ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاثنين 19-06-2023 في بيروت على عدد من المواضيع وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي..
البناء:
بوريل من القاهرة: لن نشارك بالمبادرة العربيّة نحو سورية قبل رؤية نتائج ملموسة… لكننا منفتحون
لودريان الأربعاء للاستماع حول المخارج المقترحة… والحوار والانتخابات المبكرة على الطاولة
الجلسة التشريعيّة تنتظر مشاركة التيار الوطني الحر أو بعض نوابه لتأمين النصاب… والرواتب
كتب المحرّر السياسيّ
يلتقي الجميع على مراقبة المسار الخاص بالاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وما يرسمه من آفاق جديدة في المنطقة، وسط مناخ تراجعات أميركيّة ظهرت بالتوجّه نحو الصين بالبحث عن منصة سياسية تضع لها بكين شروطاً، أبرزها التزام أميركي بعنوان صين واحدة وترجمته عسكرياً، بوقف الحديث عن تسليح تايوان، ووسط المعلومات المتزايدة عن ما يجري في الميدان الأوكراني، حيث كل شيء يقول بأن التفوق الروسي يرسم مستقبل الحرب، وإن الحديث المتفائل عن فعالية هجوم أوكراني معاكس جرى الترويج له طويلاً، مع تجهيزات عسكرية غربية لأوكرانيا، كان أقرب إلى حملة دعائية منه الى واقع حقيقي، بعد مجزرة الدبابات التي لحقت بأرتال دبابات ليوبارد وابرامز التي أرسلت إلى كييف من كل من واشنطن وبرلين.
إلى جانب هذا المسار الذي يتوقع تتويجه بحدوث انفراجات أميركية في المنطقة على خلفية استباق الفشل الأوكراني الظاهر في الحرب، عبر مزيد من التقدّم في المسار الأميركي الإيراني، والغربي الإيراني، يبدو أن الأميركيين والأوروبيين، ينتقلون من الفيتو المشدّد على كل انفتاح على سورية، الى التموضع عند خيار جديد، عنوانه لا نوافق على المسار العربي الجديد نحو سورية، لكننا سوف نراقب هذا المسار وننتظر تحقيق نتائج ملموسة، سواء في ملف الحل السياسي، أو في مسار الظروف الملائمة لعودة النازحين، وهو ما عبّر عنه مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال زيارته للقاهرة وتفسيره لإلغاء الاجتماع الأوروبي العربي المشترك المقرّر في 20 حزيران الحالي، بالقول إنه من المبكر المشاركة في اجتماعات يحضرها وزير خارجية سورية قبل أن تظهر للعلن نتائج ملموسة تتصل بالحل السياسي.
على خلفية هذه المناخات الرمادية الدولية تجاه الإقليم، تستكمل الحالة الرمادية سيطرتها على المشهد اللبناني الرئاسي، حيث رجّحت مصادر دبلوماسية فرنسية أن تسيطر على زيارة وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لودريان الى بيروت الأربعاء مشاوراته مع الأطراف السياسية بالاستماع إلى المخارج المقترحة من مختلف الأطراف، والتي تتراوح بين دعوة المشاركين في تقاطع ترشيح وزير المالية السابق جهاد أزعور لطي صفحة ترشيحَي أزعور وفرنجية والبحث عن مرشح ثالث، مقابل دعوة حلف ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية الى الحوار غير المشروط للبحث في مواصفات الرئيس التي تتناسب مع التحدّيات، ومحاولة إسقاطها على الترشيحات دون شروط مسبقة تتصل باستبعاد فرنجية من السباق، وإلا فإن الانتخابات النيابية المبكرة كتقليد ديمقراطي أصيل تصبح مخرجاً وحيداً لكسر الجمود.
نيابياً، يواجه انعقاد الجلسة التشريعية المقررة اليوم تحدي كيفية تأمين رواتب الموظفين، حيث تقف كتل نيابية على ضفة رفض المشاركة، رغم الضرورة بذريعة أولوية انتخاب الرئيس، بينما تتشكل نواة أغلبية كافية لعقد الجلسة بانضمام اللقاء الديمقراطي الى ثنائي حركة أمل وحزب الله وبعض النواب المستقلين والتكتلات الحليفة، بحيث يبدو مستقبل الجلسة متوقفاً على قرار التيار الوطني الحر ونوابه المشاركة في الجلسة، وهو ما يبدو أنه يسير بشكل إيجابي، سواء نحو مشاركة كاملة بقرار موافقته على تشريع الضرورة، أو عبر توفير التغطية الجزئية الكافية لتأمين النصاب اللازم للجلسة عبر حضور عدد كاف من نوابه لهذه الغاية.
يسافر المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لو دريان الأربعاء إلى بيروت لإجراء محادثات مع المسؤولين السياسيين، وفق مصدر دبلوماسي. وسيبدأ لودريان لقاءاته مما خلص إليه لقاء الاليزية بين الرئيس ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لجهة إجماع الطرفين على أهمية الإسراع في انتخاب رئيس للبنان وايجاد حل للازمة. وتقول مصادر سياسية متابعة لـ»البناء» إن هناك ارتياحاً فرنسياً لموقف الرياض من الملف اللبناني لا سيما ان ولي العهد لم يدخل في الاسماء، لكنه شدد في الوقت نفسه على البرنامج الذي يفترض أن يتم وضعه من قبل الرئيس والحكومة للمرحلة المقبلة لإنقاذ البلد وترتيب علاقات لبنان مع الدول العربية والمجتمع الدولي. وقد كان ماكرون متفاهماً مع ابن سلمان حيال ضرورة إنجاز لبنان للاصلاحات المطلوبة منه على كل الصعد. وتعتبر المصادر ان فرنسا لا تزال متمسكة بتسوية الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
إلى ذلك، بعد زيارة خاطفة الى قطر، عاد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى بيروت، بعد ان التقى المسؤولين القطريين الذين يتابعون الملف اللبناني. وبحسب معلومات “البناء” فإن زيارة باسيل تأتي في سياق سعي التيار الوطني الحر لتدخل قطري في الملف الرئاسي بعيداً عن قائد الجيش، والتدخل للمساعدة عند حزب الله عبر الإيرانيين، ولفتت مصادر سياسية إلى ان قطر أرجأت زيارة موفدها الى لبنان انسجاماً مع الحراك الفرنسي – السعودي الحاصل اليوم.
