في مثل هذه الأيام من العام 1979، أعلن رسمياً انتصار الثورة الإسلامية في ايران، حيث خاطب الإمام الخميني الشعب الإيراني من خلال بيان، قائلاً، “التفتوا إلى أنّ ثورتنا رغم تغلّبها على العدو، لم تنتصر بعد بشكل كامل، فإنّ العدو يتمتّع بمختلف الوسائل والحيل، وأنّ المؤامرات كامنة لنا، والشيء الوحيد الذي يحبط المؤامرات هو اليقظة والانضباط الثوري وإطاعة أوامر القيادة والحكومة الإسلامية المؤقّتة”.
وشهدت الأيام السابقة لهذا التاريخ، جملة أحداث بارزة، بدأت من عودة الإمام الخميني إلى طهران، في 1 شباط / فبراير، بعد حوالى 15 عاماً من النفي والإبعاد بين تركيا والكويت والعراق، وباريس، التي كانت محطته الأخيرة.
وكان ينتظره حينذاك، الملايين من الإيرانيين لاستقباله، إذ تجمّعوا في طوابير امتدت من مطار طهران إلى “جنّة الزهراء”، لستقبلوه ويحتفلوا به، ليشكّل ذلك الحدث، أعظم استقبالٍ في التاريخ.
وفي 2 شباط/فبراير، حضر الإمام الخميني إلى ساحة المواجهة على الأرض، حيث ألقى خطاباً شاملاً في جمع من علماء الدين، قائلاً في جانب منه إنّ “النظام الملكي كان مخالفاً للعقل منذ البداية، وعلى كلّ شعب أن يقرّر مصيره بنفسه”.
وأتى ذلك، مع استمرار رئيس وزراء الشاه شاهبور هجومه على الثورة والإمام والشعب، وكذلك استمرار المواجهات بين الشعب الثائر على الفساد والفوضى واستغلال الخارج لبلاده وجيش الشاه.
هذه المواجهات، أدّت إلى استشهاد عدد من أبناء الشعب المتظاهرين في بعض محافظات البلاد من بينها سمنان وتربت جام. ونقلت وكالة الآسوشيتدبرس عن قادة في الجيش الايراني قولهم إنّهم “سيتدخّلون إذا ما أقدم الإمام الخميني على شيء يخالف الدستور”.
وفي الثالث من شباط/فبراير، كشف الإمام الخميني عن اتخاذ عدّة إجراءات، معلناً أنّه سيتم تعيين مجلس موقّت لقيادة الثورة، وأنّ الحكومة الموقّتة ستكلّف بإعداد مقدّمات الاستفتاء العام، وأنّه سيجري الاستفتاء على الدستور بعد تدوينه، مؤكّداً عدم شرعيّة حكومة شابور بختيار.
ووسط مطالباتٍ باستقالة شاهبور بختيار (رئيس الحكومة آنذاك)، انتُخب المهندس مهدي بازركان رئيساً للوزراء باقتراح من الأعضاء، عقب اجتماعهم في مجلس قيادة الثورة بحضور الإمام الخميني.
وشهد يوم الرابع من شباط/فبراير، انشقاق عدد من أفراد الجيش التابع لحكومة بختيار، بالتزامن مع تواصل مسيرات التبريك بعودة الإمام القائد إلى أرض الوطن، في حين تابع الإمام الخميني اللقاءات مع أفراد الشعب، داعياً الشباب إلى الاستمرار في التظاهرات والاعتصامات.
وفي الخامس من شباط/فبراير، أعلن الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بحضور الإمام الخميني والمهندس مهدي بازركان، عن انتخاب الأخير رئيساً لوزراء الحكومة الموقّتة. وبناءً عليه، كلّف الإمام حكومة بازركان بإجراء استفتاء عام على الجمهورية الإسلامية، وتأسيس مجلس الخبراء للمصادقة على الدستور، وإقامة انتخابات مجلس الشورى وفقاً للدستور الجديد، وانتخاب مجلس للوزراء دون مراعاة الانتماءات الحزبية.
