ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 1 آذار 2021 على العقد الحكومية، وعلى تداعيات مواقف بكركي والتجمع الذي نظم فيها.
الاخبار
مفتاح مأرب بيد «أنصار الله»
صنعاء | مع إحكامها سيطرتها على معظم سلسلة جبال البلق القبلي، باتت قوات صنعاء ممسكة بأحد أهمّ مفاتيح مدينة مأرب. تَطوُّرٌ ينبئ بأن معركة تحرير المدينة تتّجه نحو الدخول في فصل أكثر دراماتيكية، خصوصاً أن السيطرة على البلق الأوسط – الذي انتقلت إليه المواجهات أخيراً – والضفة الشرقية لسدّ مأرب ستتيح قطع جميع خطوط إمداد القوات الموالية لـ”التحالف”. في خضمّ ذلك، تشي المعطيات الواردة من دوائر القرار في العاصمة بأن الترتيبات جارية حتى لما بعد استعادة المحافظة بشكل كامل، في وقت تتواصل فيه عمليات استهداف العمق السعودي، بهدف تضييق الخناق على المملكة، التي تجد نفسها خاسرة ومحاصَرة على أكثر من جبهة.
أحكمت قوات الجيش و”اللجان الشعبية”، خلال الساعات الـ72 الماضية، سيطرتها على معظم سلسلة جبال البلق القبلي المطلّة على مدينة مأرب من الجهة الشمالية الغربية، وتمكّنت بعد مواجهات عنيفة مع القوّات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، من نقل المعركة إلى البلق الأوسط الواقع في الضفة الجنوبية لسد مأرب، بعدما سيطرت على نحو 70% من بحيرة السد، لتنقل المعركة من شرق جبهة صرواح غربي مدينة مأرب، إلى أقصى جنوب شرق صرواح.
ونظراً إلى الأهمية الاستراتيجية لجبال البلق، التي تمهّد للسيطرة على الطلعة الحمراء وتبة المصارية، آخر التباب المحيطة بمدينة مأرب، رمت قوات هادي التي لا تزال تسيطر على أجزاء من سلسلة البلق القبلي، بثقلها العسكري خلال اليومين الماضيين، في محاولة لاستعادة المرتفعات التي سقطت بيد قوات الجيش و”اللجان الشعبية” فجر أول من أمس، بعد مواجهات عنيفة استخدم فيها الطرفان مختلف أنواع الأسلحة، واستمرّت أكثر من 20 ساعة، ثمّ انتهت بمصرع قيادات عسكرية عليا في قوات هادي.
التقدّم العسكري الجديد في محيط مدينة مأرب أسقط ما تبقى من خطوط الدفاع لقوّات هادي هناك، وأصابها بالإرباك الشديد، نظراً إلى كونها أهمّ حاميات المدينة. ويضاف إلى هذا التقدّم استكمال السيطرة على الأجزاء الغربية من سدّ مأرب وصولاً إلى السدّ القديم، لنقل المعارك إلى مناطق الأشراف ومنطقة الجفينة، ولتأمين خلفية الجبهات من أيّ عملية التفاف عسكري من جبهات مراد جنوب مأرب. ومن خلال السيطرة على البلق الأوسط والضفة الشرقية لسد مأرب، سيُمهّد الطريق لقوات الجيش و”اللجان الشعبية” للوصول إلى الخط الرابط بين شبوة ومأرب، لقطع كافة خطوط الإمدادات العسكرية لقوات هادي من المحافظات الجنوبية ومن جبهات جنوب المدينة.
خسرت قوات هادي عدداً كبيراً من القيادات العسكرية العليا خلال المواجهات الأخيرة
وقد وصف مصدر قبلي المعارك التي دارت في جبهات شرق صرواح بـ”الطاحنة”، مؤكداً لـ”الأخبار” أنّها “أدّت إلى سقوط مناطق استراتيجية واسعة تحت سيطرة قوات الجيش و”اللجان الشعبية” في سلسلة جبال البلق القبلي”. وأشار إلى أنّ المعارك “لا تزال مستمرّة حتى مساء أمس، وسط محاولات مستميتة مسنودة بغارات مكثّفة من قبل طائرات العدوان السعودي”. كذلك، لفت إلى “فشل قوات هادي في استعادة ما خسرته عسكرياً في سلسلة جبال البلق القبلي”. وأكد المصدر “تمدّد المواجهات نحو محيط الطلعة الحمراء، منذ مساء السبت، فيما تمكّنت قوات الجيش واللجان الشعبية من السيطرة على منطقة الأثلة جنوب الطلعة فجر أمس، بمشاركة واسعة من أبناء قبائل مأرب”. وفي جبهة الكسارة ووادي نخلا، اعترفت قوات هادي بمقتل العميد عبد الله المرقشي المكنّى “بأبو منيرة “، قائد جبهة الكسارة، في حين يؤكّد تمدّد المواجهات إلى هذه المنطقة اقترابها من البوابة الغربية للمدينة بشكل أكبر.
في هذه الأثناء، انحسرت، أمس، المواجهات بين الطرفين في جبهات العلمين الأبيض والأسود، الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الرابط بين محافظتي حضرموت ومأرب شرق منطقة صافر النفطية، وذلك بعدما حقّقت قوات الجيش و”اللجان الشعبية”، مساء الخميس، تقدّماً عسكرياً في جبهات الأقشع، وصدّت عدداً من الهجمات التي شنّتها قوات هادي في الجبهة نفسها.
في موازاة ذلك، تمكّنت القوة الصاروخية، التابعة لقوّات الجيش و”اللجان الشعبية” من تعطيل فاعلية قاعدة صحن الجن، ومقر المنطقة العسكرية الثالثة التابعة لقوات هادي، بعد استهدافها بعدّة صواريخ باليستية، خلال اليومين الماضيين. وقد دفعت هذه الهجمات بقيادة قوات هادي إلى البحث عن مقرّات بديلة في وسط الأحياء السكانية.
قوات هادي خسرت، أيضاً، عدداً كبيراً من القيادات العسكرية العليا، خلال مواجهات مأرب الأخيرة التي دخلت أمس الأسبوع الرابع، ومن بينهم قائد قوات الأمن الخاصّة التابعة لحزب “الإصلاح”، عبد الغني شعلان المكنّى بأبو محمد شعلان، والذي يعدّ أبرز قائد عسكري للإصلاح، والحاكم السرّي لمدينة مأرب.
وبعد التكتّم على خبر مقتله، اعترفت قوات هادي، أول من أمس، بالأمر، زاعمة أنّه قُتل خلال قيامه بصدّ هجوم لقوات الجيش و”اللجان الشعبية” في جبال البلق. إلّا أنّ أكثر من مصدر أكّد أنّه “لم يُقتل في المواجهات، لكونه قُتل بمعية نائبة وقائد كتيبة المهام الخاصّة وضبّاط آخرين تابعين له”. وترجّح أكثر من رواية مقتل شعلان ورفاقه في عملية استخبارية دقيقة نفّذها جهاز استخبارات صنعاء في عمق مدينة مأرب، بتعاون من قبليين. وكان نائب وزير خارجية صنعاء، حسين العزي، قد لمّح، في تغريدة له على موقع “تويتر”، إلى أنّ مقتل شعلان كان نتيجة لتبادل استخباري رفيع المستوى مع أحد الأطراف الموالية للعدوان.
هجومٌ جوّي واسع على السعوديّة
دشّنت القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر التابع لقوات الجيش و”اللجان الشعبية”، مرحلة جديدة من توازن الردع الاستراتيجي، باستهدافها أول من أمس، عدداً من أهم المطارات السعودية. وقال المتحدث الرسمي باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، إنّ “سلاح الجو المسيّر والقوة الصاروخية شنّا عملية هجومية كبيرة ومشتركة باتجاه العمق السعودي”. وأكد سريع، في بيان نقلته وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، أنّ “العملية نُفّذت بواسطة صاروخٍ بالستي من نوع ذو الفقار وخمس عشرة طائرة مسيّرة، منها تسعُ طائراتٍ مسيّرة من نوع صماد 3 استهدفت مواقعَ حساسة في عاصمةِ العدوِّ السعودي الرياض”. كذلك، استهدفت العملية التي وصفها بـ”عملية توازن الردع الخامسة”، مواقعَ عسكرية في مناطقِ أبها وخميس مشيط، بواسطة طائرات مسيّرة محلية الصنع من نوع قاصف 2k، وكانت الإصابة دقيقة.