ولفت النائب طوني فرنجية الى ان “المبادرة الفرنسية تحمل سلة متكاملة من رئاسة الجمهورية فرئاسة الحكومة بالاضافة الى الإصلاحات الاقتصادية وعودة النازحين السوريين”. وأوضح بأنه “بحال انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية سيمدّ يده لمختلف الأفرقاء لا سيما المسيحيين منهم من أجل المشاركة في إنقاذ البلد”. وأوضح بأن “من صوّت لجهاد أزعور كان يعلم انه من غير الممكن ان يصل للرئاسة، ومن جهة أخرى اعتقد أنه في كلّ مرّة نأتي فيها بقائد جيش رئيساً نضرب مؤسسة الجيش ويصبح كلّ قائد جيش يتصرّف كولي عهد ولا اعتقد اليوم هناك حظوظ متقدمة لجوزيف عون”. وذكر بأنه “لحظة توفر الجدوى من الجلسة الانتخابية الثالثة عشرة، سيدعو الرئيس بري وأعتقد أن هذا سيحصل قريباً”.
وأشار النائب إبراهيم الموسوي، الى أن “الفريق الآخر لم يقدم مرشحاً جدياً وانما مرشح مناورة لإسقاط ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهذا النكد السياسي لا يبني وطناً ولا يحل أي ازمة”. وأكد أننا “نحن لدينا مرشح جدّي وهو فرنجية ويشكل ضمانة لكل لبنان لذا يجب على الجميع الحوار لنصل إلى حل يخلص لبنان من هذه الازمة”.
الى ذلك، ينطلق هذا الأسبوع اليوم مع جلسة تشريعية لإنقاذ رواتب القطاع العام، وبحسب معلومات “البناء” فإن النصاب سوف يتوفر في جلسة اليوم، مع مشاركة نواب تكتل لبنان القوي في الجلسة المخصّصة لتأمين رواتب القطاع العام، مع الإشارة الى ان نواب التغيير وتجدّد والكتائب لن يشاركوا في الجلسة، كذلك الأمر بالنسبة الى الجمهورية القوية التي تؤكد مصادرها لـ”البناء” ان الجلسة تخالف الدستور، وان معالجة أزمة الرواتب يمكن ان تحصل من خلال الحكومة التي بإمكانها ان تصدر مراسيم في هذا الشأن.
وعلى المستوى الحكومي، يعقد مجلس الوزراء جلسة الاربعاء لدرس بنود منها ملف النازحين السوريين وموضوع ترقيات ضباط، خاصة أن هناك إجماعاً حكومياً على دراسة هذا الملف بهدوء وحماية المؤسسات العسكرية والأمنية، ولم يستبعد مصدر سياسي حضور قائد الجيش العماد جوزاف عون الجلسة في حال تقرّر أنها ستبحث في سد الفراغ في المجلس العسكري ولم يتم تقديم أسماء من قبل وزير الدفاع موريس سليم.
اللواء:
«توجُّس مسيحي» من مهمة لودريان قبل غداء السفارة!
مصير الرواتب يتقرَّر في الجلسة التشريعيَّة اليوم.. والراعي يصف جلسة 14 حزيران بـ«المهزلة»
مع أن الجلسة التشريعية التي دعا الرئيس نبيه بري لانعقادها اليوم، تحمل ما يكفي من المؤشرات لمعرفة مدى إمكان التغلب على طروحات معيقة من هنا او هناك أمام استحقاق الرواتب للعاملين في القطاع العام من عسكريين ومدنيين في الخدمة او متقاعدين بدءاً من «عيدية الأضحى» وما تبقى من العام او فتح الأحوال السياسية امام موجات جديدة من الاضطرابات في السياسة وفي الشارع.
مع هذه الوصفية، فإن الترقب الرسمي والسياسي لمهمة الموفد الرئاسي الفرنسي الشخصي جاك- ايف لودريان، الذي يصل الى بيروت قبل اسبوع من عيد الاضحى المبارك الذي يصادف الاربعاء في 28 الجاري بقي الحاضر الأكبر في عملية اعداد ما يمكن ان يحمله الضيف الفرنسي وما يمكن ان يسهم من هذا المسؤول او ذاك..
وحسب المعلومات المتاحة فإن لودريان لن يغرق في الاستماع الى ما يعرفه جيداً عن اسباب عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل سينطلق من رؤية الكتل ورؤساء الاحزاب للمخرج او المخارج الممكنة، قبل ان يعكف على استخلاص النتائج من اوراقه اللبنانية، ووضع تقرير مختصر لإيمانويل ماكرون حول ما يتعين عمله لإنهاء الشغور الرئاسي، في ضوء بعض من التفويض العربي للرئيس الفرنسي، الذي يمكن ان يكون حصل على دعم ايراني مماثل في ما خص انتخابات الرئاسة.
خارج السياق، عاد رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل من قطر، بعد زيارة استمرت 24 ساعة، تناولت بطبيعة الحال المقاربة القطرية لانهاء الشغور الرئاسي، عبر تجديد طرح العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهوري، وهو الامر الذي لم يحظ بعد بقبول باسيل، الذي يروّج القريبون منه انه يتعاطى بحذر مع مهمة لودريان من زاوية المعلومات التي تحدثت عن عدم اسقاط الجانب الفرنسي صيغة ترشيح فرنجية وانتخاب مقابل رئاسة الحكومة ومناصب في الحكومة وحاكمية مصرف لبنان وقطاع النفط.
