أكد سماحة الإمام السيد علي الخامنئي في كلمة له بمناسبة عيد النيروز من مقام الإمام الرضا (ع) في مدينة مشهد المقدسة، أن على الرأي العام أن يطّلع على التغيّرات في إيران وأن يحتضن الفكر الذي يُديره، مضيفًا أنه يجب أن نبذل جهدًا من أجل التغيير، ويجب تبيين غايتنا من هذا التحوّل والتغيير، منبهًا من التغيير الذي يتحدّث عنه الأعداء والمقصود به تغيير هوية الجمهورية الاسلامية.
وأضاف الإمام الخامنئي أن التغيير الذي يسعى إليه العدو يحمل مفاهيم التبعية، معتبرًا أن الشعب الذي يثق بقدارته ويستطيع إحداث التغيير، ومسؤولية الأمة أن تتحدّث عن التغيير وتتخذ خطوات بهذا الاتجاه.
الشعب الإيراني يتمتّع بالثقة والشجاعة وأحبط مؤامرات الأعداء
واعتبر الإمام الخامنئي أن شعبنا يتمتّع بالثقة والشجاعة والاستقلال في مختلف الساحات وهو أثبت أنه يثق بطاقاته الزاخرة، ويجب ألّا نضرّ بنقاط قوّتنا، كما يجب على الشباب أن يعملوا بجدية على نقاط القوة .
ولفت الإمام الخامنئي الى أن أعداء إيران هم المستكبرون والصهاينة والذي هدفهم الأساسي إزالة كل ما يذكّر الشعب بالإسلام الأصيل، وتبديل سيادة الشعب الدينية الى حكومة مُناسبة للاستكبار، وإيجاد حكومة مُمثالة لرغباته يجلس على قمتّها شخصٌ مطيعٌ له.
ورأى أن الشعب الإيراني يتمتّع ببُنية ذاتية قويّة، معتبرًا أن أحد أهمّ نقاط قوة هذا الشعب والمجتمع الإسلامي أنه يتمتّع بهيكلية داخلية مُتماسكة.
كما أكد الإمام الخامنئي أن الشعب الإيراني استطاع الوقوف بقوّة أمام هذه السلسلة المتواصلة من مؤامرات الأعداء وحيلهم والضغوط السياسية والحروب والهجوم الاعلامي، وأثبت أن الجمهورية الاسلامية قوية وليست ضعيفة، والشعب تغلّب على المؤامرة الكونية ضدّه.
وشدد الإمام الخامنئي على أن الشعب الإيراني يقظ وثابت وصامد وحاضر في الساحة، ووجّه صفعة لكلّ من شارك في أعمال الشغب، وهو قويّ وفي طور التقدّم وقادر على إزالة عيوبه ونواقصه وإيجاد التغيير، وسيدعم جبهة المقاومة.
واشار الى أن إيران حقّقت التقدّم الكبير على الرغم من الضغوط الإقتصادية، فالأعداء يهابون تكرار كلمات تقدّم إيران وقوّتها.
وكشف الإمام الخامنئي أن الرئيس الأمريكي جو بادين دعم أعمال الشغب في إيران وكذلك بعض رؤساء الدول الأوروبية.
علاقاتنا السياسية والعلمية مع جزء مهمّ من بلدان آسيا ستستمرّ وستتعزّز
وفي سياق آخر، لفت الإمام الخامنئي الى أن علاقاتنا السياسية والعلمية مع جزء مهمّ من بلدان آسيا ستستمرّ وستتعزّز، إذ أننا لم نُعزَل بل تقدّمنا أكثر وعلاقاتنا مع شعوب المنطقة تعزّزت أكثر، مشيرًا الى أن التقدّم في العلاقات الإيرانية مع دول المنطقة أفشلت كما كان يرغب الغرب بفرض العزلة على إيران، مشددًا على تواصل تنمية علاقاتنا مع دول وشعوب المنطقة.
وشدد الإمام الخامنئي على أن نرتكز الى نقاط القوة في أيّة عملية تغيير، ويجب ألّا تتعرّض الجمهورية الإسلامية للضربات، معتبرًا في سياق آخر أن تسليم الاقتصاد للحكومة أضرّ باقتصادنا.
الاعتماد على الدولار أحد مشاكلنا الاقتصادية ومن المُعيب أن يكون اعتمادنا على تصدير النفط
ورأى أنه علينا أن نقطع أيّة علاقة بالدولار، لأن أحد مشاكلنا الاقتصادية هو الاعتماد على الدولار كمعيار للعملة الوطنية، مضيفًا أنه من المُعيب أن يكون اعتمادنا على تصدير النفط الخام، بل يجب تعزيز الشركات المُولّدة للثروات لحلّ الأزمة الإقتصادية.
