ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم 2 آذار 2019 على مواضيع عديدة كان ابرزها زيارة المسؤول عن تنفيذ مقررات مؤتمر «باريس 4» (سيدر) بيار دوكان والذي عبر عن استيائه من عدم جدية المسؤولين اللبنانيين، مبشراً بالخصخصة وزيادة تعرفة الكهرباء، وإلا لا استثمارات..
* الاخبار
«انفخ باللبن يطلعلك»… سنيورة
في مؤتمره الصحافي، أمس، وفي سياق ضربه مثلاً، قال فؤاد السنيورة: «مثلاً، كل واحد فيكم عنده دفتر شيكات وبتعرفوا، فـ(…)». باختصار، هذا هو السنيورة. كلّ الناس عنده يتداولون الشيكات. مَن لا يفعل، فهو في حيّز العدم. هو السنيورة، الذي ما ارتبط الصيت السيّئ بشخص، بين الناس، كما ارتبط به في جمهوريّة ما بعد «الطائف». سيكون عليه، إلى آخر حياته، أن يظلّ يخرج ليقول: «أنا آدمي، والله، أنا بريء». راح يُغادر كرسيّه، أمس، ثم يعود إليه، مواصلاً كلامه. بدا متوتّراً. ليست المرّة الأولى التي يُمارس فيها سلوك المتورّط. مرّة جديدة يخرج السنيورة ليقول: أنا بريء في حكاية الـ11 مليار الشهيرة، وغيرها. مِن سوء حظّه أن مقرّ نقابة الصحافة، حيث عقده مؤتمره، يشهد أعمال ترميم. الدرج إلى الطبقة الأولى مخلّع. الجدران، التي كانت ملوّنة، أصبحت كالحة باهتة. يا للفقر!
يبدو أن أحدهم، في زمن ما، نجح في زرع حبّ الأمثال الشعبيّة والتشابيه اللغوية في نفس السنيورة. تفجّرت موهبته، أمس، بتشبيه: «ما فيك تجمع ليمون وتفّاح». مَن قال له ذلك؟ كرّرها مراراً وكأنّها ثابتة علميّة. ذوقه الشخصي هو قاعدة للجميع، ويفترض، بسذاجة، أن الناس يعتاشون مِن حاسّة ذوقه. تطرّق إلى الصحف الصفراء، فكانت عبارة «الصحف الزرقاء» أسرع إلى لسانه، ثم عاد وصحّح. راح صوت المذياع، الذي يحمله، يتقطّع. نصف كلمته لم يسمعها الحاضرون. قالت إحداهن: «ما عم نسمع يا دولة الرئيس». لم يسمعها هو. خالد الضاهر يبتسم، نديم قطيش يعبث بأنفه، فارس سعيد لا يكف عن التلفّت إلى الوراء، متصفّحاً الوجوه، ونوفل ضو فضّل الوقوف في آخر القاعة البائسة. الوزير السابق إبراهيم نجّار غادر المؤتمر قبل أن ينتصف. راح السنيورة يعرض، عبر شاشة، جداول أرقام ليس باستطاعة الجالس في الصفوف الأمامية أن يقرأها. لا يبدو أن الحاضرين فهموا مِنها شيئاً، بدليل أنّهم لم يصفقوا، إذ كانوا يفعلون مع كلّ «مثل شعبي» يطلقه الرجل، مثل تبع «الليمون والتفّاح». صفّقوا له مرّة عندما قال: «بس أنا بخاف الله». أطلق مقولة إضافيّة: «سمّى الجيرة وسمّى الحي ولولا شوي سمّاني». هنا «فرط» كثيرون مِن الضحك. صفّقوا له. بدا الحاضرون، ومِنهم وجوه «مستقبليّة» قديمة، بحاجة إلى زعيم يقودهم ولو كان… سنيورة. يعني «القرقشة ولا الجوع». بالنسبة إلى السنيورة كلّ ما أثير حوله مِن شبهات مجرّد «زوبعة في فنجان». صفّقوا له مجدداً. مروان حمادة يجلس في المقدمة، يصفّق.
