يشهد ريف مدينة دير الزور الشمالي والشمالي الشرقي قتالا بين قوات قسد الكردية المدعومة امريكيا وبين ما يسمى مجلس دير الزور العسكري، مدعوماً بمقاتلين من العشائر. وأعادت الأحداثُ في دير الزور الحديثَ عن التركيبةِ الإجتماعيةِ والعسكرية في تلك المنطقة، وطريقةِ حكمِ قواتِ قسد للمناطقِ العربيةِ شرقَ الفرات.
تتعدد التفسيرات للأحداث التي تجري في دير الزور، بين العشائر العربية ومسلحي قسد، بين من يعتبرها حرب داخلية، وآخرون تصفية حسابات او صراع على النفوذ، غير أن الأكيد أن المواجهات في منطقة شرق الفرات، كشفت ناراً تحت الرماد، ورد فعل على ممارسات قسد، وعدم اعترافها بالخصوصية العربية لتلك المنطقة.
ولعل مسألة سَوق أبناء العشائر إلى التجنيد، وعدم تنمية المناطق العربية، هي من أهم أسباب الخلاف، يضاف إليها قضايا تنظيمية تتعلق بمجلس دير الزور العسكري، وقائده أحمد الخبيل، وهو أحد أذرع قسد العسكرية في مناطق دير الزور وأريافها.
وسبق أن اثيرت حول الخبيل العديد من علامات الإستفهام، وإتهامات فساد مالي وعسكري، وبحالات إعدام خارج نطاق القانون.. غير أن الأحداث التي فجرها اعتقال الرجل من قبل قسد، خلطت الأوراق في مناطق شرق الفرات، وبات عنوان هذه المعركة.. طرد قسد من المناطق العربية.
وتريد العشائر ومعها مقاتلو مجلس دير الزور العسكري، الإستقلال الإداري عن حكم قسد، من دون تقديم أي تصور لمرحلة ما بعد قسد، خصوصاً وأن طرفي العشائر والخبيل ليسا على وفاق تام، في حين أنه لا مواقف واضحة عند المجالس العسكرية الأخرى في دير الزور، والتي تتبع قسد تنظيمياً.
على المستوى الإقليمي، يأخذ الصراع في دير الزور بعداً تركياً، فأنقره كانت ولا زالت تسعى إلى قطع اليد الكردية في سوريا، وهي ترى بالأحداث الأخيرة فرصة، للضغط على الوحدات الكردية، وهذا ما أشار إليه بيان الخارجية التركية حول الصراع.
وفي غمرة هذه الأحداث، تبقى العين على السلوك الأميركي تجاه ما يجري، فبيان التحالف الذي دعا الى الهدوء وضبط النفس، فُسِّرَ على انه اعطاء ضوء اخضر للجانبين لاستمرار المعارك، بضمان استمرار السرقة الاميركية للنفط السوري، وتأمين خطوطها العسكرية من والى العراق.
ماذا يجري في دير الزور؟
بالعودة إلى سنوات خلت.. فقد شكلت قوات سوريا الديمقراطية مجالس عسكرية في مناطق سيطرتها في دير الزور والرقة والحسكة، تتبع لقيادة “قسد”، وأوكلت إليها مهمة إدارة تلك المناطق. وضمت قسد إليها مجلس دير الزور العسكري، الذي أسسه المدعو أحمد الخبيل “أبو خولة”. ولعبت هذه المجالس دوراً هاماً في تثبيت حكم قسد، خصوصاً في المناطق العربية، وسد حاجة الوحدات الكردية لتجنيد شباب عرب من أهالي المنطقة، وبسط نفوذها من خلال تكوين قيادة تتبع لإدارتها.
وعلى مدى السنوات الماضية، وجهت إلى قادة المجالس العسكرية في منطقة شرق الفرات اتهامات عديدة، بالتسلط والاستئثار بالثروات والسعي خلف المصالح الشخصية وإثارة النعرات العشائرية، وعلى رأسهم كان “أحمد الخبيل” المسؤول العام للمجلس، ما أدى لانفضاض أغلب أهالي المنطقة عن المجلس وقيادته، بحسب ما تؤكد تنسيقيات المسلحين.
وبرزت إلى الواجهة في المناطق العربية، خلافات مع قيادة قسد، بعد سعيها لفرض الثقافة الكردية على أبناء العشائر العربية، رغم معارضة الوجهاء والمثقفين في محافظة دير الزور تطبيق أيٍّ من قرارات قسد في التجنيد الإجباري وفرض مناهج قوات سوريا الديمقراطية في المدارس. وردت قسد على رفض العشائر الثقافة الكردية بفرض العقاب الجماعي على المنطقة عبر حرمانها من الأمن والتعليم والخدمات المدنية.
