كشف تحقيق أجراه مركز “بتسيلم” الإسرائيلي ونشر الأربعاء، عن “ازدياد عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة، بنسبة 222 بالمئة، منذ عام 2000؛ وذلك في ضوء تشجيع رسمي وغير رسمي لليهود على الانتقال للعيش في المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية”. ويتم دعم الراغبين بالانتقال للعيش في المستوطنات، عبر تقديم حوافز وتسهيلات كثيرة، وتطوير مشاريع مالية داخل المستوطنات وفي محيطها؛ الأمر الذي مكن عائلات يهودية منخفضة الدخل من شراء منازل فيها.
ويسلط التقرير الضوء على وجهين لسّياسة العدو: الأول هو الطرق المختلفة (الرسميّة وغير الرسميّة)، التي تسخّرها الدولة لتشجيع مواطنيها اليهود على الانتقال للسّكن في المستوطنات، وتطوير مبادرات اقتصاديّة داخلها وحولها. وبالنسبة لهذا الأمر، وعلى سبيل المثال، تقدّم الدولة للمستوطنين امتيازات في مجال الإسكان، تتيح للأسر قليلة الإمكانيّات أن تقتني منزلاً في المستوطنات.
وتشكّل هذه الامتيازات أحد عوامل تزايُد سكّان المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وأصبحت أعدادهم أكثر من 441 ألف شخص. وبلغ معدل تزايد أعداد المستوطنين، السّنة الماضية، 3.2 بالمئة، مقابل تزايد أعداد المواطنين والمقيمين في فلسطين المحتلة بنسبة 1.9 بالمئة فقط؛ ما يؤشر إلى أنّ الزيادة السكّانيّة في المستوطنات كانت أعلى.
وبيّن التقرير أن التزايُد السكّانيّ كان سريعاً، خصوصا في كتلتي المستوطنات الأكبر، “موديعين عيليت” و”بيتار عيليت”، اللتين يسكنهما مستوطنين أرثوذكس (حريديم)؛ حيث بلغ عدد المستوطنين فيهما، بنهاية 2020، نحو 140 ألفا، أي ما يُقرب من ثُلث عدد المستوطنين في الضفة الغربيّة. وتشكل نسبة الزيادة في المستوطنتين 62 بالمئة، مقارنة بالعام 2010، و435 بالمئة مقارنة بالعام 2000، حيث بلغت أعدادهم قبل عشرين سنة نحو 32 ألف شخص.
ولفت تقرير “بتسيليم” إلى أن الحوافز الأخرى التي تقدّمها مختلف السّلطات في الكيان، تشجّع المستوطنين على نهب الأراضي الفلسطينيّة الزراعيّة والرعويّة؛ حيث أقيمت، خلال العقد الماضي، في أنحاء الضفة الغربيّة نحو أربعين مزرعة أغنام وأبقار، واستولى المستوطنون على عشرات آلاف الدونمات (الدونم ألف متر مربع)، ومنعوا وصول الفلسطينيّين إليها قطعيّاً، أو إلى حدّ كبير.
وأقيمت مزارع المستوطنين غالباً على ما يعرف بـ “أراضي دولة”، وتتراوح مساحاتها بين مئات وآلاف الدونمات؛ ولكن طمعاً في الاستيلاء أيضاً على الأراضي الزراعيّة التي يملكها في الجوار مزارعون فلسطينيّون، يستخدم مستوطنو المزارع العُنف (أحيانا المفرط) ضدّ هؤلاء المزارعين، لكي يمنعوهم من الوصول إلى أراضيهم.
أما الوجه الثاني لتحقيق “بتسيلم”، فهو “تغيير تضاريس المكان”، بواسطة كتلتين استيطانيتين تقطعان الضفة الغربيّة عرْضاً، الأولى هي كتلة مستوطنات منطقة بيت لحم، وتشمل “بيتار عيليت” و”إفرات”، ومستوطنات مجلس إقليمي “غوش عتصيون”؛ والثانية كتلة مستوطنات وسط الضفة الغربيّة، وتشمل “أريئيل” و”رحليم” و”عيلي” و”معليه لبونه” و”شيلو”، إضافة إلى البؤر الاستيطانيّة المحيطة بها.
ووفقا للتقرير فإن “تأثير الكتلتين الاستيطانيتين يتجاوز بكثير تأثير المساحة العمرانيّة للمستوطنات وعدد المستوطنين فيها، وكتلة مستوطنات جنوب بيت لحم تقطع الأراضي الفلسطينيّة الممتدّة بين بيت لحم والخليل وتقطع مدينة بيت لحم عن ريف بيت لحم؛ أمّا كتلة مستوطنات وسط الضفة الغربيّة فتسيطر على ريف الضفة الغربيّة وهو أخصب الأراضي الزراعيّة في قلبها”.
كذلك تسيطر كتلتا المستوطنات على الشوارع الطوليّة والعرضيّة الرئيسيّة في المنطقة؛ وتقطّع أوصال الضفة الغربيّة، وتحولها إلى معازل منفصلة عن بعضها.
وأكد التقرير، أنه “في أعقاب إقامة كتلتي المستوطنات هاتين، مُنع وُصول الفلسطينيّين إلى آلاف الدّونمات من الأراضي الزراعيّة والرعويّة مباشرة بإجراء رسميّ، “عن طريق إعلانها أراضي دولة مثلاً، أو إغلاقها بموجب أوامر عسكريّة، أو امتناع المزارعين فعليّاً عن الوصول إليها جرّاء عُنف المستوطنين الذي تدعمه الدولة”.
ونتيجة ذلك، حُرم الفلسطينيّون في منطقة مستوطنتي “تكوع” و”نوكديم” من الوصول إلى 10 آلاف دونم على الأقلّ؛ وفي منطقة مستوطنتي “شيلو” و”عيلي” والبؤر الاستيطانيّة المحيطة بها، من الوصول إلى 26 ألف دونم على الأقلّ.
وخلص تقرير “بتسيلم” إلى أن “سياسة الاستيطان الإسرائيليّ في الضفة الغربيّة، تجسّد بوضوح نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، الذي يسعى بشتّى الطرق إلى تحقيق وإدامة تفوّق مجموعة من البشر [اليهود] على مجموعة أخرى [الفلسطينيّون] في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر [الأردن] والبحر” المتوسط.
كما أن الميزانيّات الهائلة التي ترصدها “إسرائيل” للمضيّ في مشروع الاستيطان، تثبّت أقدام العدو في الضفة الغربيّة، ولا تُبقي غطاء يستر الأهداف بعيدة المدى التي يرمي إليها الكيان المحتل، وتشمل تكريس مكانة ملايين الفلسطينيّين كرعايا مسلوبي الحقوق ومجرّدين من أيّة حماية عاجزين عن التأثير في مستقبلهم، مكتظّين في معازل ضيّقة مستضعفة اقتصاديّاً تضيق عليهم أكثر فأكثر بمرور الوقت؛ بحسب التقرير.
المصدر: سبوتنيك