لجنة الحوار بين بكركي وحزب الله تجتمع قريباً: البطريرك يحاصر بعبدا!
السابقة التي سجّلها البطريرك الماروني بشارة الراعي كسرت كل قواعد بكركي. قبل البطريرك الراعي لم يسبق أن ارتضى أحد أن يكون رأس حربة في مواجهة الموقع الأول للمسيحيين، أقلّه منذ أربعين عاماً. لكن مع ذلك عرف العونيون وحزب الله كيف يمتصون الموقف، مانعين قوى 14 آذار من التمادي في استغلال موقع بكركي لتنفيذ أجندتهم
بدا تجمّع بكركي يوم السبت محاولة لإعادة إحياء 14 آذار. الهدف الأساس هو مواجهة ميشال عون على الساحة المسيحية، في محاولة لنزع صفة تمثيله للمسيحيين. تلك محاولات ليست جديدة. لكن الجديد، والذي يرقى ليكون سابقة، أن البطريركية المارونية بدت رأس حربة في مواجهة رئاسة الجمهورية. لطالما كانت البطريركية المارونية حارسة رئاسة الجمهورية، حتى عندما لم تلتق معها في الموقف. البطريرك نصر الله صفير كان خير مثال على ذلك. بالرغم من الخلاف الكبير مع الرئيس الأسبق إميل لحود، وقف سداً منيعاً ضد أي محاولة لإسقاطه، حتى في عزّ صعود قوى ١٤ آذار.
الحديث عن محاولة لتوريط البطريرك بشارة الراعي في الصراع ليس دقيقاً. الراعي بكامل إرادته، وبتنسيق مع محور عربي معاد لنصف اللبنانيين وافق على لعب هذا الدور. وهو لم يعترض على وصف فئة كبيرة من اللبنانيين بالإرهابية. ولم يحرك ساكناً عندما سمع أحد الشبان الذين التقاهم يقول إن رئيس الجمهورية إرهابي.
انتشى الراعي بالـ«15 ألفاً» الذين خرجوا و«قلوبهم ممتلئة رجاءً وشجاعة وأملاً»، على حدّ قوله، فطوّبوه زعيماً على ما بقي من «14 آذار». لكن الزمن ليس زمن 2005 ولا التوازنات هي نفسها. ولذلك، فإن مفعول كلام بكركي عن المؤتمر الدولي لن يختلف كثيراً عن مفعول الكلام عن الحياد.
في الحالتين، المطلوب إجماع وطني يدرك الراعي أنه غير متوافر. لكن مع ذلك مضمون الكلام ليس مهماً. المهم رمزية اللقاء. سياق الأحداث يؤكد أن مفاعيل فاعلية بكركي انتهى في اليوم الذي تلا. ثلاثة أطراف أسهموا في ذلك: رئيس الجمهورية وحزب الله والراعي نفسه. الخطاب العوني بدا مضبوطاً ولم يستدرج إلى سجال مع بكركي، بل على العكس أوحى العونيون منذ ما قبل المهرجان حتى أمس، أن البطريرك يقرأ من كتاب التيار. كما أبدوا الانفتاح على «مناقشة أي اقتراح من جانب الراعي انطلاقاً من السعي المشترك الصادق لحماية لبنان». أما حزب الله، فيدرك أنه في سبيل استهداف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في الشارع المسيحي، يتم التصويب عليه تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى على سلاح المقاومة لتحميله مسؤولية الأزمة المالية والاقتصادية، وللقول للمسيحيين إن حليف التيار هو المسؤول عن معاناتكم. النائب حسن فضل الله قال إن «هؤلاء استغلوا بكركي للتلطّي بها من أجل الهجوم على رئيس الجمهورية وحزب الله، ولكن لن يوصلهم مثل هذا الهجوم إلى تحقيق أهدافهم». مع ذلك، فقد أشار إلى أن «سياستنا لا تقوم على المقاطعة نتيجة الاختلاف في الرأي، نحن أهل الحوار والتلاقي والوصول إلى تفاهمات وطنية، فهذا هو الأساس لحل المشاكل الداخلية وليس استدعاء الدول الأخرى للتدخل، بل يمكن الاستعانة بها لتقديم العون والمساعدة لا أن تحل محل اللبنانيين».
الخازن وإبراهيم نقلا رسائل بين الراعي وحزب الله قبل يوم السبت
ثالث من أحبط مفاعيل لقاء بكركي هو الراعي نفسه؛ إذ تشير المعلومات إلى أنه سيسعى في مقابلة تلفزيونية تبثّ اليوم إلى تصويب موقفه، ولا سيما لناحية تأكيد تحييد رئاسة الجمهورية عن أي صراع، ولا سيما أنه في خطابه لم يتطرق إلى رئيس الجمهورية أبداً، فيما أسهب في تحميل حزب الله المسؤولية.
مع ذلك، فإن خطوط التواصل بين بكركي وحزب الله لم تنقطع. فضل الله كشف أن لجنة الحوار بين الطرفين تواصلت منذ يومين لدرس إمكان معاودة اللقاءات المباشرة مع أخذ الاحتياطات اللازمة من كورونا. وفيما أكدت المعلومات أن لقاءً قريباً قد تعقده اللجنة، قال فضل الله إنه «على ضوء نقاشات اللجنة يمكن عقد لقاء مع البطريرك».
وقد علمت «الأخبار» أن الاتصال جرى بين عضوي اللجنة محمد الخنسا والأمير حارث شهاب. كما تبيّن أن النائب فريد الخازن قد نقل رسائل بين الراعي والحزب، تتعلق بتوضيحات متبادلة. فلا البطريرك الماروني طالب بالتدويل بمعنى الذهاب إلى مجلس الأمن واستخدام قوة السلاح، ولا السيد حسن نصر الله قصد الراعي عندما قال «ما حدا يمزح معنا في مسألة التدويل وأي كلام عن قرار دولي تحت الفصل السابع مرفوض ومستغرب ويعدّ دعوة إلى الحرب وغطاءً لاحتلال جديد». كذلك فإن زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بكركي حملت «ما يسهم في تهدئة الأجواء» بين الحزب والراعي.
أسئلة إلى بشارة الراعي
ابراهيم الأمين
لندَع جانباً كلّ الفولكلور الذي يعمي الأبصار… شكل الحشد وحجمه ومقدّمة الحضور والصور والرايات والشعارات الكبيرة.
ولندَع جانباً كلّ التطلّعات عند الراغبين بتغيير الوقائع السياسية القائمة على صعيد تركيبة السلطة وموقع القرار.
ولندَع جانباً عمل المستشارين التاريخيّين أو المستجدين، أو من المتطوعين لحبّ لبنان الكبير.
ولندَع جانباً، حتى الطموح الشخصي للبطريرك بشارة الراعي نفسه، بلعب دور استثنائيّ يجعله في مصاف آخرين من أسلافه الذين رُفعت صورهم في حفلة السبت، باعتبارهم مصدر الحريّة الحقيقيّة.
ولندَع جانباً حتى ألاعيب «جل الديب» التي تبدأ بالشعارات والهتافات، مروراً بلعبة التعمية على تركيبة الحضور ومصادر حشده.
