عند اكتمال القمر بدراً، في شهر هو عند الله أفضل الشهور، غمرت الفرحة قلب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما بُشِّر بالمولود الأول لابنته الطاهرة فاطمة البتول (ع)، فأسرع إلى بيتها ليبارك لها ولحبيبه علي (ع) الوليد الجديد وليطلق أول رسالة في منزلة هذا المولود المبارك فقال لأسماء: “يا أسماء، هاتيني ابني”.
قرّب النبي الأكرم (ص) المولود الجديد ليهمس في إذنه أجمل كلمة من أقدس فم ٍفكانت “الله أكبر” أول كلمة يسمعها المولود من فم سيد بني البشر.
والتفت الجد الأكرم إلى الأب الحبيب وقال له: “هل سميت الوليد المبارك”؟، فأجابه الإمام عليه السلام: “وما كنت لأسبقك يا رسول الله”، وإذ برسالة أخرى في حق الوليد يبتدئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعبيراً عنها بقوله: “ما كنت أسبق ربي”، وما هي إلا لحظات وإذا بالوحي يناجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاملاً التسمية الربانية قائلاً: “سمّه حسناً”.
خطوات النبي (ص)
وخطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطوات عديدة هادفاً تحقيق الأمر الإلهي في إمامة سبطه الحسن عليه السلام نعرض منها عشر خطوات هي:
– الرعاية الخاصة
لقد واكب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حفيده المبارك في أدق تفاصيل حياته ابتداءً من لون الخرقة التي يُلف بها مروراً بتسميته استمراراً بمراقبة طعامه، فقد ورد أن الحسن الطفل تناول تمرة من تمر الدقة، فنزعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: “إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة” وهذه المواكبة هدفها بقاء الحسن على طهارته المعنوية التي اختصه الله بها من الصلب الشامخ والرحم المُطهّر ليكون الإمام المعصوم المطهّر من كل دنس.
– إعلان حبه له قولاً
فكم مرة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يشير إلى سبطه الحسن عليه السلام: “اللهم إني أحبه فأحبّه”، “اللهم إن هذا ابني، وأنا أحبّه فأحبّه”.
– إعلان حبه له عملاً
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإعلان اللفظي عن حبّه للحسن بل كان يعبّر عن هذا الحب بفعله، فتارة كان يحمله على رقبته فيلقاه رجل فيقول له: “نعم المركب ركبت يا غلام”، فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ونعم الراكب هوعليه السلام”، وتارة يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته فيسجد سجدة يطيل فيها، فيسأله الناس في ذلك فيقول: “إن ابني هذا –يعني الحسن عليه السلام- ارتحلني فكرهت أن أعجله” ، وتارة أخرى يقطع النبي خطبته في المسجد، وينزل عن المنبر ليحتضن الحسن إذا تعثّر في مشيه.
– الدعوة إلى حبه
وقد سطّر القرآن الكريم دعوة لحب الحسن وأبيه وأمه وأخيه عليهم السلام حينما قال تعالى: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾، وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “علي وفاطمة وولداها” وأكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوة القرآن لحبّ الحسن عليه السلام فكان يقول: “من أحبني فليحبه، فليبلِّغ الشاهد الغائب” وكان صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ بيد الحسن والحسين ويقول: “من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة” وكثرت أحاديث النبي في حب الحسنين ووالديهما حتى أضحى حبهم ضرورة إسلامية اتفق المسلمون عليها.
ولا يخفى ما لهذا الحبّ من تعبيد طريق طاعة القائد الإلهي الإمام الربّاني الذي أراد الله ونبيه إن يطاع لا من منطلق قرار ينفذ، بل من عاطفة جياشة تنقاد بحبه فتسرع لإرادته.
– بيان كماله المعرفي
صحيح أن الحسن عليه السلام كان صبياً صغيراً في عهد جدِّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لكن صغره لم يكن مانعاً من الوصول إلى النضوج المعرفي الكامل، ولا بُعد في ذلك بعدما رأينا اليوم صغاراً وصلوا إلى مدارج كمالية عالية، فكيفعليه السلام، وهم من هم.
