ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاربعاء 25-5-2022 في بيروت على ذكرى تحرير معظم الاراضي اللبنانية من العدو الاسرائيلي في شهر أيار/مايو من العام 2000، بالاضافة الى الكلمة التي يلقيها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالمناسبة، كما تناولت الصحف ملف ارتفاع الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية وارتفاع اسعار المحروقات والتحضيرات لجلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، بالاضافة الى غيرها من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
البناء:
لبنان يحتفظ بالأمل بمقاومته القويّة القادرة في عيد التحرير… وكلمة للسيد نصرالله اليوم / الدولار يلامس الـ34 ألفاً… ولا خريطة طريق لمنع الانهيار من بوابة الانتخابات / البخاريّ يستدعي «نواب التغيير» لتأكيد الأبوّة… وضغوط على اللقاء الديمقراطيّ
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء اللبنانية ” يحتفل لبنان اليوم بالعيد الـ22 للمقاومة والتحرير وسط ضبابية المشهد السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، ومسار انحداري على الصعيد المالي والاقتصادي، في ظل وضع دولي وإقليمي يبشر بالمزيد من الحروب، من منطقة تغلي حبلى بالمفاجآت في ظل المواجهة المتصاعدة في فلسطين وحولها، إلى عالم تدقّ أبوابه أزمات متفجّرة بتداعيات الحرب في أوكرانيا، إلى التصاعد الآتي من الشرق تحت عنوان الاستقطاب بين بكين وواشنطن حول تايوان، وتبقى المقاومة القوية والقادرة بمعادلات الردع التي فرضتها، بعدما حرّرت وحمت وقدمت مصدر القوة لحماية ثروات النفط والغاز، عنواناً وحيداً للأمل، وسط سواد يخيّم على المشهد.
يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم بالمناسبة، وينتظر الداخل والخارج ما ستتضمّن الكلمة التي يطلّ عبرها على ملفات المواجهة الدائرة حول فلسطين والتصعيد بين محور المقاومة وكيان الاحتلال من جهة، ومعادلات الردع ومستقبل ثروات النفط والغاز من جهة موازية، فيما تتوقع مصادر متابعة ان يلتفت في كلمته الى مقاربة مرحلة ما بعد الانتخابات في لبنان، رغم تخصيص كلمته لمحاور الصراع الإقليمي والمواجهة مع كيان الاحتلال في قلبها.
لبنانياً تبدو القوى الإقليمية و المحلية التي راهنت على تحقيق انتصار على القوى المؤيّدة للمقاومة ونيل الأغلبية النيابية، وفي مقدّمتها السفير السعودي وليد البخاري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حال ارتباك في كيفية التعامل مع إعلان نصر يظهر كل يوم أنه وهميّ، ويكبر المأزق كلما اقتربت ساعة الاستحقاق الخاص بتسمية رئيس جديد للحكومة، وفيما انتهت مساعي رئيس القوات بتجميع 40 نائباً هم 19 نائباً يضمون نواب القوات وحلفائها والمستقلين الذين سينضمّون الى تكتلها النيابي اضافة لـ 4 نواب للكتائب، و2 للجماعة الإسلامية والنائبين بلال حشيمي وأشرف ريفي، إضافة لـ 8 نواب من لوائح المجتمع المدني وخمسة نواب مستقلين هم ميشال معوّض ونعمة افرام وفؤاد مخزومي وأديب عبد المسيح وجان طالوزيان، يحاول السفير السعودي وليد البخاري حشد ما تبقى من النواب الفائزين بدعم سعودي لتأكيد الأبوة المرجعيّة للوائح المدعومة، ويضغط لكسب انضباط نواب اللقاء الديمقراطي وحليفه المستقل غسان سكاف على الأقلّ في تسمية رئيس للحكومة، بما يضيف 9 نواب الى الـ 40، بينما يستدعي ما تبقى من «نواب التغيير» طلباً للمبايعة.
اللبنانيّون الذين سمعوا الوعود بأن الحل بالانتخابات النيابيّة، يشعرون أنهم خارج الصورة في ضوء ما يسمعونه من الذين قالوا إن الحل بالانتخابات، فالذين أعلنوا انتصارهم هم أنفسهم قالوا إنه في اليوم الذي يلي فوزهم سينخفض الدولار الى 25 ألف ليرة، كما وعد سمير جعجع، بينما الدولار لامس أمس سعر الـ 34 الفاً، وظهر أن الذين كانوا يرددون أن الحل في الانتخابات كانوا يحدثون أنفسهم ويتحدثون عن أنفسهم، لا عن الناس ولا عن البلد. فالحل لدخولهم جنة السلطة هو بالانتخابات، وليس الحل لمشاكل البلد وأزمات الناس، حيث يغيب البلد وتغيب الناس عن الأولويات، وينشغل النواب الجدد، كما قالت مصادر نيابية، بأرقام لوحات سياراتهم، حيث يطلب أحدهم رقم لوحة الرئيس سعد الحريري ويطلب آخر رقماً يناسب عيد ميلاد زوجته.