ولنذهب مباشرة إلى صاحب المناسبة ونسأله على سبيل الاستيضاح لا أكثر:
أولاً: إن شعار الحياد، بمعزل عن قبحه، يمثّل استراتيجية متكاملة لها بعدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري أيضاً، ولها آلياتها التي تقوم على وحدة وطنيّة متكاملة، وتفاهم حقيقيّ لا صوريّ على مفهوم للهوية الوطنية. ومجرّد القيام بمراجعة تاريخيّة تعود حتى إلى قرنين، يتّضح لكلّ باحث أن الحياد لم يكُن يوماً ليقوم بمجرّد إبداء الرغبة. فالحياد مثل الزواج، لا يمكن أن يتحقّق بمجرّد أن أعجِبتَ بصبية وأقنعتَ والدَيك والجيران وحتى الشيخ… هل سألتها إنْ كانت موافقة أولاً؟
ثانياً: إن من يرفع شعار الحياد، يكون قوياً جداً، حتى يقدر على حماية قراره بالحياد. لكن في حالة الضعف، التي تصيب هذه البلاد أولاً، وتصيب رافعي الشعار نفسه، تتحول إلى مطلب حماية ووصاية، لا إلى مطلب حياد. في حالة لبنان وحالة من ينطق الراعي باسمهم، الحياد يعني مناجاة طرف قوي، خارجي بالتأكيد، أن يحضر ليفرض علينا الحياد. والخارج لا يعمل مجاناً. هكذا علّمنا التاريخ. وعندما تطلب من خارجٍ ما أن يوفّر لك الحماية والحياد، فهذا يعني أنك ستكون في فلكه… وعندها، عن أيّ حياد تتحدث؟
ثالثاً: إن جوهر الموقف الذي يقف خلف فكرة الحياد، لا يمكن أن تغطّيه بعبارات وشعارات لم تعُد تصلح لأيّ نوع من الاستهلاك السياسي. إن جوهر الموقف في حالتنا هذه، هو أن الفريق المطالِب بالحياد، يشعر بأنه مطرود من جنة الحكم، أو أنه خائف على مصيره أو دوره، أو أنه يشعر بإحباط العاجز عن القيام بأمر يمنحه فرصة تغيير الوقائع القائمة. وفي حالتنا، فإن رافعي شعار الحياد، هم الذين يريدون فعلاً ما قاله الراعي في شرحه لما أسماه المطالب من المؤتمر الدولي وتدخل العالم، وهو محصور في أمور محدّدة، أساسها فرض الوصاية الدولية على الإدارة العامة للدولة، لأن الحكم والسلطة عندنا فشلا والفساد يحكم. وبالتالي، لا بدّ من مدّ يدٍ لطلب المساعدة، بما يسمح بأن يقبلنا العالم عاملين في مصانعه ومؤسّساته حتى يعطينا خبزنا كفاف يومنا، على أن نمنحه في المقابل السلطة التنفيذية لإدارة ما بقي من موارد الدولة. ثم إنه دعوة للعالم بأن يفرض علينا طريقة إدارة مصالحنا الخارجية مع جيراننا، سواء كانوا أشقاء أو أعداء. ومع هذا الطرح، يكون اقتراح انضواء المقاومة ضمن الجيش اللبناني مجرد دخان، فيما الهدف الفعليّ هو التخلص من المقاومة، والحجة هنا، أن الحياد لا يتطلّب وجود قوة عسكرية تمنع الأعداء من النيل من بلادنا، أو حتى تمنع الأشقاء والأصدقاء من التحرش بنا. وفوق كلّ ذلك، فإن المؤتمر الدولي لا يمكن أن يُنتج غير صيغة لحكم طائفيّ جديد، توزّع فيه المصالح وفق نسب لا نعرف كيف ستتم مع التغييرات الحاصلة على أكثر من صعيد.. ألم يتّعظ أحد من مطالعة إيمانويل ماكرون في لقاءات قصر الصنوبر عن وقائع التمثيل الشعبي في لبنان؟
هل يمكن للبطريرك أن يكون أكثر تواضعاً، وأن يشرح لنا كيف يقول إنه ينطق باسم جميع أو غالبية اللبنانيين؟
رابعاً: هل يمكن للبطريرك أن يكون أكثر تواضعاً، وأن يشرح لنا كيف يقول إنه ينطق باسم جميع أو غالبية اللبنانيين، وهو لم يحظَ أصلاً بموافقة أو تغطية جميع أو غالبية المسيحيين أصلاً، ليس السياسيون منهم حصراً، بل حتى المرجعيات الدينية أيضاً؟ وبالتالي، فإن موقف بكركي يعبّر عنها وحدها، ولا يمكنها – من أجل أن لا تخطئ الحسابات – أن تدّعي النطق باسم أكثر مِن مَن باركوا ما قام ويقوم به الراعي وصحبه.
خامساً: إن الفكرة من أساسها، من الخطاب والبرنامج إلى الاحتشاد والحفل وما سنشهده لاحقاً، كل ذلك لا يكفي لفرض وقائع جديدة. سيكون هناك مؤتمرات وقيام أطر ولقاءات وتجمعات، وستصدر بيانات ومواقف وتصريحات وتعجّ المنابر بالخطباء. لكن، هل كل ذلك يكفي لعكس الوقائع الصلبة، بمعزل عن جودتها أو رداءتها؟ ألم نتعلم من آخر دروس الفوضى الشعبوية التي رافقت البلاد منذ 17 تشرين؟ هل يعتقد الراعي أنه ينطق بربع من نطق باسمهم شارع 17 تشرين؟ لكن إلى ماذا انتهى؟ هل صحيح أن اعتقالات «عادية» ومطاردات أمنية من شأنها كبح جماح ثورة شعبية، أم أن خللاً جوهرياً أصاب هذا الحراك فانتهى إلى ما انتهى إليه، قبل أن يأتي سبت بكركي ليقضي عليه نهائياً؟
سادساً: إذا كانت بكركي تشعر بالقلق على المسيحيين أو على لبنان، وإذا كانت تعتقد أن عليها القيام بدور ما، فلماذا تقبل أن تتحوّل إلى طرف خلافيّ؟ هل في بكركي من يصدّق أن الغالبية اللبنانية، طائفية أو مدنية أو عقائدية، ستقبل بأن تكون بكركي قائدة لها أو ناطقة باسمها؟ أم أن الراعي سيقبل، راغباً أو مُرغماً، بأن ينتهي به الأمر ممثّلاً لفئة محدّدة من المسيحيين لا أكثر؟
سابعاً: إن الراعي يمثّل في موقفه رأي الكنيسة التي يقف على رأسها. وهي كنيسة تخصّ مؤمنين مسيحيين ينتشرون في أنطاكية وسائر المشرق. وهو بالتالي، يتحمّل مسؤولية معنويّة عن جميع رعايا هذه الكنيسة. وعندما يوحي بأنه يتحدث باسم المسيحيين عموماً، فعليه أن يتحمّل مسوؤلية معنوية وربما أكثر عن المسيحيين المنتشرين من الأردن إلى فلسطين إلى سوريا والعراق… فهلّا يقول لنا كيف سيكون عليه موقفه من أحوالهم في ظل ما يتعرّضون له منذ سبعة عقود على الأقل؟ أم سيطلب منهم التزام الحياد أيضاً تجاه الاحتلال الصهيوني والتهديد التكفيري أو في مواجهة أنظمة القمع والاستبداد؟ أم أنه يعكس استراتيجية الفاتكيان باعتبارها تمثّل – فعلاً لا قولاً – موقع «الوليّ الفقيه» للكنيسة في لبنان، وهي من اختارت أصلاً الراعي، وتقدر على عزله في لحظات، أفلا يسأل البطريرك وفريقه أنفسهم عن أيّ حياد يتحدثون فيما هم لا يقدرون على الذهاب نحو دولة مدنيّة تمنع ربط مصير زواج أو طلاق بقرار من روما؟
ثامناً: إن نقاشاً كبيراً سيحصل في البلاد، وسنشهد «طلعات ونزلات» وتوترات وانفعالات وخطابات ومواقف وردود وخلافه، لكن، ما يفترض بالكنيسة وبالراعي الإجابة عليه وسريعاً والتصرف على أساسه: كيف تكون شريكاً حقيقياً وفق ما تمثله فعلياً، وليس وفق ما تعتقد إنك تمثله، أو وفق ما قرر أحد ما أنك تمثله؟
أفضل ما في الأمر الآن هو الهدوء، وعدم الانفعال، ومراجعة تاريخ مئتي عام من طلب الحماية الخارجية، وما هي نتائج ذلك على هذه البلاد أولاً، وعلى من يقول الراعي إنه ينطق باسمهم ثانياً. وإلى ذلك الحين، فليأتِنا الراعي بأمرَين: الأول، تصوّره العملاني لمعالجة التهديدات الإسرائيلية على بلادنا، وإعادة الفلسطينيين إلى بلادهم. وآلية لضمان عودة النازحين السوريين. والثاني: كيف تطوّر الكنيسة دورها في التكافل الاجتماعي مع المقهورين من رعاياها اليوم في لبنان، وأن تتجرّأ هذه الكنيسة لمرة واحدة، على اتّخاذ قرار باستخدام جزء ولو بسيط مما تكدسه من ثروات من أجل تثبيت القوم في أرضهم، قبل الحديث عن أيّ حكم يختارونه!