في جوابه على سؤال إن كان سيذهب لمقابلة النائب العام المالي، إن استدعاه الأخير فرضاً، أجاب: «هذا أمر يحتاج إلى بحث». الذهاب إلى القضاء، بالنسبة إلى «القامة الوطنيّة» إيّاها، و«رجل الدولة» وما شاكل، تحتاج إلى بحث. ثم استدرك: «بدّي شوف أوّل شي إدارة القضاء، بعدين بصير عندي ثقة… الملدوع من الشوربا بينفخ ع اللبن». في لحظة «النفخ» هذه، صفّقوا له، علماً أن اللقطة هنا بدت ناقصة، وكانت ستكتمل لو خرج أحدهم وأكملها له: «بيطلعلك بوالين». سألته صحافيّة: «ماذا يريد حزب الله مِن مكافحة الفساد الذي مِن الواضح أنه غير موجود». هناك صحافيّة، تعيش على كوكب الأرض، برأيها أنّ الفساد في بلادنا غير موجود. هذا صنف مِن الكائنات موجود، علينا أن نتعايش معه، وأن نحذر أيضاً مِن كونه يتكاثر. وعلى سيرة تشبيهاته الفظيعة إيّاها، نجد في أرشيف الصحف، قبل 20 عاماً، هذا القول المأثور للسنيورة: «يرى البعض أن سائق الباص يجب أن ينظر باستمرار في المرآة، ليستكشف ما وراء الباص ولا ينظر إلى الامام. أما أنا فأعتبر هذا الوضع خطيراً، لأنني أعترف أنّ من الأفضل تمضية 90 في المئة أتطلع إلى الأمام وأترك 10 في المئة لأنظر خلفي بالمرآة». آه يا شاطر آه. هذا الرجل، صاحب هذه المقولة الفالجيّة، كان رئيس حكومة، ووزيراً للمال أكثر مِن مرّة، وكان أحد رؤوس النظام الذي صاغ لنا المستقبل، حاضرنا، وما سيأتي.
هل عرفت السياسة في لبنان أرّق وألطف مِن سليم الحص؟ السنيورة «كان عندو قلب» ليسيء إليه. قبل 10 سنوات، زعم السنيورة أنّ «أكبر زيادة طرأت على الدَّين العام كانت خلال حكومة الحص». ردّ عليه الحص: «إن هذا الدين كانت أرقامه مضخّمة بقيمة المستحقات التي ورثناها من حكومات سابقة، كان زمام المال في يده هو، الحكومات التي درجت على عدم إدخال المستحقات غير المدفوعة ضمن الدَّين العام المعلن لأسباب لا تخفى على أحد». لدى السنيورة مِن «السمّ السياسي» ما يكفي لدفع مثل الحص إلى أن يغضب. الأخير تابع ردّه، على طريقة للحقيقة والتاريخ، قائلاً: «كان الدَّين العام أقل من ملياري دولار في 1992 عندما تولّى السنيورة حقيبة المال للمرة الأولى، فأين نحن اليوم؟ ثم أين أصبح الدَّين بعد تولّيه رئاسة الحكومة لأربع سنوات؟ عبثاً تحاول يا دولة الرئيس الموقّر أن تتستّر على سجلّك الطويل بالتطاول زوراً على الغير».
السنيورة يهرب من تحمّل المسؤولية: اسألوا بيفاني عن التجاوزات!
قد يكون البيان الختامي لمؤتمر الرئيس فؤاد السنيورة هو المادة الأساسية التي استعان بها للرد على تهمة نسبها إلى نفسه قبل أن ينسبها إليه أي أحد في قضية الحسابات المالية. خرج السنيورة شاهراً سيفه في وجه أطراف التسوية الرئاسية، مغلِّفاً دفاعه عن نفسه بمجموعة أرقام لا وجهة قانونية لها… وحصر كل القضية بمبلغ الـ11 مليار دولار، محاولاً رفع المسؤولية عن كاهله وتحميلها للمدير العام لوزارة المالية!