وفيما يعيش لبنان سباقاً بين الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي في الشارع، وبين إنجاز الاستحقاقات الدستورية، سجل سعر صرف الدولار ارتفاعاً قياسياً للمرة الأولى في تاريخ لبنان، حيث وصل خلال نهار أمس الى 34 ألف ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء فيما تمّ التداول بالعملة الخضراء في «سوق» الصرافين غير الشرعيين بـ36 ألف ليرة، ما يُنذر بكارثة اجتماعية وانفجار اجتماعي كبير يلوح في أفق الأزمات التي تتراكم وتشتدّ بشكل غير مسبوق.
ونشطت بعض الجهات السياسية على خط الاتصالات والمشاورات لتأمين توافق على استحقاق انتخاب رئيس للمجلس النيابي خلال المهلة القانونية، في ظل استمرار الخلاف والتباين في مقاربة هذا الاستحقاق بين الأطراف السياسية أكان ضمن فريق «الثنائي الشيعي»- 8 آذار والتيار الوطني الحر من جهة وداخل قوى المجتمع المدني والتغيير والمستقلين من جهة ثانية، ما يصعب إمكانية التوافق على استحقاق على نائب رئيس المجلس بوجود مرشح واحد، فكيف باستحقاق تكليف وتأليف رئيس للحكومة والاستحقاقات المالية والاقتصادية والسيادية فضلاً عن استحقاق رئاسة الجمهورية؟
وفيما لفتت مصادر مطلعة على موقف عين التينة لـ»البناء» إلى أن «الرئيس بري لن يدعو إلى جلسة قبل توفير المناخ الملائم للتوافق بين أغلب الكتل النيابية على انتخاب الرئيس»، ولفتت الى أن «كتل ونواب عدة أعلنوا مواقفهم الداعمة لانتخاب الرئيس بري ومنهم مسيحيّون وبالتالي لا مشكلة في الميثاقية المسيحية المؤمنة». وعلمت «البناء» أن التواصل فتح بين عين التينة وكليمنصو للتنسيق بهذا الإطار، مشدّدة على أن «أصوات اللقاء الديمقراطي ستجير للرئيس برّي، لافتة الى أن «الرئيس بري سيُعاد انتخابه بمعزل عن عدد الأصوات التي سينالها، مرجحة توفير أكثرية وازنة لانتخابه، مقابل سعي بعض الجهات السياسية على رأسها «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وبعض «قوى التغيير» والنواب المدعومين من السعودية، لإعادة انتخاب بري بأكثرية هزيلة.
وأكد عضو كتلة عكار النيابية النائب سجيع عطية لـ»البناء» الى أن «الكتلة التي تضمّ مجموعة من النواب ستمنح أصواتها للرئيس بري لغياب أي مرشح آخر يملك الحيثية السياسية والشعبية التي يتمتع بها بري، وبالتالي لن نتخذ أي موقف يؤدي الى مشكلة وتعطيل عمل المؤسسات وأي استحقاق لا سيما استحقاق رئاسة المجلس». وعلمت «البناء» أنه «ترشح لمنصب نيابة رئيس المجلس النيابي كمرشح توافقي وأبلغ الرئيس بري بالأمر».
وعلمت «البناء» ايضاً وجود تواصل بين الرئيس بري وأكثر من جهة في «المجتمع المدني» حول نيابة الرئيس.
وأكد عضو كتلة «ننتخب للتغيير» النائب شربل مسعد لـ»البناء» الى أننا «بمعزل عن تصويتنا لبري من عدمه، لكنه منتخب ويملك حيثية شعبية وسياسية ولديه الخبرة في إدارة اللعبة البرلمانية وسنتعاون معه ومع كل من يعمل لمصلحة البلد والمواطن على مستوى العمل البرلماني».
ولم يرشح أي موقف حاسم عن تكتل «لبنان القوي» الذي اجتمع أمس، حيال استحقاق انتخاب رئيس المجلس. أما بشأن نائب الرئيس، فأفادت المصادر بأن «التكتل يفضل ان يرشح النائب جورج عطالله على الياس بو صعب، لنيابة رئاسة مجلس النواب»، أما «القوات» فتتمسك بترشيح النائب غسان حاصباني.
ولفتت مصادر «الثنائي الشيعي» لـ»البناء» إلى سعي الحريصين على مصلحة البلد لإنجاز استحقاق رئاسة المجلس والمطبخ التشريعي قبل نهاية المهلة المحددة في الدستور أي خلال 15 يوماً من إجراء الانتخابات، عبر اتصالات وتواصل مع مختلف القوى السياسية».
أما في حال انتهت المهلة ولم يتمّ التوافق على سلة الاستحقاقات المجلسيّة، فيعطي ذلك إنذاراً ومؤشراً للمرحلة المقبلة لوجود مشروع تعطيل المؤسسات والدولة برمّتها لكون المجلس «أم المؤسسات»، كاشفة عن محاولة لتعطيل استحقاق انتخاب رئيس المجلس، مشيرة إلى أن «شخص الرئيس بري مستهدف وكذلك الخط الذي ينتمي إليه والمقاومة والبلد بشكل عام». وأوضحت أن لا مرشح غير الرئيس بري وبالتالي أية إعاقة لهذا الاستحقاق ستعكس نيات خبيثة لعرقلة سير عمل المؤسسات». ودعت المصادر قوى المجتمع المدني الى المبادرة لتحمل المسؤولية في إنقاذ البلد من أزماته وعدم الانخراط في جبهات سياسية داخلية أو قوى خارجيّة لاستهداف المقاومة والشركاء في الوطن».
