ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الخميس 04-08-2022 في بيروت على عدد من المواضيع وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي..
الاخبار
انفجار مرفأ بيروت: لماذا لا تُعلن الحقيقة؟
تناولت جريدة الأخبار الشأن الداخلي وكتبت تقول “يؤكد كلّ من القضاء والأمن أنّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت انتهت تماماً. بات لدى هؤلاء الرواية الكاملة لما حصل: كيف وصلت شحنة نيترات الأمونيوم، وكيف خُزِّنت، وكيف انفجرت، لكن إلى الآن لم يُفرَج عن الرواية الكاملة. هل الغاية تحويل الجريمة إلى «قميص عثمان» عوضاً عن كشف الحقيقة؟
مرّ عامان على انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب. لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل. لم يعرف أحد ماذا حصل في ذلك اليوم المشؤوم. نُتَف رواياتٍ تناقلها الإعلام. تسريباتٌ وتسريبات مضادة. كلٌّ يزعم أنّ الحقيقة لديه متمسكاً بترويجها، لكنّ أحداً لا يعلم حقيقة ماذا حصل. هل هناك قاتلٌ فعلاً أم أنّ الجميع ضحايا بنسبٍ متفاوتة؟ لا ينفي أحد الإهمال الذي نتج منه جمع مكوّنات قنبلة ضخمة في العنبر رقم 12 طوال سبع سنوات، ما أدى إلى الانفجار الهائل الذي تسبّب بنكبة بيروت، لكنّ الحديث هنا عن فاعلٍ خفي أشعل الشرارة!
ارتياب مشروع
في 4 آب 2020، هزّ انفجار ضخم العاصمة بيروت متسبّباً بوفاة 232 شخصاً وجرح الآلاف. كُلِّف القاضي فادي صوّان محققاً عدلياً ليمكث ستة أشهر قبل أن يُنحّى من قبل محكمة التمييز للارتياب المشروع الذي تقدّم به النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر في شباط 2021. لم يُقدّم صوّان أي جديد على التحقيق الذي أُجري في وسائل الإعلام، محاولاً استرضاء الرأي العام. بل رفع سقف ادعائه ليحصره بالمسؤولين السياسيين، رغم أنّ المسؤولية أمنية عسكرية بالدرجة الأولى، لينال تصفيق الشارع مخفياً أداءه المهزوز. طلب الاستماع إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزير المال السابق علي حسن خليل ووزيرَي الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر كمدعى عليهم، إضافة إلى المدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صليبا. كما سطّر مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين في المرفأ من حراس وأمنيين وإداريين.
لم يستدع صوّان قائد الجيش السابق جان قهوجي؟ وكذلك رئيس الأركان السابق وليد سلمان الذي وقّع بالإنابة عن قهوجي مقترحاً عرض نيترات الأمونيوم على شركة الشمّاس علّها تشتري البضاعة المحتجزة في المرفأ؟ لقد مَنَحَ صوان حصانة لقيادة الجيش السابقة والحالية لما لهما من مونة عليه، وهو الذي كان قاضياً للتحقيق في المحكمة العسكرية طوال عشر سنوات. لم يُفهم لماذا اختار صوّان رئيس حكومة حالي، و3 وزراء سابقين. إن كان رئيس الحكومة الحالي مرتكباً أو مهملاً أو مُقصّراً، فإنّ ذلك يعني حُكماً أنّ وزراء في حكومته سيكونون مرتكبين ومقصّرين أيضاً. وإذا كانت المسؤولية تقع على عاتق الوزراء السابقين، فلماذا استثنى رؤساء الحكومات السابقين؟
ادّعاء وأذونات ملاحقة
المهم، ذهب صوّان ليخلفه المحقق العدلي طارق البيطار. اسمه اقترحته وزيرة العدل لينال موافقة مجلس القضاء الأعلى. استبشر الجميع خيراً في استقبال القاضي الذي لم يُعرَف له لون سياسي، سوى انتماء قومي لعائلته العكّارية. كذلك الأمر لجهة نظافة الكفّ. لم يكن الرجل قد وُضِع تحت المجهر بعد. وحُشِرَ بيطار بين اثنين: سلوك مسلك صوّان بتكبير الحجر ولو على حساب الحقيقة، وخيار التحقيق بحثاً عن الحقيقة الكاملة ولو لم تُعجِب أحداً. لم يتوقع أحد المسار الذي سيسلكه البيطار. انكبّ القاضي على التحقيق ليستمع إلى عشرات الشهود والمدعى عليهم. مرّت أربعة أشهر، لينهي المرحلة الأولى. في تموز 2021، طلب بيطار أذونات لملاحقة قادة أجهزة أمنية ورفع حصانات نواب مشتبه في تورّطهم بإهمال قصدي، مع علمهم بالخطر، ما تسبّب بوقوع الانفجار. ووجّه كتاباً إلى مجلس النواب يطلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كلّ من وزير المال السابق علي حسن خليل، وزير الأشغال السابق غازي زعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق. كما وجّه كتابَين، الأول إلى نقابة المحامين في بيروت لإعطاء الإذن بملاحقة خليل وزعيتر كونهما محاميين، والثاني إلى نقابة المحامين في طرابلس، لإعطاء الإذن بملاحقة وزير الأشغال السابق المحامي يوسف فنيانوس، وذلك للشروع باستجواب هؤلاء جميعاً بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير. كذلك ادّعى على ضباط في القيادة السابقة والحالية للجيش، بينهم قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المخابرات الأسبق العميد كميل ضاهر، إضافة إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. كما طلب محاكمة قضاة مشتبه في تورطهم في التقصير والإهمال الذي أدى إلى وقوع الانفجار، لكنه لم يقترب من قائد الجيش الحالي جوزيف عون. كما حيَّد هيئة القضايا في وزارة العدل ووزراء العدل والدفاع جميعاً.