وتشهد مناطق دير الزور الواقعة تحت سيطرة “قسد”، خلافات وتوترات متكررة مستمرة، تتطور إلى اشتباكات في بعض الأحيان بين المجلس العسكري و “قسد” الساعية لفرض هيمنة كاملة على المناطق ذات المكون العربي، وتحجيم دور القوى العربية بمختلف أشكالها.
ولعل أبرز أسباب الخلاف بين الجانبين، هو سعي مجلس دير الزور إلى علاقات مباشرة مع قوات التحالف الأمريكي، والاستئثار بحكم المكون العربي في المنطقة والتحكم بثرواتها، بالتزامن مع رفض معظم أبناء المجلس العسكري المشاركة في التصدي لأي عملية عسكرية تركية مرتقبة على مناطق سيطرة قسد في الشمال السوري.
وبالنسبة إلى “قسد”، فهي تتخوف من من نية أمريكية إنشاء كيان عربي عشائري في منطقة دير الزور والحسكة، لذلك عملت على إقصاء أو تحجيم الفصائل العربية المنضوية تحتها كلواء “ثوار الرقة” و”قوات الصناديد” و”مجلس دير الزور العسكري”.
كما أن مجلس دير الزور العسكري، كان يتمتع قدر من الاستقلالية، خلافا للمجالس في الرقة والحسكة مثلاً، وذلك يرجع لنفوذ “قسد” المحدود في دير الزور، إذ لا تشهد المحافظة مثلا مسيرات مؤيدة لحزب العمال الكردستاني، ولا ترفع صور عبد الله أوجلان. كما لم تتمكن “قسد” من فرض المناهج الدراسية الخاصة بها في المحافظة.
مع الإشارة إلى ان كلا الطرفين، (قسد والمجلس العسكري) لا يحظيان بقبول كبير في المنطقة، و يُلاحَظ أن دخول بعض العشائر العربية في القتال ليس من باب نصرة مجلس دير الزور العسكري وقائده المعتقل لدى قسد، ولكن ترفض فرض قسد سلطة أكبر عليها، وبالتالي وجدت في الخلاف بين المجلس العسكري وقيادته فرصة لذلك.
ويتركز ثقل المعارك في ريف دير الزور الشرقي مثل: أبو حمام – الشحيل – ذيبان – هجين – البصيرة – العزبة – الصور – الروبيضة ومن المتوقع أن تسعى قسد لكسر شوكة العشائر بالسيطرة على هذه المناطق.
ويدير الخبيل آبار النفط والاستثمارات الزراعية في العزبة شمالي دير الزور وغيرها من المناطق، والتي تعود إليه بإيرادات كبيرة، وهو يرى أن مساعي قسد للحد من صلاحياته، تؤثر على أرباحه جراء تلك الإستثمارات.
وينتمي أحمد الخبيل، إلى عشيرة “البكير”، وهي جزء من عشيرة “العكيدات” إحدى أبزر عشائر الجزيرة وشرق الفرات. وتنتشر قوات المجلس في أرياف دير الزور على يسار شريط نهر الفرات، وبشكل أكبر في قرى وبلدات ناحيتَي الصور والبصيرة التي يتحدر منها الخبيل.
وتعتمد “قسد” في مناطق أخرى على قبائل عربية كبيرة في تشكيل المجالس العسكرية، من بينها:”الشعيطات”، وهي مكون من العكيدات في دير الزور. وتقول مصادر إن أبناء عشيرة الشعيطات يلتزمون الحياد في المواجهات الحالية بين “قسد” و”مجلس دير الزور العسكري”، إضافة إلى عشيرة “العفادلة” في الرقة الموالية لقسد.
من هو أحمد الخبيل؟
اتهمت تنسيقيات المسلحين أحمد الخبيل بأنه أحدى الشخصيات الإنتهازية التي تستعملها ميليشيا قسد لفرض هيمنتها في دير الزور وقمع المكون العربي، من خلال قيادته “مجلس دير الزور العسكري”، الذي يوصف بذراع ميليشيا قسد بالمحافظة.
وعرف عن الخبيل الذي ينحدر من قرية بيضة التابعة لناحية الصور شمال دير الزور بحسب تنسيقيات المسلحين، مبايعته تنظيم داعش، بعد دخوله محافظة دير الزور عام 2014، إلا أنه سرعان ما فرّ إلى تركيا بعد حملة أطلقها التنظيم ضد ممارسات التشليح على الطرقات، قتل خلالها أحد أبناء عم الخبيل.
