ملف ساخن | بعد فشل محادثات جدة.. ما هي سيناريوهات المعركة في السودان؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ملف ساخن | بعد فشل محادثات جدة.. ما هي سيناريوهات المعركة في السودان؟

السودان
أحمد فرحات

يبدو من الصعوبة بمكان، تحديد إطار نظري واضح وموحد للصراع الدائر في السودان، حيث تتعقد مظاهر الخلاف بين طرفي الصراع، وتتوسع مدخلاتها، بين الصراع على موارد الثروة والسلطة في البلاد، وصولاً إلى الخلافات العرقية. ويرى خبراء أن من أسباب الحرب الدائرة حالياً، هي انقسام السودانيين بين نخبة تقليدية احتكرت الموارد والقوة في العاصمة ووسط البلاد، وشرائح مهمشة تعيش في أطرافها وأريافها.

ويمثل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الطرف الأول، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان الطرف الثاني، حيث يوصف بأنه دخيل من دارفور على الخرطوم. فالبرهان يتحدر من منطقة شمال الخرطوم، درس العلوم العسكرية وأصبح جنديا محترفا، بينما ينتمي حميدتي إلى قبيلة في غرب السودان قرب الحدود مع تشاد، ويسخر سكان العاصمة من لكنته المحلية.

وما رفع منسوب الصراع وأوصله إلى نقطة المواجهة العسكرية، أن مناطق الأطراف أصبحت الأكثر ثراء من حيث الموارد، في حين أن أي حكومة في الخرطوم، لم تعالج الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ما زاد نقمة سكان المناطق النائية على الحكومة. ومن المعلوم تاريخياً، أن المجتمع السياسي السوداني يتركز في وسط السودان.

الوضع في السودان

ولأن أسباب الصراع معقدة، فالوصول إلى حل له، يبدو بعيد المنال، كون أن تسوية حقيقة، يجب أن تتضمن القدرة على تكرار حدوثه، وهذا يحتاج إلى عمل طويل المدى، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار التدخلات الخارجية، التي تسعى إلى منع أي حل مستدام، يضمن الإستقرار والإزدهار للسودان. لذلك فإن التوصل لوقف إطلاق نار، ومنع تفاقم المواجهات، هو جل ما يطمح إليه في الوقت الحالي.

ولعل من الأهمية الكبيرة بمكان، هو التوصل إلى وقف إطلاق نار، أي ما يمكن ان يطلق عليه السيطرة على الألم المتبادل، ومنع استعاره، خوفاً من إطالة أكد المعركة. وهذا هو أولى السيناريوهات المتوقعة، أي أن تلجأ الأطراف المتصارعة إلى التخفيف من إمكانية سقوط المزيد من القتلى وصوصاً إلى وقف الخسائر البشرية والمادية، ومن بعدها الجلوس للتوصل إلى حل مشترك، يضمن المكاسب للجميع.

تسوية الصراعات

ومن هنا كانت محادثات جدة، التي أفضت بداية إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار قصير الأمد، لمدة 7 أيام، والإلتزام بإجلاء المدنيين، والامتناع عن الاستحواذ واحترام وحماية كافة المرافق العامة كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية ، قبل أن يتم تعليقها.

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية تعليق محادثات جدة بشأن السودان بصفتهما راعيتين للمفاوضات، كما فرضت واشنطن عقوبات على جهات سودانية قالت إنها “تكرس العنف”. وأشار بيان السفارة الأمريكية في الخرطوم، إلى أنّ “قرار واشنطن والرياض يأتي نتيجة الانتهاكات الجسيمة المتكررة لوقف إطلاق النار قصير الأمد ولتمديد وقف إطلاق النار من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”.

ومارس الأمريكيون والسعوديون وكذلك الآلية الثلاثية، ضغوطاً لإنجاح هذه محادثات جدة، من خلال استخدام الطريقة الأميركية (العصا والجزرة).

ورغم أن الولايات المتحدة حضرت بقوة في محادثات جدة، من خلال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان ومفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، لكن العديد من المراقبين لا يعلقون آمالاً على ما يجري في جدة، بسبب غياب القاهرة وأبو ظبي، فالأولى تدعم البرهان، والثانية دقلو، وبالتالي فإن أي اتفاق بدون مشاركة تلك القوى، يبدو صعب المنال.

وأتت محادثات جدة بعد سلسلة غير مثمرة من المبادرات الإقليمية العربية، وأخرى إفريقية قامت بها خصوصا دول شرق القارة عبر منظمة إيغاد للتنمية . كذلك يسعى الاتحاد الإفريقي إلى التهدئة بين الطرفين، خصوصا مع استنفاده آخر بطاقات الضغط على السودان بتعليق عضويته عام 2021.

ومع اقتناع كلا الطرفين، بقدرتهم على حسم المعركة عسكرياً ، يُفتح الباب أمام استمرار المواجهات، وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً، حيث أن الهدن العديدة التي تم الاتفاق عليها، سرعان ما كانت تنهار. وترجح العديد من التقارير أن توافق القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على وقف لإطلاق النار بشكل دوري، لكن القتال المتقطع سيستمر في المراكز الحضرية. في حين أنه ليس من المحتمل التوصل إلى وقف دائم أو غير محدد لإطلاق النار.

