لم يشهد لبنان، والعالم ربما، ما يشبه حالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. حاكم تربّع على مدى 29 عاماً على رأس إدارة السياسة النقدية، كلّلها بدعاوى قضائية وملاحقات في بلده والخارج بجرم غسل الأموال والاختلاس والفساد والإثراء غير المشروع. وهي دعاوى كفيلة بتنحية أي حاكم عن منصبه، إن لم يكن توقيفه والتوسع في التحقيق في الجرائم المالية التي ارتكبها بواسطة أقربائه والمقربين منه وكل من أمّن لهم الحماية وساهموا واستفادوا من هذا المخطط الاحتيالي الذي شبّهه البنك الدولي بمخطط «بونزي». فبفضل «الصانع الحصري للسياسات»، سُرقت أموال المودعين، وتصدّر لبنان لائحة أسوأ ثلاثة انهيارات مالية شهدها العالم منذ القرن التاسع عشر، وطال الفقر ثمانية من بين كل 10 أشخاص، وفقد واحد من كل خمسة عمّال وظيفته، وباتت 41% من العائلات عاجزة عن الوصول الى الطعام والأساسيات الأخرى، وتعاني 36% من الأسر من صعوبات في الوصول الى الرعاية الطبية (كان ذلك بحسب تقرير للبنك الدولي صدر في حزيران 2021، والأرجح أن هذه الأرقام تغيّرت نحو الأسوأ). ولكن، لأن سلامة هو ذراع الكارتيل وكاتم أسراره ومُهرّب أمواله، يبقى حُرّاً طليقاً، عصيّاً على المحاسبة، يمارس مهامه كالعادة، ويستعيد نفوذه ويوسّع صلاحياته، حتى بات في يده، منفرداً، مصير موظفي الدولة وعناصر الأسلاك العسكرية والقضاة والمدرّسين والطلاب والأطباء والصناعيين والفلاحين… يحدّد حجم الاستيراد وعدد ساعات التغذية بالكهرباء، ويقرر تجفيف السوق من المحروقات أو إغراقه، وحرمان الناس من رغيف الخبز أو تزويدهم به، ويتحكم بتوافر حليب الأطفال والدواء، ومتى شاء يقطع الأوكسيجين عن المرضى.