خطاب الراعي و«الانبعاثة المسيحيّة»: مستقبل محفوف بالهواجس
نجح من كان وراء اندفاعة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في تحقيق الخرق السياسي الذي أرادوه من خلال التجمّع الشعبي في بكركي، وفي الكلمة التي ألقاها أمام الرأي العام المحلي، إضافة الى الخارج العربي والدولي، لأن جزءاً أساسياً من هذا الاحتفال كان يحمل في طيّاته رسائل خارجية، حول هذا الانفصال الداخلي بين رؤيتين للبنان، في ظل اهتمام عواصم عربية بهذا التحرك. يطرح الراعي مجموعة عناوين سياسية عامة، تحتاج الى حوار هادئ ونقاش سياسي في تفاصيله. لكن هل ما حصل السبت يعني أن هذا الخرق هو الهدف بذاته، أم أن الرسائل الكثيرة التي حفل بها البيت البطريركي تؤسس لمرحلة مختلفة تماماً عن مشهد 2005؟
أولاً، رغم التحفظات التي كان يبديها كثر من أصحاب الرأي والأنتلجنسيا المسيحية ورجال إكليروس، على أداء الراعي ومسار بكركي منذ أن تولّى حبريّته وعدم تفعيله الإدارة البطريركية والانشغال بالاحتفاليات الكثيرة في لبنان والخارج، انقلب المشهد في الأيام الأخيرة، وبدا مستغرباً احتضان هؤلاء للراعي وطروحاته، بصرف النظر عن أحقيتها. فتحوّل رمزاً يقارنون بينه وبين سلفه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، الذي كان بالنسبة إليهم الأيقونة التي لا تشبه أحداً. ظهروا كأنهم يحتفلون بولادة قائد جديد لـ«المقاومة المسيحية»، زمن الأباتي شربل القسيس والأباتي بولس نعمان حين كانت الرهبانية على كتف «المقاومة»… والراعي ليس من تلك الطينة أبداً. وإذا كان ليس مستغرباً أن تتجمهر حول الراعي مجموعات وأشخاص من الذين يكنّون خصومة غير محدودة لحزب الله، ليستظلّ بعضهم بكركي للتصويب أكثر فأكثر على الحزب، فإنّ من المفاجئ أن تتحول شريحة أساسية وسياسية من أصحاب الوعي خلف الراعي، يميزون بين طروحاته السياسية، وتغطيته لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤوليته عنه، باعتبار أن الانهيار المالي أيضاً يعالج بعد «فك سيطرة إيران على لبنان». وحجة هؤلاء أن ما حققه الراعي من خلال ردة فعل حزب الله والتيار الوطني الحر، أعطى مفاعيل إيجابية، أكبر بكثير مما جرى حتى الآن في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما أن الراعي لم يأت من مدرسة عام 2005 بمعناها السياسي. وهذا كافٍ حتى الآن ليؤسس لمرحلة مواجهة مبنيّة على الضغط في اتجاه عنوان واحد هو سلاح حزب الله، ولو لم يصل إلى خواتيمه المرجوة بالمطلق.
ما حصل السبت هو جزء من اصطفاف مسيحي يطال في نهاية المطاف الرئيس عون
ثانياً، من الذي سيحمل مهمة متابعة ما قالته بكركي وما تطالب به؟ وأيّ جهة سياسية مخوّلة حمل هذا الشعار ورفعه كما حصل عام 2005؟ فيوم السبت أيقظت حالة مسيحية نفسها بمواكبة سياسية وإعلامية، من خط واحد، من دون أن يتّضح مستقبلها، وخصوصاً أن الحزبية القواتية، رغم وجود كتائبي متنوع، طغت على حالة الصف المسيحي المتنوع كما كانت حال عام 2005. فالقوات ارتدت لبوس التظاهرات بمعناها المختلف عن 17 تشرين، وهي كانت واضحة في تجييشها الميداني (جس نبض أوّلي عشية الاستعداد للانتخابات الفرعية)، لأول مرة من دون أيّ التباسات، في الحيّز الماروني الصافي، كما كان واضحاً رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في استظلاله بكركي وتصويبه على العهد. ورغم أن ظروف وقوف جعجع الى جانب بكركي مختلفة عن مرحلة ما قبل الطائف، إلا أن النتيجة التي عكسها مشهد القوات في بكركي والتيار الوطني الحر في المقابل، تسفر عن النتيجة نفسها من تكريس حالة الانقسام في الشارع المسيحي. ورغم عدم دخول تيار المردة الجو التنافسي المحموم حول بكركي، إلا أن خطاب الراعي لا يتوافق معه مطلقاً. «المردة» بقي الى الآن محيّداً نفسه عن السجال مع بكركي ولو لم يرقه المشهد القواتي، في موازاة ردة الفعل العونية العنيفة كلامياً في أوساط التيار، على بكركي والقوات معاً. لكن المحصلة أن انتعاش الجو المسيحي لا يزال من دون أفق طالما أن لا أجندة واضحة له تحدد برنامج عمله، ومن دون درس الخيارات المطروحة والأفكار السياسية الواضحة أبعد من الشعارات الشعبوية. وكذلك فإن تقوية النزعة الحزبية في جمهور بكركي تعني تسليماً بأمر واقع وهو أن الجمهور المسيحي كتب عليه أن يكون محكوماً بثنائيات أو رباعيات، وأن تجربة قرنة شهوان الفريدة بتمايزها لن تتكرر، وأن الانتخابات النيابية ستكرس هذا الجو الحزبي.
ثالثاً، رغم بعض المشاركة الطائفية والسياسية المتنوعة، إلا أن عصب ما حصل يوم السبت له بعد مسيحي صرف، نقَل المواجهة السياسية كما حصل عام 2000، إلى مواجهة مسيحية مع الخصم السياسي. والمعني هنا عام 2021 حزب الله. حاول الرئيس سعد الحريري منذ تعثر مفاوضات تأليف الحكومة أن يبقي على «حلفه» مع بكركي وعدم قطع الخيط مع المسيحيين، الذين يستعملهم العهد والتيار الوطني كشعار في معركة استعادة الحقوق. نجح الحريري في كسر هذا الحاجز العوني. لكنه في المقابل بقي على مسافة آمنة في علاقاته مع حزب الله، الأمر الذي لم يلاقَ إيجاباً لدى معارضي الحزب من المسيحيين. بتحوّل بكركي رأس حربة في تحديد خيارات الحياد أولاً، والمؤتمر الدولي ثانياً بخلفية وضع سلاح حزب الله على الطاولة، فإن المشهد المسيحي انقسم بين فريق يعبّر صراحة عن خصومته للحزب، مع امتداد عربي جليّ، وفريق يعبّر صراحة عن خصومته السياسية للحريري والمستقبل، مع خلفية إقليمية أيضاً عبّر عنها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في إطلالته الأخيرة، كما عبّر عنها أحد وزراء العهد السابقين. هذا الاصطفاف يشكل لحظة أكثر خطورة مما كان عليه الأمر عام 2005. لأنه يأتي في مرحلة أكثر قساوة سياسياً واقتصادياً ومالياً، فضلاً عن احتمالات مفتوحة على تسويات في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تدعو الى تفاؤل معارضي حزب الله.