وعاد الخبيل إلى سوريا عام 2016 إلى مناطق قسد في صرين بريف حلب، وأطلق من هناك ما يسمى بـ “مجلس دير الزور العسكري” الذي حصل سريعاً على دعم مالي وعسكري كبير من أجل تجنيد أبناء العشائر مستغلاً حاجة ميلشيا قسد والتحالف الأميريكي إلى مجموعات عربية تقاتل إلى جانبهما.
حاول أواخر تموز 2019 فرض نفسه أميراً عاماً على عشيرة البكير التي ينتمي لها، ما دفع أبناء العشيرة إلى إصدار بيان رافض لذلك.
ماذا حصل في شرق الفرات؟
في 27 آب/أغسطس، أوقفت قوات سوريا الديموقراطية أحمد خبيل، المعروف بأبو خولة، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها. وأعلنت لاحقاً عزله متهمة إياه بالتورط بـ”جرائم جنائية والاتجار بالمخدرات وسوء إدارة الوضع الأمني”.
وأثار توقيفه غضب مقاتلين من العشائر العربي مقربين منه،ما لبثوا أن نفذوا هجمات ضد قوات سوريا الديموقراطية تطوّرت لاحقاً إلى اشتباكات في بضع قرى. وأسفرت المواجهات خلال أسبوع عن مقتل 71 شخصاً غالبيتهم مقاتلون وبينهم تسعة مدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويرى الباحث في الشأن السوري في مركز “سنتشوري انترناشونال” آرون لوند أن “هناك الكثير من الضجيج والمبالغة والبروباغندا حول ما يحصل”. ويضيف لوكالة فرانس برس “حتى الآن، لا أرى أي تغيير حقيقي، يبدو أن الكثير من التوتر يرتبط بقضايا محلية جداً وغامضة”.
هل الصراع هو مع العشائر العربية؟
في شمال سوريا، نفّذ مقاتلون موالون لأنقرة قالوا إنهم ينتمون الى عشائر عربية هجمات ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية دعماً للمقاتلين المحليين في دير الزور.
لكن مدير شبكة “دير الزور 24” المحلية عمر أبو ليلى قال لوكالة فرانس برس “ليس هناك ما يسمى فعلياً بقوات عشائر عربية”، مشيراً إلى أن كافة الأطراف المتحاربة “طالما حاولت استمالة وجهاء العشائر في المنطقة لقدرتها على قلب الموازين”. وأضاف “لكن اليوم هناك وجهاء عشائر يفضلون قوات سوريا الديموقراطية والعمل معها”.
وأشار إلى أن المواجهات بدأها مسؤولون كانوا مقربين من أبو خولة و”خصوصاً المستفيدين من معابر التهريب”. وقال عمر أبو ليلى “حتى البيانات الصادرة عن البعض للانضمام لما وصفوه بحراك عشائري، لم تلق صدى من العشائر على مستوى المحافظة”.
وأضاف “لو كانت العشائر فعلاً كلها اتفقت على قوات سوريا الديموقراطية، لما بقيت هذه الأخيرة في دير الزور”.
ما حقيقة الموقف الأمريكي؟
بعد اسبوع من الاشتباكات العنيفة غير المسبوقة بين العشائر العربية ومسلحي قسد المدعومة أميركيا في دير الزور، ارتأت واشنطن اتخاذ اولى خطواتها، وأعلنت في بيان صدر باسم السفارة الأمريكية في سوريا عن لقاء جمع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، وقائد عملية ما تسمى ب”العزم الصلب”، اللواء جويل فويل في شمال شرقي سوريا، مع ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وزعماء القبائل في دير الزور؛ لبحث التوتر في المدينة والاتفاق على وقف العنف.
وبحسب ما أعلنته السفارة في بيانها، فقد اتفقوا على أهمية معالجة مظالم سكان دير الزور، ومخاطر ما سموه بالتدخل الخارجي في المحافظة، وضرورة تجنب سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، ووقف تصعيد العنف في أسرع وقت ممكن.
التدخل الاميركي المباشر في معارك دير الزور جاء بعد امتداد المعارك إلى ريف حلب الشمالي الشرقي وبعد بيانين متأخرين، لما يسمى بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ودعوته إلى التهدئة والذي اكد فيه على ثبات موقفه بدعم حليفته قسد.
في الاساس فإن المعارك بين الطرفين اندلعت على خلفية طلب واشنطن من قسد القيام بحملة عسكرية تهدف للقضاء على مجلس دير الزور العسكري” الذي يشكل قوامه الأعظم ” أبناء قبيلة العكيدات وهي الاكبر في المنطقة وذلك خلال الزيارة الميدانية التي قام بها قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال، مايكل كوريلا، لمناطق شمال شرقي سوريا، والتي التقى فيها قيادة قوات “قسد”، وكان كوريلا قام بزيارة مماثلة لمخيم الهول في أيلول/سبتمبر من العام الماضي.