كانَ يكفي فؤاد السنيورة أن يعلو صوتُ التصفيق في نقابة الصحافة، ويلوّح له البعض بأن ما يقوله «عظيم» حتى يرفَع سقف التحدّي.
رُبما اختلطَ الأمر على رئيس الحكومة الأسبق. زلّة لسان نقيب الصحافة عوني الكعكي، باستبدال كلمة «شهاب» بدلاً من السنيورة أحالت بعض الحاضرين تخيّلاً إلى زمن الرئيس فؤاد شهاب. استأنس نائب صيدا السابق بالفكرة وصدّقها، فحاول تقديم نفسه كرجُل دولة ومؤسسات. لكنه سريعاً حشرَ ردّه المالي بينَ خانتين: سياسية وطائفية، ليوحي أن الحملة التي يتعرّض لها مؤامرة كونية، مذكّراً بحقبة «الوصاية السورية» حينَ كادَ أن يزجّ به في السجن بعد فضيحة محرقة برج حمود. قدّم مُطالعة هي عبارة عن أرقام بلا وجهة حقيقية أو قانونية، متداخلة في سياق سياسي. واستعاض عن صورة التسعينيات بصورة جديدة يُمثلها حزب الله والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون، بدلاً من «النظام السوري» ورئيس الجمهورية السابق إميل لحود. وللاستناد أكثر إلى المظلومية المذهبية، وضع قضية الحسابات المالية في إطار الهجوم على كل حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري.
هكذا يُمكن اختصار المؤتمر الصحافي للسنيورة أمس، الذي استكمل عملية التضليل من خلال التركيز على مبلغ الـ11 مليار دولار التي أنفقتها حكومته الأولى (2005 – 2008) من دون سند قانوني لجهتين: أولاً، لأنها أنفقت من دون قانون موازنة، وثانياً لأنها تجاوزت القاعدة الاثني عشرية. ومكمن التضليل أن الملف المطروح في البلاد، منذ جلسات الثقة للحكومة الحالية الشهر الفائت، هو ملف الحسابات المالية للدولة، منذ عام 1993، وإعادة تكوينها بسبب الثُّغرات الجمّة التي تعتريها.
نواب ووزراء سابقون وحاليون من الذين كانوا صقوراً يومَ كان ما يُسمّى فريق ١٤ آذار في عزّه، حضروا إلى قاعة نقابة الصحافة. بعضهم «شهود» على سياسة السنيورة في وزارة المالية ورئاسة الوزراء، تحديداً عام 2006. وبعضهُم مستقبليون كانوا في صلب جناحه حين انقسَم التيار بين مؤيد للتسوية الرئاسية ومعارض لها. في الشكل، تبرّع هؤلاء بعراضة تضامن، و«قادتهم» رئيسة كتلة المستقبل النائبة بهية الحريري التي غادرت المؤتمر قبلَ انتهائه.
في السياسة، استغلّ الوزير الأسبق للمال منبر النقابة للتصويب على شركاء التسوية الرئاسية التي كان من أشد المعارضين لها. طاول الرئيس عون حين تحدث عن الذين «يعدّلون الدستور بالممارسة». «لطش» الرئيس سعد الحريري بالقول إن فؤاد السنيورة «لا يقدم التنازلات». وخلص تقريره ببيان ختامي ضد حزب الله يلخص النزاع السياسي في لبنان منذ ١٤ عاماً. وقد ضمّ إليهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الأمر الذي يدلّ على عمق الأزمة التي يمرّ فيها، والتي دفعته أمس إلى تحويل الأنظار عن القضية الحقيقية «فضيحة الحسابات المالية للدولة»، وحصر الموضوع بمبلغ الـ ١١ مليار دولار، أولاً. ومن ثم رفع المسؤولية عن كاهله، محاولاً تحميلها للمدير العام في الوزارة. ربما لأن الأخير كان على رأس الفريق المُساعد في إعداد المستندات التي تدين إدارة السنيورة لوزارة المال، وخاصة بين عامي 1993 و1998.
