نبارك لكم ولجميع المسلمين الذكرى العطرة لولادة امير المؤمنين وسيد الوصيين وامام المتقين علي بن ابي طالب(ع) في الثالث عشر من شهر رجب .
من يتتبع سلوك النبي مع علي(ع) يجد ان النبي (ص) كان يعمل على اعداد علي وتربيته تربية خاصة منذ نعومة اظفاره، ولا شك ان هذا الاعداد وهذه التربية كان لها هدف هو ان يكون علي وزيرا وسندا ومعينا يساعد النبي(ص) في حركته وفي وتبليغ رسالته وتحمل اعباءها كما كان هارون من موسى .
فقد طلب النبي موسى من الله وزيرا يعينه في دعوته بعدما وجد نفسه حينما بعثه الله تعالى بالنبوة أمام مهمة كبيرة وصعبة وشاقة خصوصا انه سيعمل في مجتمع ليس من السهل ان يستجيب لدعوته كمجتمع بني اسرائيل الذي كان مستغرقا في الانحراف والفساد والانحطاط والتخلف، وسيواجه حاكما مستبدا كفرعون الذي كان يملك كل اسباب القوة والارهاب وليس من السهل مواجهته والحاق الهزيمة به.
لذلك توجه موسى إلى الله تعالى وطلب منه ان يجعل أخاه هارون وزيرا له ، يعينه على تحمل هذه المهام الصعبة ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي. هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ طه 29-32 أي أتقوى به ، واشركه في امر الرسالة ليتحمل معي اعبائها وايصالها الى عقول الناس وقلوبهم
واستجاب الله تعالى لطلب نبيه موسى :فجعل هارون معه وزيرا :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾ الفرقان/ 35 .
وعندما نعود الى تاريخ نبينا سنجد ان النبي طلب من الله نفس الطلب بان يكون معه وزيرا يعينه في تحمل اعباء الدعوة الى الله ، حيث ان الدعوة الى الله وإرساء النظام الاسلامي في مجتمع جاهلي كان بعيدا كل البعد عن الاخلاق والقيم، وكان يسيطر عليه المنطق القبلي، والضياع، والتعصب، والفاحشة، والصراعات والحروب، وعبادة الأصنام والأوثان، وعنجهية قريش وطغيانها، وفي واقع كانت تهيمن عليه اقتصاديا وماليا القوى اليهودية التي كانت تتحكم باسواق المال والتجارات والاقتصاد في المدينة ومحيطها، ليس أمرا بسيطا وسهلا ، بل هو امر عظيم وعبأ ثقيل:﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (المزمل 5.
ولذلك من الطبيعي أن يحتاج رسول الله (ص) في واقع من هذا النوع وفي مجتمع معقد من هذا النوع إلى وزير ينصره ويساعده على القيام بمهام الدعوة، وأعباء الرسالة.
ولذلك كما طلب موسى من الله تعالى ان يسنده بوزير من أهله، ويشاركه في تحمل اعباء الرسالة،ورشحّ أخاه هارون لهذا المقام لما يملكه هارون من قرب وكفاءة واهلية ووثاقة ، فقد طلب النبي من الله نفس الطلب، ورشح عليا بن ابي طالب(ع) لوزارته. لما يملكه علي
من قرب وكفاءة ورعاية من رسول الله(ص).
فقد روي عن أسماء بنت عميس: ان رسول الله قال: اللهم إني أسألك مما سألك أخي موسى: أن تشرح لي صدري، وأن تيسّر لي أمري، وأن تحل عقدة من لساني يفقه قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، أشدد به أزري، وأشركه في امري، كي نسبحك كثيراً، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا.
وقد روى علماء السنة والشيعة ما يعرف بحديث المنزلة المشهور الذي اعتبر فيه النبي(ص) علياً(ع) منه بمنزلة هارون من موسى.
وحديث المنزلة متواتر وثابت ومتفق عليه بين المسلمين، وهو يدل على أن لعلي(ع) من رسول الله(ص)هنفس مكانة هارون من موسى، باستثناء النبوة التي كانت لهارون، ولا نبوة بعد رسول الل(ص)ه.