وأعربت أوساط سياسيّة عبر «البناء» عن خوفها على «مستقبل لبنان الذي أصبح ضمن دائرة الخطر الكبير، لا سيما أن هناك قوى وجهات تضعه بين خيارين: استمرار الحصار والعقوبات حتى لحظة الانهيار الكامل للدولة ومؤسساتها وتحميل حزب الله والعهد المسؤولية، وإما تقييد المقاومة بشروط وضوابط وحدود لإلغاء دورها ووظيفتها في حماية لبنان وردع العدو الإسرائيلي». وحذّرت الأوساط من أن «أعداء لبنان يسعون لتشديد الحصار في محاولة تحقيق الأهداف بالسلاح الاقتصادي والحرب المالية والاجتماعية التي لم يستطيعوا تحقيقها بالحرب العسكرية الإسرائيلية والإرهابية والفتن الأهلية». ووضعت الأوساط ارتفاع سعر صرف الدولار بعد صدور نتائج الانتخابات في إطار فشل السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بانتزاع الأكثرية النيابية واختراق لوائح أمل وحزب الله واكتساح القوات للمقاعد المسيحية وتحجيم كتلة التيار الوطني الحر، ما دفع السعودية عبر أدواتها الخارجية والداخلية لا سيما حاكم مصرف لبنان الى إعادة التلاعب بالدولار للضغط السياسي على فريق العهد والثنائي والاستمرار بسياسة الحصار وأخذ البلد الى الفتن والتفجير في الشارع.
وبرزت دعوة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، اللبنانيين لمواجهة حزب الله بقوله: «موضوع حزب الله بيد اللبنانيين»! علماً أن اللبنانيين حسموا أمرهم وجدّدوا الشعبية للوائح المقاومة والتحرير الذين نالوا أكبر نسبة أصوات في لبنان. وقال بن فرحان: «الانتخابات في لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك ونحن معنيون بعودة العملية السياسية في لبنان وينبغي على الأطراف كافة العمل على ذلك».
وانتقد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان نصر الدين الغريب، تدخل السفارتين السعودية والأميركية في لبنان في الانتخابات النيابية لمصلحة أطراف ضد آخرين، وسأل: «هل أصبحت السّفارات الأجنبيّة والعربيّة تؤلّف اللّوائح وتصدر النّتائج؟ حيث الصّناديق الآتية من الخارج كان بعضها مشوّهًا أو مكسورًا، أو كان انتخاب المغتربين هناك عنوةً عن إرادتهم؟». وخاطب الّذين خسروا المعركة، بالقول: «هنيئًا لكم أيضًا، لقد حاولتم الفوز وبنيّة تصحيح المسار والاعوجاج والتّضحية في سبيل وطن ينازع، وتلزمه العقاقير البشعة للإصلاح، جنّبتم أنفسكم من «كلّن يعني كلّن». فعليكم بإعادة النّظر بمسيرتكم السّياسيّة والاجتماعيّة والتّحالفات القاتلة، لعلّكم توفّقون وقد أتى دور المحاسبة للّذين شملتهم رحمة الانتصار».
في سياق ذلك، لاقت تغريدة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري حملة انتقادات سياسية وشعبية واسعة، ولفت رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، في تصريح إلى أنّ «هفوة سفيرها تسجّل نقطة سوداء في تاريخ الديبلوماسية السعودية، والمصفقون من الضيوف هم أهل للكلام الذي قيل».
ويلقي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم كلمة بمناسبة عيد المقاومة والتحرير. ودعا المكتب السياسي لحركة أمل الجميع الى «تلقف المبادرات الايجابية وملاقاة اليد الممدودة للتعاون، فالمرحلة المقبلة وخصوصاً على صعيد التشريع يُفترض ان تحول البرلمان الى ساحة عمل وميدان تشريع رافدة لورشة إنقاذ فعلية واصلاحات حقيقية وملموسة تقترحها الحكومة المنتظرة، لا ان تكون افكار البعض الخارجة على المنطق والواقعية السياسية ممن لم يفقه بعد معنى العمل التشريعي والرقابي وآليات الدستور والقانون والنظام الداخلي للمجلس النيابي محاولة اغتيال من قبل عقلية مريضة، تريد إغراق البلد في وحول النكايات، فلبنان المقبل على أكثر من استحقاق اساسي يحتاج الى تضافر جهود كل أبنائه وقواه السياسية الفاعلة ليتمكن من الخروج من أزماته الكبيرة والكثيرة التي تعصف به والتي هي عابرة للطوائف».
وأشار الرئيس السوري بشار الأسد، في رسالة تهنئة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتهنئته بعيد المقاومة والتحرير، الى أن «الانتصار الذي تحقق قبل 22 عاماً سيبقى محطة تاريخية مشرفة لأنه أعاد الحقوق وأسقط مؤامرات الاحتلال».
ورأى الأسد، أن «الانتصار أثبت صوابية نهج وخيار المقاومة باعتباره حقاً طبيعياً لأي شعب تنتهك سيادة بلاده، وستبقى ذكرى الأبطال الذين أناروا طريق المجد بدمائهم الزكية حاضرة دائماً في الوجدان».
بالعودة الى ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس أمس الـ33700 ليرة، ما انعكس على أسعار المحروقات والمواد الغذائية وكافة السلع الحياتية والحيوية.