تهمة الاستنسابية
هكذا رأى فريق من اللبنانيين مستهدَف بالادعاء، أنّ الادعاءات لم تكن شاملة بل استنسابية، بعدما اقتصر الادعاء على شخصيات يحسب معظمها على طرف سياسي معين، وبعد استثناء غير مبرر لمسؤولين تعاقبوا على شغل المناصب نفسها مع أنّ الحكم استمرارية بما لا يُعفي المستبعدين من المسؤولية، لأن المسؤولية الأكبر تتحملها قيادة الجيش والقضاء. كلّ هذا عزّز الارتياب في أداء المحقق العدلي طارق البيطار. ولو أنّ المحقق العدلي شملهم بالاستجواب والادعاء مع كل من تعاقبوا على المراكز الأمنية والسياسية المسؤولة عن المرفأ، كان سيُعفى من تهمة الاستنسابية. فالمسؤولية الأمنية تحضر أولاً، لتليها المسؤولية الوظيفية، ثم القضائية فالسياسية، لكنّ المحقق العدلي بدأ بالعكس.
كان يجدر بالقاضي التعامل مع الملف بطريقة أخرى، وأن ينظر بعينٍ واحدة إلى جميع من يعتبر أنهم مشتبه فيهم، وأن يحرص على التعامل مع جميع الأطراف بحسن نية درءاً لاتهامه بالحكم المسبق عليهم، لكنّ ذلك لم يحصل. ترافق الارتياب مع توتّر في الشارع. خرج أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليتحدث عن تسييس المحقق العدلي للتحقيق وتوجيهه. طالب نصرالله القضاء بإعلان النتائج الأولية للتحقيق، لكن ذلك لم يحصل. لم يصدر أي قرار قضائي يكشف ماذا حصل فعلاً على الرغم من أنّ البيطار كان قد تسلم التقرير الثاني من المحققين الفرنسيين الذي خلُص إلى استبعاد فرضية استهداف المرفأ بصاروخ، بالاستناد إلى تحليل التربة في موقع الانفجار الذي بيّن عدم وجود عامل خارجي (سواء عبوة ناسفة أو صاروخ) تسببت بالانفجار.
انتقل الانقسام إلى الشارع ثم إلى العدلية. انقسم القضاة في ما بينهم. تحوّل الكباش السياسي إلى كباش قضائي ليدخل بعدها ملف التحقيق مرحلة العرقلة. قُدّمت طلبات تنحية وارتياب ومخاصمة من معظم السياسيين المدعى عليهم. وفي كلّ مرة، كان يُتّخذ قرار برد الطلب، كان يُعاجَل المحقق العدلي بطلب جديد لاستبعاده. تسبّب ذلك بشلل في الملف. جُمِّد المسار القضائي في الوقت الذي أصرّ فيه المحقق العدلي على عدم التنحي. أعلن تمسكه بالملف حتى الرمق الأخير. انقضت السنة الثانية على انفجار مرفأ بيروت. أنهى فرع المعلومات تحقيقاته ورُسِم مسار وصول النيترات مروراً بتخزينها وصولاً إلى انفجارها، لكن القرار الظني لم يصدر بعد.
منذ بدء التحقيق، وضع المحقق العدلي أمامه عدة فرضيات من بينها فرضية الاستهداف الجوي التي أسقطها تقرير المحققين الفرنسيين. بقيت فرضيتان، الأولى: حصول خطأ أثناء عملية تلحيم باب العنبر الرقم 12 أدى إلى اندلاع الحريق، ثم وقع الانفجار. والفرضية الثانية هي حصول عمل أمني أو إرهابي متعمّد داخل المرفأ تسبّب بالكارثة، سواء لجهة إدخال النيترات وتخزينها أو استغلال وجودها لتفجيرها.
بعد مرور سنتين، لا يوجد أمام المحقق العدلي طارق البيطار سوى خيار واحد هو أن يخرج على الناس ليخبرهم ماذا حصل. هل هناك من تعمّد تفجير مرفأ بيروت أم أنّ الإهمال تسبب بكارثة. الإجابة بسيطة جداً رغم هولها، لكن انتظارها طال كثيراً.
طارق البيطار: حيّد قائد الجيش فقتل التحقيق
تولّى القاضي طارق البيطار مهام المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت خلفاً لسلفه القاضي فادي صوّان الذي أطاحت به محكمة التمييز العسكرية. اسمٌ لم يلبث أن ذاع صيته ليصبح الأكثر شهرة بين قضاة لبنان جرّاء غضبة الرأي العام على الطبقة السياسية واتهام أركانها بالتورّط بكل ما أصاب اللبنانيين. هكذا تحوّل البيطار جراء تولّيه التحقيق في أكبر انفجار في تاريخ لبنان إلى رأس حربة ضد الطبقة السياسية ورمزاً للمتظاهرين في الشارع.