رابعاً، في غمرة كل ما جرى، يبقى هناك شقّ أساسي يتعلق بعلاقة بكركي ورئاسة الجمهورية، ومن خلفها التيار كحزب العهد. ولو أن باسيل الذي يربط خيوطاً كثيرة مع مطارنة ومع رهبانيات، على عكس القوات اللبنانية، ويوجّه رسائل كثيرة الى الراعي ولن يقطع معه حواراً، إلا أن ما حصل السبت هو جزء من اصطفاف مسيحي يطال في نهاية المطاف العهد بتوجّهه السياسي. وهو يُبرِز للمرة الأولى بهذه الحدّة ــــ بعد قطيعة عيد الميلاد وما تبعها من رسائل ــــ حجم الهوّة بين بكركي وبعبدا في ما تبقّى من ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
استعادة اموال أصحاب المصارف: «الامتحان الحقيقي» لرياض سلامة
التحدّي الأساسي أمام مصرف لبنان، وباقي الجهات الرقابية، ليس التأكّد من زيادة رساميل المصارف بنسبة 20% أو تأمينها سيولة بـ3%، بل التزامها بشرط إعادة 30% من قيمة الأموال المُحوّلة من قبل أصحاب المصارف وكبار الموظفين والمُساهمين والأشخاص المُعرضين سياسياً. عدم الاستجابة يعني اعتراف أصحاب المصارف بإفلاسها، ويوجب الادعاء عليها بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
تنصّ المادّة الثانية من التعميم أساسي الرقم 154 (إجراءات استثنائية لتفعيل عمل المصارف العاملة في لبنان) الصادر عن البنك المركزي، أنّ على المصارف «حثّ» عملائها الذين «قام أيّ منهم بتحويل ما يفوق 500 ألف دولار أميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية إلى الخارج من 1 تموز 2017 حتى تاريخ صدور هذا القرار (27 آب 2020)، على أن يودعوا في «حساب خاص» مُجمّد لمدّة خمس سنوات، مبلغاً يوازي 15% من القيمة المُحوّلة». كما أنّ على المصارف «حثّ» عملائها من المُستوردين أن يُحوّلوا من الخارج إلى «حساب خاص» مبلغاً يوازي 15% من قيمة الاعتمادات المُستندية «المفتوحة في أي من السنوات 2017، 2018 أو 2019». أما رؤساء وأعضاء مجالس إدارة وكبار مُساهمي المصارف والإدارات العُليا التنفيذية للمصارف والأشخاص المُعرضون سياسياً (PEPs)، «وذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبواسطة شركات يمتلكها أي منهم»، يُفترض «حثّهم» على إعادة مبلغ يوازي 30% من القيمة المُحوّلة بدلاً من 15%. مثلاً، إذا حوّل أحد العملاء 500 ألف دولار إلى الخارج في السنوات الثلاث الأخيرة، فعليه أن يُعيد إلى لبنان 75 ألف دولار. أما إذا كان العميل لدى المصرف هو شخص مُعرّض سياسياً أو من رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصرف أو كبار المُساهمين فيه، فيُعيد مبلغ 150 ألف دولار من أصل الـ500 ألف دولار. مُهلة التنفيذ انتهت أمس في 28 شباط، ويُفترض أنّ المصارف التي تتقاعس عن تطبيق القرار مُعرّضة لأن تفرض بحقّها «التدابير والعقوبات المنصوص عليها في قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب».
هذه المادّة هي «الامتحان الحقيقي» الذي يواجهه المجلس المركزي لمصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة التحقيق الخاصة، والهيئة المصرفية العليا، وهيئة الأسواق المالية. فكلّ هذه الهيئات الرقابية ستبدأ اليوم اجتماعاتها «المُكثّفة» لدراسة ملفات المصارف، للتحقيق في مدى التزامها بزيادة رساميلها بنسبة 20%، وضخّ الدولارات في حساباتها لدى المصارف المراسلة بنسبة 3% (للمصارف مُجتمعة)، واسترداد الأموال المُحوّلة إلى الخارج بين 2017 و2020. الأساسي في المادّة الثانية المذكورة أعلاه، ليس في العملاء الذين يجب أن يُعيدوا 15% من القيمة المُحوّلة، بل أولئك «البارزين» الذين حُدّدت لهم نسبة 30%. فهؤلاء هم أصحاب المصارف والدائرة اللصيقة بهم من كبار المودعين وسياسيين ومساهمين ومديرين رصدوا قدوم «التسونامي» فاستبقوه بتهريب الدولارات من لبنان، أو حوّلوها من حساب المصرف لدى مصارف المراسلة في الخارج إلى حساباتهم الخاصة في الدول الأجنبية. أعضاء «نادي الـ30%» يسهل الوصول إليهم و«إجبارهم» على إعادة الأموال المُحوّلة، وليس الاكتفاء بصيغة «الحثّ» التي لا مفاعيل قانونية لها، وتفتح مساراً قضائياً بوجود من سيُدافع عن نفسه على اعتبار أنّه لم يُقرّ سابقاً قانون يمنع تحويل الأموال، والقوانين لا تكون بمفعول رجعي. الطريقة التي ستُقارِب بها الجهات الرقابية المادّة الثانية تحديداً، ستعكس مدى جدّية مصرف لبنان أو عدمها في «إعادة تفعيل عمل المصارف»، وهي العبارة المُكرّرة في تعاميمه الأخيرة، خاصة أنّ «زيادة الـ20% وسيولة الـ3%، هي أدنى المطلوب من المصارف كالتزامات، في حين أنّ الـ30% تُشكّل التحدّي الأساسي»، بحسب أحد المسؤولين الرقابيين السابقين. غياب القانون لا يُبرّر عدم الالتزام، «لأنّ الدافع يجب أن يكون أدبياً، ولا سيّما من جانب رؤساء المصارف الذين يُفترض بهم إنقاذ مصارفهم واستعادة القليل من ماء وجهها». ويجب التوضيح أنّ «استعادة الـ30% لا تعني ردّ الودائع بالدولار إلى أصحابها، بل تحسين وضعية المصارف قليلاً». لذلك، يعتبر المصدر نفسه أنّ الالتزام «مطلوب بهذا الشرط ويجب أن يكون فاتحة الالتزامات الكُبرى المطلوبة من المصارف»، إلا أنّه يُصوّب على «خللٍ» في التعميم. فإذا كان مصرف لبنان «يعتبر تحويل الأموال عملاً خاطئاً يجب تصحيحه، فلماذا تحديد نسبة الـ30%؟ ولماذا لم يُفرض عليهم استعادة كامل المبالغ المُحوّلة خلال هذه المُهلة؟».
تؤكّد مصادر سلامة أنّ المُخالفين سيُحالون على الهيئة المصرفية العليا
كلّ المصارف أرسلت كُتباً إلى المودعين والمُستوردين «تحثّهم» فيها على تطبيق تعميم مصرف لبنان. «أقل من 1% كانت نسبة التجاوب. لا بل كنا ننصح المودعين، ولا سيّما التجّار، بعدم إعادة دولار واحد إلى القطاع المصرفي، خاصة إذا لم يكن ملفهم مشبوهاً. عدا عن أنّ هناك من استثمر تلك الأموال في الخارج، فما هي الآلية التي سيُطبّقها لإعادة السيولة؟ يبيع الاستثمار؟»، يقول مسؤولون ماليون. أما بالنسبة إلى «نادي الـ30%»، فقرابة أربعة مصارف من فئة «ألفا» أعاد أصحابها «حفنةً» من الأموال لتحسين وضعها.
مصادر مُقرّبة من الحاكم تقول إنّه «لم يطلع بعد على الجداول لمعرفة المصارف التي التزمت أو تقاعست، ولكن التقديرات الأولية تُشير إلى أنّ المبلغ المُجمّع أدنى بكثير من التوقعات التي كان قد حدّدها» (كان سلامة يشيع أن تطبيق التعميم سيعيد إلى المصارف نحو 4 مليارات دولار من الخارج). كيف سيردّ على عدم الالتزام؟ التعميم واضح لجهة الادعاء على غير المتعاونين بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. عند صدور التعميم، «هدّدت» مصارف رياض سلامة بأنّها ستردّ عليه بالقضاء إن استخدم في وجهها هذا القانون. تؤكّد مصادر سلامة أنّ المُخالفين سيُحالون على «الهيئة المصرفية العليا». هل يوجد قرار بكسر المصارف، وتحديداً «الكبيرة» بينها؟ المسؤول الرقابي السابق يستهزئ بالتهديدات، مؤكداً «عدم وجود قرار بكسر أحد نهائياً».
استعادة 30% من قيمة الأموال المُحوّلة يُفترض بها أن «تُفيد» المصارف وتنتشلها قليلاً من غرقها. عدم استجابة مالكي المصارف، ومساهمتهم في إنقاذ مؤسساتهم، سيُعدّ إقراراً منهم بأنّ مصارفهم مُفلسة ولا أمل من ضخّ فلس واحد فيها.
كارثة التلوث النفطي… ما خفي أعظم
رغم التكتّم الذي رافق التسرّب النفطي الذي ضرب الشاطئ الفلسطيني وامتدّ إلى لبنان، بسبب الحظر الإسرائيلي على نشر المعلومات حوله، ما هو مؤكد أن الكارثة كبيرة، وقد وصفتها الصحافة الإسرائيلية بأنها «الأكبر في تاريخ» الكيان. إذ إن المؤشرات الأولية تدل على انتشار البقع النفطية على مساحة واسعة وتسبّبها باختناق الكثير من الكائنات الحية على الشاطئ وفي الأعماق. وقياساً إلى حوادث أخرى مشابهة حصلت في العالم، فإن الخشية من أن ما خفي أعظم
بعيداً عن الحملة الرسمية والشعبية التي انطلقت قبل يومين لإزالة آثار التسرّب النفطي الذي رُصد على السواحل الجنوبية، ومصدره كيان الاحتلال الإسرائيلي، فإن السؤال الأساس الذي تنبغي الإجابة عنه ما إذا كان مصدر البقع النفطية عرض البحر أو مكاناً قريباً من الشاطئ، وما إذا كانت ناتجة من حادثة انسكاب عرضية (تسرّب من بواخر أو خزّانات ومحطات)، أم عن تدفق من مصادر ثابتة بسبب انفجار أثناء عمليات التنقيب والحفر على سبيل المثال؟ إذ لا يمكن استبعاد أن يكون التسرب من واحد من المواقع (المتعددة والسرية) التي يتم الحفر والتنقيب فيها، وربما يفسّر ذلك الكتمان الذي فرضته سلطات الاحتلال.