وقد ارتفعت صفيحة البنزين 95 أوكتان: 588000 (+32000)، صفيحة البنزين 98 أوكتان: 599000 (+)، المازوت: 681000 (+3000)، الغاز: 416000 (+10000). وأعرب ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا عن «استيائه لما تشهده اسعار المحروقات من ارتفاع كبير بعد صدور جدول الأسعار»، وقال: «كفى ظلما للشعب الذي يتحمل وحده نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ينعكس على ارتفاع الأسعار ولا سيما أسعار المحروقات»، ورأى أن «أسعار المحروقات تأكل الأخضر واليابس اذ انها تنعكس على اسعار السلع كافة».
على صعيد آخر، وبعد «تهريب» الحكومة خطة التعافي المالي في آخر جلستها قبل تحولها الى تصريف أعمال مع تحفظ عدد من الوزراء لا سيما وزراء ثنائي أمل وحزب الله، طفا الخلاف بين الحكومة والمصارف ومصرف لبنان حول هذه الخطة الى العلن.
فقد جدّدت جمعية المصارف أمس، رفضها «لخطة كُتِبت بأموال المودِعين وأموال المصارف وهي تقف صفّاً واحداً مع المودِعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها».
في المقابل ردّ المكتب الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، سعادة الشامي، على بيان المصارف، وأسف الى أن «بيان جمعية المصارف، أقلّ ما يُقال فيه إنّه مجاف للحقيقة، ويمثّل عمليّة هروب إلى الأمام، في محاولة مفضوحة تدّعي حماية المودعين». وأكّد المكتب الإعلامي أنّ «خطّة النّهوض بالقطاع المالي تحافظ على حوالي 90% من أموال المودعين، إلّا أنّ هذا لا يعني أبدًا أنّنا نتجاهل الـ10% المتبقّية. فشطب جزء من ودائع المصارف الموجودة دفتريًّا لدى مصرف لبنان، يهدف بالدّرجة الأولى إلى تسوية وضع البنك المركزي حتّى يتمكّن من القيام بواجباته، لكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ هذه الأموال قد شُطبت من الودائع».
وتوجّه المكتب إلى المودعين، قائلًا: «لقد تعرّضتم لضرر كبير نتيجة سياسات خاطئة، لذا أنتم على رأس أولويّاتنا، فلا تدعوا أحدًا يستثمر في حقوقكم المشروعة ويتكلّم باسمكم وكأنّه الحريص عليكم. لا تسمحوا بأن يكبّلوكم بأغلال مصالحهم، كي لا يغرقوكم معهم»”.
الأخبار:
الزمن الجميل… الحقيقيّ!
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الاخبار ” تثبيت الذاكرة ليس مسألة ثانوية في تاريخ الشعوب. الحكايات التي تعود إلى أحداث عمرها مئات وآلاف السنين، لم تكن لتعيش لولا أن هناك من آمن بها وحفظها، وما أكله اليباس لا تحمله الأرض ولا تُبقيه الرياح.
لبنان، ليس نموذجاً مختلفاً عن بلدان العالم. كلّ الانقسامات القائمة حول الهُوية الوطنية والتاريخ والثقافة واللغة وأسلوب الحياة، لن تغيّر في حقيقة أن لبنان يعاني من عوارض ولادة غير طبيعية. ولادة لم يُقطع معها حبل السرّة بينه وبين من أنجبه. وليس صدفةً أن ينجح الاستعمار طوال عقود، في إقناع الناس هنا، بأن التبعية للخارج إنّما هي فعل تلقائي طالما لا وجود لهُوية وطنية أصلية.
وهم أن نقنع أنفسنا، اليوم وفي الغد القريب، بتوافق حقيقي على نهائية هذا الوطن ومكانته ودوره. لكنّ الصحيح والمؤلم، هو أنّ الانقسامات تحول دون تثبيت الوقائع الصلبة التي عشناها خلال مئة عام، وهي انقسامات تستند إلى حقد يجعل الإنكار أمراً عادياً، وهو ما يجعل لبنان مهدّداً طوال الوقت بالموت والاندثار.
ولأنّ التوافق يصبح صعباً على التوصيف وليس على التشخيص فقط، يكون لزاماً على الناس أن يدافعوا عن حقائقهم، أن يدافعوا عن ذاكرة ليست من بنات الخيال، بل هي نتاج أفعال كبيرة، شهدت تضحيات بالدماء والأرزاق. وهي ذاكرة تقول بأن في لبنان أرضاً خصبة لزرع وطني، له جذوره غير القابلة للاقتلاع، وله زهره الذي لا تهزمه الرياح.
قبل 22 عاماً، أنجز لبنانيون أقحاح، وُلدوا وعاشوا في هذه الأرض، أكبر إنجاز وطني خالص في تاريخ هذا البلد. طُرد الاحتلال كما يجب أن يُطرد، بقوة الحديد والنار. واستُردّت الأرض والناس من دون مقايضة مع عدوّ يترصّدنا كلّ يوم، ليس لضرب إنجازنا هذا، بل لمحوه من ذاكرتنا، وإعادة الاعتبار إلى فكرة التبعية مكان بذرة الاستقلال الحقيقي التي زُرعت في 25 أيار 2000.