البيطار ابن 47 عاماً من بلدة عيدمون العكارية، التحق بسلك القضاء بعد تدرّجه في المحاماة، ليكون بين الأوائل في معهد الدروس القضائية. تنقّل بين عدد من المراكز القضائية قبل أن يعيّن رئيساً لمحكمة الجنايات في بيروت عام 2017 حتى تعيينه محققاً عدلياً بناء على اقتراح وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم. شغل البيطار قبلها منصب المحامي العام الاستئنافي في الشمال، ثم تولى منصب قاض منفرد.
اسم البيطار سبق أن طُرِحَ ليكون محققاً عدلياً في انفجار الرابع من آب قبل تكليف صوّان، لكن مجلس القضاء الأعلى استعجل عدم الموافقة عليه، بذريعة أنّه «لا يُريد تولّي التحقيق لأسباب خاصة، قبل أن يتبيّن أنّه كان موافقاً على القيام بالمهمة إنما التباساً قد وقع جراء سوء فهم لدى أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين فهموا أنّ أجابته تعني «لا». ولم يكن انفجار مرفأ بيروت الملف المثير للجدل الوحيد الذي تولّى البيطار التحقيق فيه. فقد أصدر حكمه ضد طارق يتيم في جريمة قتل جورج الريف. كذلك أصدر حكماً لصالح الطفلة إيللا طنّوس التي بُتِرت أطرافها الأربعة جراء خطأٍ طبي. وأصدر حكماً مماثلاً على محمد الأحمر في جريمة قتل روي حاموش.
الإجماع الذي حصل عليه القاضي البيطار لم يلبث أن استحال انقساماً في الشارع وصل حد سفك دماء لبنانيين سقطوا في مجزرة الطيونة على أيدي عناصر من القوات اللبنانية أثناء تظاهرة احتجاجية على أدائه. اعتبر قسم كبير من اللبنانيين أنّ المسار الذي سلكه التحقيق خلق لديه ارتياباً كبيراً. ولعلّ المسألة الأكثر فجاجة إصراره على تحييد قائد الجيش الحالي وقراره الواضح بعدم توقيف أحد من قيادة الجيش السابقة والحالية، مع أنّ المسؤولية الأساسية في ملف نيترات الأمونيوم تحديداً يتحملها الجيش، بحسب قانون الأسلحة والذخائر.
قُدِّم بحق البيطار أكثر من 30 طلب ردّ ونقل ومخاصمة، لكنه لم يتنحّ. الرواية الكاملة لما حصل توصّل إليها المحققون، لكنها لا تزال حبيسة الأدراج. لم يصدر القرار الظني بعد جراء عراقيل عدة. يترافق ذلك مع إصرار القاضي البيطار على التمسّك بالملف. عنادٌ يُسجّل للقاضي ويؤخذ عليه في ظلّ وجود عشرات الموقوفين الذين أصبح توقيفهم جميعاً ظلماً لاحقاً بحقهم وحق عائلاتهم. لا سيما أنّ سيف العدالة المسلول الذي لا يُسلط على الجميع بالتساوي، لا يوصل إلى الحقيقة إنما يطمسها متسبباً بظلمٍ كبير. بالتالي، ستكون الحقيقة المرتقبة ناقصة في ظلّ استنسابية الملاحقة. هكذا يطول الانتظار فيما الحقيقة التي تمّ التوصّل لها لن تروي العطشى لها.
فادي صوّان: محقق عدلي فاشل
اقترحت وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم اسم القاضي فادي صوّان ابن بعبدا على مجلس القضاء الأعلى في الخامس عشر من آب عام 2020 ليكون محققاً عدلياً في انفجار مرفأ بيروت. صوّان الذي كان مقرّباً من حزب الكتائب اللبنانية شغل مناصب قضائية عدة قبل أن ينتهي به الأمر قاضياً للتحقيق العسكري الأول اليوم.
من قاضٍ للإيجارات وقاضٍ منفرد في قصر عدل الجديدة لبضع سنوات إلى منصب محامٍ عام، ثم قاضي تحقيق في بعبدا لنحو عشر سنوات. لم يكن القاضي الذي تنقّل بين عدد من المراكز على مستوى التوقعات. تورّط في لعبة الإعلام ليسير بالتحقيق على إيقاعه. كان يتأثر بضغط الرأي العام لمجرّد ظهور صحافي ينتقد قراره فيتّخذ قراراً مغايراً لسابقه. القاضي الذي يلقّبه زملاؤه بـ«اليميني المتطرّف» لشدة تعصّبه المذهبي كان يخشى المواجهة وهو أمرٌ عُرِفَ به على غرار ما حصل في حادثة قبرشمون عندما حوّل إليه الملف كقاض عسكري بالإنابة، لكنّه نفذ ما طلبه منه الوزير السابق سليم جريصاتي ليُسلِّمَ الملف إلى القاضي مارسيل باسيل.