الإجابة عن هذا السؤال تحدث فارقاً كبيراً لأنه في الحال الثانية سنكون أمام كارثة أكبر مما يمكن تصوره، وقد يحتاج وقف التدفق إلى زمن طويل. إذ إن عمليات الحفر والتنقيب في أعماق بعيدة تحتاج الى تقنيات عالية وتنطوي على مخاطر يصعب ضبط نتائجها في وقت قصير. وتفيد المقارنة هنا مع حادث التسرّب في خليج المكسيك عام 2010، حين لم تستطع شركة عملاقة كـ«بريتيش بتروليوم» السيطرة عليه إلا بعد 87 يوماً!
حُدّدت البقع النفطية بأنها نفط خام تفكّك وتحوّل بعد اختلاطه بمياه البحر الى نوع من القطران أو الزفت. التقرير الأولي الذي أعدّه المجلس الوطني للبحوث العلمية ويصدر اليوم، بعد مسح ميداني وجوي شمل الشاطئ من الناقورة الى صيدا، بيّن وجود مادة القطران بكثافة عالية قبالة الناقورة والبياضة ومحمية صور، وتخف كثافتها تدريجيا بدءاً من الشاطئ قبالة العباسية وتندر قبالة شاطئ عدلون. قدرت كميات الكتل النفطية التي تجمعت على رمل شاطئ صور بنحو طنين، علماً بأن روايات شهود أكّدت انتشار البقع في بعض الأماكن بعمق يراوح بين 70 و80 متراً عن الشاطئ، ورؤية بقع نفطية صغيرة على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت. ويُرجح أن البقع بدأت بالوصول الى الشاطئ اللبناني بين 6 و10 شباط الماضي، عندما كانت اتجاهات الرياح جنوبية شرقية خلال العاصفة الماضية.
المسح الجوي لم يقدّم معطيات كثيرة لأن القطران، بعدما اختلط بالمياه ونقلته الأمواج الى الشاطئ، تحوّل الى كتل صغيرة يغطّيها الرمل. إلا أنه أكّد عدم وجود بقع في عمق البحر، ما يعدّ مؤشراً جيداً بالنسبة إلى صيادي الأسماك. إذ إن التسربات النفطية لا تؤثر عادة على الثروة السمكية، لأن الأسماك تسبح بعيدة عنها، إلا أن الضرر الأكبر يقع على الحيوانات البحرية التي لا تستطيع السباحة بعيداً كقنافذ البحر والمحار.
إذا كنا أمام تسرب من أحد مواقع الحفر والتنقيب فسنكون أمام كارثة أكبر مما يمكن تصوره
والأرجح أن المسح لم يشمل أعماق المياه حيث يترسّب الجزء الكثيف من المواد النفطية، بعد أن يتبخر بعضها أو يذوب في المياه، ويشكّل طبقة سوداء ولزجة، تبقى لفترة طويلة، ويمكن أن تتحول الى بكتيريا تتسبب بموت كثير من النباتات والكائنات البحرية، وبحسب تجارب غرق بواخر نفطية أو حوادث تسرب من منصات التنقيب، فإن التلوث النفطي قد يدوم لعشرات السنوات، وقد عثر على جيوب نفطية تحت قاع البحر قبالة الساحل الأميركي في ماساتشوستس بعد 30 عاماً على غرق ناقلة نفط قبالة الشاطئ.
تصنّف المواد النفطية عادة كـ«مواد مسرطنة محتملة». وقد بدأت عمليات التنظيف من دون وجود خطة طوارئ كاملة، لعدم وجود هيئة مختصة ومدربة على مواجهة هذا النوع من الكوارث، ما يثير المخاوف من مخاطر معالجة التسرب بعد مخاطر التسرب نفسه. إذ تؤكد مصادر مشاركة في عمليات التنظيف أن كتل القطران التي تجمعت في الرمل، يسهل تمشيطها وغربلتها وسحبها صباحاً عندما تكون متجمدة، ولكن يصعب ذلك عندما تبدأ بالتحلل والسيلان مع تعرضها لحرارة الشمس خلال النهار. لذلك، فإن المطلوب تسريع هذه العملية قبل وصول أي عاصفة جديدة تزيد من اختلاطها بالرمل، كما حصل عام 2006. أما في الأماكن الصخرية فلم تبدأ عمليات التنظيف بشكل جدي كونها أكثر تعقيداً في هذه المناطق.
وتفترض عمليات التنظيف وضع المواد النفطية المجموعة (من القطران) في أكياس محكمة الإقفال وتجميعها في هنغار آمن. إلا أن السوابق لا تبشّر بالخير، وخصوصاً طريقة إدارة معالجة كارثة التسرب عام 2006، عندما ساد التخبط حول طرق التنظيف، والخلافات على الاستفادة من الهبات المقدمة، والتباين حول مصير المواد التي جمعت، بين ترحيلها الى الخارج أو معالجتها محلياً. وقد غلب يومها خيار الترحيل لأن فيه إفادة مادية، بدل التفكير في إيجاد حلول علمية ووطنية دائمة، لأن هكذا حوادث قد تتكرر في أي لحظة، وخصوصاً أن المنشآت الكبيرة وخزاناتها، منذ أن تقرر أن يكون بلداً مستورداً للمشتقات النفطية، وضعت كلها على الشاطئ. ورغم أن لبنان يعدّ نفسه لكي يصبح بلداً نفطياً لم يفطن أحد الى ضرورة وجود هيئات متخصصة نفتقدها دائماً… بعد وقوع الكارثة!
عدوان متكرر
يفترض أن يبدأ لبنان بالإعداد لرفع دعوى تعويض ضد «إسرائيل» أمام الامم المتحدة. علماً أن الجمعية العامة للمنظمة الدولية أدانت كيان العدو الأمم المتحدة أكثر من 12 مرة وطالبته بدفع 856 مليون دولار بعدما أدى القصف الاسرائيلي لمحطة توليد الكهرباء في الجية خلال عدوان تموز 2006، إلى تسرّب 15 ألف متر مكعب من مادة الفيول إلى البحر، وتضرر نجو 150 كيلومتراً من شواطئ لبنان، وصولاً إلى الشواطئ السورية.
وزارة البيئة «مش عَ السمع»
غاب وزير البيئة المستقيل دميانوس قطار عن الصورة تماماً، ولم يُسجّل للوزارة المعنية أساساً بمثل هذه الكوارث أي نشاط، باستثناء ظهور خجول عبر تلفزيون لبنان لمديرها العام برج هاتجيان الذي يتحمل مسؤولية الغاء «لجنة الطوارئ لمنع ومكافحة تلوث البحر بالنفط» التابعة للوزارة لأسباب غير مفهومة. وقد تأسست اللجنة عام 1998 بمبادرة من مسؤول التلوث النفطي في الوزارة آنذاك سميح وهبة، وكانت تضم ممثلين عن الوزارات المعنية (البيئة والدفاع والنقل والداخلية والطاقة والزراعة) وعن القطاعين العام والخاص. وقد أعدّت اللجنة خطة متكاملة لمكافحة التلوث النفطي عام 2001 ونظّمت دورات تدريب مع طلب معدات خاصة للمعالجات الطارئة، لاسيما الـ«بامب» (مضخات) الاسفنجية التي تُرمى قرب البقع لامتصاصها قبل سحبها ومعالجتها. وقد تبيّن خطأ هذا الالغاء بعد كارثة التلوث النفطي عام 2006، من دون أن يفكر أي من الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة ولا مديرها العام بأن العودة عن الخطأ فضيلة.
اللواء
بكركي – حزب الله: هاتف الحارة لم يوقف تداعيات حشد السبت!