أما في الأرقام، فتبيّن أن الأخير في معرض رده على المستندات التي أثارها النائب حسن فضل الله، خلط الحابل بالنابل، عن سابق إصرار، بهدف تضييع الرأي العام. فما قاله في المؤتمر وحصره بمسألة مبلغ الـ11 مليار دولار، لا علاقة له بملف الحسابات المالية الذي أصبح في عهدة القضاء. وليس أدل على ذلك من استغرابه كيف وصل تقرير وزير المالية إلى النائب فضل الله، علماً أن ما قدمه الأخير إلى القضاء أول من أمس هو مستندات تعود إلى عام 2010، لا التقرير الذي لم يقدّمه وزير المال لأحد بعد.
أول خطأ وقع فيه السنيورة حين تحدث عن إعداد قطوع حسابات الموازنة وحساب الخزينة منذ عام ١٩٧٩ ولغاية عام ١٩٩٢، أي لمدة ثلاثة عشر عاماً، نظراً لفقدان المستندات، ما أدى حينها إلى إصدار قانون في مجلس النواب يجيز صرف النظر عنها، علماً أن وزارة المالية، خلال إعداد التقارير استطاعت إنجاز بعض منها!
وضع السنيورة قضية الحسابات المالية في إطار الهجوم على كل حكومات الرئيس رفيق الحريري
حاول السنيورة اختصار كل القضية بمبلغ الـ١١ ملياراً، محاولاً إقناع الجميع بأن هذا المبلغ يتعلّق بالقاعدة الاثني عشرية للإنفاق، إذ إن مجموع الإنفاق بين عامي 2006 و2009 تخطّى المجموع المسموح به على أساس هذه القاعدة بمبلغ قدره 11 مليار دولار، وهو عبارة عن فروقات في عجز الكهرباء والدَّين العام. ولم يجِد السنيورة تبريراً لهذا الصرف غير القانوني، إلا بالقول إن الموازنات كانت ترسل إلى مجلس النواب، لكن رئيس المجلس كان يرفض تسلّمها، وإن الصرف على القاعدة الاثني عشرية، كان وفق موازنة عام ٢٠٠٥، مع فارق هو الزيادة في النفقات.
أما الأمر الآخر والبارز، فكان في محاولته التجني على المدير العام لوزارة المالية ألان بيفاني. إذ قال إنه «كان موجوداً في موقعه هذا منذ عام 1999، وهو الذي كان وما زال مشرفاً ومسؤولاً وبشكل كامل ومباشر عن كل أمر يمتّ بصلة إلى مديرية المالية العامة المسؤولة عن مديريات الموازنة والمحاسبة العامة والواردات والصرفيات والخزينة والديوان والضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي هو الذي ينبغي أن يُسأل عن الحسابات وعن تلك القيود التي أشار إليها أحدهم» (المقصود النائب فضل الله). وإذا جاز للوزير، أي وزير، صاحب السلطة في الوزارة ورأس الهرم فيها، التنصّل من مسؤولياتها ورميها على موظفين فيها، ولو كانوا برتبة مدير عام، يبدو أنه غاب عن بال السنيورة أن بيفاني لم يكن موجوداً في الفترة ما بين عامي 93 و98، حين كان الفريق الإداري والاستشاري كله خاضعاً بالكامل لوزير الدولة للشؤون المالية حينذاك، أي السنيورة نفسه، ولوزير المال الأصيل، أي الرئيس رفيق الحريري. وقد كانت هذه السنوات بحسب المعلومات، هي الساحة الرئيسية لكل الارتكابات التي حصلت في عهد السنيورة من دون محاسبة، واستمرت فيما بعد.
بعد ذلك استفاض السنيورة بجداول وأرقام، قبل أن يصِل إلى الخاتمة، وهي عبارة عن بيان سياسي ضد حزب الله هدف من خلاله إلى تعبئة كل المعارضين للحزب بالقول إن الأخير «يحاول من خلال هذه القضية التستر على مأزقه السياسي وتورطه في النزاعات الإقليمية والدولية، معرِّضاً مصالح لبنان واللبنانيين للمخاطر، معطلاً مؤسساتها ومواعيدها الدستورية ومنع دوران العجلة الاقتصادية بصورتها الطبيعية»!