أداء القاضي صوّان وجّه ضربة للثقة في التحقيقات. تعامل مع الملف بخفّة غير مسبوقة لدرجة أنّ مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا تمكن من الإيقاع به. فقد عمد صليبا إلى تسجيل وقائع جلسة استجوابه أمام المحقق العدلي، حيث ظهرت عدم حيادية صوان ووجود حكم مسبق وتوجيه للتحقيق. بعدها تقدّم صليبا بثلاث شكاوى ضد صوان. الأولى شكوى تشهير، مطالباً بتعويض. والثانية طلب ردّ المحقق العدلي، على الرغم من أنّ محكمة التمييز في البداية رفضت تدوينها، لكنّ صليبا دوّنها في محكمة الاستئناف ليؤخذ بها لاحقاً. أما الشكوى الثالثة، فكانت بشأن الارتياب المشروع التي ضمّ إليها إفادة العنصر في أمن الدولة التي استند إليها قرار محكمة التمييز أيضاً.
أثار أداء صوّان الكثير من الضجيج ليرمي ورقته الأخيرة بطلبه من البرلمان التحقيق مع وزراء حاليين وسابقين للاشتباه بارتكابهم مخالفات أو جرائم على صلة بالانفجار وطلب الادعاء على كلّ من رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب ووزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال العامة والنقل الأسبقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس «بعد التثبت من تلقيهم عدة مراسلات خطية تحذّرهم من المماطلة في إبقاء نترات الأمونيوم في حرم مرفأ بيروت، وعدم قيامهم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتلافي الانفجار المدمّر وأضراره الهائلة».
في 18 شباط 2021، صدر قرار عن محكمة التمييز الجزائية قضى بنقل ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت من المحقق العدلي القاضي فادي صوّان إلى محقق عدليّ آخر، بسبب «الارتياب المشروع». حاول صوّان الظهور بمظهر «البطل» لكن أخطاءه الجسيمة أطاحت به.
صوّان الذي يُعرَف بقربه من الكنيسة سجّل سابقة بمنعه المحاكمة عن راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية للطائفة المارونية المطران موسى الحاج في فضيحة غير مسبوقة جرى طمسها بعدما تبين أنّ المطران قد نقل مبالغ مالية على ثلاث دفعات لعسكري تورّط في التعامل مع العدو الإسرائيلي ليعتبر أنّ الأمر ليس من اختصاص المحكمة العسكرية.
البناء
عودة سريعة إلى مفاوضات فيينا النووية… وول ستريت: وزراء الخارجيّة جاهزون للانضمام
خطة بوريل على الطاولة: رفع العقوبات والعودة للالتزامات وربط نزاع حول الخلافات لـ 6 شهور
سجال على توتر عالٍ بين ميقاتي والتيار… أزمة الكهرباء تتجدّد ولا جواب على عرض نصرالله
صحيفة البناء كتبت تقول “بسرعة قفز الملف النووي الإيراني الى الواجهة مجدداً، فحجب التصعيد على جبهة الصين مع تايوان وتردّدات التدهور في العلاقات الأميركية الصينية، ودفع الى الخلف تطورات أزمة الغاز الأوروبية على خلفية تخفيض روسيا للكميات التي يتمّ ضخها عبر أنبوب نورد ستريم 1، مع عروض روسية بالعودة لتشغيل نورد ستريم 2، أما ملف التفاوض على الحدود البحرية الجنوبية للبنان، فلا يزال قيد النقاش في الخيارات الاستراتيجية داخل مجلس الوزراء المصغر لكيان الاحتلال، بين الدعوة لتأجيل الاستخراج من حقل كاريش والسير بخطوات هادئة للتفاوض والتوصل لحل ينهي التوتر الناتج عن تصعيد المقاومة ووضع معادلة كاريش وما بعد كاريش فوق الطاولة، وبين مَن يدعو للتشبث بالعرض الأخير القائم على مقايضة حقل قانا بمطالب في البلوك 8 من لبنان.
في مفاوضات فيينا جرعة تفاؤل عالية أشارت إليها وول ستريت جورنال بالقول إنه تمّ إخطار وزراء خارجية الدول المعنية بالتوقيع على نسخة التفاهم المجددة، للبقاء بجهوزية لاحتمال التوجه الى فيينا اما تقدم فرضيات نجاح المفاوضات، ووفقاً لمصادر على صلة بملف التفاوض فإن ورقة جوزيب بوريل، المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تجد قبولاً مبدئياً من الأميركيين والإيرانيين، لأنها تنتقل من الدعوة للاتفاق على كل شيء او لا شيء، أو ما يُسمّى بـ المعادلة الصفرية، الى السعي للعودة الى اتفاق 2015 بثنائية قوامها، رفع العقوبات الاقتصادية والمصرفية عن إيران وشركاتها وفك الحظر عن أموالها المجمّدة مقابل عودة إيران الى التزاماتها، وخصوصاً وقف التخصيب، والتزام رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربط نزاع على سائر القضايا الخلافية لمدة ستة شهور تسمّى مدة إعادة بناء الثقة، يتمّ توقيع الاتفاق النهائيّ في نهايتها، وهكذا يتم تحييد السعي الإيراني لرفع الحرس الثوري عن لوائح الإرهاب، مقابل تحييد المطالبة ببحث السلاح الصاروخي الإيراني ودور إيران الإقليمي، ويتم تحييد مطالبة إيران بالضمانات لعدم انسحاب أميركا مجدداً من الاتفاق مقابل احتفاظ إيران بما لديها من يورانيوم مخصب وأجهزة طرد مركزي متطورة، على أن تتم مواصلة البحث بهذه القضايا خلال مرحلة بناء الثقة، وصولاً لتفاهم يمكن أن يشكل إطاراً نهائياً للاتفاق.