القطاع التجاري إلى العمل.. وقرارات للمركزي حول المصارف والكهرباء اليوم
ما خلا الأجندة السياسية، والانفراج السياسي، وحتى الحكومي، يحفل الأسبوع الأوّل من آذار بعدة استحقاقات، منها التلقائي، ومنها المبرمج، مثل ملاءة المصارف، وفقاً لتعاميم مصرف لبنان، لا سيما التعميمين رقم 567 و154 والذي صدر في 26/27 آب الماضي، والمتعلقة بإلزام المصارف بتوفير 3 مليارات و375 مليون دولار، لـ3٪ من ميزانيتها بالعملة الصعبة، والتي انتهى أمس 28 شباط، ومنها أيضاً مآل الانتقال إلى المرحلة الثالثة من التخفيف من الإجراءات المؤدية الى الانتقال التدريجي لإعادة فتح البلد، فضلاً عن مآل تعويل صفقة شراء الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، بعد عدم وفاء المؤسسة بتعهداتها بالعودة الى الانتظام بالتقنين بدءً من بعد ظهر السبت الماضي، لكن التقنين زاد، وخرج المواطنون إلى الشارع للمطالبة بعودة الكهرباء، وترقب، من جهة أخرى، كيفية توزيع اللقاحات، والطعوم التي يتعين ان يتناولها اللبنانيون، مع إعادة فتح البد، إذ بلغت منصة اللقاحات، تلقح أكثر من 50 ألفاً تناولوا الطعوم، حسب وزارة الصحة.
وفي هذه الأجواء، رسمت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة صورة تشاؤمية عن مصير الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، ووصفت الوضع الحالي بالمغلق داخليا في الوقت الحاضر. وحددت المصادر النقطة التي توقفت عندها المشاورات بتسلم رئيس الجمهورية ميشال عون التشكيلة الوزارية من الرئيس المكلف سعد الحريري من دون ان يعطي رده النهائي عليها، سلبا أو إيجابا حسب الدستور في حين تمحورت المشاورات التي تلتها على محاولة التملص من التفاهمات السابقة، ان لجهة حجم الوزارة او توزيع الحقائب او تسمية الوزراء.
بينما كانت مواقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المباشرة وغير المباشرة هي التي تتحكم من وراء الكواليس كما هو معلوم في اعاقة حسم ملف التشكيل بكل امكانياته ووضع ما يمكن من عراقيل مفتعلة ومطالب تعجيزية بهدف ابتزاز الرئيس المكلف والالتفاف على صيغة تأليف حكومة مهمة من الأخصائيين استنادا للمبادرة الفرنسية لفرض حكومة محاصصة مستنسخة عن الحكومات السابقة، يستحصل فيها على حصة الثلث المعطل مع الاحتفاظ بالوزارات الوازنة كوزارة الطاقة وغيرها.
وفي اعتقاد المصادر ان التعطيل المتعمد من قبل الفريق الرئاسي لعملية تشكيل الحكومة الجديدة لم يعد محصورا به، بل تجاوزه بشكل واضح الى حزب الله الذي يوجه مواقف مسايرة وحمالة أوجه لتاليف الحكومة، ولكنها لا تقدم او تؤخر،بل تزيد في الشكوك حول النوايا الحقيقية للحزب، والتي تؤشر في مكان ما الى تأجيل البت بالتشكيل حاليا، والاستمرار بسياسة المماطلة وابقاء الملف اللبناني رهينة واستغلال من قبل ايران لتقايض عليه في المفاوضات المرتقبة حول الملف النووي الايراني مع الولايات المتحدة الأميركية لصالحها على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين.
وازاء الانشغال، بما حدث السبت في بكركي، قالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أن الفرقاء المعنيين قالوا رأيهم في تحرك بكركي وما جرى يوم السبت، لكن الأنظار تبقى مشدودة إلى خطوات البطريرك الماروني بعد موقفه الأخير والأصداء الدولية حوله مع العلم ان البطريرك الراعي فسر لعدد من المسؤولين والسفراء العرب والأجانب طرحه من الحياد.
وتوقعت المصادر أن تستمر مفاعيل خطاب البطريرك. دون معرفة ما إذا كان هناك من لقاء قريب سيجمعه مع رئيس الجمهورية بعد التحرك الأخير.
إلى ذلك أوضحت أوساط مراقبة لـ«اللواء» أن للحياد شروطه ولا بد معرفة من يحايد من ومع من سيصار إلى ممارسة الحياد ولفتت إلى أن ما من أحد ضد الحياد في لبنان لكن السؤال المطروح هل من قدرة على حماية الحياد وفرض هذا الأمر على الدول المجاورة وجعلها تحترم الحياد.
انقسام داخل التيار العوني
بالمقابل، تفاعلت الأحداث الاخيرة داخل التيار الوطني الحر، لاسيما منها التعثر بتشكيل الحكومة الجديدة، والموقف السلبي من دعوات البطريرك الماروني بشارة الراعي لرئيس الجمهورية وفريقه لتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة وتكريس حياد لبنان واخيرا مطالبته بعقد مؤتمر دولي لحل الأزمةاللبنانية. وظهر انقسام واضح داخل التيار وخلاف في طريقة الادارة السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة.
ويعتبر فريق من المخضرمين داخل التيار ان النهج المتفرد الذي يقوده رئيس التيار جبران باسيل وقلة من مؤيديه في تقرير السياسية المتبعة واتخاذ القرارات منذ تولي رئيس الجمهورية ميشال عون لمهاماته، لم يكن موفقا ويتعارض مع المبادىء والمسلمات الأساسية للتيار، ما ادى الى تعثر في الاداء الرئاسي وفشلا في تنفيذ الوعود والمطالب الشعبية واساء لسمعة التيار لدى اللبنانيين وخصوصا بين مؤيديه.
وبدلا من الإستفادة من الاخطاء السابقة وتصويبها نحو الاحسن، استمر النهج ذاته وكأن شيئا لم يحصل، ان كان بالتعاطي السلبي لتشكيل الحكومة بطابع يغلب عليه الشخصانية والتفرد ولا يراعي لانقضاء ولاية الرئيس بغياب اي من الانجازات الموعودة.بل بات ينذر بمؤشرات تفكك الدولة ومؤسساتها اذا استمر النهج السائد على حاله.
ويضيف هذا الفريق المعترض على الاداء السلبي لباسيل، أن النهج المتبع تجاوز كل الحدود، ليس بالخلاف السياسي مع معظم الاطراف السياسيين والدول الشقيقة والصديقة، بل شمل كذلك البطريركية المارونية لاسباب غير منطقية لا تعود بالفائدة على الرئاسة اوالتيار، بل تضر بمصلحة التيار والمسيحيين على حد سواء.
ويتساءل هذا الفريق لماذا تجهض وساطة بكركي لانجاح مساعي تشكيل الحكومة والخروج من الازمة الحالية ولاي هدف يتم تجاوز دور وموقع البطريرك ومخاطبة الفاتيكان مباشرة من وراء ظهره، في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من تاريخ لبنان؟ وهذا التصرف في رأي هذا الفريق لا يمكن تبريره او السكوت عنه ولا بد من بذل كل الجهود لتصحيح ماحصل لانه من غير المعقول تظهير الخلاف مع البطريرك الماروني على هذا النحو لانه في مكان ما يطالب بتسريع تشكيل الحكومة العتيدة حفاظا على مصلحة الوطن واللبنانيين.
العقد الحكومية
حكومياً، يبدو أن المساعي التي قام بها اكثرمن طرف محلي وخارجي لم تسفر عن حلحلة العقد المستحكمة بتشكيل الحكومة، بسبب بقاء مواقف الرئيسين عون والحريري على حالها، حول حقيبتي العدل والداخلية وتوسيع الحكومة الى عشرين وزيراً. وذكرت مصادر مطلعة على موقف الحريري انه وافق على مبادرة الرئيس نبيه بري واللواء عباس ابراهيم ومن ثم البطريرك بشارة الراعي، بأن يختار الرئيسان وزيري حقيبتي العدل والداخلية واحد لكل منهما بالتوافق، بينما يرفضها عون ويصر على تسمية احد الوزيرين والتوافق على الآخر. فيما عدد وزراء الحكومة والثلث المعطل غير قابلين للبحث.
واوضحت المصادر ان الحريري لن يرضى بما يحاول ان يفرضه عون، لذلك هناك تباعد كبير بين طرحي الرئيسين.
