اتم الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لقاءاته مع مختلف الأطراف السياسية في لبنان لمناقشة ملف رئاسة الجمهورية، والكل عند موقفه، والكل خرج من لقائه مرتاحاً كما ينقل او يقال، فيما اللبنانيون وحدهم غير مرتاحين لعدم وجود افق قريب لحل الأزمة الممتدة بفعل المكابر والعناد..
وبعد جوقة التصريحات والتغريدات يبقى السؤال: ماذا بعد ؟ والى اين ستسير الامور؟ حزب الله الذي توافق مع لودريان على ان الحوار هو اقصر الطرق للاتفاق، أكد للضيف الفرنسي تمسكه الثابت بدعم ترشيح سليمان فرنجية.. اما المتقاطعون على ترشيح جهاد ازعور فقد تقطعت مواقفهم وتباعدت آراؤهم وبدا جلياً انفراط عقدهم داخل قصر الصنوبر..
آخر لقاءات لودريان بالأمس كانت دون تقديمه أي مقترحات لمعالجة الشغور الحاصل في الرئاسة الأولى. وسيغادر لودريان بيروت عائدا إلى باريس، حاملًا معه نتيجة اللقاءات، على أن يعود بعد أسبوعين لمتابعة مساعيه.
وكان لافتًا موقف رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الذي أكد تمسك الثنائي الوطني بالمرشح الطبيعي سليمان فرنجية وشرح ذلك للموفد الفرنسي، نافيًا أن يكون لودريان قد طوى صفحة مبادرة بلاده، مشيرًا إلى أن الوزير الفرنسي السابق أعطى فرنجية إشارة لتمييزه عن غيره بدعوته إلى الغداء.
الأمور “متشابكة ومعقّدة جداً”
وكتبت صحيفة الاخبار تقول إن المعطيات المتوافرة عن اليوم الثالث من الزيارة “الاستطلاعية” للودريان لا تزال نفسها الانطباعات التي خرجت بها القوى السياسية منذ اليوم الأول لوصوله، وهي اتّباع الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص قاعدة “الصمت كثيراً والاستماع أكثر”. إلا أن الخلاصة الأساسية التي أسفرت عن لقاءات لودريان أن الأمور “متشابكة ومعقّدة جداً”، وأن العوامل الداخلية والخارجية غير ملائمة لإنتاج حل داخلي للأزمة اللبنانية، لا على صعيد الرئاسة ولا غيرها.
وإذا كان الموفد الفرنسي لم يعلن تراجع بلاده عن المبادرة – التسوية التي طرحتها بانتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة، إلا أنه كان، في الوقت نفسه، واقعياً لجهة الاعتراف بصعوبة تسويق المبادرة مع القوى المحلية والدول العربية والغربية، مشدّداً على أن إنتاج الحل لا يُمكن إلا بالتوافق والحوار.
دعوة للحوار
وكشفت مصادر مطّلعة أن الموفد الفرنسي طلب من البطريرك بشارة الراعي أن يدعو إلى حوار، إلا أن الأخير لم يبد تجاوباً، فيما أبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه يشجع على الحوار، لكنه لن يدعو إليه لأنه أصبح طرفاً بعد دعمه ترشيح فرنجية. وبحسب المصادر، فإن لودريان، لكثرة ما سمعه من تناقضات وخلافات واختلاف في وجهات النظر، وما لمسه من تشدد كل فريق في موقفه، أدرك “استحالة” المهمة الموكل بها، وأنه لا يُمكن لفرنسا “المغضوب” عليها من بعض القوى الداخلية، تحديداً المسيحية، أن تنجح في هذا الدور منفردة. وهو سيحمل معه إلى بلاده وإلى ممثلي دول اللقاء الخماسي “غلّة” لقاءاته، على أن يعود لاحقاً إلى بيروت بتصور جديد.
استكمال اللقاءات
واستكمل الموفد الفرنسي أمس لقاءاته التي استهلّها باستقبال النائب ميشال معوض في قصر الصنوبر، قبل أن يعقد لقاء موسعاً مع كتلة “تجدد” التي تضم إلى معوض النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي، فيما اعتذر النائب أديب عبد المسيح بداعي السفر. واستقبل النواب سامي الجميل ونديم الجميل وسليم الصايغ، ثم عدداً من نواب “التغيير”، والنائب السابق وليد جنبلاط برفقة نجله تيمور جنبلاط، ثم النائب فيصل كرامي، فالنائب أحمد الخير.
عودة لودريان خلال أسابيع
وتقاطعت المعلومات عند التأكيد على عودة لودريان خلال أسابيع ينتهي خلالها من إعداد تقرير حول عناصر الأزمة وفقاً لما سمعه ممن التقاهم، وتصور كل منهم للحل، ووضع توصيات لإنتاج فكرة أو مبادرة. وتمنح هذه المدة رئيس مجلس النواب فرصة حتى نهاية آب المقبل لعدم الدعوة إلى جلسات جديدة لانتخاب رئيس، والفرنسيين فرصة البحث في دعوة ممثلين عن بعض القوى إلى اجتماعات في باريس، إضافة إلى إجراء جولة جديدة من المحادثات مع السعودية وبقية أطراف اللقاء الخماسي.