وفي السادس من شباط/فبراير، وتلبيةً لدعوة وجّهتها رابطة علماء الدين بطهران، عمّت مختلف مدن إيران مسيرات تأييد للحكومة الموقّتة في اليوم السادس من شباط/فبراير. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الجبهة الوطنية، طلبها من المسؤولين والمنظّمات وجميع أبناء الشعب الوقوف إلى جانب حكومة بازركان.
وفي يوم 7 شباط/فبراير، عقد الإمام الخميني لقاءات عدة أطلق خلالها مجموعة من المواقف، أهمّها تأكيده أنّ “وجوب محاكمة الشاه الاستمرار في الثورة”. كما استقال 13 شخصاً آخر من نوّاب المجلس الوطني، والتقى جمع من أنصار النظام في إحدى قاعات نادي الأمجدية الرياضي دعماً منهم للدستور.
وفي يوم 8 شباط/فبراير، في اليوم الثامن من “عشرة الفجر”، أعلن يوم القوة الجوية بعد تشكيل الحكومة الإسلامية، إذ زار جمع كبير من قادة القوّة الجوّية الإمام الخميني في مقرّ إقامته معلنين البيعة له. وقد نشرت صحيفة “كيهان” صورة جماعية لهم وهم يلقون التحية العسكرية للإمام، لينتشر الخبر في أرجاء العالم كلّه بعدما اعتبر بمثابة التحاق الجيش بالإمام.
وشهدت العاصمة مظاهرات شعبية وهتافات جميع الطبقات الساخطة على النظام، وتعرّضت البنوك والمؤسسات الحكومية الأخرى إلى هجوم الجماهير الناقمة على جرائم الشاه، واصطدم عدد من أنصار النظام الذين تجمّعوا في طهران دعماً للدستور، مع مخالفيهم.
وفي التاسع من شباط/فبراير، شنّ جنود الحرس الملكي هجوماً عنيفاً على معسكر القوّة الجوّية في طهران. وانتقلت المواجهات إلى الشارع بعدما علم الناس بما تعرض له أفراد القوة الجوية. وكان القاطنون حول مبنى القسم الداخلي للطيّارين قد أوصلوا خبراً إلى الشوارع القريبة. ولم يمضِ وقت حتى أحاطت الجماهير الغفيرة بجدار القسم الداخلي دعماً للطيّارين من خلال هتافات “الله أكبر”.
وشهد اليوم العاشر من شباط/فبراير، استمرار الاعتصام أمام جدار معسكر القوة الجوية، والذي اعتقل فيه رجال الشاه من عناصر القوة الجوية. ولكن بعد تطور الأمور ومع بدء المواجهة المسلّحة، قام رفاق المعتقلين في القوّة الجوّية بتسليح الناس من خلال تزويد كلّ واحد منهم ببندقيّة وسبع رصاصات مقابل بطاقة تسريح من الخدمة العسكرية، للحفاظ على عدم تسرب السلاح إلى عناصر الطابور الخامس.
ومن أبرز ما حدث في هذا اليوم، هو امتلاء طهران بجموع غفيرة من الشباب الذين يستقلون الدرّاجات البخارية حاملة أسلحتها وهي تهتف “الله أكبر”، وتهرع لدعم الجماهير أينما اقتضى الأمر.
وبعد كل تلك الأحداث، قدّم شاهبور بختيار استقالته في نهاية المطاف في الحادي عشر من شباط/فبراير. وفي إثر ذلك، شنّت دبّابات الحرس الملكي هجوماً على معسكر القوّة الجوّية، فتصدّى لها الناس بقنابل المولوتوف. وأشيع حينها أنّ قوات إسناد إضافيّة أرسلت من باقي المحافظات إلى طهران، لكن تصدّى لها الناس في الطريق، وأعاقوا تحرّكها بحفر الخنادق في طريقها. وامتلأت مشرحة الطب العدلي بالشهداء الذين ارتقوا في الأيام الأخيرة، ولم تكشف هويتهم، وذلك عقب المواجهات الأخيرة التي حدثت.
وبعد اتصالات من مندوبيها بمكتب الإمام، أعلنت القوات المسلّحة دعمها للإمام الخميني. وعقب سقوط المؤسّسات الرئيسية للنظام وانسحاب الجيش، طلب الإمام من أفراد الشعب أن يعيدوا النظام والهدوء إلى البلاد.
المصدر: وكالة يونيوز