وإذا كان هارون يلي موسى في المكانة والفضل والمنزلة، وكان شريكه ووزيره ومعتمده في حمل أعباء الدعوة والرسالة، فإن هذا المقام ثابت لعلي بن ابي طالب(ع) بصريح النصوص والاحاديث.لما يملكه علي(ع) من اهلية وكفأة ووثاقة وقرب من رسول الله(ص) واسبقية الى الايمان والاسلام.
فمن المعروف أن رسول الله نشأ في بيت عمه أبي طالب منذ الثامنة من عمره، بعد وفاة جده عبد المطلب، فتحمل أبو طالب وزوجته فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رعاية رسول الله.(ص)
ولما ولد علي كان لرسول الله (ص) من العمر ثلاثون سنة، وقد تزوج خديجة بنت خويلد، فأخذه النبي(ص) إلى بيته ليقوم برعايته وتربيته.
ويروي الطبري في تاريخه عن أبي إسحاق، قال: كان أول ذكر (اي رجل)آمن برسول الله(ص)، وصلى معه، وصدقه بما جاءه من عند الله، علي بن أبي طالب، وهو يومئذ ابن عشر سنين، وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب، أنه كان في حجر رسول الله(ص) قبل الإسلام.
وفي رواية اخرى عن مجاهد بن جبر قال: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، وما صنع الله له، و أراده به من الخير: أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى، من هذه الأزمة، فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ من بنيه رجلا، فنكفيهما عنه، فقال العباس: نعم نفعل ذلك. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ماهم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله علياً(ع) فضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً، فاتبعه علي، فآمن به وصدقه.
وقد تحدث الإمام علي في إحدى خطبه عن نشأته في كنف الرسول قائلاً (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ.. ثم يقول: ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (صلى الله عليه وآله) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ).
فعلي(ع) لازم رسول الله(ص) منذ صغره ولم يفارقه طيلة حياته وتعامل معه بهذه الرعاية الخاصة والمميزة التي يتعامل بها مع احد غيره لا قبل الاسلام ولا بعدالاسلام.
لقد شاء الله تعالى أن يكون لعلي بن أبي طالب(ع) موقع متقدم في خدمة الاسلام والدفاع عنه، فهيأ له هذه الرعاية الخاصة وهذه الفرصة التربوية التي خصه بها رسول الله(ص)، حيث نشأ وترعرع في كنف رسول الله (ص) ، وتربى في حجره منذ سنوات عمره الأولى، وبالتالي كان بعيداً عن أجواء الانحراف والضلال والجاهلية والشرك، فهو لم يسجد لصنم قط، لذلك خصه المسلمون دون بقية الصحابة بقول: كرم الله وجهه، لانه لم يدر وجهه لصنم على الاطلاق، كما كانت شخصية الرسول(ص) ومكارم أخلاقه، هي النموذ المثالي لعلي(ع) فقد تعلم من اخلاقه وسلوكه ونهل من علومه ومعارفه، كان خير قدوة له، وأفضل معلم أنار له طريق الايمان والاسلام وطريق الحياة الرسالية والجهادية.
لقد كان لهذه التربية أثر كبير في بناء شخصية علي(ع) وتهيئتها لدور الوزير المعتمد والمساند الكفوء لرسول الله(ص) في تبليغ الرسالة وحمايتها والدفاع عنها .
وأداء علي كوزير معتمد لرسول الله(ص) واضح وجلي في كل سلوكه ومواقفه وجهاده بين يدي رسول الله(ص) وهو الذي لم يفارق رسول الله في كل حركته منذ ان بعثه الله بالرسالة وحتى ارتحاله الى ربه.
فقد كان علي(ع) في كل المراحل التي مر بها النبي(ع) في مقدمة الصفوف التي حملت الرسالة ودافعت عن الاسلام ، ولم يكن علي صاحب راية النبي(ص) في الحروب والصراعات التي خاضها ضد اعداء الاسلام، بل كان المعتمد لدى النبي(ع) للمهام الصعبة، وفي ادارة الشؤون المختلفة التي تتعلق بكيان الأمة، خاصة عندما كان يغيب النبي(ص) عن المدينة.