صحيح أننا نموت جوعاً وفقراً وقهراً على أيدي حكام، صنع الاستعمار معظمهم ولا يزالون يعيشون في حمايته، لكنّ ذلك لا يجب أن يمنعنا من رفع الصور الجميلة التي تثبت فعلاً غير مسبوق في بلادنا ومنطقتنا، وهو فعل له ما بعده، فعل معدٍ لشعوب تواجه الاستعمار بالقرب منا أو على مسافة بعيدة…
حفظ ذاكرة انتصار أيار عام 2000، واجب مثل واجب حفظ الأسماء والأمكنة. ولنتذكّر في كلّ لحظة، بأنّ ما حصل في ذلك التاريخ، سيبقى هو الشيء الحقيقي الثابت وسط خواء يسكن أيامنا”.
أسرى معتقل الخيام إلى الحرية: أجمل من الأحلام
وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “ثمّة شعور بالعظمة يُراود أسيراً يفكّ أصفاده بيديه، يحطّم قضبان الأسر، ويخرج إلى الحرية ملكاً. حرية أحلى ما فيها أنها لم تُمنح، بل انتُزعت من براثن السجّان. ليس إفراجاً يا سادة ولا عملية فرار جماعي، إنه تحرير معتقل الخيام على أيدي الأهالي وخروج الأسرى بعد ظهر 23 أيار عام 2000.
فجأة، عبقت رائحة النصر في المعتقل. وهزّت قوة جامحة متخبّطة أركانه. «مثل الحلم»، يصف الأسير المحرّر من بلدة دبين رياض كلاكش لحظة تحريره على أيدي أهالي الجنوب. سمع عبر الراديو عن تحرير بعض القرى، لكنّ «مجرّد احتمال تحرير الأسرى كان كلاماً عابراً لم نأخذه على محمل الجد». لم يصدّق الأسرى الأناشيد التي تصدح على نسق «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود»، إلى أن شاهدوا الأهالي يجتازون البوابة ويركضون في الساحة الخارجية للمعتقل بحالة هستيرية، ويهتفون: «الله أكبر»، ويضربون الأقفال بقطع الحديد و«جنوطة» السيارات بعزيمة كما لو أنهم يحطّمون الاحتلال. في ذلك الوقت، تشابكت الأيدي بين أسرى يتوقون إلى الحرية من المعتقل وأهالي مأخوذون بنشوة حرية الأرض.
هيّا بنا نهرب!
ظلّ بعض الأسرى تحت تأثير الصدمة حتى بعد فكّ قيدهم. لم يصدّق الأسير المحرر من بلدة كفركلا محمد نايف أنه صار حرّاً على أيدي الأهالي وأنّ الاحتلال هُزم وغادر المعتقل كما غادر الجنوب «من دون أي قيد أو شرط». رأى ما يحصل «فرصة للهروب من الأسر وليس تحريراً فعلياً». أثناء توزيع الطعام على الأسرى في اليوم الذي سبق، شعر بحركة غريبة في المعتقل: «قوات الأمن يحرقون الملفات، وشرطة لحد يستعجلوننا في التوزيع، وآخرون غرباء مستنفرون في باحة المعتقل». صبيحة التحرير، استيقظ الأسرى على صوت ضرب المدفعية وسمعوا عن سقوط نقاط للاحتلال. ومع ذلك، «اعتقدنا أنّ صراخ الأهالي داخل ساحة المعتقل يأتي من الحسينية المجاورة، وعندما ضربوا على الأبواب اختبأنا ظناً منا أنها عملية إعدام جماعي». وبينما كانت الجموع المتراصّة تهنّئ الأسرى المحرّرين للتو، تقبّلهم، تحضنهم تارة وتطير بهم تارة أخرى، ركض نايف «حتى وصلت إلى حسينية الخيام حيث ركن الصليب الأحمر الدولي سياراته ليقلّنا، عندها صدّقت التحرير».
الحياة من جديد
خرج الأسرى إلى النور. فتعرّفوا إلى السماء، الشمس، الهواء، القمر، النجوم، وعلى أنفسهم، ذلك أنه في غياب المرآة بقيت في أذهانهم الصورة الأخيرة عن شكلهم قبل الأسر. ولأن الزمان توقّف مع عبور بوابة المعتقل، خرجوا، فتعرّفوا إلى العالم من جديد. في الزنازين، تمسّكوا بكل أسير جديد يحمل رائحة الجنوب وأخبار أبنائه. ولأنّ الاحتلال كان يتعمّد تفرقة أبناء البلدة الواحدة في زنازينه قلّما كانت أخبار الأهل والأحبة تصلهم. بعد دخول الصليب الأحمر الدولي المعتقل عام 1995 والسماح بالزيارات، مرّر الأهل بعضاً من الأخبار، «إلا أنّ شعور تغييبنا عن العالم لم يفارقنا»، كما يقول نايف. لدى خروجه بعد ست سنوات وشهرين، مشى في شوارع كفركلا وتفقّدها زقاقا زقاقاً، وتحسّس ترابها، و«تفاجأت بموت عدد من كبار الضيعة الذين كانوا يجلسون على عتبة منزلهم».