وحسب المعلومات الديبلوماسية المسرَّبة فإن ماكرون وضع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بأنه سيرسل لودريان كموفد شخصي إعراباً عن اهتمامه الشديد بلبنان، وانه سيثير مع الجانب السعودي والايراني كيفية العمل لانجاز هذا الملف..
وكشف مصدر مطلع ان لودريان الذي وضع خارطة طريق لمهمته، سيلتقي الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، والبطريرك الماروني ورؤساء الكتل، حيث وجَّه الدعوة الى حضور غداء لممثلي الكتل والاحزاب في السفارة الفرنسية يوم الجمعة، شبيه باللقاء الذي عقده الرئيس ماكرون عندما اتى الى بيروت غداة انفجار 4 آب في مرفأ بيروت.
وبعد اللقاء، سيضع لودريان تقريرا حول ما اذا لمس تقاربا في مواقف الكتل ام ان التباعد هو سيّد الموقف في ضوء تمسك الثنائي الشيعي بالنائب سليمان فرنجية، ورفض النائب باسيل والمعارضة المسيحية وعدد من النواب التغييريين بالوقوف ضده، مع اعتراض مسيحي متعدد على العماد جوزاف عون.
هذا في المرحلة الاولى، اما في المرحلة الثانية، فستبدأ عملية التنسيق بين فرنسا والمملكة العربية السعودية عبر لقاء خلية الرئاسة اللبنانية المكونة من المستشار نزار عالولا والسفير في بيروت وليد بخاري، في ضوء ما سمعه ماكرون من الامير محمد بن سلمان من استعداد للتنسيق مع الجانب الفرنسي لإنهاء الشغور الرئاسي.
وعليه، ستكون مهمة لودريان دبلوماسية في الخارج لجهة التفاهم مع كل من الرياض وطهران لوضع تفاهم يؤدي الى ممارسة دور في ما خصَّ الاتفاق على صيغة متكاملة لانجاز انتخاب الرئيس.
وكشف النائب طوني فرنجية انه تلقّى دعوة لغداء السفارة، مشيرا الى ان ما نراه هو استكمال وترسيخ ما بدأ مع دوريل.
وكشفت مصادر سياسية إلى ان لودريان، لن يحمل في جعبته اي اقتراحات حلول جاهزة للازمه حتى الساعة، وخصوصا بعد فشل المبادرة الفرنسية التي روج لها الاعلام المحلي والعربي، والتي ارتكزت بصورة رئيسية على ترشيح فرنجية للرئاسة والقاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة من دون، بعد بروز معارضة مسيحية وازنة لها وعدم قدرة الاطرف الداعمة لها لتسويقها.
وتوقعت المصادر ان يتولى لودريان خلال لقاءاته مع الاطراف السياسيين، السماع لآرائهم واقتراحاتهم، في كيفية الخروج من الازمة، ومدى استعدادهم لقبول اي مقترحات جديدة تساهم في الحلول المطروحة للازمة من دون الكشف عن مضمونها، يعمد بعدها الى تدوين تفصيلي لكل ما سمعه، ثم يتولى وضع تقرير شامل على ان يرفعه لاحقا الى الرئيس ماكرون لاتخاذ الخطوة المقبلة، التي يبدو انها محاطة بصعوبات وعوائق عديدة، قد تؤخر اجتراح اي حل مطلوب، اذا بقي الانقسام السياسي الحاد على حاله داخليا.
واشارت المصادر أن محاولة بعض الاطراف الرهان على مهمة المبعوث الرئاسي الفرنسي ايف لودريان لحل ازمة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، هي للتهرب من مسؤوليته في تعطيل الانتخابات الرئاسية، كما ظهر بوضوح خلال تهريب نصاب الدورة الثانية من جلسة مجلس النواب التي عقدت الخميس الماضي وسادها تجاوزات دستورية، لم يتم حلها بالطرق الدستورية، ولاسيما وجود الظرف الفارغ من دون اسم اي من المرشحين المطروحين للرئاسة، ما يطرح اكثر من تساؤل عن النوايا المبيتة جراء ذلك، والخشية من اطالة امد الفراغ الرئاسي الى وقت غير معلوم.
في هذه الاثناء يستمر التوتر السياسي الداخلي، بحيث اعلنت كتل الكتائب والقوات اللبنانية و«تجدد» ونائب «التغيير» مارك ضو مقاطعة «جلسة تشريع الضرورة» المقررة اليوم في المجلس النيابي، للبحث في بندي توفير الاعتمادات لرواتب ومستحقات موظفي القطاع العام، لكن لم يعرف موقف باقي نواب التغيير، لا سيما بعد اعلان النائبين حليمة قعقور التي قالت: أنه لم يعد هناك شيء اسمه تكتل نواب التغيير منذ فترة ولم تعد هناك من اجتماعات. وابراهيم منيمنة الذي اعلن «عن خلافات داخل كتلة التغيير، لا سيما حول المقاربات المالية».
كما علمت «اللواء» ان كتلة التيار الوطني الحر عقدت اجتماعاً متأخراً ليل امس لتقرير الموقف من حضور لجلسة او عدمه. فيما قال عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب الدكتور بلال عبد الله عبر «تويتر»: «أكرر ما قلته في جلسة مناقشة أقتراحات القوانين المطروحة على جدول أعمال الجلسة : كرامة المواطن الموظف المدني او العسكري او المتقاعد وأمنهم الصحي والاجتماعي، في ظل التعثر السياسي، لن تعوضها الدساتير والقوانين والأنظمة التي تستخدم غب الطلب عند الحاجة لتسجيل النقاط.. لا للتعطيل.
