نكاد نخجل من لفظ كلمة سياسة في لبنان، والقول أن هذه مسألة سياسية وذاك شأن سياسي، رغم أن السياسة هي أنبل رسالة متى كانت منهج خدمة الناس والمجتمع بكفاءة ووضوح وأخلاق، ونأسف أن نسبة متواضعة جداً من الطبقة السياسية اللبنانية سواء الحزبية أو المستقلة، تعيش السياسة بمفاهيمها النبيلة. ولسنا أيضاً بوارد الدخول في تفاصيل العمل الإداري لمؤسسات الدولة، لأننا اعتدنا على قوانين وتشريعات ورقية في الأدراج بينما المطلوب واحد، الإعتراف بشرعة بقاء الشعب اللبناني على أرضه ضمن الحد الأدنى من الكرامة.
ومخطىءٌ مَن “يشتغل بالناس” إنتخابات، لأن الرهان على نائبٍ من أجل خدمة ما، يقبض النائب ثمنها أعناقاً مرهونة له، وإن لم يؤدِّ الخدمة، جاهر أن مهامه كنائب هي حصراً في تشريع القوانين وليس في تعقيب المعاملات وتقديم الخدمات.
وبما أن الأزمة المعيشية رَمت الشريحة الأوسع من الشعب اللبناني في القعر، فلنترك مؤسسات الدولة و”بيروقراطية” إجراءاتها في مواجهة الأزمات/الكوارث، ونلجأ الى الأحزاب القائمة على برامج سياسية تنموية، ولها قواعد شعبية تلتزم بها بمقدار التزام كل قيادة حزبية بهموم أهلها وناسها.
والخلاف ليس على دور التشريع القانوني في تنظيم شؤون الدولة، بل في الكيدية التي تُفرمل تنفيذ هذه القوانين، في بلدٍ ينخره فساد علنيّ يُراعي معادلة 6 و 6 مكرر في أية مُحاسبة مُقترحة، وبوجود قضاء حدِّث ولا حرج، مع إضافة عامل جديد نشط في نهايات العام 2019 تحت مُسمَّى “الثورة” ليقلب المفاهيم، ويُصبح تدمير وحرق الأملاك العامة والخاصة سبيلاً لبناء دولة، وتخزين حمولات بواخر تحت الأرض بهدف الإحتكار والتهريب مسألة هامشية، بينما استيراد باخرة عبر رجال أعمال من منطلق الأسواق التجارية المفتوحة، بهدف كسر الإحتكار والتخفيف من إذلال الناس في الطوابير، خطيئة مميتة!
وما بين نار “قيصر الأميركي” وقياصرة المال والسلطة في لبنان، يلهث الشعب اللبناني في مشهدياتٍ تُدمي القلوب، وما من سلعةٍ غذائية أو استهلاكية إلا وباتت مادة للإحتكار، ومن ملايين ليترات الوقود التي تم ضبط خزاناتها، الى مستودعات الأدوية التي داهمها وزير الصحة، الى الأفران التي تعرض كل المخبوزات على رفوفها من الطحين المدعوم وتُقنِّن بإنتاج الخبز لأنه لقمة الفقير، وأمام هذه الكارثة نسأل: الى متى ستبقى حصرية الوكالات وحقوق الإستيراد والتخزين والتجارة رهينة أباطرة يكتنزون من لحم الشعب اللبناني، وتحميهم تشريعات وقوانين ولا تضبطهم لا جهة رقابية ولا قضائية ولا حتى أمنية؟
نعم للتشريع الذي يُراعي الوضع الإقتصادي المُنهار، ونعم لإلغاء الوكالات الحصرية ولكن، نعم كبيرة للشجاعة في التشريع، وكسر قيود كل حصار ظالم، سواء أتى من “قيصر” أو سواه، بمعنى، لا لمنطق الضعف في مواجهة مُكابرة شياطين تحكُم العالم الثالث من عوالمها الخاصة، ولا تلزمنا قوانين وتشريعات خجولة تخشى غضب الباب العالي الأميركي، والقرار قد اتخذه الشعب اللبناني، الذي رفض الرحيل عن هذا الوطن رغم تشريع أبواب الهجرة أمامه، ولنكن خلف أحزاب وهيئات أهلية تعيش هموم الناس، وفي أتمّ الجهوزية للصمود على الضيم كي تبقى لنا شرعية البقاء…
المصدر: موقع المنار