لبنانياً مع ذكرى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، تتجه الأنظار نحو إهراءات الحبوب المرشحة للسقوط في كل ساعة، وسط جمود التحقيق القضائي بعد تحوله إلى منصة لتصفية الحسابات السياسية، وابتعاده عن القضية الجوهرية للتحقيق التي تبدأ بمسؤولية إدخال المواد المتفجّرة إلى المرفأ وبقائها فيه، فيما سجل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مداخلة جديدة في الملف الرئاسي دون سواه من القادة السياسيين، متحدثاً عن فرضيات رئاسية، تمهد برأي مصادر متابعة للدعوة الى رئيس وسطي يدير الأزمة، رغم رفضه نظرياً للخيار، لأنه بين خيارات مستحيلة تتوقف على نجاح جعجع بتجميع أغلبية كافية لفوز مرشح يتفق عليه مع حلفائه، وخيار فوز مرشح خصم منافس، يبقى المرشح الذي يدير الأزمة أهون الشرين في حسابات جعجع.
بالتوازي، سجلت مواقف تصعيدية لكل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتيار الوطني الحر، في سجال اتهامي متبادل، بينما بقي ملف الكهرباء معلقاً مع تجدد الأزمات وغياب أي موقف حكومي من عرض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتأمين الفيول من إيران، إذا طلبت الحكومة ذلك.
فيما تسرق الذكرى السنوية الثانية للفاجعة الوطنية المتمثلة بانفجار مرفأ بيروت اهتمام اللبنانيين اليوم، يبقى ملف ترسيم الحدود محور الاهتمام الرسميّ والشعبيّ لكونه يشكل باب الانفراج الاقتصاديّ الوحيد للبنان في ظل الكوارث الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتراكمة، وإقفال أبواب حلولها ومعالجتها، وتعطيل المسار الدستوريّ عبر تعثر تأليف حكومة جديدة وترجيح خيار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى في ضوء تأخر التسويات الخارجيّة والخلافات السياسية واندلاع السجال الإعلاميّ الساخن وغير المسبوق بين التيار الوطني الحر ورئاسة الحكومة.
وإذ تنتظر الدولة اللبنانية الرد الاسرائيلي على الطروحات التي نقلها الى فلسطين المحتلة من لبنان الوسيطُ الاميركي لترسيم الحدود عاموس هوكشتاين، والتي وُضِعت على طاولة حكومة الاحتلال المصغرة أمس، لم يصدر أي موقف إسرائيلي حيال المقترح اللبناني حتى الساعة.
وحذّرت أوساط مواكبة لمفاوضات الترسيم عبر «البناء» من الإفراط في الإيجابية التي يُصدرها الأميركي لتحميل لبنان المسؤولية إذا ما تعثر الحل لاحقاً، لكون لا مصلحة للأميركيين بتجميد الحصار المفروض على لبنان منذ حزيران الـ2019، لأن إنجاز ملف الترسيم والسماح للشركات باستخراج الغاز يناقض الحرب الاقتصادية الأميركية على لبنان، لذلك يتوجب على المفاوض اللبناني التحلي بمزيد من الصلابة والصبر والوحدة للضغط على الأميركي والإسرائيلي لفرض حقوق لبنان كاملة في أية معادلة حدودية – نفطية جديدة.
وتضيف الأوساط: «قبل أيام كان الأميركي يظن أن باستطاعته الاستمرار بسياسة المماطلة والتسويف وتمرير الوقت وفي الوقت نفسه إبعاد خطر الحرب مع لبنان. فالوسيط الأميركي خرج بعد زيارته ما قبل الأخيرة الى لبنان باطمئنان بأن لبنان لن يتمسّك بالخط 29 وبإخراج حقل كاريش من دائرة النزاع وبأن لبنان يحصر مطالبه بالخط 23، أي أن «إسرائيل» تستطيع أن تسير قدماً بعملية الاستخراج ولا يعترضها أحد، وتبقى ثروات لبنان مدفونة في باطن الأرض، لكن المعادلة تغيرت بعد التوازن الذي فرضه لبنان الرسمي لجهة الموقف الرئاسي الموحّد ولبنان المقاوم لا سيما المعادلات التي رسمها السيد حسن نصرالله بالمواقف والميدان».
وتكرّر الأوساط التأكيد بأن «الموقف اللبناني متمسك بكامل الخط 23 مع جيب مائي لاحتواء حقل قانا ومن دون أي انحراف للخط بعد قانا، مع تنبيه رئيس الجمهورية ميشال عون خلال اجتماع بعبدا إلى مسألة الوقت، وهذا ما أكد عليه السيد نصرالله في اطلالته أمس الأول بأن موقف المقاومة والدولة واحد في التمسك بالحقوق والدفاع عنها، ما يعني أن لعبة التمييز بين المقاومة والدولة قد فشلت فيما لعبة الوقت لم تعد تجدي نفعاً».