وعشية موعدي الجلستين التشريعية اليوم والحكومية غدا او بعده اذا تم التوافق عليها، استقبل الرئيس بري الرئيس ميقاتي، حيث كان عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية ولا سيما موضوع جلسة التشريع وتوفير الاعتمادات. بعد اللقاء غادر الرئيس ميقاتي دون الادلاء بتصريح. فيما استقبل بري الوزير السابق غازي العريضي، (وبالطبع موفدا من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي المستقيل وليد جنبلاط).
وسأل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في عظة قداس الاحد: كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم هذه الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة الأربعاء الماضي، بعد ثمانية أشهر من الفراغ والانتظار، حيث انتُهك الدستور والنظام الديمقراطيّ بدمٍ بارد، وتوسّع جرح الإنقسام والانشطار، في وقتٍ يحتاج فيه لبنان إلى شدّ أواصر الوحدة الداخليّة؟ أهكذا نحتفل بمئويّة لبنان المميّز بميثاق العيش معًا مسيحيّين ومسلمين، وبالحريّات العامّة، والديمقراطيّة، والتعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيّته، ونجرّده من رسالته في بيئته العربيّة؟ فلا بدّ من عودة كلّ مسؤول إلى الصلاة والوقوف في حضرة الله بروح التواضع والتوبة والإقرار بخطئه الشخصيّ، لكي يصحّح خطأه، ويتطلّع إلى حاجة الدولة والمواطنين من منظار آخر.
الى ذلك، صدر يوم السبت البيان الختاميّ لسينودس أساقفة الكنيسة المارونية، وتضمن فقرة في السياسة الوطنية جاء فيها: إن تراكم الأحداث في لبنان والأخطاء السياسية والجرائم المالية والتمادي في سياسة الفساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أدّى إلى تهالك الأخلاق والقيم على صعيد الحياة الاجتماعية والسياسية والإعلامية، وإلى تفكك الدولة.
اضاف: لذا إننا ندعو النواب إلى القيام بواجبهم الوطني والدستوري وانتخاب رئيس للجمهورية، ثم الإسراع في تشكيل حكومة مؤهلة وقادرة تمتلك برنامجاً إصلاحياً ديناميًا بحيث يكتمل عقد السلطات ويتأمّن توازنها وتعاونها بإرادة وطنية جامعة.
وقال: يؤيد الآباء تأييداً كاملاً مواقف البطريرك الراعي، الذي يقوم بالمساعي الحثيثة لتعميق التفاهمات بين جميع اللبنانيين. وقد أكدت هذا المساعي من جديد على دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه، وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى دارًا للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين. ويدعونه إلى متابعة هذه المساعي لجمع اللبنانيين وإقامة الحوار في ما بينهم، حوار المحبة في الحقيقة، لأن هذا الحوار بات ضروريًا من أجل قراءة نقدية لأحداث الماضي وتنقية الذاكرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة.
الاخبار:
رواتب عشرات آلاف العائلات رهن مزاج القوى السياسية: في انتظار غودو الرئاسة… لودريان!
تشريع الضرورة رهن الانقسام السياسي الرئاسي: هل يحمل لودريان حصيلة فرنسية – سعودية – إيرانية؟
تنتظر كل الأطراف السياسية نتائج القمة السعودية – الفرنسية وزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لطهران لتستشفّ منها ما جرى بحثه في ما يتعلق بالملف اللبناني. وبدأت قوى بارزة تواصلاً مع الجهات الثلاث لجسّ النبض، حتى قبل وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت بعد غدٍ الأربعاء، في زيارة تستمر ليومين، يلتقي فيها الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، ويستقبل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وممثلين عن كل القوى السياسية المعنيّة بالاستحقاق الرئاسي في قصر الصنوبر.
ورغم الانقسامات المحلية وجذورها السياسية والطائفية وحتى المصلحية، إلا أن لعواصم كباريس والرياض وطهران تأثيرات كبيرة على لبنان، وأي اتفاق أو خلاف بين هذه العواصم ينعكس بقوة على ساحته.
في ما يتعلق بالفريق الداعم لفرنجية، فإن الرهان هو على «عقلانية» سعودية تسمح بفتح الأبواب الموصدة لدى كتل وشخصيات نيابية مستقلّة، لتثبيت التسوية التي تحمل رئيس تيار المردة إلى قصر بعبدا. وفي المقابل، يراهن الفريق الخصم على برمجة جديدة للاتصالات الخارجية تجعل التسوية بصيغتها الأولى غير قابلة للاستمرار، ويأمل هؤلاء أن تنتج المحادثات الخارجية دعوة إلى سحب ترشيحه مقابل سحب الآخرين مرشحهم، والبحث عن خيار بديل. وبين هؤلاء وأولئك، ثمة من عاد للعمل، بقوة، من أجل ترجيح كفة قائد الجيش العماد جوزيف عون كخيار ثالث ووحيد. ويلعب القطريون بشكل خاص الدور المنسّق لهذه العملية، بتشجيع أميركي. وهم عادوا إلى طرح ترشيح قائد الجيش مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أمس.
وعشية وصول الموفد، حضر الملف اللبناني على جدول أعمال القمة التي جمعت في باريس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكان لافتاً قطع وزير الخارجية السعودي (الذي رافق بن سلمان إلى باريس) زيارته والتوجه إلى طهران السبت الماضي للقاء نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قبل أن يعود إلى باريس فجر أمس الأحد حيث التقى لو دريان والمستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل.