وتشكل الانقسامات داخل الجيش السوداني قيوداً رئيسية على الهدنات المؤقتة، حيث يدعو “المتشددون” في القوات المسلحة إلى تحقيق نصر كامل على قوات “الدعم السريع”.

أما السيناريو الآخر المحتمل، فيتمثل في استمرار القتال العنيف في المدن دون وقف لإطلاق النار في ظل تكافؤ قدرات القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع نسبياً من حيث عدد الأفراد والمعدات. وهناك خطر يتمثل في أن دولاً بالمنطقة قد تبدأ في تزويد “طرفها المفضل” في الصراع بالمال والأسلحة وأشكال الدعم العسكري الأخرى.

ومن ضمن السيناريوهات المطروحة أيضاً، هو أن يلحق أحد الطرفين الهزيمة بالآخر مما يجبر الأخير على اللجوء إلى مناطق ريفية في أطراف نائية من البلاد. وقد يسفر النصر العسكري للجيش السوداني، عن إبعاد قوات الدعم السريع عن المنظومة الأمنية والعملية السياسية، وتشكيل واقع أمني وسياسي جديد في السودان.

أما السيناريو المستبعد، فهو أن يوافق الجيش والدعم السريع على وقف دائم لإطلاق النار لكن خطر اندلاع أعمال عنف في المستقبل يظل قائماً.

وتشير التكهنات أن الولايات المتحدة ربما منحت الضوء الأخضر للجيش السوداني لتقويض قوة الدعم السريع بسبب علاقتها مع روسيا، أو أنها لا تمانع في ذلك في أدنى تقدير، أما دول الخليج العربية فيبدو أن موقفها من الصراع إجمالاً لا يزال منصباً على دعوات الدبلوماسية وإنهاء الحرب. ورغم ذلك، تشي كل المؤشرات أن الحرب ماضية في طريقها دون أن تعرقلها هدنة أو اتفاق يُنهي الأزمة في المستقبل القريب.

وحدد الجيش السوداني شروطاً لتثبيت الهدنة تتضمن، خروج قوات الدعم السريع من الأحياء السكنية، وإزالة عشرات من نقاط الارتكاز التي نشرتها، والانسحاب من وسط الخرطوم والمؤسسات المدنية والخدمية التي سيطرت عليها، وأبرزها مركز التحكم الرئيسي للكهرباء ومصفاة الجيلي لتكرير النفط في شمال الخرطوم بحري. كما شملت شروط الجيش تجميع قوات الدعم السريع بعد انسحابها في معسكر واحد يوافق الجيش على مسافته من العاصمة، وذلك إلى حين الاتفاق على خطوات دمجها في المؤسسة العسكرية، وتعهد بعدم التعرض إلى القوات المنسحبة.

السيطرة في الخرطوم

أما قوات الدعم السريع، فقد طالبت بمراقبة دولية لعملية انسحابها من المؤسسات والمواقع المدنية، والسماح بتجميع قواتهم وآلياتهم ومركباتهم العسكرية في القواعد التي كانوا فيها قبل منتصف أبريل/ نيسان الماضي أي موعد اندلاع المواجهات، والبقاء في المواقع العسكرية والسيادية التي يتواجدون فيها حالياً، وعلاج جرحاهم في مستشفيات محددة، والسماح بسفر من يحتاجون علاجا إلى خارج البلاد .

وتشمل المطالب أيضا استمرار سداد استحقاقات ورواتب قوات الدعم السريع المالية من وزارة المالية، ووقف استخدام الطيران الحربي وتحريك قوات الجيش بعد الاتفاق على تثبيت الهدنة وفرض رقابة دولية بهذا الشأن، وضمانات بخروج آمن لقياداتهم إلى الوجهة التي يحددونها.

وفي خضم الصراع، تبرز القوى السياسية المدنية بوصفها عاملاً من عوامل إطالة تلك الحرب، أو أحد مسبباتها بعيدا عن التنافس التقليدي بين الجيش والدعم السريع، وبين حميدتي والبرهان نفسيهما. فكلا الرجلين يمتلك في الداخل قوى مدنية تدعم تحركاته، وتبارك خطواته فيما يتعلق بالعملية السياسية نفسها، سواء القوى المتضررة من إطالة الفترة الانتقالية، أو تلك التي من مصلحتها تعقد المشهد على أمل أن تجري مياه جديدة تعيدها إلى الصورة.

يُضاف إلى ذلك أن انقسام القوى المدنية والنخب السياسية حول قتال العسكريين يُدخِل البلاد في نفق مظلم سياسيا على غرار ما حدث في ليبيا.

وفي النهاية، تُهدِّد إطالة أمد القتال بانضمام المدنيين إلى المعارك، وتُمهِّد لظهور جماعات مُسلحة تتقاتل على كعكة السودان وتزيد من رُقعة القتال والفئات الاجتماعية المرتبطة بهذا الطرف أو ذاك. وفي حال فشل التفاوض وتأخر الحسم العسكري لصالح أحد الأطراف، فإن احتمالات تحوُّل المعركة إلى حرب بالوكالة مع دخول أطراف إقليمية أو دولية يزداد، ما يعني عندها دخول البلاد إلى نفق مظلم لسنوات قادمة.

المصدر: موقع المنار + يونيوز