“لا أهلاً ولا سهلاً”… بسفير «سيدر»!
أنهى المسؤول عن تنفيذ مقررات مؤتمر «باريس 4» (سيدر) أمس جولته في لبنان، بمؤتمر صحافي أعاد خلاله تلاوة الإملاءات الغربية المطلوبة من لبنان، مُقابل «كسب ثقة» المانحين، واستمرار المشاريع «الإصلاحية». لكنّه كان مسكوناً بهمّ التكرار أنّهم لا يوجهون «إنذاراً» إلى لبنان. أمّا في الاجتماع المُغلق مع سفراء الدول المانحة، فشكا المسؤولين اللبنانيين، متهماً إياهم «بتضييع وقت شعبهم ووقتنا»
بيار دوكان… «لا أهلاً ولا سهلاً» في لبنان. هكذا كُتب على إحدى اللافتات التي رفعها مطالبون بإطلاق سراح المقاوم جورج إبراهيم عبد الله من السجون الفرنسية، اعتصموا أمام السفارة الفرنسية في بيروت، فيما كان المسؤول عن تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» السفير الفرنسي بيار دوكان، يُعدّ لعقد مؤتمره الصحافي أمس. على لافتة أخرى، كُتب أنّ «مؤتمر سيدر وأسر جورج عبد الله، وجهان من وجوه سياسات الخارج». صرخات المُطالبة بإطلاق سراح عبد الله، التي يجب أن تُطلق بوجه أي مندوب فرنسي يزور لبنان إلى أن يُنفَّذ القانون ويُحرَّر جورج، لم يسمعها بيار دوكان. فرجال الأمن فضّوا التجمّع، بعد أن افترش المعتصمون الأرض، مانعين السيارات من الدخول إلى السفارة الفرنسية. كذلك تأخّر المندوب الفرنسي عن الموعد المُحدّد مُسبقاً قرابة ساعة، بسبب تحديد اجتماع له مع رئيس الحكومة سعد الحريري.
على مدى يومين من لقاء المسؤولين في بيروت، كان بيار دوكان يُردّد الكلام نفسه: «لا بُدّ من …، يجب على لبنان أن يقوم بـ …، لا يُمكن أن». استخدم المسؤول عن تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» تعابير فوقية في الحديث عن الإجراءات التي تريد فرنسا وأصدقاؤها الدوليون، أن يُطبّقها لبنان، في مقابل القروض (تُسمّى، مَكراً، مُساعدات واستثمارات) التي سيستدينها منهم. ولكن دوكان وجد طريقة لـ«يُحصّن» بها نفسه، ويُلقي بعيداً عنه تهمة «التدخل بالشؤون اللبنانية». استعان بالبيان الوزاري للحكومة، على اعتبار أنّ «الإصلاحات» التي يتحدّث عنها واردة فيه. «لعبة شكلية» غير مقنعة، ما دام البيان الوزاري كان الهدف منه أصلاً خطب ودّ «المجتمع الدولي»، ولم يتضمن أي إجراءات جدّية للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية، بل أتى تكراراً لما يطلبه «المانحون» منّا.