وتشير الأوساط الى أن «مطالبة العدو بالخط المتعرج لنيل جزء من بلوك 8 هو إفساد للعمل اللبناني في هذا البلوك الذي يختزن كميات من الغاز». وتضيف الأوساط: «هناك مصلحة أميركية بإبقاء الحصار على لبنان، وهذا ما عطل وعرقل الحل لملف الترسيم، فواشنطن تحاول إقامة توازن بين مصالحها وبين الحل الذي سيضر بالحرب الاقتصادية على لبنان، وفي الوقت عينه الأميركيون والإسرائيليون والأوروبيون بأمسّ الحاجة الى الغاز من المتوسط، لذلك لا يمكن التفاؤل المفرط بالحل الأكيد ولا بالتشاؤم المطلق، وعلى لبنان الاستمرار بوحدة الكلمة والتمسك بالحق وإبداء الحذر الذي يمنع أميركا من التسويف والمماطلة ويمنع الاسرائيلي من الشعور بالطمأنينة من وقوع الحرب، لكن المقاومة جاهزة على سلاحها، والفيديو الأخير عن منصة الاستخراج وكذلك المسيّرات يؤكدان ذلك، فإما أن تستجيب أميركا و»إسرائيل» معاً للمطلب اللبناني وهو آخر ما يمكن أن يقدمه لبنان من تنازلات وتسهيلات بالموضوع، وإما أن تتوقف الأعمال جنوب خط 23 كلياً وعندها تتحمل «إسرائيل» كامل المسؤولية عما قد يحصل على المستوى الميداني». وتلفت الأوساط الى أن «الفترة ما بين 4 إلى 11 أيلول المقبل، هو التاريخ المرتقب لبدء إنتاج الغاز، ولذلك لبنان منح هوكشتاين فترة لا تتجاوز 25 آب الحالي، إما يحصل الحل وإما تُبلغ إسرائيل بالوسائل التي يمكن أن تفهمها بأن عليها وقف أعمال الاستخراج».
ورأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «قضية الثروات النفطية والغازية كانت لسنوات رهينة التسويف والمماطلة والابتزازات الأميركية لإخضاع لبنان بالشروط الإسرائيلية، ولكن المقاومة أتت بمسيّراتها لتحرّر قضية الثروات النفطية والغازية من أي ابتزاز أميركي، ولتنهي مرحلة التسويف والمماطلة». وأكد «أننا على ثقة كاملة أن لبنان سيستعيد كامل حقوقه النفطية والغازية دون قيد أو شرط ومن موقع القوة والاعتزاز، لا من موقع المذلة».
على الصعيد الحكومي، أكد الاشتباك السياسي – الإعلامي على خط اللقلوق – السراي الحكومي المؤكد بأن لا حكومة في المدى المنظور، وتحدثت مصادر سياسية لـ«البناء» عن شبه تسليم رسمي بأن تأليف الحكومة أصبح من الماضي ولذلك لم يعد أحد من المسؤولين يتحدث عن الحكومة إلا من باب «مرور الكرام»، ما يعني أن حكومة تصريف الأعمال التي فُعلّت بموافقة ضمنية من الجميع ستمارس صلاحياتها ما فوق تصريف الأعمال حتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية وقد ترث صلاحيات الرئيس إن تعثر انتخاب البديل.
ويبدو أن معركة رئاسة الجمهورية قد فتحت مبكراً رغم أننا لم ندخل في المهلة الانتخابية الدستورية في الأول من أيلول، لكن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كالعادة أعلن الرهان على استحقاق رئاسة الجمهورية لإنقاذ البلد، ووضع مواصفات للرئيس المقبل وجدد ترشيحه لهذا المنصب، محذراً من إيصال رئيس في فريق محور الممانعة، لأن ذلك سيستدرج مزيداً من العزلة الدولية والخليجية وفق ما قال وحصار أقسى من الذي نعيشه ونهاية للاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
لكن مصادر في 8 آذار تشير لـ«البناء» الى أن «جعجع أوهم وخدع اللبنانيين بأن الانتخابات النيابية هي باب الإنقاذ وسفينة النجاة من الازمات وحث الناخبين على انتخاب لوائح القوات ضد لوائح التيار الوطني الحر وفريق المقاومة لكي ينزل الدولار وتفتح خزائن المال الخارجية الوفيرة، فجاءت الانتخابات مخيبة لآماله ولآمال اللبنانيين ولم يروا لا انفراجاً ولا بحبوحة ولا انفتاحاً غربياً – خليجياً، فلماذا يخدع جعجع اللبنانيين ثانية؟ وهو يدرك أن الأزمة بعيدة كل البعد عن انتخابات نيابية ورئاسة جمهورية ولا حتى نظام سياسي، بل القضية حصار أميركي غربي خليجي على لبنان لفرض التنازلات عليه بملفات عدة منها ترسيم الحدود الجنوبية البحرية الذي نعيش وقائعه ومفاوضاته ونهاياته اليوم، فضلاً عن موقف وموقع لبنان في المعادلة الإقليمية الجديدة التي تتشكل من نتائج الحروب الضارية التي شهدتها المنطقة والعالم كحرب تموز 2006 والحرب السورية والإرهابية واليمنية والروسية – الأوكرانية والتي قد تقع بين الصين وأميركا بسبب تايوان، فضلاً عن المستجدات الساخنة في العراق، بالتزامن مع سلة حوارات وهُدن تشهدها المنطقة من إيران الى السعودية واليمن فسورية. وتسأل المصادر: هل تحل أزمات لبنان إذا انتخب جعجع رئيساً للجمهورية أو أي شخصية من قوى 14 آذار؟ وهل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هو في فريق 8 آذار؟ والجميع يعرف أنه ليس بعيداً عن التوجهات الأميركية – الفرنسية، فهل حصل انفراج على الصعد الاقتصادية والمالية خلال ترؤسه للحكومة؟ فما الذي قدّمه جعجع وحزبه للبنان من إنجازات وانتصارات وطنية لكي يقرر مواصفات الرئيس ويفرض املاءاته على الشركاء الآخرين في الوطن؟ وما هي الحلول العملية التي قدمها للحد من الأزمات المتعددة التي نواجهها منذ ثلاث سنوات؟ وإذا كان جعجع حريصاً على الوضع في لبنان فليبادر الى الضغط على ميقاتي وعلى «حليفته» السفيرة الأميركية في عوكر لرفع الفيتو الأميركي على قبول الدولة اللبنانية لهبة الفيول الإيرانية التي أعلن عنها السيد نصرالله لإنقاذ اللبنانيين من المعاناة اليومية جراء انقطاع الكهرباء ونفاد الفيول من معامل الكهرباء، وكذلك رفع الفيتو عن تشغيل خط الغاز العربي، بدل إلهاء اللبنانيين بالتصريحات الهزلية والترّهات البهلوانية».