…مع ذاكرة موجعة
تحرّر الأسرى تاركين كثيراً منهم داخل الزنازين. تركوا سنوات شبابهم وأحلامهم وصحتهم. تروي الأسيرة المحرّرة سكنة بزي من بنت جبيل ظهور آثار أربع سنوات من التعذيب والعيش في ظروف قاسية، «منذ عشر سنوات بدأت أُعاني التهابات في المفاصل وأمراض عصبية وآلام في المعدة وأكزيما». غيرها خرج عقيماً أو معوّقاً أو مريضاً جسدياً أو نفسياً. وهناك من لم يخرج حيّاً. من خرجوا من المعتقل، لم يخرج المعتقل منهم. فصارت حريّتهم مكبّلة بالذكريات. لا تنسى سكنة أيام الأسر وتمرّدها في عمر 17 عاماً على السجّان مع شابات شاركنها العيش في الزنزانة: «مريم نصار، مريم جابر، فريدة أرسلان، كفاح عفيفي، وسهى بشارة»، تذكرهم، ثم تضحك وهي تستذكر ردّها على تهديدات العملاء: «رقصنا كثيراً على الكهرباء وارتحنا كثيراً في الانفرادي، ممَّ سنخاف؟»
«الأسى ما بينتسى»، يلخّص كلاكش عناد ذاكرة تحمل معاناة 14 عاماً و4 أشهر و20 يوماً من الأسر. «كانت فترة التحقيق في السنتين الأوليين الأصعب، ولا سيّما عند الإساءة إلى أخواتي والتهديد بزجّهن في المعتقل». أما المشهد الذي «كلما ذكرته أدمعت» لحظة لقائه بشقيقه عادل بعد أربع سنوات على أسر الأخير. لم يسمح المحتل بلقاء الأخوين، وعندما التقيا صدفة لم يتعرّف أحدهما إلى الآخر لأنّ مرارة الأسر بدّلت ملامحهما. أما نايف، فلم يفارق المعتقل بعد تحريره. صار دليلاً لزوّار المعتقل اللبنانيين والأجانب حتى حرب تموز عام 2006. «مثل الشريط يكرج لهم رواية الأسر عن ظهر غيب».
عزاء التحرير
وكان التحرير عزاء الأسرى عن كل صرخة ألم وعضّة لسان وكتم نفس وإهانة وإذلال. عن مسلسل طويل من العذاب الجسدي والنفسي في غرف التحقيق ودوّامة الأسئلة وتلفيق التهم. عن أجساد متجمّدة في كنف الليل على أعمدة الساحة الخارجية. وعن معتقلين فارقوا الحياة جرّاء وحشية التعذيب. عن الصدمات الكهربائية وصبّ المياه الباردة والساخنة بعد ضرب نقاط حسّاسة في الجسم. عن مرارة الاعتقال في غرف أشبه بعلب السردين تسكنها العتمة والروائح النّتنة وصدى أصوات المعذّبين. عن ليالي الضّجر والوحدة في الغرف الانفرادية، والكوابيس المزعجة، والطعام الشحيح والرديء. عن الأصفاد التي كادت تقطع أيديهم لشدّة إحكام وثاقها. عن ذلك الكيس القماش داكن اللون ذي الرائحة الكريهة والعصبة فوقه تحجب الرؤية. عن الشوق للحياة في الخارج وأخبار الأهل والأحبة. عن حريّتهم التي سلبها المحتل بتهمة التعاون مع المقاومة، فأعادتها المقاومة وخرج الأسرى من معتقل الخيام ملوكاً تغمرهم العزة والكرامة تماماً مثلما دخلوه”.
عروض الكهرباء: خدعة ميقاتي .. من اتّفاق بالتراضي تفوح منه رائحة عمولات… إلى اتّهام بالعرقلة: خدعة ميقاتي حول عروض الكهرباء
وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “في توقيت مثير للريبة، ومضمون مخادع، قدّم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي روايته عن تلزيم معامل كهرباء جديدة، متهماً وزير الطاقة وليد فياض بأنه قدّم طلباً لعرض ملف التلزيم على مجلس الوزراء، ثم طلب سحبه لأنه دمية بيد آخرين (الاتهام موجّه هنا إلى رئيس التيار جبران باسيل). رواية صدّقها كثيرون، لكنها ليست سوى نتاج صفة يشتهر بها ميقاتي دوناً عن سائر السياسيين المخادعين، إذ إن العروض المشار إليها ملغومة وتفوح منها روائح فساد سياسي وعمولات
اطلعت «الأخبار» على العروض التي قدّمتها أربع شركات إلى وزارة الطاقة. ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، بأن هناك أربعة عروض صحيح تماماً. لكن بقية التفاصيل عن الاتهامات الموجّهة إلى وزير الطاقة وليد فياض «مغشوشة»؛ فالعرض الأول من «إنسالدو» الإيطالية مؤلّف من ورقة واحدة ويعبّر عن «اهتمام» الشركة فقط، بلا أي تفاصيل أو شراكات أو عمليات. والعرض الثاني من «ميتسوبيشي» يخلو من أي إشارة إلى التمويل. والعرض الثالث من «جنرال إلكتريك»، بالشراكة مع شركة عراقية مملوكة من أحمد إسماعيل، ليس مطابقاً فنياً وبكلفة تمويل مرتفعة جداً. أما العرض الأخير، وهو الأكثر إثارة للاهتمام كون الرئيس ميقاتي روّج له باهتمام بالغ وتلقّى نسخة منه في خريف 2021 قبل إرسال نسخة محدّثة منها إلى وزارة الطاقة، فأتى من شركة «سيمنز» الألمانية، وتدّعي فيه أنها ستقدّم عرضاً عبر شركة صينية اسمها «CMEC» بلا أي شراكة بينهما، وأن علاقتهما محصورة بأن الشركة الصينية ستكون زبوناً لدى «سيمنز» لشراء المحركات، وأن تركيب الميغاوات الواحد سيكلّف لبنان 800 ألف دولار.