دوكان أيضاً خلال جولته، أعاد التذكير بـ«الإصلاحات» المطلوبة والقائمة أساساً على المسّ بالقطاع العام، وإطلاق عقود «الشراكة مع القطاع الخاص»، أي الخصخصة. هو يُطالب بتحسين الكهرباء والماء وإيجاد خطة لمعالجة النفايات، فيما المشكلة في مكان آخر: في المصارف التي لا يريد أحد تحميلها كلفة إضافية لمواجهة الأزمة، وفي ضرب القطاع العام والاستهداف المُمنهج لأبناء الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل في مُقابل حماية كبار المودعين والهيئات الاقتصادية، وفي فائدة الدين العام التي تستنزف المالية العامة. صحيحٌ أنّ تطوير الخدمات الأساسية والمباشرة للمواطنين مطلوبة، ولكن لا يمكن تقديم هذا الأمر كإصلاح للنموذج الاقتصادي الذي سيبقى يخلق الازمات. الأساس يكمن في إعادة هيكلة الدَّين العام وتخفيض فائدته. لا يأتي «سيدر» على ذكر ذلك، بل «يُبشّرنا» بديونٍ إضافية. والأنكى أن الدول المانحة تُهدّد بأنّها لن تكون «فاعل خير». فأموال سيدر «موجودة، ولكن ليس للتوزيع أو الصرف مجاناً… ليس لدي أي سبب للشك (في تطبيق الإصلاحات) عندما أقرأ البيان الوزاري، لكن عدداً من المانحين لديه شك. هناك ضرورة للقيام بخطوات ملموسة وللإصلاح»، كما قال دوكان في مؤتمره الصحافي أمس.
بعد أربعة أشهر من زيارته السابقة للبنان، وجد دوكان ضرورة للعودة بعد أن تشكّلت الحكومة «لأقوم بجولة أفق مع الحكومة اللبنانية ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء والجهات المانحة. لقد استخلصت من هذه الزيارة أن ما اتُّفق عليه في 6 نيسان في باريس لا يزال قائماً. هناك اتفاق من قبل القوى السياسية للسير قدماً في المجالات الآتية: المشاريع والتمويل والإصلاحات». وأضاف دوكان أنّ «الحكومة لا تملك ترف الانتظار. عنوان البيان الوزاري هو إلى العمل، ويجب العمل بسرعة»، نافياً أن يكون قد هدّد بأنّه إذا لم تُجرَ الإصلاحات خلال مُهلة شهرين فستُلغى أموال المشاريع، «لقد قلت إنّ الأمور يجب أن تجري بسرعة خلال ثلاثة أو أربعة أشهر… هناك الكثير من الأمور السهلة الموجودة في البيان الوزاري يمكن القيام بها في الأمد القصير، وهي إشارات إيجابية للمجموعة الدولية». ولكن تكراركم أنّه يجب العمل بسرعة، ألا يُعَدّ تهديداً؟ ردّ دوكان على سؤال «الأخبار» بالترداد بقوله: «لا نوجّه إنذاراً إلى لبنان». عبارة كرّرها مراراً خلال المؤتمر. وعلّل بأنّه «لا يوجد وقت لإضاعته. الاستثمارات هي من مصلحة لبنان. الأموال موجودة، ولكن ليس للتوزيع مجاناً».
عبّر دوكان، في لقائه السفراء، عن استيائه من عدم جدية المسؤولين اللبنانيين
تحدّث دوكان خلال المؤتمر عن «التوازن بين تطبيق المشاريع، والإصلاحات الإقطاعية، والتمويل من قبل المجموعة الدولية». ثمّ قدّم «التعليمات» لما يجب على لبنان القيام به: «تسمية المراكز الشاغرة في الهيئات الناظمة للطاقة والاتصالات والطيران المدني، إعطاء مجلس الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص الوسائل اللازمة للقيام بالعمل، إقرار موازنة عام 2019 في نهاية آذار أو أول نيسان. في هذه الموازنة، لا شك في أن هناك قرارات صعبة، وهي واردة في البيان الوزاري، ومنها خفض العجز (عجز الموازنة) نحو 1% (من الناتج المحلي). وهناك أيضاً عمل يجب القيام به في القطاع العام لجهة عمله وإنتاجيته وموظفيه». وأكمل تلاوة «أوامر» دولته بأنّه يجب «إصلاح قطاع الكهرباء، فمن دون كهرباء من الصعب الاستثمار». أما في موضوع مكافحة الفساد، «فيجب أن يكون من خلال أمور تقنية، منها التحول نحو الإدارة الإلكترونية التي تشكل الوسيلة لتخفيف الفساد». وردّاً على سؤال «الأخبار» بأنّ تكرار الحديث عن الإجراءات الواجب على لبنان اتخاذها يُعبّر عن الرؤية الفرنسية، لا اللبنانية، وهو تدخل بشؤون محلية، وصف دوكان كلامه بـ«النقاش الطبيعي»، ففي النتيجة «لا لبنان ولا المانحون مُلزمون بشيء. هناك عقد، إذا كان أحد لا يريده، يقوم بما يراه مناسباً». وأضاف أنّه يتحدث عمّا ورد في البيان الوزاري «الذي كتبته الحكومة، لا المانحون. هل كُتب إرضاءً لأحد؟ كلا، بل ليسير لبنان بشكل أفضل».