وفي سياق ذلك، أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان أنه «سيتم قسريًا إيقاف إنتاج معمل الزهراني بعد منتصف ليل اليوم الواقع فيه 03/08/2022 للمحافظة على خزينه، ليتم استخدامه بعد إعادة وضعه في الخدمة مجددًا بتاريخ 12/08/2022، حيث يكون قد نفد في ذلك التاريخ كامل خزين معمل دير عمار، ما سيحتم وضعه قسريًا خارج الخدمة، وبالتالي فإن خزين معمل الزهراني المتوفر في حينه، سيسمح بالاستمرار في انتاج الطاقة الكهربائية لغاية تاريخ 25/08/2022 كحد أقصى، وبالتالي وقوع البلاد في المحظور، في حال لم يتم توريد لصالح المؤسسة أي شحنة غاز اويل خلال شهر آب 2022».
وحملت مصادر نيابية عبر «البناء» ميقاتي مسؤولية أزمة الكهرباء نظراً لدوره المشبوه في رفض أي عرض كهربائي خارجي، لا سيما رفضه قبول هبة الفيول الإيرانية كُرمى لعيون الخارج الأميركي والاوروبي.
في المقابل، كرر المجلس السياسي في التيار الوطني الحر «موقفه الحاسم بضرورة إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها وفقاً للدستور وبما يحترم الإرادة السياسية الوطنية التي عبّر عنها اللبنانيون في الانتخابات النيابية وما تم إرساؤه من مبدأ احترام التمثيل الحقيقي لمن يتولى مسؤولية المواقع الدستورية وفي طليعتها رئاسة الجمهورية، والاّ فما الغاية من الديمقراطية والانتخابات والعمل السياسي ووجود الأحزاب اذا تم اسقاط مبدأ احترام التمثيل الشعبي».
وشن التيار هجوماً عنيفاً على ميقاتي وحمله «مسؤولية الاستخفاف بالدستور وتجاهل أوضاع البلاد برفضه القيام بما يلزم لتشكيل الحكومة، والتي من دونها لا تسير الإصلاحات ولا يحصل لبنان على التعاضد اللازم معه»، معتبراً «ان هذا التعطيل المتعمّد لعملية تشكيل الحكومة هو جريمة بحق اللبنانيين الذين سُرقت ودائعهم وتجري محاصرتهم بالرغيف وبجميع مقومات الحياة. وعليه فإن رئيس الحكومة المكلّف يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الكارثة الناجمة عن انقطاع الكهرباء ليس فقط لأنه عرقل في السابق تنفيذ الخطة بل لأنه يرفض اليوم أي حلّ مقترح أو هبة ويختبئ وراء ذرائع واهية لحماية مصالحه وليس مصلحة اللبنانيين». ورأى «ان ممارسات دولة الرئيس ومواقفه تدعو الى الريبة، فهو لا يسمح لوزارة الطاقة بتوفير الحلول لأزمة الكهرباء ولا يقوم بما يتوجّب عليه لتفعيل عمل القضاء في جريمة المرفأ ويعرقل كل خطوة من شأنها الحدّ من ضرر استمرار حاكم البنك المركزي في موقعه بينما تتراكم عليه الملفات والدعاوى في الخارج والداخل. وفوق هذا كله فإنه يمتنع عن التشكيل الجدّي للحكومة فيصدق فيه قول غبطة أبينا البطريرك الراعي لا قيمة للتكليف من دون تأليف».
ورد المكتب الإعلامي لميقاتي على التيار في بيان بالمثل الشعبي: «شيلي اللي فيكي وحطيه فيي». واعتبر البيان أن «قمة الفجور السياسي هو قول التيار أن ميقاتي يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الكارثة الناجمة عن انقطاع الكهرباء، وكأن ميقاتي، وليس التيار هو مَنْ تولى وزارة الطاقة، عبر خمسة وزراء متعاقبين على مدى 17 عاما وكلّف الخزينة هدراً على القطاع يقدّر بـ40 مليار دولار. ويأتيك اليوم تيار قلب الحقائق محاضراً بالعفاف السياسي، معتقدا أن ذاكرة اللبنانيين مثقوبة، كالسدود المائية الفاشلة التي أهدر عليها وزراء التيار ملايين الدولارات وذهبت مياهها الى جوف الأرض وأموالها الى جيوب المنتفعين». وشدد البيان على أن «قمة الوقاحة هي زعم التيار، ان ميقاتي لا يقوم بما يتوجّب عليه لتفعيل عمل القضاء في جريمة المرفأ. والسؤال، ما هو المطلوب من ميقاتي غير تحصين القضاء ودعمه في مهمته، الا اذا كان التيار يريد من رئيس الحكومة ان يحذو حذوه بالتدخل السياسي في القضاء».