اتفاق بالتراضي
في الواقع، القصّة لا تبدأ بالعروض، بل من مقرّرات مجلس الوزراء الذي أقرّ اتفاقاً بالتراضي ثم تراجع عنه. ففي جلسة بتاريخ 6/4/2022، وبحسب المحضر الرقم 26، اتخذ المجلس القرار الرقم 15 من أربعة بنود وحرفيّته الآتي:
– الموافقة على تفويض وزارة الطاقة والمياه الشروع بإجراء مباحثات مع كبار المصنّعين العالميين لوحدات إنتاج الكهرباء لدراسة إمكانية ورغبة هذه الشركات (بمفردها أو عبر تحالف شركات) القيام بتأمين التمويل اللازم وإنشاء معملين في الزهراني ودير عمار وفق صيغة EPC+F+O&M (التصميم والتوريد والإنشاء + التمويل + التشغيل والصيانة) وإنشاء خطوط النقل ومحطات التوزيع الفرعية اللازمة.
– الموافقة على مشروع مذكرة تفاهم والحصول على التفويض اللازم لكي يصار بعد ذلك إلى عرضها على الشركات المهتمة والعمل على توقيعها وفق الأصول من قبل الطرفين، بغية الانتقال من بعدها إلى مرحلة مفاوضات تنافسية مباشرة مع هذه الشركات عبر تشكيل فريق تفاوضي محترف من خبراء في المجال التقني والقانوني والبيئي والاجتماعي والاقتصادي، وباعتماد آلية عملية تؤمن أعلى درجات الشفافية والصدقية ووفق ما يقرّره مجلس الوزراء والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
– الموافقة على الاستعانة باستشاريين عالميين و/أو محليين في المجال التقني والقانوني والبيئي والاجتماعي والمالي والاقتصادي وعرض الموضوع على مجلس الوزراء.
– الطلب إلى وزير الطاقة والمياه الإسراع في اقتراح أسماء رئيس وأعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وفقاً للقانون 462 ليصار إلى تشكيل الهيئة الناظمة.
اعتراض العلية
أثار هذا القرار احتجاج المدير العام للمناقصات جان العليّة باعتبار الأمر عبارة عن عقد بالتراضي ليس مخالفاً فحسب لقانون المحاسبة العمومية، وإنما لا يمكن السير به في ظل ما تزعم الدولة اللبنانية القيام به أمام المجتمع الدولي لجهة شفافية المناقصات والتلزيمات، وأنه لهذه الغاية أنجز مشروع «الشراء العام» الذي شارك في إعداده البنك الدولي ومؤسسات دولية ومحلية أخرى. بمعنى آخر، لا يمكن السير بمناقصة بالتراضي تشوبها الشبهات من أجل عرض واحد كان قد ورد إلى مكتب ميقاتي من «سيمنز» وشركة صينية، ووردت نسخة أخرى منه إلى مكتب وزير الطاقة أيضاً. هكذا استدعى الأمر تعديلاً في قرار مجلس الوزراء. وفي الجلسة التي عقدت في 14/4/2022، وبحسب المحضر الرقم 27، اتخذ القرار الرقم 30 بتعديل القرار الرقم 15 لتصبح الفقرة الأولى على النحو الآتي: «تمهيداً لإطلاق المناقصة العمومية، الموافقة على تفويض وزارة الطاقة والمياه بالشروع في إجراء مباحثات مع كبار المصنّعين العالميين لوحدات إنتاج الكهرباء… (وباقي الفقرة من دون تغيير)». كما ألغيت الفقرة الثانية الواردة سابقاً في القرار 15 واستبدلت بفقرة أخرى تنصّ على: «تكليف وزارة الطاقة والمياه وضع دفتر شروط خاص لإطلاق المناقصة وعرضه على إدارة المناقصات وفقاً للأصول». ولم تجرَ أيّ تعديلات على الفقرة المتعلقة بالاستعانة بالاستشاريين العالميين، أو بتشكيل الهيئة الناظمة.
عملياً، ما حصل هو أنه جرى تحويل الأمر من «اتفاق بالتراضي» إلى «مباحثات» الهدف منها دراسة السوق تمهيداً لإطلاق «المناقصة». وإطلاق هذه الأخيرة يتطلب التعاقد مع الاستشاري العالمي لإطلاق المناقصة وإعداد دفتر الشروط، وهو ما شرعت الوزارة به مع شركة «كهرباء فرنسا». المفاجأة أتت من الشركة الفرنسية التي طالبت بتسديد فواتير سابقة مستحقّة بقيمة 3.5 ملايين يورو، وتسديد كلفة التعاقد الجديد مسبقاً بقيمة 2.5 مليون يورو، أي ما مجموعه 6 ملايين يورو. وهذا الملف هو الذي عرضه في البداية وزير الطاقة على مجلس الوزراء ثم طلب سحبه بسبب ورود نسخة جديدة من «كهرباء فرنسا» ومواصلة المفاوضات بين الطرفين.