وقال الإمام الخامنئي إن كبح التضخّم يعتمد على زيادة الإنتاج وعلى هِمَم الشعب، ولدينا قدرات هائلة اذا استفدنا منها ستتحسّن أوضاع الشعب المعيشية، فنحن بحاجة الى تحقيق نموّ اقتصادي سريع ونستطيع ذلك بالاعتماد على دعم الشعب، متمنيًا على الحكومة أن تُقلّل من تصدّيها وتدخّلها في الاقتصاد.
الأعداء يبذلون جهودًا من أجل توجيه الضربات الى نقاط قوّتنا وإحداث حرب أهلية
وتوجه الإمام الخامنئي الى الأعداء قائلاً: الشعب الإيراني أثبت جدارته منذ حضوره في الدفاع المقدس وحقّق إنجازات كبيرة، لافتًا الى أن الأعداء يبذلون جهودًا من أجل توجيه الضربات الى نقاط قوّتنا والى ضرب حركة التغيير في البلاد، ويريدون سلب معتقدات الشعب ويسعون لزعزة الأمن داخل البلاد وإحداث حرب أهلية ومهاجمة المُعتقدات الدينية والسياسية، لكنهم سيصطدمون بصخرة الشعب.
وأوضح أن جبهة الأعداء تسعى لكي يُبعد الشعب عن سبل الإعلام والوعي، وتعلن منذ فترة أنها تريد تركيع الجمهوية الإسلامية، وأنا أقول لهم “خسئتم”.
وفي سياق آخر، لفت الى أن الأمريكيين لديهم مطامع في سوريا والعراق والمنطقة، واذا بقيوا في المنطقة فإن عداء الشعوب سيزداد يومًا بعد يوم.
ونفى الإمام الخامنئي مشاركة إيران في حرب أوكرانيا، مؤكدًا أن أمريكا هي التي سبّبت بهذه الحرب وهي التي تُثير العقبات لعدم إنهائها.
وأوص الإمام الخامنئي ممن يمتلكون وسائل إعلام وصفحات في الفضاء الافتراضي أن يزرعوا ويبثّوا الأمل، معتبرًا أن بثّ الأمل بالمستقبل ليس خداعًا.
وفي ما يلي نص الكلمة:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،
يا مقلّب القُلوبِ والأبصار، يا مدبّر اللّيلِ والنّهار
يا مُحوّل الحَولِ والأحوال، حَوّلْ حالَنا إلي أحسَنِ الحال
أبارك عيد النوروز لكلّ فرد من أبناء الشعب الإيراني، وأخصّ العائلات المُعزّزة للشهداء والجرحى والمضحّين والعاملين في خدمة حياة النّاس، وكذلك سائر الشعوب التي تُحيي النوروز وتوليه الاهتمام. أسأل الله أن يكون هذا العيد الشريف مباركاً عليكم جميعاً.
لقد اقترن ربيع الطبيعة هذا العام بربيع الروحانيّة أي شهر رمضان. وكما قيل في الربيع، أن «لا تستروا الجسد بالثياب وتعزلوه عن رياح الربيع»(1)، لا بدّ في ما يرتبط بربيع الروحانيّة لشهر رمضان أن نتمسّك أيضاً بهذه الجملة: «ألا فتعرّضوا لها»… «إنّ في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها»(2). إنّ نسيم الروحانيّة في شهر رمضان يلفح الجميع ولا بدّ أن نُعدّ أنفسنا. فلنُعرّض قلوبنا لهذا النسيم الروحانيّ والإلهيّ والمُعطّر.
سوف أُلقي خلال كلمتي في هذه الساعة نظرة مقتضبة على عام 1401، ونظرة عابرة على العام الذي يُشارف الآن على البدء: 1402. كان 1401 عاماً مترعاً بمختلف الأحداث، الأحداث الاقتصاديّة أو السياسيّة أو الاجتماعيّة، وكان بعضها حلواً والآخر مرّاً أيضاً، كما حال سنيّ حياة الإنسان كلها والأعوام التي عاشها الشعب الإيراني بنظرة عامّة، خاصّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة.