في غضون ذلك، يستذكر اللبنانيون كارثة انفجار المرفأ الأليمة من خلال صور الانهيارات المتتالية لإهراءات القمح في المرفأ، وعلى الرغم من مرور عامين على الحدث، إلا أن النار في قلوب أهالي الشهداء لم تهمد، كما نار الظلم المتقدة في قلوب الموقوفين في السجون من دون محاكمة، فيما لا تزال التحقيقات قابعة في زواريب السياسة الداخلية بعدما أوصل أداء وممارسات المحقق طارق بيطار الى الاشتباكات السياسية وضياع الحقيقة والحقوق، بعدما تعاطى بيطار بعقلية الثأر والكيدية السياسية وتشريع الباب على الاستغلال الخارجي للقضية الأمر الذي عطل التحقيقات وجمد الملف.
ولاحت إشارات أمس توحي بأنّ انهيار الإهراءات أصبح وشيكاً بعدما انهارت بعض أجزائها وتوسعت مساحة النيران، فيما منعت القوى الأمنية السيارات من المرور في المكان تحسّباً لكمية الغبار التي قد تنتج عن عملية الانهيار. وتشير المعلومات بأن «انهيار الجزء المتبقي من الجزء الشمالي لإهراءات القمح أصبح وشيكاً، بسبب التصدعات الكبيرة ومعدل الانحناء في الدقائق الماضية ارتفع بشكل كبير». وقد توقفت الأعمال في محيط الإهراءات وأخلي عدد كبير من العمال والموظفين من المكان.
ووجّه البابا فرنسيس نداءً في هذه الذكرى، متمنياً ان يستمر لبنان في السير على طريق «الولادة الجديدة». وقال «تصادف غداً الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت. أوجه فكري إلى عائلات ضحايا هذا الحدث الكارثي وإلى الشعب اللبناني العزيز وأدعو الله أن يعزي الجميع بالإيمان وأن تواسيه العدالة والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أبدًا». تابع «آمل أن يواصل لبنان، بمساعدة المجتمع الدولي، السير على طريق «الولادة الجديدة»، والبقاء وفياً لدعوته في أن يكون أرض سلام وتعددية، حيث يمكن للجماعات من مختلف الأديان أن تعيش في أخوّة».
في غضون ذلك، يداهم ملف النازحين السوريين جدول أولويات الدولة اللبنانية، بعدما تحوّل الملف الى ورقة سياسية أمنية خارجية للضغط على لبنان والدولة السورية، في ظل الأخطار الديموغرافية والاقتصادية والأمنية التي تواجه لبنان جراء تعثر خطة إعادتهم الى سورية بسبب الفيتو الأميركي الأوروبي وتآمر مفوضية شؤون اللاجئين لإبقائهم في لبنان عبر دمجهم في مجتمعات، مقابل تأكيد وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين مدعوماً من رئيس الجمهورية، بأن الخطة الحكومية ستطبق بمعزل عن رأي المفوضية والدول الغربية قبل حصول الانفجار الاجتماعي ودخول طابور خامس على خط الأزمة لإيقاع الفتنة بين النازحين السوريين واللبنانيين والتي يتم التسويق لها اعلامياً من باب التمييز العنصري بين اللبنانيين والسوريين عقب أزمة طوابير الخبز الأسبوع الماضي.
وتلاقت مواقف المرجعيات الروحية الإسلامية والمسيحية على التحذير من خطر التأخر بحل أزمة النزوح، ففي حين تخوف مجلس المطارنة الموارنة في بيان، بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك بشارة بطرس الراعي، من «مؤشرات الصدام بين اللبنانيين والنازحين السوريين في عددٍ من المناطق والمخيمات، وناشدوا المجتمع الدولي والمسؤولين في البلدَين المُسارَعة إلى معالجة الأمر بما يحفظ سلامة الجميع، ويُشكِّل بدايةَ مسارٍ يُوفِّر عودة آمنة للنازحين إلى ديارهم، بعدما تراجعت إلى حدٍّ بعيد وقائع العنف هناك، وبات من الممكن العمل على تلك المعالجة»، وجّه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان، كتاباً مفتوحاً للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ذاكراً فيه، أن «مفوضية اللاجئين في لبنان تتعامل مع لبنان وكأنّه كيان معادٍ، وهي بمثابة حصان طروادة لتدمير بنية لبنان السكانيّة بخلفية أهداف سياسية معادية وعبر ساتر إنساني، والصبر نفد، والقضية قضية إبادة وطنية، لذلك المطلوب سحب فتيل هذه الحرب وإغلاق أبواب المفوضية وكفّ يد جمعياتها التي تغذّي حرب الإبادة السكانية الأخطر على لبنان، والمطلوب من السلطة اللبنانية تجريم هذا النحو من عمل مفوضية اللاجئين وعمل جمعياتها فوراً وتنظيم النزوح بما يتفق مع مصالح لبنان العليا».
المصدر: صحف