شكّل ما سُمي بـ “إضراب الخميس الأسود” في فرنسا، محطةً حاسمة بالنسبة لـ”برنامج إصلاحات” الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو ما يُطلق عليه ايضاً اسم “إصلاح مشروع نظام التقاعد”. “الخطة الإصلاحية”، التي يرى ماكرون إنها “ضرورية لضمان عدم إفلاس نظام التقاعد”، أعلن أكثر من مليون فرنسي رفضهم لها، في مشهد من الإضرابات والمظاهرات التي عمّت البلاد.
إذ لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، توحدت جميع النقابات العمالية الفرنسية في جبهة مشتركة ضد المشروع، الذي يقضي برفع سن التقاعد إلى 64 عاماً بحلول 2030، وتسريع عملية رفع الحد الأدنى لعدد سنوات المساهمة في صندوق التأمين التقاعدي. في التفاصيل، فإن “ثمانين ألفاً نزلوا إلى الشوارع في باريس”، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية، فيما أعلن الأمين العام للكونفدرالية العامة للشغل “سي جي تي” فيليب مارتينيز أن عدد المشاركين في الإضراب “تجاوز المليونين”.
بدوره، أشاد المسؤول الأول في نقابة الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل “سي إف دي تي” لوران بيرجي بمستوى التعبئة الواسعة الذي بلغته هذه الإضرابات العمالية في البلاد. إذاً حدث ما توعدت به النقابات العمالية حكومة إليزابيث بورن للضغط عليها من أجل التخلي عن “مشروع إصلاح نظام التقاعد”.
ووفق أرقام صدرت عن السلطات الفرنسية، بلغ عدد المشاركين 36 ألف شخص في تولوز، 26 ألفا خرجوا إلى الشوارع في مرسيليا، 25 ألفا في نانت، 19 ألفا في كليمون فيرون، 15 ألفا في مونبلييه، 23 ألفا تظاهروا في ليون، التي دارت فيها مواجهات بين رجال الشرطة وناشطين.
من جهتها، دعت الحكومة إلى ألا يؤدي التحرك إلى “تعطيل” البلاد ، معربة عن أملها في “ألا يستمر طويلا”ً.
شلل في خدمات النقل
ولفتت شبكة “سي. إن. إن” الأمريكية، إلى أن الاحتجاجات في المدن الفرنسية الكبرى، من بينها باريس ومارسيليا وتولوز ونانت ونيس، أصابت خدمات النقل بالشلل. وذكرت الشركة الوطنية للسكك الحديدية في فرنسا، إنه لم يعمل من القطارات، إلا ما بين واحد من ثلاثة، أو واحد من خمسة فقط، من خطوط قطارات (تي.جي.في) عالية السرعة، ولا تعمل تقريبا أي قطارات داخل المناطق أو بينها. وألغيت العديد من رحلات القطار الأوروبي “يوروستار” بين فرنسا والعاصمة لندن. وفي باريس، تم إغلاق بعض محطات المترو وتعطلت حركة السير بشدة، مع تشغيل عدد قليل من القطارات.
تعطل 20% من الرحلات الجوية
واقتصر التأثير على الحركة الجوية إلى حد كبير على تعطيل نحو 20 بالمئة من الرحلات الجوية في أورلي، ثاني أكبر مطار في باريس. وطلبت هيئة الطيران المدني من شركات الطيران إلغاء خُمس الرحلات من مطار باريس-أورلي، اليوم الخميس، بسبب إضراب المراقبين الجويين.
وقالت شركة الخطوط الجوية الفرنسية إنها تشغل جميع رحلاتها الطويلة و90 في المئة من رحلاتها القصيرة ومتوسطة المدى.
انخفاض إنتاج الكهرباء 12%
وشارك أغلبية العاملين في شركة الطاقة ” توتال إنرجيز” في الإضراب، ما تسبب في اضطراب خدمة تقديم المنتجات النفطية للمواطنين. وقال مسؤولون نقابيون من شركة “توتال إنرجيز” إن الشحنات محتجزة في مصافي الشركة في فرنسا. وأظهرت بيانات شركة كهرباء فرنسا، وشركة نقل الكهرباء الفرنسية، أن إنتاج الكهرباء انخفض نحو 12 بالمئة من إجمالي إمدادات الطاقة، ما دفع فرنسا إلى زيادة وارداتها.
إغلاق المدارس في باريس
وشارك 70 من معلمي المدارس الابتدائية في الإضراب، حيث أغلقت واحدة من بين خمس مدارس في باريس. كما شارك 50% من معلمي المدارس الثانوية في الإضراب. وفي باريس، حاصر الطلاب مدرسة ثانوية واحدة على الأقل دعما للإضراب. وتمثل الإضرابات والاحتجاجات اختبارًا كبيرًا للرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الذي يقول إن خطته لإصلاح نظام التقاعد -التي تظهر استطلاعات الرأي أنها لا تحظى بشعبية بشكل كبير- ضرورية لضمان عدم إفلاس نظام التقاعد.
ماكرون ووزراؤه في برشلونة
ورغم الاحتجاجات الحاشدة والإضراب الواسع، توجه ماكرون وعدد من وزرائه إلى برشلونة اليوم الخميس، للاجتماع مع مسؤولين إسبان. ومازال يتعين إقرار إصلاح نظام التقاعد في البرلمان الذي فقد فيه ماكرون أغلبيته المطلقة لكنه يأمل في إقراره بدعم من المحافظين.
وتقول النقابات إن هناك وسائل أخرى لضمان استمرار نظام المعاشات التقاعدية مثل فرض ضرائب على فاحشي الثراء، أو زيادة مساهمات أصحاب العمل أو مساهمات أصحاب المعاشات الميسورين.
النقابات العمالية: الخميس البداية
وتصر النقابات العمالية على مواصلة الاحتجاجات لإجبار الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها. ونقلت “رويترز” عن لوران بيرجيه، رئيس الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل، أكبر نقابة في فرنسا، لتلفزيون “بي.إف.إم” “نحن بحاجة إلى انضمام الكثير من الناس للاحتجاجات”، مضيفاً “الشعب ضد هذا الإصلاح.. نحتاج إلى إظهار هذا في الشوارع”.
وأشار قادة النقابات إلى أن “الخميس ليس إلا بداية”.
وجاء في تقديرات لوزارة العمل الفرنسية، أن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدر 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) كمساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027. وقال وزير العمل الفرنسي أوليفييه دوسوبت لتلفزيون (إل.سي.آي) إن “هذا الإصلاح ضروري وعادل”، على حد تعبيره.
المصدر: موقع المنار