ورأى رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان ان أمر الحكومة هو بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية وطالب الحريري بوتيرة أسرع للتواصل مع الرئيس ميشال عون..
ودعا للخروج من الأزمة بإعادة بناء الثقة، مطالباً بالتفاهم على مشروع الحكومة..
حشد بكركي والتأثير على الداخل
وعلى الصعيد السياسي، سيتأثر الوضع الداخلي سلباً او إيجاباً بما حصل يوم السبت، من تجمع سياسي حزبي في بكركي وكلمة البطريرك بشارة الراعي، التي استهدف فيها مكونات سياسية كثيرة، لحثها على تلبية مطالب الناس وتشكيل الحكومة ومعالجة الوضع المعيشي، عدا كلامه عن «الدويلة والسلاح غير الشرعي» الذي يقصد به حزب الله. وعن التدويل الذي يرفضه اكثرمن طرف سياسي وازن وفاعل. وبدأت التساؤلات عن مصير العلاقة بين بكركي وحزب الله. لكن المعلومات افادت انه حصل اتصال قبل يومين اي قبل تجمع يوم السبت وكلمة البطريرك الراعي، من قبل اللجنة المشتركة ما بين اعضائها وكان كلام عن اجتماع مرتقب قريبا والاجواء لا تبشر الا بصفحة حوارية قريبة. لكن بعد كلمة الراعي وتقصده الحديث عن سلاح حزب الله ولومواربة لم يعرف ما إذا كان اللقاء سيحصل ام يتم تأجيله.
واليوم يزور وفد من تيّار المستقبل بكركي، ناقلاً رسالة من الرئيس الحريري، تتعلق بمواقفه والشأن الحكومي، كما يزور الوفد مطرانية بيروت للروم الارثوذكس للقاء المطران الياس عودة.
وبلغ مسار الافتراق عمّا يجري، في عظة الحياد في 5 تموز، تصاعداً إلى «سبت الحشد» والكلام النوعي في التحوّل البطريركي إلى المطالبة الملحة بعقد مؤتمر دولي لبحث وضع لبنان.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيذهب إلى ما هو أبعد، من خلال خطة تبدأ بشرح المبادرة محلياً، ثم الانتقال إلى عواصم القرار، والعواصم المعنية، فضلاً عن تحرك مجموعات قريبة من بكركي لشرح الصورة السياسية والمبادرة في بلاد الاغتراب في أميركا واوستراليا وأوروبا.
وردة الفعل، لدى فريق حزب الله، تمثلت بجملة رسائل، سياسية وميدانية، وروحية، بكلام للمفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، وصف فيه الأزمة الوطنية بأنها بلغت حدّ الاشتباك الخطأ، والتوصيف الخطأ، مشيراً إلى ان سيادة لبنان تمر بدولة مواطنة لا دولة طوائف، لافتاً إلى ان شرعية السلاح مصدره التحرير ومنع العدوان وليس الشعارات. ونحن مع مؤتمر دولي بنسخة الصين.
ثم للنائب في كتلة الوفاء للمقاومة، الذي وصف التدويل بأنه يُشكّل خطراً وجودياً على لبنان، واعتبر ان هناك من يتلطى خلف بكركي، وقال: من يريد التمسك بالطائف يجب ألا يدعو الدول إلى لبنان لحل ازمتنا، مؤكداً بأن المعالجة تبدأ من الداخل.
وقال: التواصل مع بكركي لم ينقطع، ولفت إلى انه كان هناك تواصل مباشر مع بكركي حتى مرحلة كورونا، واليوم هناك تواصل هاتفي، وقبل ما حصل امس في بكركي بيومين كان هناك اتصال مباشر من قيادة حزب الله.
وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وصف الوضع في لبنان، في لقاء السبت بـ»إننا نواجه حالة انقلابية في كل الميادين في لبنان»، مؤكدا أن هدف دعوته إلى عقد مؤتمر الدولي هو إعلان حياد لبنان.
وقال الراعي أمام حشد من اللبنانيين أمام دارة البطريركية المارونية في بكركي كسروان، وفي حضور عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، إن خروج لبنان عن الحياد تسبب دائما بانقسام اللبنانيين، معتبرا أن اختيار نظام الحياد هدفه الحفاظ على الكيان اللبناني.
ولفت إلى أن كل الحلول الأخرى في لبنان بلغت حائطا مسدودا، وبعدما تأكدنا أن كل ما طرح رفض لكي تبقى الفوضى وتسقط الدولة ويتم الاستلاء على السلطة، لذلك طلبنا عقد مؤتمر دولي حول لبنان.
وقال البطريرك الراعي إنه لو تمكن السياسيون من إجراء حوار مسؤول لما طالبنا بعقد مؤتمر دولي برعاية أممية، ونحن لن نقبل أن يجوع الشعب ويعيش الفقر.
وأكد الراعي أننا نريد من المؤتمر الدولي إعلان حياد لبنان فلا يعود ضحية الصراعات، ويثبت الكيان اللبناني المعرض للخطر، وأضاف أننا نريد من المؤتمر الدولي منع توطين الفلسطينيين وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وقال الراعي إن «عظمة حركات المقاومة أن تعمل بكنف الدولة.. فأين نحن من هذا؟»، وأضاف لا يوجد جيشان أو جيوش في دولة واحدة ولا شعبان في دولة واحدة.
ودعا اللبنانيين إلى عدم السكوت على السلاح غير الشرعي وعن فساد السياسيين وعن الانقلاب على الدولة والنظام وعدم تأليف الحكومة وعدم إجراء الإصلاحات.
وبينما أكد الراعي أن الشراكة المسيحية الإسلامية في لبنان غير قابلة للمس، قاطعه المشاركون بالفاعلية الذين بلغ عددهم المئات مع الحفاظ على قيود كورونا، بشعارات «الشعب يريد إسقاط النظام»، «ارحل ميشال عون»، و«حزب الله إرهابي».
وعلى الأرض سارت تظاهرات في بعض شوارع الضاحية، وحملت اعلام حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي دفاعاً عن شرعية سلاح حزب الله.
وكشف وزير الإعلام السابق ملحم رياشي ان المتظاهرين اطلقوا شعارات معادية لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
المرحلة الثالثة
وتنطلق اليوم، الاثنين 1 آذار المرحلة الثالثة من إعادة فتح البلد تدريجياً، بعد اقفال تام دام نحو شهرين، وفقاً لإجراءات وشروط خاصة بملف مكافحة كورونا.
وأعلنت غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث عن إجراءات الفتح التدريجي الجديدة بدءا من اليوم، ويبقى تدبير حظر الخروج والولوج معمولا به اعتبارا من الساعة الثامنة مساءً للساعة 5 صباحا مع الزامية ارتداء الكمامة، وتمنع التجمعات على الشواطئ والأرصفة باستثناء الرياضة الفردية وتبقى الحدائق العامة مغلقة، وتمنع التجمعات والمناسبات الدينية والإجتماعية، ويتم التقيد بعدد 3 أشخاص ضمنهم السائق عند الإنتقال بواسطة السيارات العمومية، و50 بالمئة من سعة باقي وسائل النقل، مع الزامية ارتداء الكمامة لجميع الركاب، وأوضحت الغرفة المؤسسات التي يجب على المواطنين الإستحصال على إذن من المنصة للذهاب إليها.
اجتماع في المركزي
مالياً، يعقد اليوم اجتماع مالي مصرفي مهم في مصرف لبنان برئاسة الحاكم رياض سلامة، وسيضم المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، ويتناول شؤوناً مصرفية مهمة بما فيها ما رفعته المصارف في ما خص التزامها بالتعاميم المتعلقة بالملاءة بالدولار.
احتجاجات ضد التقنين القاسي للكهرباء
واحتجاجاً على قطع الكهرباء القاسي في بيروت والمناطق، خرج المواطنون إلى الشوارع، فقطعوا الطرقات على طريق سليم سلام بالاتجاهين، وكذلك على كورونيش المزرعة – تقاطع أبو شاكر، ومحلة بشارة الخوري، وصولاً إلى نقطة جسر المطار بالاطارات المشتعلة.
375033 إصابة
صحياً، سجلت وزارة الصحة في تقريرها اليومي 2258 إصابة جديدة بفايروس كورونا، و40 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع العدد التراكمي إلى 375033 إصابة مثبتة مخبرياً منذ 21 شباط 2019.
المصدر: صحف