“تعاون شامل استراتيجي طويل الأمد”، ليس مجرد عنوان لمذكرة التفاهم التي وقعها الرئيسان السوري بشار الأسد والايراني السيد ابراهيم رئيسي، بل إن هذه المفردات رسمت معالم الزيارة التاريخية للأخير إلى سوريا، ورسمت مساراً لما هو آت، مرتكزة على شراكة عسكرية وأمنية راكمها البلدان طوال سنوات الحرب الاثني عشر. البيان المشترك الذي صدر عن الرئاستين الايرانية والسورية لخّص أبعاد ونتائج الزيارة التي هي الأولى من نوعها لرئيس ايراني منذ عام 2010.
الأبعاد السياسية
من الصعب نسيان تلك الصورة: الرئيس الايراني أحمدي نجاد إلى جانبه الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
الصورة التقطت في العاصمة السورية دمشق عام 2010 في توقيت حساس واستراتيجي، عقب خروج حزب الله منتصراً من حرب تموز 2006 والتي كانت سوريا وايران جزءاً لا يتجزأ منها، وما نتج عنها من تعزيز لهذا المحور بوجه كيان العدو الاسرائيلي، وتمتين للعلاقات الايرانية – السورية التي كانت تثير قلق الولايات المتحدة الأميركية منذ الثمانينيات، لحساسية موقع سوريا في المنطقة مع ما يحتويه مشروع ايران من عداء لواشنطن وحليفها الاسرائيلي. قرأ الأعداء تلك الصورة جيداً، ليتخذ القرار الكبير بضرب سوريا، وبالتالي تغيير بوصلتها السياسية وهكذا حدث، على امتداد اثني عشر عاماً.
بالرغم من اعتبار البعض حتى نهاية عام 2022، أن الحرب السورية لم تنته، بالرغم من انحسار المعارك على امتداد الجغرافيا السورية إلى حد كبير، مع إعادة إمساك النظام زمام الأمور على الأرض وبقائه ممثلا شرعيا ورسميا رغم كل ما أنفق لتهشيمه وإنهائه، إذ عزا هؤلاء ذلك إلى دخول البلاد في حرب اقتصادية أساسها عقوبات غير مسبوقة ترجمها قانون قيصر الأميركي، إضافة إلى وجود عسكري أميركي وتركي شمالاً أعلنه النظام احتلالاً غير مرغوب به، إلا أن كمّ التغيرات التي حملها النصف الأول من العام 2023، (الزيارات والتودد العربي السعودي الخليجي تجاه سوريا وعقد الاجتماعات تمهيداً لعودتها إلى الجامعة العربية، والطلب التركي بإعادة العلاقات، إضافة إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران والذي القى بظلالها على الاقليم وعكس تسليماً بأهمية الدور الايراني) كلها تحولات كبرى تصب في خلاصة واحدة: سوريا هزمت ذلك المخطط الذي بدأ في آذار/مارس 2011، وهذا ما أكده الكيان الصهيوني عندما رأى في زيارة السيد رئيسي إلى دمشق “إعلان انتصار”.
في 3 أيار/مايو 2023، سيكون من الصعب ايضاً نسيان صورة السيد رئيسي إلى جانب نظيره السوري على أبواب قصر الشعب، الذي حلم الإرهابيون والجماعات المسلحة ومن خلفهم بالسيطرة عليه وزرع علم المعارضة على سطحه.
في ذلك اليوم قال الرئيسان إن علاقتهما “الغنية بالتجارب والرؤية والمضمون، اجتازت الفترات العصيبة”، بل وإنها ماضية تجاه مرحلة التنفيذ من خلال مجموع مذكرات تفاهم وتعاون ذات أهمية كبرى في مجالات النقل (على رأسها التعاون في مجال سكك الحديد بين البلدين) والكهرباء والاقتصاد والدفاع، وكلها تصب تحت عنوان بدء مرحلة إعادة الإعمار.
وهنا نلفت إلى ما يعنيه ذلك من صفعة لكيان العدو المتمادي في عدوانه الدائم على سوريا، سعياً منه لتحييد الايرانيين وإبعاد “خطر المقاومة”. بل إن الرئيس الايراني حرص في زيارته على إرسال العديد من الرسائل في هذا الاتجاه من خلال افراده مساحة واسعة من الوقت للقائه الفصائل الفلسطينية والاعلان في كل المحطات عن أولوية القضية الفلسطينية ودعم مقاومتها وفشل كل مشاريع التطبيع.
في المقابل، أكد الرئيس الأسد من جهته ثبات مواقفه وفي ذلك رسالة بالغة الأهمية للقريب والبعيد بأن لا تنازل لنيل رضا أيّ كان، في وقت تُخاض فيه الاجتماعات تمهيداً لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
الأبعاد الاقتصادية
يرى خبراء أن “نقطة ضعف التحالف الايراني – السوري الأولى تكمن في حصيلة العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية”، لتأتي الحرب السورية فارضة نفسها في هذا الإطار، مع التأثير الكبير الذي أحدثته على صعيد الاقتصاد السوري، بالتزامن مع العقوبات القاسية وإمعان الجماعات الإرهابية المسلحة وبعدها الأميركيين بسرقة النفط السوري والسيطرة على مناطق تحوي جزءاً مهماً من الثروة.
من هنا أتت الاتفاقيات الموقعة بين الرئيسين السوري والايراني لترسم مساراً رسمياً وواضحاً لتطور هذه الشراكة الاقتصادية، وفي توقيت ذات أهمية، إذ يعكس الود العربي حماس أطراف عديدة للدخول كطرف أساسي في عملية إعادة الإعمار، وعلى رأس تلك الاتفاقيات والتي تحمل بعداً إقليمياً شديد الأهمية والحساسية، الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا، ومدّ شبكة خطوط أنابيب بين الدول الثلاث لنقل النفط والغاز وتصديرهما عبر المتوسّط.
المصدر: موقع المنار