وقد استحق الإمام الحسن عليه السلام وهو طفلاً صغيراً قول جده صلى الله عليه وآله وسلم: “لو كان العقل رجلاً لكان الحسن” ونضوج الحسن عليه السلام المعرفي صغيراً بيّنه القرآن في آية المباهلة، التي نزلت في قضية علماء علماء نصارى نجران الذين وفدوا على النبي وناظروه في عيسى، فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا، فاتفقوا على المباهلة أمام الله، فيجعلوا لعنة الله وعذابه العاجل على الكاذبين، قال تعالى: “فمن حاجك فيه من بعده ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين” وفي اليوم المحدّد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال له النصارى: “لما لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر وأهل الشارة ممن آمن بك واتبعك” ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض، وأفضل الخلق”. وتذكر الرواية أن الأسقف حينما رأى محمداً وأهل بيته قال لأصحابه: “أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله” إذاً أتى النبي ليباهل بنفسه وهو عليعليه السلام ونسائه وهي فاطمةعليه السلام وأبنائه وهما الحسن والحسينعليه السلام، فالمباهلة لم تكن بين شخص النبي فقط وغيره، بل بين طرفين يتمثل أحدهما بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة والحسنينعليه السلام، والشاهد على ذلك هو تصريح القرآن الكريم بقوله: “فنجعل لعنة الله أبداً على الكاذبين” فلم يقل على الكاذب أو على من كان كاذباً، وهذا يدل على أن الحاضرين للمباهلة شركاء في الدعوى إلا إذا كان الحاضرون في نضج كامل وفضل كبير حتى تستقيم الآية . ونفهم من خلال هذا كمال الحسن وهو صغير لم يبلغ الحلم، وهذا ما يؤهله للدور الريادي القيادي في مستقبل الإسلام.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كمال الحسن ونضوجه حينما جعله يشترك في بيعة الرضوان وفي البيعة دلالة واضحة على ما نقول
– بيان كماله الخلقي والخُلقي
إن الكمالات التي يتمتع بها الإمام الحسن عليه السلام أهّلته أن ينال وساماً كبيراً من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال له وهو لم يتجاوز السابعة من عمره: “أشبهت خلقي وخُلقي “، وأضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عليه السلام: “أما الحسن فإن له هيبتي وسؤودي” وغير خافٍ ما يشيره هذا الكلام من لياقة القيادة في الإمام الحسن عليه السلام.
– بيان منزلته عند الله
وأكمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطوبته للتمهيد لإمامة الحسن عليه السلام فبيّن مَنزلته وكرامته عند الله تعالى فقال: “من سرّه أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن”
– بيان إمامته على الناس
ولم يقتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التلميح بل صرّح بإمامة الحسن عليه السلام على الناس فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا”، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة” وأكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكمة قيادة الحسنينعليه السلام المنطلقة من عصمتيهما حينما قال لهما ولأبويهما: “أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم”
– بيان كونه البقية
وأنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطواته في مشروع إمامة أمير المؤمنين والحسنين في الحديث المتواتر عنه: إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله جبل ممدود من السماء إلى الأرض، عترة أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما وكانت قبلة الشهادة رغم كل ما أكده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من موقعية للإمام الحسن عليه السلام وتأكيد لإمامته ووجوب طاعته فقد خذلته الأمة حتى سُرِقَ بساطه وهو وسط معسكره، وتمادى طغاة الأمة الذين سلبوا موقع القيادة من أصحابها الحقيقيين إلى أن دسّوا السمّ في طعامه، لتتحقق بذلك نبوءة جدّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قبّله في فمه بعد ولادته.
فسلام الله عليه وعلى جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه الصديقة وأخيه الشهيد ورحمة منه وبركات.
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية