منذ نحو أربعة أيام، إنطلقت عبر وسائل التواصل الإجتماعي في لبنان، حملة تدعو الى مقاطعة البيض والدجاج، وسط تبادل الإتهامات بين أصحاب المزارع والتجار حول مسؤولية ارتفاع أسعار هاتين السلعتين، الى أن انتهى الجدال الى اتهام الدولة كالعادة بعدم دعم أسعار العَلَف، لكن المُلفِت، أن هناك مَزارعاً وتجاراً سارعوا الى الإعلان عن “تنزيلات”، عبر بيع كرتونة البيض بسعر 24 ألف ليرة بعد أن بلغت في بعض المناطق سقف ال 35 ألفاً، مما يعني أنه خلال 48 ساعة من الإعلان عن المقاطعة إنهارت بورصة البيض، واللبنانيون مدعوون الى المزيد من الجدِّية في حماية أنفسهم ولقمة عيشهم لمواجهة الجشع المُبالغ به من جانب أي مُنتِج أو تاجر.
تجربة مقاطعة السِلع جماعياً، أثبتت جدواها في كل دول العالم، وكمثال على ذلك، فإن البريطانيين منذ نحو ربع قرن – قبل نشوء مواقع التواصل- تنادوا بالتواتر الى مقاطعة سلعة البندورة بعد أن بلغت أسعارها سقفاً غير مقبول، وبعد ثلاثة أيام إنهارت أسعار البندورة ومعها معظم أنواع الخضار.
هذه التجربة حصلت في سويسرا منذ عدة أشهر، عندما ارتفعت أسعار البنزين، فأطفأ السويسريون محركات سياراتهم، ولم تمًرّ ساعات حتى أعلنت السلطات الرسمية إعادة سعر البنزين الى ما كان عليه.
لن يموت الناس من الجوع في لبنان لو قاطعوا المواد المُغرَّضة للفساد في حال مقاطعتها من المستهلكين، تماماً كما لم تتيتَّم العائلة اللبنانية التي استغنت عن الخادمة الأجنبية نتيجة عدم قدرتها على دفع راتبها بالدولار، ولم تنزِل قيمة الإنسان اللبناني عندما استغنى عن بعض الكماليات، وتخفيض السلة الإستهلاكية الى نسبة 25% من تلك التي اعتاد عليه اللبنانيون في زمن الدولار 1500 ليرة، هو السبيل الأوحد الذي ساعدهم حتى الآن على الصمود بوجه الجوع الحقيقي في زمن الدولار الذي يصل أحياناً الى 15000 ليرة، ولا نعتقد أن مَن خفَّض سلَّته الإستهلاكية الى الرُبع عاجز عن مقاطعة البيض والدجاج وسواهما من المواد الغذائية لمدة أسبوع، وهناك الكثير من السِلَع المتوجِّب على اللبنانيين مقاطعتها، عسى فسادها في برادات ومستودعات التُجار يُخفف بعضاً من فساد الذمم لدى البعض منهم.
الغريب في أمرنا نحن اللبنانيين، أن بعضنا يرغب التشبُّه بالأوربيين، ويسعى الى اقتناء الماركات العالمية الشهيرة، ولا نتشبَّه بالأوروبيين ونشتري الفاكهة بالحبَّة واللحمة بالأوقية، لأن مائدتنا اللبنانية يجب أن نتبقى عامرة ولو استهلكنا أقل من نصفها، ويتشبَّه بعضنا بكل ما هو غربي، ولو جلنا معظم بلدان الغرب لما وجدنا ربما خادمة في منزل، بل يعتمد الغربيون على أنفسهم لخدمة أنفسهم، ويتربى أطفال اليابان على تنظيف قاعات مدارسهم بمشاركة أساتذتهم.
ليس يعني ذلك سكوت اللبنانيين عن المطالبة بحقوقهم عليهم بل بالموازاة أن يعيشوا تربيتهم وأخلاقهم وأن يرعوا مصالحهم دون انتظار المنّ والسلوى من أحد، وبعض من التضامن الإجتماعي، والتعاضد في الأزمات، والصبر على ما ابتلوا به، هي أسلحة مجانية لمواجهة ما يُحاك ضدَّهم، وإذا كانت حرب “الجيل الرابع” هدفها تجويعهم لتركيعهم، فإن ترشيد الإنفاق، والتأقلم مع بعض الظروف، ومقاطعة كل تاجرٍ فاجر، ربما تكون آخر وسائل المواجهة التي نأمل أن ينتصر اللبنانيون في نهايتها …
المصدر: موقع المنار