أعتقد أنّ أهمّ قضيّة مطروحة أمام الشعب في 1401 كانت اقتصاد البلاد، الذي يرتبط مباشرة بمعيشة الناس. هنا أيضاً، في قضيّة الاقتصاد، ثمة مرارات وحلاوات كذلك. لقد شهدت بعض المواضيع التي سأشير إليها الآن المرارات، وكذلك كانت هناك حلاوات في بعض الأمور التي تصبّ في قضيّة الاقتصاد، ولا بدّ من أخذ هذه الأمور مع بعضها بعضاً بالاعتبار والتطلّع إليها بجانب بعضها بعضاً ومحاسبة ما تؤول إليه مجتمعة. تمحورت المرارات أساساً حول التضخّم وغلاء المعيشة، وهو أمرٌ مريرٌ حقّاً، خاصّة الغلاء في أسعار السلع الغذائيّة والمستلزمات الأساسية للعيش، فعندما ترتفع أسعار الأطعمة والموادّ الأساسيّة للعيش، يكون الثّقل الأكبر على كاهل الطبقات الأشد فقراً في المجتمع، لأنّ الأطعمة والموادّ الأساسيّة والضروريّة للعيش تشكّل الحصّة الكبرى في السلّة الغذائيّة لأُسَرِهم. وعليه، إنهم يتحمّلون النسبة الكبرى من الضغوط، وهذا كان من المرارات، وأعتقد أنّه ضمن أبرز القضايا الاقتصاديّة لهذه البلاد، كانت هذه النقطة الأهمّ والأبرز، وقد كانت مريرة.
طبعاً، أُنجزت أعمال جيّدة أيضاً في قضيّة الاقتصاد هذه، والعمران الذي يعود على الاقتصاد، وسوف أتطرّق إلى الحديث عنها. لا بدّ من متابعة العمران لكي يعود على حياة الناس ومعيشتهم ويرتبط بها. لقد دُعم الإنتاج، ووفق المعلومات لديّ، حظي الإنتاج في البلاد بالدعم طوال 1401. وجرت إعادة تشغيل آلاف عدة من المصانع المُتوقّفة ونصف المتوقّفة عن العمل، كما ازداد عدد الشركات القائمة على المعرفة. طبعاً لم تجرِ زيادتها إلى الحدّ الذي طالبتُ به العام الماضي لكنها شهدت ازدياداً ملحوظاً. أيضاً ارتفعت قيمة منتجات هذه الشركات. وتلقّت قضيّة توفير الفرص للعمل دفعة إلى الأمام، أي تراجعت البطالة بنسبة مئويّة معيّنة – مع أنها نسبة ضئيلة – وازدادت فرص العمل بعض الشيء، وهذا شيءٌ مُغتنم. لقد كان المعرض الذي أقامه المُنتجون الحكوميّون وغير الحكوميّين وكذلك تلك الجلسة التي حضرها المنتجون الرئيسيّون في الحسينيّة وألقى بعضهم الكلمات، من دواعي السّرور حقّاً.
إنّ تقييمي لإنتاج المنتجين في البلاد تقييمٌ إيجابي، وقد أُنجزت أعمال جيّدة. وشهدت بعض المؤشّرات الاقتصاديّة النموّ، فمؤشّرنا في قطاع التأمين الصحي مؤشّرٌ جيّد. أُنجزت أعمالٌ جيّدة في العمران وقطاعات الماء والغاز والطرق والبيئة. طبعاً وكما أشرتُ سابقاً، وأؤكّد كلامي الآن: لا بدّ لهذه الأعمال أن ترتبط بحياة الناس وتنتهي إلى تحقيق الانفراج في حياتهم. متى سيُنجز هذا الأمر؟ متى سيتحقّق مثل هذا الوضع؟ عندما تستمرّ الأعمال ويكون خلفها تخطيط دقيق، ولا بدّ – إن شاء الله – أن تستمرّ هذه الأنشطة هذا العام، أي 1402، حتى تضفي هذه الأنشطة البنّاءة رونقاً على حياة النّاس وتُحقق الانفراج في موائدهم خاصّة الطبقات الضعيفة.
طبعاً لا بدّ من الالتفات إلى هذه النقطة: ليست المشكلات الاقتصاديّة والأزمات الاقتصاديّة محصورة فينا. فاليوم يعاني كثير من دول العالم، ولعلّه يُمكن القول إنّ كلّ دول العالم تواجه أزمات اقتصاديّة خاصّة، حتّى تلك الدول الثريّة وذات الأنظمة الاقتصاديّة القويّة والمتقدّمة، وهم غارقون حقّاً في مشكلات ومعضلات كثيرة، وأوضاع بعضها أسوأ من وضعنا بكثير من هذه الناحية. فالأنظمة الاقتصاديّة القويّة تُصاب بانهيار المصارف، وهذا ما تبادرت أخباره إلى أسماعكم في المدة الأخيرة. طبعاً، نشرت أخبار بعضها وبعضها الآخر لم يُنشر، وسوف تُنشر أخبارها على كلّ حال. هناك انهيارٌ للمصارف وديونٌ ترليونيّة استثنائيّة في بعض البلدان، وهذه أزمة بطبيعة الحال، وهي مشهودة هناك كما هي مشهودةٌ هنا أيضاً. هم يبذلون المساعي لحلّها أيضاً، وعلينا كذلك أن نبذل الجهود ونعمل، وعلى المسؤولين أن يبذلوا المساعي. أودّ القول: لا بدّ أن تنصبّ مساعي جميع المسؤولين الحكوميّين ومعها مساعي الناشطين الاقتصاديّين والسياسيّين والثقافيّين على أن نجعل 1402 عاماً عذباً للشعب الإيراني، أي أن نعمل، وجميعنا مسؤولون عن جعله عاماً عذباً للناس، إن شاء الله. فلتُقلّص المرارات ولتُضاعف الحلاوات ولنُضفْ النجاحات، إن شاء الله.
