في بداية الثمانينات، صادف وجود مريض فلسطيني في غرفة واحدة، داخل مستشفى في لندن مع مريض بريطاني يهودي، وفي سياق حديث سياسي بينهما، قال له اليهودي: إسرائيل سوف تفنى في العام 1988، لأنها كما ذكرت الكُتب لدينا لن تبقى لأكثر من أربعين عاماً، وصادف أن التقى الشخصان صدفة في مقهى بعد سنوات، فعاجله الفلسطيني بالقول: كُتُبكم أخطأت التقدير وها هي إسرائيل ما زالت على قيد الحياة فما رأيك؟ فأجابه اليهودي: ربما نحن قرأنا النبوءة خطأً لِجِهَة التوقيت، لكن هذا لا يعني أن كُتُبنا تُخطىء!
نحن لا نتناول اليهودية كَدِين، لأن الصهيونية السياسية التي تُقلِّب في الكتب لثلاثة آلاف سنة الى الوراء تحكُم شرائح واسعة من اليهود بموجبها، وما ابتداع حقّ اليهود بفلسطين سوى واحدة من البِدَع، يُضاف إليها قانون الفصل العنصري المعمول به فعلياً والمعروف بتسمية “أباريد”.
وإننا إذ لا نرى موجباً للدخول في التركيبة الديموغرافية للكيان الصهيوني الإسرائيلي، بين يهود غربيين وشرقيين، وشتات من هنا وهناك، فإن الخلافات العقائدية السائدة في أوساط هكذا خليط، تطفو دائماً على السطح عند كل استحقاق وجودي، وآخر خطوة لرفض ضمّ مستوطنات في الضفة الغربية، حصلت من خلال عريضة وقَّعها في نيسان/ إبريل الماضي أعضاء سابقون في الكنيست ووزراء ومسؤولون سابقون كبار، من منطلق الخوف على مصير إسرائيل فيما لو استمرت سياسة الإستيطان غير المُجدية.
حماقة النظام في “دولة أباريد” امتدت يدها مؤخراً الى حي الشيخ جراح في شرقي القدس، والإعتداء على الصائمين في توقيت إفطارهم، بالتزامن مع قمع المؤمنين داخل حرم المسجد الأقصى بأساليب إجرامية تنتهك كل الحرمات والمقدسات، فتقاطع جرح حي الشيخ جراح مع جروح الأقصى وكان ما كان من انتفاضة فلسطينية غير مسبوقة، سواء لجهة اتساع مساحة المواجهات أم لجهة القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية في عُمق تل أبيب وإيلات، وإنزال الإسرائيليين الى الملاجىء وإقفال المدارس ولجوء بعض شركات الطيران الى إلغاء رحلات الى تل أبيب.
من منطلق الهلع من التداعيات،أجَّلت المحكمة العليا الإسرائيلية جلسة استماع بشأن إخلاء عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس، والتي كان من المقرر أن تعقد الإثنين، وستحدد موعدا جديدا خلال 30 يوماً للنظر بقرارات محاكم إسرائيلية قضت بأحقية مجموعة مستوطنين في المنازل التي بُنيت على أراضٍ زعمت انه كان يملكها يهود قبل حرب 1948!
وفي تعميمٍ لهذا الهلع، تسري في الداخل الإسرائيلي مخاوف جدية من قيام حرب داخلية خاصة في المدن المختلطة مثل حيفا والرملة وإيلات، ويستعيدون ذكرى حرب السكاكين التي قام بها شبان فلسطينيون منذ بضع سنوات، ومنعت بعض المستوطنين من مغادرة منازلهم والذهاب الى أماكن عملهم، والأوضاع الحاصلة في الوقت الحاضر، لجهة المداهمات التي يقوم بها جنود العدو لمنازل الفلسطينيين، والتي ستكون الدافع الحتمي الى عودة انتفاضة السكاكين،ولا نصر أضمن من تحقيق خروقات في العمق الإسرائيلي وفي الجسم الديموغرافي لهذا الوباء الإستيطاني، وليعلم الفلسطينيون، أن كيان العدو هو الذي سيطلب وقف إطلاق النار، وما عليهم سوى إملاء الشروط، على أن تكون بدايتها وقف العدوان ورفع الحصار عن القدس وقطاع غزة، ونهايتها منع المستوطنين من النوم ما دامت حقوق الفلسطينيين نائمة في سُبات الضمائر العالمية..
المصدر: خاص