عناوين الزيارة
مصدر نيابي تابع عن قرب زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان، يقول لصحيفة البناء إن تلخيص مهمة أدريان من خلال أغلب ما تسرّب عن لقاءاته مع مختلف الكتل النيابية، يمكن أن يضع للمهمة مجموعة عناوين، الأول هو احتواء موجة العداء لفرنسا التي طغت على الكتل النيابية التي وقفت ضد ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، خصوصاً المسيحيّة منها، والتي قالت إن فرنسا تتبنى ترشيح فرنجية بعكس إرادة الأغلبية النيابية المسيحية المعنية بمنصب الرئاسة قبل سواها، شارحاً أن جوهر المبادرة الفرنسية التي شكل اسم فرنجية أحد مفرداتها، هو استحالة إنتاج رئيس جديد خارج توافق يضمن تأمين النصاب على الأقل والاعتراف بنتائج الانتخابات والتعاون مع الرئيس الجديد، من أغلب القوى السياسية الفاعلة التي تشكل مقاطعتها للعهد الرئاسي سبباً كافياً للفشل، في بلد يحتاج إلى تجميع كل عناصر النجاح حتى أبسطها.
وهذا التوافق يحتاج تفاهماً على سلة كاملة تضم اسم رئيس الجمهورية واسم رئيس الحكومة والمناصب الرئيسية في الدولة وعناوين العمل للمرحلة المقبلة، وفرنسا منفتحة على الاستماع الى بدائل تحقق هذه الأهداف، عن غير طريق التأقلم مع الفراغ وإلقاء المسؤولية على الطرف المقابل، باعتباره قادراً على تعطيل النصاب، ولا قدرة لأحد على إلزامه بالعكس، خصوصاً أن التعطيل كان سلاحاً معلناً للفريقين اللذين ظهر أن بدونهما معاً لن يتأمن النصاب ويتم الانتخاب. وعلى هذا الصعيد تقول المصادر إن مهمة لودريان أُنجزت، حتى لو صوّر البعض عرض لودريان للمبادرة الفرنسية بمثابة إعلان بدء من الصفر، او تخلٍّ عن فرنجية.
العنوان الثاني لمهمة لودريان، برأي المصادر، كان إلقاء مسؤولية التقدم ببدائل واقعية على الكتل النيابية الكبرى، غير الدعوة للتأقلم مع الفراغ وإلقاء مسؤوليته على الطرف المقابل بتهمة تعطيل النصاب. وهنا تقول المصادر إن لودريان نجح بتقديم الحوار جواباً لم يستطع أحد رفضه، حتى لو لم يقل البعض بصورة واضحة إنهم يوافقون على الحوار، لكن مع إضافة أن الحوار القابل للحياة ليس حواراً يديره طرف لبناني، طالما أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري اعتذر عن تكرار الدعوة للحوار بعدما صار طرفاً يتبنى ترشيحاً واضحاً للرئاسة، والمناوئون لهذا الترشيح يجاهرون برفض دعوة للحوار تصدر عنه، وبكركي لم تبدِ رغبة بلعب هذا الدور رغم توجيه بري رسالة واضحة تدعوها للقيام بالمهمة. وهذا يعني أن الخلاصة هنا تقول بأن طريق الحوار يحتاج الى المزيد من الإنضاج لكن كوة في الجدار قد فتحت.
الخلاصة الثالثة لمهمة لودريان، وفق المصادر النيابية، هي أن تحديد الجهة الداعية للحوار ومكان الحوار ومستواه وطبيعته وجدول أعماله، قضايا تحتاج الى تفاهم فرنسي سعودي أولاً ثم سعودي إيراني ثانياً، ووضع الأميركيين في صورة الخلاصات ثالثاً، وهذا ما سيفعله لودريان خلال الفترة الفاصلة بين نهاية جولته اليوم وعودته بعد أسبوعين الى بيروت نحو جولة ثانية.
لا بديل للحوار
الأكيد برأي المصادر النيابية بعد جولة لودريان أن لا بديل للحوار، وأن لا طريق لانتخاب رئيس بغير الاتفاق على سلة كاملة، لأن الرئيس الذي يقدر على تحقيق الطمأنة اللازمة لنصف المجلس النيابي، ويلبي الحاجة التي تفرضها نصف المهمات المطلوبة يجب أن يترافق الاتفاق على اسمه مع اسم رئيس للحكومة يطمئن النصف الثاني من مجلس النواب ويضمن تحقيق النصف الثاني من المهمات، آخذاً بالاعتبار أن مهام رئيس الجمهورية تتصل بالسياسات الخارجية والاستراتيجية، بينما مهمات رئيس الحكومة والحكومة تتصل بالإصلاحات والمال والاقتصاد.