وبحسب أحد شيوخ العشائر العربية في دير الزور، فإن واشنطن تثير الاضطرابات في منطاق احتلالها شمال شرق سوريا لنهب ثروات المنطقة النفطية، بالتزامن مع تأمين خطوطها العسكرية من والى العراق.
ماذا في تطورات الميدان؟
تزامناً مع استمرار المساعي الأميركية، لارساء التهدئة، بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، من جهة، ومجلس دير الزور العسكري والعشائر، من جهة ثانية، تواصلت المواجهات في مناطق ريف دير الزور الشرقي، بعد استقدام تعزيزات لقسد، لاستعادة المناطق التي خسرتها في الريف، ذلك وسط انباء متضاربة عن حقيقة السيطرة ميدانياً.
الاشتباكات التي اشتدت وتيرتها، أمس الأحد مع عملية عسكرية واسعة النطاق لـ”قسد” بهدف استعادة المناطق التي خسرتها في معاركها بريف دير الزور الشرقي، تمّكن خلالها مقاتلو العشائر منن السيطرة على كامل بلدة الشحيل، بريف دير الزور الشرقي، بعد اشتباكات عنيفة خاضوها مع قوّات “قسد”، المدعومة أميركيا.
وكانت مصادر محلية، أفادت أمس الأحد، أن “قوات سوريا الديمقراطية، استعادت السيطرة على بلدة الشحيل الواقعة بريف دير الزور الشرقي بعد أن كانت أحكمت السيطرة على مدينة البصيرة الواقعة بالقرب منها”. كما تمكّن ابناء قبائل البقارة من السيطرة على بلدة الحصان في ريف دير الزور الشرقي بعد طرد عناصر “قسد” منها، في الوقت الذي افيد عن تواصل الاشتباكات، في مناطق مختلفة من أرياف دير الزور.
وفيما كانت الاشتباكات متواصلة، أعلنت “قسد”، أنّها وصلت إلى المراحل الأخيرة لـ”حسم” المعارك في ريف دير الزور، بعد أن “طوقت بلدة ذبيان آخر المناطق التي تتمركز فيها قوات العشائر”، على حد تعبيرها.
بالمقابل، أفادت مصادر محلية، أنّ الوضع يختلف تماماً عن هذه التصريحات، إذ ما تزال العشائر تسيطر على معظم الريف الشرقي للمحافظة، في حين تنحصر سيطرة “قسد” على بلدة البصيرة. وفي السياق، ذكرت المصادر عن وصول تعزيزات لمقاتلين ضمن قوات سوريا الديموقراطية تباعاً إلى المنطقة للاتجاه نحو ذبيان، التي يتمركز فيها حالياً عشرات المقاتلين التابعين للعشائر العربية.
كما يخوض مقاتلو العشائر، اشتباكات مع مسلحي “قسد” في الحوايج قرية التي تتبع ناحية ذيبان في منطقة الميادين في محافظة دير الزور، برفقة شيخ مشايخ قبيلة العكيدات، الشيخ ابراهيم الهفل، الذي كان قد نفى ما تروّج بعض الشائعات عن وجود مفاوضات مع “التحالف الدولي” بهدف التوصل لحل وإيقاف القتال، ذلك لتشتيت تركيز المقاتلين.
ويُطالب ابناء العشائر بانشاء “ادارة مدنية” تدير مناطق دير الزور بعيداً عن تدخّل سلطات “قسد” وتكون هذه الادارة غير تابعة لأي جهّة، ومجلس أعيان ومجلس عسكري جديد، يخلف “مجلس دير الزور العسكري”، يعملان على حماية السلم والاستقرار في المنطقة، وفق ما تفيد مصادر محلية.
وفي بيان صادر عنها، أعلنت “الإدارة الذاتية بدير الزور” دعم ما وصفتها جهود قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في إتمام واجباتها، و”محاربة كل ما يضر بالنسيج الاجتماعي”، ودعت العشائر لتحمل المسؤولية الوطنية، مطالبة التحالف الدولي بدعم القوات العسكرية لـ”قسد” لإتمام مهامها وإنجاحها.
وكانت اشتباكات اندلعت، في بضع قرى في ريف محافظة دير الزور الشرقي، بعد عزل قوات سوريا الديموقراطية لقائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها.
المصدر: أ.ف.ب. + تنسيقيات المسلحين + قناة المنار