بينما تعيش دول العالم في صراعٍ حول كيفية إعادة فتح المدارس بأمان وسط جائحة فيروس كورونا، تسلط دراستان جديدتان الضوء على الاستراتيجيات التي قد تكون أساسية في إعادة الأطفال إلى الفصول الدراسية.
ووجد الباحثون في بريطانيا أنه يمكن إعادة فتح المدارس بأمان طالما أن هناك إجراءات تتبع الحالات المخالطة.
وتتضمن استراتيجيات تتبع الحالات المخالطة ما يكفي من الفحوصات للعثور على الحالات المصابة، وعزلها، ثم تتبع الحالات المخالطة لها وعزلها أيضاً.
ووجد فريق في أستراليا أنه على الرغم من أن المدارس ظلت مفتوحة في نيو ساوث ويلز بين أواخر يناير/ كانون الثاني وأوائل أبريل/نيسان، فإن الأطفال والمعلمين لم يساهموا بشكل كبير في انتشار عدوى “كوفيد-19” وذلك نتيجة اتباع استراتيجيات تتبع ومراقبة جيدة.
وتهدف الدراستان، وكانتا قد نشرتا في دورية “The Lancet Child & Adolescent Health” يوم الاثنين، إلى المساعدة في إثراء المناقشات العالمية حول إعادة فتح المدارس.
وتستخدم الدراسة البريطانية نموذجاً لتقدير عدد الفحوصات وتتبع الحالات المخالطة اللازمين لمنع وقوع موجة ثانية من “كوفيد-19” بعد إعادة فتح المدارس في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وتشير الدراسة إلى أنه، وفقاً للسيناريو، سيحتاج ما بين نسبة 59% و87% من الأشخاص الذين يعانون من أعراض المرض إلى إجراء اختبار في مرحلة ما أثناء الإصابة، ويجب تعقب المخالطين لهم، وسيتعين عزل المصابين بالمرض من أجل منع انتعاش الجائحة.
وقالت ياسمينا بانوفسكا-غريفيث، الباحثة والمحاضرة في النمذجة الرياضية بجامعة “كوليدج لندن”، والتي قادت الدراسة البريطانية، لـCNN إن الدراسة “تشير إلى أنه سيكون من الممكن تجنب حدوث موجة وبائية ثانوية في المملكة المتحدة إذا توفرت إمكانية تشخيص عدد كافٍ من الأشخاص المصابين بأعراض العدوى وتتبع المخالطين لهم وعزلهم بشكل فعال”.
وأضافت غريفيث في بيان: “مع ذلك، بدون تغطية كافية لاستراتيجية الفحوصات والتتبع والعزل، فإن المملكة المتحدة تخاطر بحدوث ذروة وبائية خطيرة أخرى في ديسمبر أو فبراير”.
“الورقة البحثية تسلط الضوء على أهمية الفحوصات”
وأجرت بانوفسكا-غريفيث وفريقها مجموعة متنوعة من السيناريوهات لمعرفة مقدار تتبع الحالات المخالطة الذي يجب القيام به لإعادة فتح المدارس بأمان. ويمثل أحد السيناريوهات إعادة فتح المدارس بدوام كامل، بينما يمثل سيناريو آخر إعادة فتح المدارس بدوام جزئي، حيث يحضر نصف عدد الطلاب إلى المدرسة في أسابيع على فترات متقطعة.
وبشكل عام، توقع النموذج أنه مع إعادة فتح المدارس بدوام كامل أو جزئي، إلى جانب تخفيف تدابير التباعد الاجتماعي الأخرى، يمكن تجنب موجة وبائية ثانية في المملكة المتحدة إذا تم تشخيص عدد كافٍ من الأشخاص المصابين بأعراض مرض “كوفيد-19” وتتبع المخالطين لهم وعزلهم بشكل فعال.
وكتب الباحثون في الدراسة: “باختصار، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن إعادة فتح المدارس يمكن أن يشكل جزءاً من الخطوة التالية المتمثلة في التخفيف التدريجي للإغلاق إذا اقترن بتطبيق استراتيجية الفحوصات، وتتبع المخالطين، والعزل على نطاق واسع”.
وأضاف الباحثون أن النتائج التي توصلوا إليها كانت متسقة في ظل افتراضين بأن الأطفال ينقلون عدوى فيروس كورونا إلى البالغين، أو أن العدوى بين الأطفال متعلقة بنسبة 50% بعمر العشرين وما فوق.
