منذ التحرير الذي أنجزه لبنان عام 2000، كل مُوفد أميركي يحضر الى بيروت يعود وحقيبة مكائده فارغة، دون الحاجة الى استعراض أسماء هؤلاء المُوفَدين، ولو أن مادلين أولبرايت وكونداليزا رايس كانتا الأبرز لناحية جرّ أذيال الخيبة الى حدِّ المَهانة خلال خوض لبنان معارك الكرامة، وإذا كانت أولبرايت قد غادرت منصبها في كانون الثاني 2001 بعد أشهر من تحقيق المقاومة النصر الأول، فإن رايس واكبت حرب تموز 2006 وكانت شاهدة على هزيمة رهانات بلادها على أرض لبنان، وكل ما يحمله وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو اليوم الى بيروت هو مجرَّد أوهام أن الضغط الإقتصادي والتضييق على لبنان سيُعيد هذا الوطن الى زمن ما قبل أولبرايت ورايس.
وعلى وقع آخر هلوسات ترامب التي رافقت بومبيو الى إسرائيل، بأن الأوان قد آن لإعلان السيادة الإسرائيلية على الجولان السورية، جاء الردّ الأممي سريعاً، بأن هذا التصريح الأميركي هو خرقٌ لكل القوانين الدولية، وأن الجولان باقية أرضاً سورية، وإذا كان نتانياهو قد انتشى من هذا الإعلان، فهو لا يُدرك أن كل القرارات الأميركية ينسفها صاروخ واحد من قطاع غزة على الكيان الإسرائيلي، وأن “المعادلة الصاروخية” هي التي تحكم الشعب الإسرائيلي الجبان، والحضن الأميركي بعيد جغرافياً عن كفكفة دموع ذعر المستوطنين عند كل صاروخ.
ومواقف رئيس الجمهورية، التي أعلنها أمام وسائل الإعلام الروسية عشية سفره الى موسكو للقاء الرئيس بوتين يوم الثلاثاء القادم، تجعل من زيارة بومبيو هامشية أكثر من المُتوقَّع، لأن الأميركي لا يُحضِر في جعبته سوى إملاءات، وهذه الإملاءات قد تسري على بعض دول الخليج ذات “العروش المُهتزَّة” التي تتسوَّل الغطاء الأميركي، لكنها لا تسري على لبنان ولا على أية دولة من محور المقاومة، لأن الجماهير الشعبية تختلف إيديولوجياً عن تلك الخاضعة لسيف الطاعة.
ومشكلة بومبيو كوزير خارجية، أن أوساط الإدارة الأميركية تصِفُه بأنه “رجُل ترامب”، ويتمتع بشخصية من النوع التِبَعي الذي لا يٌجيد سوى قول الـ “نَعَم” لرئيسه، ولا أفكار خلَّاقة لديه ولا آراء مؤسساتية، وهو مجرَّد أداة تنفيذ لرئيس مزاجي مُتقلِّب مثل ترامب، قال عنه جون كيري وزير الخارجية السابق : “على مدار عقود من الزمن عملتُ خلالها في الحكومة، لم أرَ زعيما مُفرِّقاً أو خطيراً بمقدار دونالد ترامب، وطبعاً لم أرَ رئيسا أميركياً يُهدِّد أمننا القومي بواسطة تغريدات على موقع تويتر”.
وفي الخلاصة – لبنانياً- ، سنتان ونصف حاولت أميركا مع أدواتها منع وصول الرئيس عون الى الرئاسة، وتسعة أشهرٍ من عرقلة تشكيل الحكومة وأحد أسباب، نكرر، أحد أسباب العرقلة، حصول حزب الله على وزارة أساسية، ليعود بومبيو بالتلويح بعقوبات لا خيار للبنان سوى مواجهتها بكل الوسائل.
وحيث أن إسرائيل استبقت زيارة بومبيو، بتوجيه تهديدٍ جديد ضد لبنان، بقول رئيسها رؤوفين ريفلين لبومبيو: “إسرائيل لا تميّز بين لبنان وحزب الله، وفي حال تنفيذ اي هجوم على اسرائيل فإن الحكومة اللبنانية تتحمّل المسؤولية”، فلا جديد يحَمله بومبيو الى بيروت، ولا جديد في القرار اللبناني يحملِه في حقيبة العودة الى بلاده، تاركاً خلفه “عبقة” دخان السيارات العالقة في الزحمة نتيجة التدابير الأمنية، و”عَبَق” أوهام بقايا المُراهنين في لبنان أن لأميركا دوراً يُعيدهم الى “عِزّ” ما قبل العام 2000 يوم غيَّر لبنان تاريخ الهيمنة وقَلَب مُعادلات كل الأجندات الدولية…
المصدر: موقع المنار