دخلت تركيا الأيام الأخيرة المتبقية للانتخابات الرئاسية، التي تعد مصيرية لممثل تحالف الجمهور الحاكم، الرئيس رجب طيب أردوغان، من جهة، وحاسمة للمعارضة التي أجمعت على مرشحها الوحيد كمال كليجدار أوغلو، من جهة أخرى.
لم يسبق وأن اعتُبر زعيم حزب الشعب الجمهوري، والمرشح الرئاسي عن تحالف الأمة “أوغلو”، محط آمال المعارضة، لكنه استطاع طرح نفسه كمرشح مشترك لتحالف الطاولة السداسية الذي يضم 6 أحزاب تركية معارضة من خلفيات مختلفة ومتنوعة، وتقديم المعارضة بجبهة موحدة لخوض الإنتخابات المرتقبة في الرابع عشر من أيار/مايو الحالي.
رحلة أردوغان في البحث عن البقاء في القصر الرئاسي لولاية رئاسية ثالثة، محفوفة بالمصاعب، على عكس الإستحقاقات الإنتخابية السابقة التي تمكن فيها الرئيس الحالي لتركيا، من الإحتفاظ بالسلطة، خاصة مع مواجهته للمرة الأولى “معارضة موحدة” بعد عقدين على توليه الحكم، وأزمة إقتصادية تجاوز التضخم فيها نسبة الـ 85%.
وعلى الرغم من أن أرقام الإستحقاقات الماضية توضح عدم تأثر الكتل الصلبة كثيرا بالإقتصاد، بل بعوامل الهوية والقومية والمذهب، إلا أن نتائج الإنتخابات الفائتة، أظهرت أن شريحة محدودة لا تتعدى الـ 10% تغرد خارج سرب تلك الكتل.
من أصل 122 حزبا مسجلا رسميا في البلاد، يشارك 24 حزبا من أصل 36 نالوا حق المشاركة في الإنتخابات التي يتنافس فيها أربعة مرشحين، إلا أن المنافسة الحادة تتركز بين شخصيتين بارزيتن، وهما رجب طيب أردوغان، وكليجدار أوغلو، نظرا للثقل الإنتخابي الكبير لكليهما، الى جانب زعيم حزب البلد، محرم إينجه، وسنان أوغان عن تحالف الأجداد.
حمى الاستقطابات الحزبية والتحالفات السياسية العابرة للأيديولوجيات، تتضح أكثر يوما بعد يوم، فقد حظي كليجدار أوغلو بدعم كل من حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي يقدر عدد أصوات ناخبيه بين 13 و15% من أصل مجموع الناخبين الأتراك، بالإضافة الى تحالف العمل والحرية، فضلا عن دعم “مشروط” من قبل عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وعمدة العاصمة أنقرة منصور يافاش، لتعينيهما كنائبين للرئيس في حال فوزه بالرئاسية، في حين يحظى أردوغان بدعم جمهور تحالف حزبي العدالة والحركة القومية وحزب الاتحاد الكبير، الى جانب أحزاب صغيرة تمثل “بيضة قبان” وتحظى بتأييد شعبي متصاعد، كحزب الرفاه الجديد وحزب الدعوة الحرة، اللذين يمتلكان 2% من أصوات الناخبين الذين يناهز عددهم الـ 64 مليون ناخب.
أما بالنسبة لـ “إينجه” و”أوغان” اللذين لا يتمتعان بشعبية كبيرة، فقد يحظيان على يبدو بأصوات “الجيل زِد”، وهو مصطلح يشير إلى الأتراك الشباب، الذين وُلد أغلبهم بعد بداية الألفية الجديدة، والذي يتخطى عددهم بحسب التقديرات حاجز الـ 13 مليون شاب، بينهم 6 ملايين، يقترع للمرة الأولى، ويتمتع بروح إنتقادية لأردوغان تارة، ورفضا لأوغلو الذي يرونه جزءا من السياسة التركية تارة اخرى.
مع حسم الأحزاب مواقفها وتجلي إصطفافاتها، إتضحت ملامح الخريطة الانتخابية، وبالتالي أجندات المرشحين المتنافسين، الذين اتخذوا من نقاط ضعف خصومهم، نقاط قوة لكسب أصوات الناخبين.
متغيرات عدة استثمرتها المعارضة لدفع مرشحها “التوافقي غير المثالي” الى كسب المعركة ومواجهة أردوغان، وبالتالي فوزه ووصوله الى سدة الرئاسة، أبرزها، التراجع عن سياسات خصمه في الإقتصاد والحقوق المدنية والشؤون الخارجية، ورسم خارطة طريق لإعادة النظام السائد في البلاد، من رئاسي الى برلماني، وإستثمار تراجع حضور حزب العدالة والتنمية على الساحة المحلية، إضافة الى الأزمة الإقتصادية وما تبعها من إرتدادات بسبب جائحة كورونا، وصولا الى الزلزل المدمر وما نتج عنه من تحدٍ لأردوغان في تقديم إنجازات فيما يتعلق بإعادة إعمار المناطق المنكوبة وإيواء المتضررين، غير أن الرجل ذو الأصول العلوية والذي يشكل هذا العامل عائقا أمامه لكسب أصوات بعض الشرائح، لا يمكنه أيضا الإنسلاخ عن إرث حزب الشعب الجمهوري، ليبدو بالتالي مرشحا “مقلقا” للشرائح المحافظة.
وما بين الحشد والحشد المضاد، يعول أردوغان على نقاط ضعف أوغلو، للظفر بالرئاسة والبقاء خمس سنوات إضافية على رأس البلاد، فهو يعتمد على مهاراته في الأحاديث عن القومية الشعبوية لتعبئة أنصاره لجعل طريق الفوز بالإستحقاق معبدة أمامه، لا سيما مع إيمان مؤيديه بأنه شخصية فذة قادرة على حل الأزمات، ويقينهم بالوفاء بوعوده فيما يخص الكوراث الطبيعية، إضافة الى إستمراره بحربه ضد حزب العمال الكردستاني، فضلا عن الانسجام داخل تحالف الجمهور بخلاف تحالف الأمة، وصولا الى الإعتماد على القاعدة القوية له في الخارج وتحديدا في ألمانيا.
المصدر: بريد الموقع