حسناً الآن، في ما يرتبط بعام 1402، أعتقد أنّ قضيّتنا الرئيسيّة في 1402 هي أيضاً قضيّة الاقتصاد، فمشكلاتنا ليست قليلة، ولدينا مشكلات متنوعة في المجال الثقافي والسياسي، لكنّ القضيّة الأساسيّة والمحوريّة لهذا العام أيضاً هي الاقتصاد، أي لو استطعنا – إن شاء الله – تقليص المشكلات الاقتصاديّة، وشحذ المسؤولون – إن شاء الله – الهمم، ودقّقوا وبذلوا جهوداً مهمّة في هذا المجال، فستُحلّ قضايا كثيرة من قضايا البلاد أيضاً. أعلم أنّ الحكومة، ومجلس الشورى الإسلامي، والناشطين الاقتصاديّين، والفئات الشعبيّة الشابّة والمليئة بالدوافع – أنا على معرفة ببعض هذه المجموعات وأكنّ لهم محبّة حقيقيّة – يُنجزون أعمالاً جيّدة جدّاً في هذه المجالات الاقتصاديّة. لا بدّ للجميع هنا أن تتركّز جهودهم على دعم الإزالة لمشكلات البلاد والناس، فهذه الإزالة تكون أحياناً عبر الأنشطة الاقتصاديّة الأساسيّة كالإنتاج وهو نشاطٌ متجذّرٌ في الاقتصاد، أي الإنتاج عملٌ أساسي في الاقتصاد، وكذلك عبر الأعمال الإنسانيّة والإسلاميّة من قبيل المواساة والمساعدات الشعبيّة والتعاون الشعبي مع الطبقات الضعيفة في المجتمع.
حسناً، ذكرتُ الإنتاج وركّزتُ عليه لكن الاستثمار مهمٌّ إلى جانب الإنتاج أيضاً. فليلتفت الحكوميّون المحترمون والأكارم إلى هذه القضيّة، ومعهم أيضاً القطاع الخاصّ. تراجعنا كثيراً من ناحية الاستثمار خلال العقد التاسع من القرن الهجري الشمسي الرابع عشر. الاستثمار… أحد الفراغات المهمة في بلدنا هي قضيّة الاستثمار. لا بدّ من إنجاز أعمال الاستثمار، وهذا مهمّ أيضاً.
حسناً، إنّني مع الالتفات إلى هذه الجوانب كلّها، أي التضخّم وكذلك الإنتاج المحلّي، أيْ هذه الأمور المهمّة، فالتضخّم مشكلة أساسيّة والإنتاج المحلّي الذي هو حتماً أحد مفاتيح الإنقاذ للبلاد من المشكلات الاقتصاديّة، فمع الالتفات إلى هذه الأمور، أعلن شعار العام كما يلي: «كبح التضخّم، نموّ الإنتاج». هذا هو شعار العام، فيجب أن تنصبّ همم المسؤولين كلها على هذين الموضوعين. المسؤولون في الدرجة الأولى، وفي الثانية، كما سبق أن قلت: الناشطون الاقتصاديّون والشعبيّون ومن يمكنهم إنجاز عملٍ ما والناشطون الثقافيّون ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي لا بدّ أن تُثقّف في هذه المجالات، لا بدّ للجميع أن يلتفتوا إلى هاتين النقطتين الرئيسيّتين: كبح التضخّم في الدرجة الأولى، أي أن يكبحوا التضخّم فعلاً ويقلّصوه قدر الإمكان، وأن يجعلوا قضيّة الإنتاج تزداد تقدّماً. عليه، صار شعار العام كبح التضخّم ونموّ الإنتاج.
أسأل الله المتعالي التوفيق للجميع، ونبعث بسلامنا ومحبّتنا ونُعرب عن إخلاصنا لروح عالم الوجود، بقيّة الله، أرواحنا فداه. كما أسأل الله المتعالي علوّ الدرجات لروح إمامنا الخميني الجليل ولشهدائنا الأعزّاء والفرح والسعادة والتجدّد في الأيام لشعب إيران.
هناك مواضيع أخرى أيضاً سأتطرّق إليها في الخطاب، إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: وكالات ايرانية