وقالت مصادر مطّلعة إن «ما دار بين ماكرون وبن سلمان أصبح في عهدة اللجنة المشتركة الفرنسية – السعودية»، مشيرة إلى أن «الكلام عن حوار لبناني برعاية فرنسية وعربية ليس دقيقاً»، وأن «لا أحد من القوى الداخلية يمتلك معطيات حاسمة عمّا دار في باريس، والجميع ينتظر ما سيحمله لو دريان معه، علماً أن غالبية التقديرات تشير إلى أنه سيأتي لاستطلاع الآراء من جديد».
بن فرحان قطع زيارته لباريس وزار طهران قبل أن يعود إلى فرنسا
وفي وقت استبعدت مصادر بارزة ما تردّد عن «حسم للملف اللبناني نهاية الشهر الجاري»، إلا أنها لفتت إلى أن «التقدم في العلاقات السعودية – الفرنسية لا بد أن يحمل تطورات إيجابية تساعد لبنان على الخروج من أزمته»، وأن «ما يناقش في الكواليس الخارجية يؤكد أن الملف اللبناني موجود على الرادار الخارجي ولو أنه ليسَ من الملفات الملحّة حالياً». وأكّدت أن «جلسات الانتخاب توقّفت في انتظار الموقف الدولي والحراك الفرنسي والسعودي والقطري، وما سيحمله الموفد الفرنسي».
الجلسة النيابية
وبانتظار تبلور الصورة الخارجية المتصلة بالملف الرئاسي، يُفتتح الأسبوع على مواجهة سياسية جديدة، بعد دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة تشريعية اليوم، يقتصر جدول أعمالها على قانونين أقرّتهما اللجان النيابية، وسط سجال حول دستورية الدور التشريعي لمجلس النواب، وفي ظل التهديد بحرمان الموظفين في القطاع العام وأساتذة الجامعة اللبنانية من رواتبهم إذا لم يتم إقرار الاقتراحين. ولا يزال مصير الجلسة غير معروف لجهة تأمين النصاب، الذي لا يزال رهن الموقف النهائي لتكتل «لبنان القوي»، بعد إعلان كتلتي القوات اللبنانية والكتائب ونواب مستقلين ومعارضين المقاطعة.
وتساءلت مصادر نيابية في المعارضة عمّا إذا كان التقاطع الظرفي مع التيار الوطني الحر على دعم ترشيح جهاد أزعور سينسحب على الجلسة التشريعية، معتبرة أن «مقاطعة التيار الوطني الحر ستقوّي موقف المعارضة ككل لأنها ستظهر ككتلة صلبة في البرلمان». وهو أمر كان محل تشاور في اجتماع عُقد ليل أمس لكتلة نواب التيار برئاسة باسيل، وسط ضغوط من قواعد التيار بضرورة المشاركة وفصل ملف رواتب الموظفين عن الخلافات السياسية. وقال نائب من التيار إن ملف الرواتب مسألة حيوية لعشرات آلاف العائلات اللبنانية التي لم يعد دخلها يساعد على سدّ حاجاتها، ولا يمكن اعتبار الأمر غير ضروري. لكنّه أشار إلى أن القرار النهائي رهن الاجتماع، علماً أن عدم انعقاد الجلسة يجعل وزارة المالية من دون غطاء قانوني يسمح لها بصرف رواتب موظفي القطاع العام حتى نهاية السنة.
«تحرير» الاستيطان من المصادقة السياسية: إسرائيل تُسرّع خطوات ضمّ الضفة
رام الله | تسابق حكومة اليمين في إسرائيل الزمن نحو حسم الصراع الفلسطيني، وتحديداً في الضفة الغربية، من خلال تقوية المشروع الاستيطاني وصولاً إلى ضمّ الضفة، ومحاولة القضاء على أيّ مقاومة مسلحة ضد الاحتلال هناك. وضمن هذا التوجّه، اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو خطوة نوعية غير مسبوقة، بمصادقتها على مشروع قرار لتفويض رئيس حزب «الصهيونية الدينية» والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، إصدار المصادقة الأوّلية للتخطيط والبناء في المستوطنات، وتقصير الإجراءات القانونية لتوسيع هذه الأخيرة. ويقضي القرار بأن يتمّ دفع مخطّطات البناء من دون مصادقة المستوى السياسي، خلافاً للوضع القائم منذ 25 عاماً؛ وبالتالي لن تكون هناك حاجة إلى مصادقة رئيس حكومة الاحتلال أو وزير أمنه لطرح مشاريع بناء استيطاني في الضفة في «مجلس التخطيط الأعلى»، التابع لوحدة «الإدارة المدنية» في جيش الاحتلال، سواء خلال مرحلتَي إيداع المخطّط أو المصادقة عليه نهائياً، والتي كانت تمتدّ على أربع عمليات مختلفة أو أكثر، وتستمرّ لعدة سنوات، وفق ما كان متبعاً سابقاً.
ويُعدّ هذا القرار بمثابة خطوة فعلية نحو بداية الضمّ للضفة الغربية، كونه مطبَّقاً في الداخل المحتل؛ وبالتالي، سيسري على مخطّطات البناء في المستوطنات ما يسري على مخطّطات البناء في إسرائيل، حيث لا تحتاج الأخيرة إلى مصادقة رئيس الحكومة ووزير الأمن على أيّ مرحلة من خطط البناء.
والواقع أن تداعيات هذه الخطوة لن تتأخّر، بل سرعان ما سيتبعها «تسونامي» من مشاريع الاستيطان في الضفة وتحديداً في القدس، كما ستُترجَم خلال أيام بالمصادقة على مخطّطات بناء تشمل آلاف الوحدات السكنية، فيما من المقرّر أن تُنشر اليوم عطاءات لبناء 4560 وحدة استيطانية في العديد من مستوطنات الضفة الغربية، من أصل 10 آلاف وحدة كان تمّ في اجتماع لوزارة الإسكان إقرار طرحها تمهيداً لبنائها. وسبق ذلك إيعاز سموتيريتش إلى موظفي الوزارات بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن آخر في الضفة، وتحسين البنية التحتية في المستوطنات. وقال سموتريتش، في عدة مداولات مغلقة، إنه يعتبر مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة «مهامَّ أساسية» للحكومة، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» في حينه، عن مصادر ضالعة في هذا المخطط قولها إن الوزير في وزارة الأمن تعهّد خلال مداولات بأن تمويل المخطط «لن يشكّل مشكلة».
وبدأ يتّضح انعكاس مشاركة سموتريتش في الائتلاف الحكومي على التوسع الاستيطاني في الضفة، كون ذلك كان جزءاً من التفاهمات بينه وبين نتنياهو قبل تشكيل الحكومة. ومنذ دخوله إلى وزارة الجيش، كوزير ثانٍ فيها، تمّت المصادقة على عدد من الوحدات السكنية، يفوق ما جرى إقراره في أي عام كامل. وتهدف حكومة اليمين، خلال الفترة المقبلة، إلى منح الحرية الكاملة للمشروع الاستيطاني في الضفة، وهو ما سيؤدي إلى تغيير الوضع الديموغرافي وتحديداً في القدس من خلال زيادة عدد المستوطنين إلى مليون، وتقطيع أوصال الضفة وعزل مناطقها بعضها عن بعض، واستكمال مخطّطات السيطرة على القدس من خلال الكتل الاستيطانية وبناء الجدار الفاصل لإقامة «القدس الكبرى»، خاصة مع ترويج حكومة اليمين لمخطط «E1» الاستيطاني الذي يخدم هذا التوجه، وقبله قرار فكّ الارتباط الصادر عام 2005، والذي يعني السماح للمستوطنين بالعودة إلى المستوطنات المخلاة في شمال الضفة. وحذّرت منظمة «ييش دين» الحقوقية (الإسرائيلية) من أن القرار الأخير «دراماتيكي ومدمر، ويهدف إلى السماح ببناء مستوطنات من دون اعتراف في الضفة، وجعل أي معارضة لهذا البناء غير ذات صلة. القرار في حال قبوله سيترك لأنصار سموتريتش القدرة على تعزيز التوسع وإقامة المستوطنات من دون أي رقابة، وندعو كل جهة تعارض ضمّ الضفة إلى التدخل الفوري لإحباط القرار الذي سيسمح بالضمّ الكامل في المستقبل القريب».
لا يزال الاهتمام الأكبر لجيش الاحتلال، مركّزاً على الجبهة الشمالية
وبالتزامن مع هذا القرار، لا تزال إسرائيل تدرس خياراتها العسكرية في الضفة، وإمكانية شنّ عملية واسعة في شمالها لاجتثاث المقاومة، في وقت لا تتوقف فيه عمليات الاقتحام للمدن والبلدات، والتي ترافقها اشتباكات مسلحة يومية مع المقاومين. وفي مقابل ذلك، تبدو السلطة التي ترى مكانتها تتقوّض شيئاً فشيئاً غير قادرة على التحرك ولو خطوة في أي اتجاه؛ إذ اكتفت بالإعلان، على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، عن مقاطعة اجتماع «اللجنة الاقتصادية العليا»، والذي كان مقرراً عقده يوم غد رداً على قرار حكومة نتنياهو، وأن القيادة ستدرس جملة إجراءات وقرارات أخرى تتّصل بالعلاقة مع إسرائيل، لا يبدو، كالعادة، أنها ستَخرج إلى حيّز التنفيذ.
والواضح أن الاستراتيجية الإسرائيلية بشقّيها: تصعيد الاستيطان والتصعيد العسكري، لا تكترث لانعكاس ذلك على مكانة السلطة، على رغم تحذير بعض المصادر العبرية، عبر وسائل الإعلام، من أن تؤدي العملية الواسعة في شمال الضفة إلى تقويض مكانة السلطة، فيما القلق الحقيقي لدى حكومة الاحتلال يكمن في احتمال تطور تلك العملية إلى حرب مع قطاع غزة أو مع جبهات أخرى.
وتُواصل وسائل الإعلام العبرية تضخيم حجم العمل العسكري في شمال الضفة، ما قد يمهّد لشنّ عملية عسكرية هناك؛ إذ زعم موقع «إنتل نيوز» العبري، الأحد، أن مجموعات مسلحة جديدة تشكّلت في الأيام الماضية في محافظة نابلس أطلقت على نفسها اسم «جماعة العهد – رفقاء الشهداء»، وتضمّ في صفوفها ما يقرب من 500 مقاتل، أعلنت مسؤوليتها عن عمليات إطلاق نار مختلفة (آخرها الليلة الماضية ضدّ البؤرة الاستيطانية في جبل جرزيم). وبالتوازي مع ذلك، وضمن سياسة عزل الساحات وتفكيك ارتباطها بعضها ببعض، ومحاولة احتواء قوة المقاومة في قطاع غزة، قرر نتنياهو تنفيذ مشروع تطوير حقل الغاز (Gaza Marine) قبالة القطاع، في إطار المفاوضات الجارية بين إسرائيل ومصر وبالتعاون مع السلطة الفلسطينية. وروّجت وسائل الإعلام العبرية ومكتب نتنياهو لكون القرار بمثابة «بادرة حسن نية تجاه الفلسطينيين» بهدف «تطوير الاقتصاد الفلسطيني، والحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة»، وهو جاء على ضوء ما تمّ الاتفاق عليه في قمة العقبة وقمة شرم الشيخ، وبتوصية من كلّ الجهات الأمنية الإسرائيلية.