تمسك بفرنجية
على خلفية هذه الخلاصات دعت المصادر النيابية الى قراءة كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال “ليس صحيحاً أن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان طوى صفحة المبادرة، وغير صحيح أنه تخطّى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية”، لافتاً إلى أن “لودريان أعطى فرنجية إشارة لتمييزه عن غيره بدعوته إلى الغداء”. وأشار بري، في حديث لـ قناة “الجديد”، إلى أنني “أبلغت لودريان بأسباب تمسّكي وحزب الله بفرنجية وأهمها أنه صادق وصريح ويلتزم بكلامه”، مؤكداً أنه “مستعدّ للمشاركة بأي حوار يُدعى إليه في المجلس النيابي عبر تكليف أحد من كتلة التنمية والتحرير”. وكشف أنه “غير الصحيح أن الولايات المتحدة تعرقل الرئاسة اللبنانية، وهي سوف تتعاون مع أي رئيس منتخب”.
ندعو الى الحوار
رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله، الشيخ محمد يزبك، أكّد انه “لا يُمكن فرض أيّ شخصية على الآخرين، بل يجب أن نتفاهم ونتحاور، لذلك كانت هناك دعوات عديدة للحوار، لكن الفريق الآخر كان غير قابل للنقاش”. ولفت إلى أن “لنا رؤيتنا واختيارنا لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية من منطلق قناعاتنا بأنه شخصية وطنية، ونحن لا نريد رئيساً يحمينا، بل نريد رئيساً لا يطعن في الظهر، وهذه المكتسبات التي حصلت للبنان أن يُحافظ عليها”. وأوضح أن “في الحركة الفرنسية السعودية موقفنا واضح، ونحن ندعو الى الحوار ضمن رؤية وطروحات تكون فيها ضمانة للبنان وضمانة العيش المشترك”.
اسماء المرشحين كانت حاضرة
وبحسب المعلومات لصحيفة الجمهورية، فإنّ اسماء المرشحين كانت حاضرة في المحادثات التي اجراها لودريان، إلا ان الموفد الفرنسي لم يكن المبادر الى طرح أي اسم، كما تجنّب ذكر أي اسم، بل إنّ إيراد الأسماء جاء في مقاربات الاطراف، سواء من قبل داعمي فرنجية الذي وصفت المحادثات بينه وبين الموفد الفرنسي بأنها “كانت اكثر من مريحة”، او من قبل داعمي الوزير السابق جهاد ازعور، الذي ما زالت تتقاطع عليه القوات اللبنانية وحزب الكتائب وكتلة “تجدد” وبعض النواب الذين يصنّفون أنفسهم تغييريين. او من الذين أخرجوا انفسهم من التقاطعات ورفعوا لواء البحث عن خيارات رئاسية جديدة. وتشير المعلومات الى ان لودريان كان مستمعاً في هذا المجال، ولم تتمكن تلك الاطراف، خصوصا من هم ضد فرنجية، في استدراج لودريان الى الإفصاح عما اذا كان لباريس مرشح معيّن تُزَكّيه لرئاسة الجمهورية.
مقبرة فرض ومبادرات
ورداً على سؤال حول مهمة لودريان، قال مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”: بحسب ما قيل لنا، فإن لودريان سيقوم بزيارة ثانية الى بيروت في تموز المقبل، وهذا أمر جيّد، ويعبّر عن الإهتمام البالغ الذي توليه ادارة الرئيس ماكرون للبنان، ولكن ما نفع تعدّد الزيارات إذا لم تؤدّ الى تغيير في واقع لبناني مُنقسم على ذاته؟ أضاف “انا متأكد من أنّ نوايا الفرنسيين تجاه لبنان أصدَق من نوايا اللبنانيين تجاه بلدهم، ولمسنا من لودريان مشاعر طيبة تجاه لبنان وتضامناً وحماسة في إخراج رئاسة الجمهورية من دائرة التعطيل، وهذه الحماسة ينقصها شيء واحد وهو ان تجد في الداخل مَن يَتلقّفها ويتفاعَل معها بمسؤولية، وهو ما لم نلمسه في خلاصات اللقاءات والاتصالات التي اجراها، والتي راوحت جميعها في دائرة الخلافات والتعقيدات القائمة منذ بداية الشغور الرئاسي، من دون ان تقدم للموفد الفرنسي اي ايجابيات يبني عليها لبلورة حل”.
وقيل للمرجع المسؤول ان مهمة لودريان اذا انتهت على هذا النحو، فهذا يعني إخفاقاً جديداً لفرنسا في لبنان، يُضاف الى مسلسل الاخفاقات السابقة التي توالت منذ المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ماكرون بعد الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، فسارَعَ الى توصيف بالغ الدلالة وقال: مع الأسف الواقع السياسي في لبنان، ومنذ بداية الأزمة في العام 2019، ارتقى في تخلّفه إلى أن يصبح، وبلا منازع، “مقبرة جماعية للفرص والمبادرات”.
وخَلص المرجع المسؤول الى القول: المهمّة التي يقوم بها لودريان مهمّة جداً، ولكنها على جانب كبير من الصعوبة والتعقيد، وبمعزل عن نجاحها او فشها، فلا مجال لأي حلّ رئاسي في لبنان الا بالحوار، ولا شيء غير الحوار الذي لا مفرّ منه في نهاية المطاف، ونقطة على السطر.
المصدر: موقع المنار + صحف