته في “صنع أجهزة قابلة للارتداء تشبه كثيراً جلد الإنسان. الإنسان القابل للتمدد والقادر على الاستشفاء ذاتياً، نريد إضفاء قدرة الإصلاح الذاتي على الإلكترونيات المطبوعة”.
ويحتوي الحبر الذي ابتكره د. باندودكار وزملاؤه على مغناطيس النيوديميوم – وهو نوع من المغناطيس المُستخدم في الأقراص الصلبة والثلاجات باهظة الثمن،و يقول “عملنا بشكل أساسي يقوم على سحق هذا النوع من المغناطيس إلى جزيئات بالغة الصغر ودمجها مع الحبر”.
وللتأكد من فاعلية الحبر، أقدم الباحثون على إحداث كسور في بعض الأجهزة المطبوعة المدمج عليها هذا النوع من الأحبار في أربعة أماكن مختلفة، وتبين – وفقاً لموقع New Atlas – أن الأجزاء التي تعرضت للكسر تمكنت من إصلاح نفسها ذاتياً.
اشتملت إحدى التجارب على دائرة مُدمجة على كم قميص توصيل بطارية صغيرة بلمبة LED، وكانت الدائرة وقماشة القميص من تلك الخامات المطبوعة. وفي أعقاب حدوث قطع في أحد أجزاء الدائرة وبالتالي انقطاع التيار، عاد الضوء الى اللمبة مرة أخرى في ثوان قليلة بعض أن التأمت الأجزاء المقطوعة ذاتياً.
وفقاً لتقديرات د. باندودكار، يُمكن لأحبار تصل قيمتها إلى 10 دولارات فقط إحياء مئاتٍ من الأجهزة الصغيرة؛ إذ لن نكون في حاجة إلى التخلص من الأجهزة الإلكترونية حال كسرها لأن الحبر سيجعلها تُصلح نفسها خلال ثوانٍ قليلة مما سيقلل من عددالأجهزة التي نضطر للتخلص منها جراء كسرها، بحسب موقع The verge.
تعتمد محاولات ابتكار المواد القادرة على إصلاح نفسها ذاتياً على تفاعل كيميائي يُعرف باسم تفاعل البلمرة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر له فوائد كثيرة في إعادة دمج الأجزاء المكسورة مع بعضها البعض مرة أخرى، من خلال بعض الروابط الكيميائية، فإن نظام الإصلاح الذاتي القائم على البلمرة له بعض العيوب؛ إذ يتطلب الأمر الاستعانة ببعض العوامل الخارجية مثل الحرارة، بالإضافة إلى أن هذا النظام لا يستطيع إصلاح الكسور الكبيرة في الأجهزة ، ويمكن أن يستغرق فترة قد تصل لساعاتٍ أو أيام كي تُصلح هذه الكسور نفسها.
تقول جينان باو – أستاذ الهندسة في جامعة ستانفورد ” إن استخدام الجزيئات الممغنطة يدشن مفهوماً جديداً لعملية الإصلاح الذاتي. وبالمقارنة مع الطرق السابقة، تعتبر هذه الطريقة بسيطة وسريعة ولا تتطلب إضافة بعض العوامل الأخرى الخارجية كالحرارة أو الضوء أو غيرها من المواد الكيميائية”.
لازالت مسألة الأحبار قيد التقييم للوصول إلى النسب الأفضل التي يُمكن استخدامها في مختلف الأجهزة الإلكترونية المطبوعة. ويعتقد د. باندودكار أن هذه الأحبار يمكن لها في المستقبل أن تدخل في صناعة جميع الأشياء بدءاً من الألواح الشمسية وصولاً إلى الأجهزة الطبية القابلة للزرع.
المصدر: هافينغتون بوست