وبعيداً عن الضفة وغزة، لا يزال الاهتمام الأكبر لجيش الاحتلال، مركّزاً على الجبهة الشمالية، حيث يجري تدريب عناصر «دورية الجدار» على أحد السيناريوات الجديدة التي لم يواجهها الجيش الإسرائيلي من قبل، وهو القتال لعدة ساعات ضدّ قوة «حزب الله» التي ستدخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحاول بشكل مؤقت تحرير منطقة مفتوحة أو مأهولة بالقرب من الحدود. وبناءً عليه، طُلب من كل مقاتل في «دورية غولاني» اجتياز اختبارات المعرفة حول «العدو»، بما يشمل بنية الوحدات والكتائب ووسائل القتال وطريقة التقدم والإغارة لدى مقاتلي «قوة رضوان». وتترافق هذه الاستعدادات مع تقديرات وأبحاث كان أكثرها إثارة ما نشره مركز «علْما» للأبحاث، من أن «حزب الله» اللبناني، طوّر قدراته تحت الأرض في لبنان، والتي تشمل سلسلة من الأنفاق، بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة.
وأضاف: «نظراً إلى قوتها الهائلة وبسبب موقعها تحت الأرض، فإن العبوات الناسفة في مثل هذه الأنفاق تخلق تأثيراً يشبه تأثير الزلزال، لذلك، يمكنها تدمير مستوطنة أو منشأة بأكملها»، متابعاً أن مثل هذه الأنفاق يمكن أن تساعد «قوة الرضوان» التابعة لـ«حزب الله» على السيطرة على مستوطنات في الجليل.
المدارس الرسمية للبيع!
التعليم الرسمي مُستعمَر بحكم التبعية المالية الخارجية وغياب الرؤية الوطنية، هو مُستعمَر أيضاً من الأحزاب السياسية ومن المدارس الخاصة التي تفرض سياستها ونفوذها المستمد من الأحزاب والمؤسسات الدينية وكبار المتموّلين
لا تمثّل الإجراءات التأديبية بحق رئيسة اللجنة الفاعلة للمدرّسين المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، نسرين شاهين (تمثل غداً أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية)، وغيرها من الأساتذة، عملاً إدارياً بحق موظف «متمرّد»، بل هي نهج تسلطي ينتهك أبسط الحقوق، ويتعدّاها إلى تدمير المدرسة الرسمية واستدعاء لأنواع جديدة من الاستعمار التربوي والسياسي والمالي، في وقت ينادي فيه ملايين التربويين حول العالم بتحرير التعليم من هذا الاستعمار، ويدعون إلى بناء استراتيجية تربوية وثقافة وطنية مبنية على التمويل الذاتي والرؤية المستقلة لهذا القطاع.
وهم العام الدراسي المستقر
حالياً، تنصبّ جهود وزارة التربية على فتح المدارس الرسمية بأي ثمن لتسويق نجاحها، من دون خطة واضحة ودراسة لواقع التعليم. ورغم أن ما أظهرته دراسة مشروع «كتابي» (مموّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) عن الفاقد التعليمي خطير جداً، إلا أن توصياتها يتم تضمينها في أي خطة تعويض مستقبلية أو خطة طوارئ للوزارة. وما أعلنه وزير التربية عباس الحلبي، في اجتماع نظّمه أخيراً في السراي الحكومي، حول إعداد خطة الإصلاح الشامل للقطاع، مجرد كلام فارغ من أي مضمون، وعناوين لم يشارك فيها أي من مديري المدارس أو الأساتذة أو مراكز الأبحاث أو الخبراء التربويين. هكذا، ستولد خطة جديدة كسابقاتها غير قابلة للتنفيذ وستُلحق أضراراً إضافية بالقطاع وتكرس التبعية بشكل أعمق.
وقد نجحت الوزارة في السنوات القليلة الماضية في تعميق هوّة اللاعدالة في التعليم بين فئات المجتمع، ولا سيما بين مستويات التعليم في المدارس الخاصة المعدّة للنخبة والمدارس الخاصة الأقل كلفة وما دون، وبين المدارس الرسمية والخاصة، وبين تعليم قبل الظهر وبعده، وبين المعلمين في القطاع الرسمي والمعلمين في القطاع الخاص الجيد و«دكاكين التعليم»، وبين التعليم المهني والتعليم العام، وبين الأستاذ المحظي بالحوافز بالدولار الأميركي و«المتمرد» المحروم منها. وتعدّى عدد المتسرّبين في التعليم الرسمي عشرات الآلاف، التحق بعضهم بالمدارس ولم يحضروا إلى الصفوف.
استرضاء الدول المانحة
منذ 2010، تنفذ الوزارة خططاً مشتركة مع الجهات المانحة واليونيسف، تنتهي إلى نتائج هزيلة، رغم تدفق أموال الهبات والقروض والمساعدات العينية بمليارات الدولارات، عدا موازنة وزارة التربية وإنفاقها السنوي على القطاعين الرسمي والخاص، والذي يصل إلى عشرات المليارات. والحصيلة خسارة لبنان لموقعه التعليمي من رأس قائمة الدول العربية عام 2007 إلى أسفلها عام 2018. فالتقارير الدولية التي تنشرها المنظمات الأممية حول التعليم تشير بوضوح إلى أزمة متنامية في مخرجات البرامج المشتركة (التطوير المدرسي 1 و2، التعليم الشامل 1 و2، دراستي 1 و2 وكتابي 1 و2، والخطة الطارئة والخطة الخمسية وغيرها). وفي كل مرة تطرح الجهات المانحة برنامجاً تكرر فيه أهدافاً ومضامين مشابهة، كونها لم تتحقق في البرامج السابقة، ولا تشذّ خطة الإصلاح الشامل عن القاعدة. في عام 1997، مثلاً، لحظ قانون المناهج إعادة الهيكلة لقطاع التعليم ولم تنفّذ، وغالبية البرامج المذكورة كانت قائمة على 3 ركائز لم تتحقق هي: تأمين حق الوصول إلى التعليم، جودة التعليم وتعزيز الإدارة والحوكمة والشفافية.