ما نستفيده من سلوك النبي في تربية علي(ع)، إضافة إلى معرفة مقام علي ومكانته المميزة، هو دور التربية والإعداد في صنع الشخصية المؤمنة المجاهدة الكفوءة.
فنحن معنيون كأهل، آباء وامهات واخوة واخوات، بتربية ابنائنا التربية الايمانية
والرسالية، ان نربيهم على الايمان والاستقامة والاخلاق والقيم والسلوك الحسن، أن نهيء لهم ألأجواء الايمانية السليمة والصالحة التي يستطيعون من خلالها بناء شخصيتهم شخصية ايمانية تطيع الله وتبتغي رضا الله وتعمل للفوز في الدنيا والآخرة، وذلك عبر التزامنا نحن أولا بخط الصلاح والاستقامة، فالاب الصالح يمكنه ان يخرج ولدا صالحا والأم الصالحة تستطيع ان تربي أبناءً صالحين، العائلة المؤمن الصالحة المستقيمة، هي القادرة على تربية أسرة مؤمنة وصالحة ومستقيمة.
ونحن منعنيون ايضا بان نربي الكادر الكفوء الذي يملك العلم والمعرفة والخبرة والاختصاص في مختلف المجالات، الكادر الذي يتحمل مسؤوليته الرسالية والجهادية ويعتبر ان الدعوة الى الله والخير والاحسان وخدمة الناس ومواجهة الطغاة والمستكبرين والمحتلين والدفاع عن الوطن والارض والعرض هي جزء من مسؤولياته في هذه الحياة .
المطلوب من من كادر مسؤول ومن كل رب عمل ومن كل صاحب موقع ومن كل مسؤول ومن كل ذي خبرة وتجربة ان ينقل خبرته وتجربته الى هو دونه في الموقع والمسؤولية، ليعده ويربيه ليكون كادرا فاعلا في المجتمع يتحمل مسؤولياته من موقع العلم والمعرفة والخبرة ، فاذا فعل كل واحد منا ذلك في موقعه وفي مجال عمله فاننا نستطيع ان نبني كادرا كفؤا في مختلف المجالات وان نبني مجتمعا قويا في مواجهة التحديات والازمات.
اليوم الأزمة المعيشية هي الهاجس الأكبر لدى اللبنانيين، حيث إن ارتفاع الدولار وغلاء الاسعار واقفال المدارس الرسمية وارتفاع كلفة الطبابة والاستشفاء والدواء باتت تضغط على المواطنين بشكل غير مسبوق وتزيد من معاناتهم، والأزمة في تصاعد مستمر مع غياب الحلول واستمرار الحصار الامريكي على البلد، وليس في الافق بوادر حل قريب، لأن الحل يبدأ بتوافق القوى السياسية، والتوافق حتى الان مفقود بينها، والحراك السياسي الداخلي لا يؤدي الى النتيجة المطلوبة ما لم يكن هناك ارادة جدية لدى الجميع للتفاهم والتوافق والخروج من المأزق.
واذا كان البعض يراهن على الخارج ليأتي بالحل المناسب، فطالما أن أميركا هي جزء من ماكينة الخارج ولقاءاته حول لبنان، فلن يكون الحل لمصلحة اللبنانيين، لأن أميركا لا تعنيها مصلحة اللبنانيين، ولا أن يكون في لبنان رئيس قوي وشجاع ووطني، وما يعنيها هو كيف تؤمّن مصالحها واهدافها ومصالح واهداف الكيان الصهيوني .
واذا كان الامريكي يعتقد أن بإمكانه بزيادة الضغوط وأخذ البلد للفوضى أن يفرض إرادته على اللبنانيين في الموضوع الرئاسي أو في غيره فهو مخطئ، فصحيح أن الامريكي يحاصر لبنان ويفرض عقوبات ويمنع المساعدات ويضع الفيتوات وبامكانه تحريك أدوات الفتنة في البلد، لكنه لا يستطيع ان يفرض إرادته على لبنان وان يفعل فيه ما يشاء.
المصدر: بريد الموقع