نتائج المباحثات
في هذا الوقت، كانت المحادثات مع «كبار المصنّعين» قد بدأت. تبيّن أن اهتمام «انسالدو» الإيطالية فاتر، إذ لم ترسل سوى ورقة واحدة تبدي فيها اهتمامها بالمناقصة من دون أي تفاصيل أخرى. أما «ميتسوبيشي» فقدّمت تصوّراً يقضي بإنشاء ثلاث وحدات إنتاج، اثنتان منها بقدرة ألف ميغاوات في الزهراني، و500 ميغاوات في دير عمار. المشكلة في هذا التصوّر أنه تقنياً ليس مناسباً بسبب كبر حجم الوحدات وانعدام مرونتها ما يسبب مخاطر تقنية على الشبكة، فضلاً عن أنها وحدات لا تعمل إلا بواسطة الغاز والديزل، ولا تعمل بواسطة الفيول الثقيل. ولم يتضمن عرض «ميتسوبيشي» ما يتعلق بالتمويل.
العرض الآتي من «جنرال الكتريك» كان أيضاً يعمل بواسطة نوعين من الوقود فقط (الغاز والديزل. الأخير أعلى كلفة من الفيول أويل الثقيل)، لكن مشكلته الأساسية تكمن في كلفة التمويل البالغة 16% وتفرض شراء الطاقة الكهربائية المنتجة لمدّة عشرين سنة بسعر 4.83 سنتات، وذلك من دون كلفة الوقود.
هنا يأتي العرض الأهم، أو الذي يهمّ ميقاتي بشكل خاص. فهذا العرض تعتريه مشكلة أساسية، وهي أن «سيمنز» ستكون مجرّد واجهة لمتعاقد وحيد هو الشركة الصينية «CMEC» بكلفة 800 ألف دولار للميغاوات الواحد، أي بسعر تفوح منه رائحة عمولات لأنه يزيد عن الأسعار الرائجة عالمياً بأكثر من 100 ألف دولار بالحدّ الأدنى. تركيب 2000 ميغاوات يعني 200 مليون دولار عمولات، إذ إن كلفة الميغاوات الواحدة، بحسب وكالة الطاقة الأميركية، تقدّر بنحو 670 ألف دولار، علماً بأن مصر ركّبت معامل تعمل بواسطة الغاز والبخار بكلفة 500 ألف دولار للميغاوات الواحد. فضلاً عن أنه إذا كان لبنان يريد التعاقد مع شركات صينية، فبإمكانه البحث عن عروض صينية أخرى بكلفة أدنى بكثير ومن دون مواربة ولا واجهات ولا عمولات. واللافت أنه باستثناء المحرّكات، كل المواد التي ستركّب في المعمل صينية.
رواية مضادّة
رواية ميقاتي تقود نحو عرض «سيمنز» مباشرة الذي تلقى نسخة منه في خريف 2021 وبقي ساكتاً لغاية الجلسة الأخيرة من مجلس الوزراء. فهل يمكن التعامل مع هذه العروض بجديّة؟ ما هو واضح أنه لا يمكن أن تهتمّ أي من الشركات باستثمار ملايين الدولارات في لبنان من دون أن تكون لديها ضمانات لاسترداد هذا الاستثمار. بمعنى أوضح، الاستثمار سيكون بالدولار، ومبيع الكيلوات سيكون بالليرة. وبمعزل عن التسعير، وعن سعر الصرف، هل سيكون هناك ما يكفي من الدولارات لاستعادة الشركة استثمارها على مدى السنوات المقبلة؟ وبالتالي فإن جميع هذه العوامل، من توقيت الطرح، إلى مضمونه، وإلى سياقه الاقتصادي ليس سوى رواية مخادعة فيها الكثير من الخيال.
هنا يمكن تقديم رواية ثانية تطغى فيها الوقائع على العوامل السياسية، وحتى على سائر العوامل. ترجّح هذه الرواية أن هناك اتفاقاً بين الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه برّي على تمهيد الطريق للشركات الفرنسية – الأوروبية مقابل الدعم الفرنسي – الأوروبي السياسي لهما في مواقعهما الحالية. وقد جاء دور ميقاتي متأخراً في القول بأنه ليس السبب في تأخّر التعاقد بالتراضي مع شركة «سيمنز»، بل إن التيار الوطني الحرّ هو من يعرقله. وعلى المقلب الثاني، تشير المعلومات إلى أن اهتمام شركة «توتال» الفرنسية بإنشاء معامل تغويز في الزهراني ليس جديداً، بل أبلغته للمعنيين في لبنان وهي تحوز دعم الرئيس بري في هذا المجال. واللافت أن المناقصة السابقة للتغويز، والتي فازت بها الشركة القطرية، ألغيت بسبب رسالة قطرية تشير إلى أن الظروف تغيّرت وأنها لم تعد مهتمة بهذا الاستثمار، كما أن شركات أوروبية أخرى أبدت في رسائل خطية عدم رغبتها في استثمار كهذا. بمعنى آخر، فتح الطريق أمام «توتال» في الزهراني و«دخولها آمنين». وهذا يتطلّب توجيه الاتهامات نحو طرف ثالث لم ينجز المناقصة أو اتفاق التراضي أو أي مما يتلقّى ضغطاً بشأنه”.
المصدر: الصحف اللبنانية