إذاً لا تعدو الخطة الجديدة للإصلاح الشامل كونها نسخة متكررة للبرامج السابقة. واللافت أن الدول المانحة تعلم هذا الأمر، وذكرته في تقاريرها السنوية، وهي، بحكم التعامل الدبلوماسي، ملتزمة بالتعامل مع سلطة تعد ولا تفي لمصلحة الطفولة والتعليم، فتعيد تجارب البرامج المشتركة معها، وإن كانت متيقّنة أن فعالية الإنفاق على التعليم متدنية.
ستهب الحكومة الألمانية مجدداً 290 مليون دولار، وسيكون مشروع الدمج التعليمي بين الوزارة والسفارة البريطانية مموّلاً أيضاً، وسيدفع مشروع «كتابي – 3» للدعم النفسي الاجتماعي 100 مليون دولار وغيرها من المشاريع، في وقت تعجز فيه الوزارة عن ضمان انتظام العام الدراسي المقبل، بسبب سوء الإدارة وغياب الرؤية والاستراتيجية.
في عهد الحلبي، تتفادى الوزارة اتباع الآليات الدستورية. فالوزير لا يقترح قوانين ولا يوقّع اتفاقيات تحتاج إلى مراسيم حكومية، وتتجاوز تدابيره العقابية بحق «المتمردين» التفتيش التربوي، إذ يجري تحقيقات داخلية بشأن المخالفات، ولا يحتاج إلى ديوان المحاسبة في الرقابة المسبقة أو المتأخرة، ولا يكترث لتقاريره.
اعتمد الحلبي الصندوق الائتماني TREF الذي فرضته الجهات المانحة لتمويل مدارس بعد الظهر تحديداً، فتحرر من أي رقابة نظامية. التسوية الرقابية، من خلال الصندوق الائتماني، لا تعني حل مشكلة عالقة بل تعني سوء إدارة الوزارة وعدم أهلية فريقها المالي والإداري، إذ تلجأ إلى شركة تدقيق خاصة عوضاً من ديوان المحاسبة أو التفتيش التربوي لمراقبة الحضور والأداء الوظيفي للمعلمين والإدارة التربوية والإدارة المركزية، وصولاً إلى التحرر نهائياً من الهيئات الرقابية، في خرق مقصود لتشويه النظام العام في الوزارة.
وكانت وزارة التربية عدّلت مفهوم الوظيفة العامة إلى التعاقد اليومي من خلال إدخال مصطلح جديد (بدل الإنتاجية أو الحضور) من خارج أي سياق قانوني، ويتم استخدامه كأداة عقابية بحق المعترضين، فيحجب ويوزّع غب الطلب. ويمكن أن نلاحظ امتعاض الغالبية الكبرى من المعلمين والأساتذة الثانويين والمتعاقدين وأساتذة المهني الذين عبّروا عن ذلك بالإضراب والامتناع عن التعليم، والعزوف عن مراقبة الامتحانات الرسمية لهذا العام. وسمعنا المدير العام للتربية، عماد الأشقر، يتوعّد المدارس الخاصة في جبل لبنان وبيروت، بهدف الضغط لإلحاق معلمي القطاع الخاص بمراقبة الامتحانات لأن زملاءهم في الرسمي ممتنعون عن المشاركة، وذلك في رسالة واضحة يقول فيها إنه يمكن الاستغناء عن معلمي الملاك واستبدالهم بالمتعاقدين الخاضعين لتوجيهات الوزارة وبمعلمي القطاع الخاص.
لا تعدو خطة الإصلاح الشامل كونها نسخة متكررة للبرامج السابقة
على مستوى الممارسة، لا يخضع وزير التربية للهيئات التشريعية والرقابية، فلا يستجيب مثلاً لكتب النائبة حليمة قعقور من أجل نشر تقارير مصارفات وزارة التربية المالية وللقانون العام، وهو يسعى إلى التقليل من حالات الاعتراض على أدائه إما بالتدابير العقابية أو بالتهرب من الهيئات الرقابية، ويتستر بالتشاركية مع مؤيديه حصراً، ويتعمّد الخروج على النظام العام للقطاع التربوي. وهو مرتهن شكلاً في مشاريعه للجهات المانحة وتوجيهات اليونسكو وبرامجها، لكنه لا ينفذها ولا ينفّذ غيرها، ويفتقر للرؤية. إذ أن أي وزير عتيد يحمل رؤية للتعليم في لبنان سيُبطل كل هذه البرامج ويعيد انتظام القطاع برؤية اجتماعية تنموية شاملة متعددة الأبعاد.
ماذا بقي من التعليم الرسمي؟ لا قوانين محترمة ولا أجهزة رقابية تؤدي دورها، ولا فعالية إدارية، ولا تمويل وطنياً للتعليم، ولا تعاميم للوزير تنفذها المدارس الخاصة ولا تلامذة في المدارس الرسمية، ولا معلمين/ات من ذوي الكفاءة يقوون على الصمود. لم يبق شيء من هيكل التعليم، الذي أصبح معروضاً للبيع للجمعيات لتعطي دروساً مموّلة للتعويض في بعض المناطق، وجمعيات أخرى مموّلة من اليونيسف لمدارس غير نظامية، وكل من يدفع يحصل على حصة!
التعليم في لبنان سيسقط قريباً ما لم يتم استدراك حجم التشوّهات التي نعيشها اليوم. وهذه أمور تحتاج إلى مساءلة ومحاكمة المسؤولين عنها.
المصدر: صحف