الإجراءات التنفيذية التي اتَّخذها الرئيس الأميركي جو بايدن بهدف التصدِّي للتغيير المناخي، وصفتها وكالة “رويترز” بالكاسحة، سيما وأن بايدن أعاد بلاده الى اتفاقية باريس للمناخ في اليوم الأول من بدء ولايته، وهو مُطالَب بهكذا إجراءات في محاولة لإستعادة الثقة الدولية في مرحلة ما بعد دونالد ترامب، حتى لو شملت هذه الإجراءات، وقف إصدار عقود جديدة تتعلَّق بمشروعات النفط والغاز ووقف الدعم عن استخراج الوقود الأحفوري.
هذا النوع من النفط الصخري الذي كان يتباهى به ترامب أنه يُغني أميركا عن استيراد النفط من الخليج، بعد أن ابتزّ السعودية، تارة لحماية العرش العائلي، وأطواراً لحمايتها من “البعبع” الإيراني، ليتبيَّن للعالم على هامش الإنتخابات الرئاسية الأميركية، أن السياسات التي انتهجها ترامب في الخارج ارتدَّت الى الداخل وارتداداتها لن تتوقَّف ما دامت أميركا حريصة على التغيير المناخي دون تغيير مناخ الشرّ الذي تنشره الدولة العميقة فيها عبر العالم.
هذه الإجراءات التنفيذية/العملية التي اعتمدها بايدن في شؤون التغيير المناخي، يحتاج لمثيلاتها على المستوى السياسي، والخارجي منه بالتحديد عبر تغيير النهج الأميركي والنظرة تجاه منطقتنا، الذي يبقى مشتركا في اساسياته بين مختلف العهود وإن اختلفت بعض السياسات والاساليب نتيجة فشل اساليب السلف او تغير النظرة. ومن الثوابت المعروفة هي اثارة الفتن والقلاقل واضعاف قوى الدول الممانعة وسلب المقدرات واولوية امن اسرائيل. ولا يكفي الإعلان عن توجُّه لتغيير في الموضوع الفلسطيني، ولا يكفي أيضاً الوقف المؤقت لصفقات تسليح دولتين خليجيتين تُمعنان منذ سنوات بنحر أطفال اليمن، حتى انتحرتا على أرضه وباتت أراضيهما مهددة بشكل مباشر بفضل شجاعة اليمنيين في الدفاع عن وطنهم وكرامتهم، وهنا يبرُز سوء التفاهم حول قراءة القواميس بين أميركا وشعوب العالم، بحيث تُصنَّف المقاومات الوطنية إرهاباً لدى أميركا، والأنظمة الديكتاتورية المُجرِمَة مظلومة تُدافع عن أمنها، وحركات المقاومة تضُم “إرهابيين” وإرهاب الدُوَل مسألة فيها نظر !
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، نُعرِّج على الكيان الإرهابي الإسرائيلي لنسمع صرخة رئيس الأركان أفيف كوخافي، مُطالباً بتحالف إقليمي قوي، يضُمّ اليونان وقبرص ومصر والأردن ودول الخليج ، في مواجهة دُول يعتبرها تُهدد أمن إسرائيل، من إيران الى العراق وسوريا ولبنان، وقد تكون للبرودة التي خلَّفها رحيل ترامب على العلاقات الأميركية الإسرائيلية تأثيراتها على كوخافي ورئيس حكومته نتانياهو.
المشكلة التي تورَّطت فيها إسرائيل، أنها تبني آمالها على عمليات التطبيع التي حصلت مؤخراً، وتأمل أن ينسحب هذا الأمر على معظم الدول العربية والخليجية، وهذا ما لا يُمكن أن يحصل، لأن للشعوب إرادتها حتى على الأنظمة التي تتَّصِف بالقمع وكمّ الأفواه، والمبادرة القطرية لحوار خليجي مع إيران ولاقت الصدى الإيجابي لدى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، هذه المبادرة التي سبقتها محاولات كويتية هي نموذج عن التباين الخليجي والعربي في المواقف من إيران، وهذا ما يجب على بايدن قراءته قبل أن يبني على عمليات تطبيع غير ذات قيمة لا من حيث جغرافية المواجهة أم لجهة المواقف الثابتة من الصراع العربي- الإسرائيلي، خاصة أن قِمَّة “العُلا” التي عُقِدت مؤخراً، أظهرت إنقسامات وخلافات خليجية لدرجة غياب نصف قادة الدول عنها.
وإذا كان الرئيس الأميركي الجديد على موعد مع استحقاقات داخلية داهمة خلَّفها ترامب، فإن الإستحقاقات الخارجية ليست أقل أهمية إذا أراد بايدن إخراج أميركا من دائرة الشُبهة بل الجريمة الموصوفة، في دعم إرهاب الدُوَل بحق الشعوب الرافضة لقول “النَعَم”، وقد تكون مسألة تجميد صفقات اسلحة الى الدولتين الخليجيتين المُعتديتين على اليمن مؤشر تغيير نتيجة فشل السياسات السابقة تبدأ مع رئيس أميركي مسؤوليته تغيير المناخ السياسي العالمي الذي سببته سياسات سلفه وليس فقط موضوع التغيير المناخي…
المصدر: موقع المنار