ومن جانبه، قال آدم كوتشارسكي، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة والأمراض المعدية في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، في بيان مكتوب، إن الورقة البحثية “تسلط الضوء على أهمية اختبار نسبة عالية من حالات كوفيد-19 المصحوبة بأعراض وتتبع نسبة كبيرة من المخالطين لهم، ولكن كما ذكر مؤلفو الدراسة، فإن التحليل ينظر إلى سيناريو متفائل للغاية حول سرعة وأداء الفحوصات، التي يفترض بأنها دقيقة بنسبة 100%، ويتم تلقي نتائجها في غضون يوم واحد، ثم يعزل الجميع لمدة أسبوعين.
وتابع كوتشارسكي: “في الواقع، ستكون هناك مفاضلة بين السرعة والفعالية، وحتى إذا تم فحص نسبة عالية من الأشخاص المصابين بمرض كوفيد-19، فلن يتوقف انتشار العدوى إذا أخذت النتائج وقتاً طويلاً أو لم يتم تتبع المخالطين قبل أن يتحولوا إلى ناقلين للعدوى”.
وأضاف أنه من أجل الحصول على أكبر قدر من التأثير، سيحتاج الفحص والتتبع إلى تحديد وعزل نسبة كبيرة من الحالات المصابة والمخالطين لهم، ولكن أيضاً القيام بذلك بسرعة كافية للتغلب على تفشي المرض”.
وكان للدراسة بعض القيود الأخرى، بما في ذلك أن النتائج الواردة في النموذج هي مجرد تقديرات تتنبأ بما يمكن أن يكون ممكناً في ظل سيناريوهات مختلفة، وبالتالي فإن التنبؤات ليست حتمية للمستقبل، كما يلزم إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد ما إذا كان النموذج سيقدم تنبؤات مماثلة للولايات المتحدة والدول الأخرى حول العالم.
وعلى الصعيد العالمي، تأثر أكثر من 1.5 مليار طالب، أو نسبة 90% من طلاب العالم، بالإغلاق المؤقت للمدارس والجامعات هذا العام بسبب الجائحة، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.
“الدراستان تقدمان خيارات محتملة لإبقاء المدارس مفتوحة”
أما بالنسبة للدراسة الأخرى، التي نُشرت أيضاً في “The Lancet Child & Adolescent Health”، وجد الباحثون الأستراليون أنه على الرغم من حضور 27 طفلًا أو موظفاً في 25 مدرسة ورعاية نهارية للمصابين بعدوى “كوفيد-19″، إلا أن 18 شخصاً آخر فقط أصيبوا لاحقاً.
ومن خلال تتبع المخالطين لهم، تم تحديد ألف و448 حالة مخالطة وثيقة والتواصل معها، وطلب منهم أن يخضعوا للفحص إذا ظهرت عليهم أي أعراض. وبشكل عام، خضع 633 منهم للفحص، إلا أن 18 منهم فقط تأكدت إيجابية فحصهم، بمعدل 1.2%.
وقال الباحثون إنه من المحتمل أن تكون بعض الحالات قد تم تفويتها، وأشاروا إلى أنه يمكن للآخرين الإستعانة بدراستهم بينما يقرروا ما إذا كان سيتم إعادة فتح المدارس وكيفية ذلك.
وكتب عالم الأوبئة البريطاني جون إدموندز، من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي،: “تقدم الدراستان خيارات محتملة لإبقاء المدارس مفتوحة وتبرزان الأهمية الواضحة لتتبع الحالات المخالطة وإجراء الفحوصات”.
وذكر إدموندز أنه “مع ذلك، تبقى العديد من الأسئلة، بما في ذلك ما إذا كانت هناك اختلافات مرتبطة بالعمر في القابلية واحتمال انتقال العدوى بين الأطفال والمراهقين،نحن بحاجة ماسة إلى برامج واسعة النطاق لرصد بعناية تأثير إعادة فتح المدارس”.
وأضاف أنه “لا توجد حلول سريعة لهذه الجائحة، ومع ذلك، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحكومات حول العالم بحاجة إلى إيجاد حلول تسمح للأطفال والشباب بالعودة إلى التعليم بدوام كامل بأمان وبأسرع وقت ممكن”.
المصدر: سي ان ان