وكان دوكين قد اختتم زيارته أمس بلقاء كلّ من رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير المال علي حسن خليل، ووزير الاتصالات محمد شقير، ووزير البيئة فادي جريصاتي. كذلك فإنّه عقد اجتماعاً في قصر الصنوبر مع سفراء الدول المانحة في «سيدر»، وممثلين عن المؤسسات الدولية في لبنان. ورغم أنّ دوكان كرّر بعد لقاءاته مع الوزراء أنّه وجد استعداداً لبنانياً «للبدء بالإصلاحات والاستثمارات»، إلا أنّ مصادر اجتماع الدبلوماسي الفرنسي مع سفراء الدول المانحة، أبلغت «الأخبار» أنّ دوكان «عبّر، بعد جولته على الوزارات، عن استيائه من عدم جدية المسؤولين اللبنانيين، وعدم قدرتهم على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة»، معتبراً أنّهم «يُضيعون وقت شعبهم ووقتنا».
* اللواء
السنيورة يواجِه تجديد محاولة إستهدافه: الفاسد من يُقيم دويلة داخل الدولة
دعوة روسية لعون إلى موسكو.. وتلويح برد مرسوم الدرجات.. وموفَد بريطاني إلى بيروت قريباً
ايهما يتقدّم الآخر عمل حكومة «الى العمل» أو عملية نبش دفاتر الماضي، واللعب على حبال الحملات والاتهامات، في دورة جديدة من السجالات، ربما تتخطى النيّات المعلنة إلى ما هو أبعد؟
وسط هذا السؤال المحوري، الذي يشغل الأوساط اللبنانية، وتدور حوله أسئلة الدوائر الدبلوماسية والمالية في بيروت، تتفاعل الحركة السياسية والأداء الرسمي، الذي يتقاطع عند جملة وقائع من بينها:
1- جلستان لمجلس النواب، الأربعاء والخميس، لأغراض تشريعية لا سيما في الشق المالي، وانتخاب النواب السبعة في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والذي تتحدث أوساط نيابية عن حاجة لتعديل قانون إنشاء هذا المجلس، الذي لن يكتمل قبل تسمية 8 قضاة من قبل مجلس القضاء الأعلى، الذي يستعد لمؤتمر سيدعو إليه الرئيس ميشال عون، في موعد ليس ببعيد هذا الشهر.
2- وعليه يصبح، من غير الممكن عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل..
3- زيارة مرتقبة لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا ألستر بيرت إلى بيروت منتصف الأسبوع، وصفت بأنها «استطلاعية» وهي تأتي بعد قرار الحكومة البريطانية، ادراج حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي على لائحة الإرهاب، في خطوة وصفها الحزب نفسه ببيان له أمس بأنها «انصياع ذليل» للولايات المتحدة.
وهذه الزيارة هي الثانية لمسؤول أوروبي رفيع، بعد المحادثات التي أجراها في بيروت مع الرئيس سعد الحريري والفريق الوزاري المعني بملف «سيدر» المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مقررات مؤتمر «سيدر» بيار دوكان، الذي قال في مؤتمر صحفي انه من «دون إصلاح الكهرباء من الصعب الاستثمار، والحكومة لا تملك ترف الانتظار.
4 – وعلى خط مقابل، يلبي الرئيس ميشال عون الدعوة إلى زيارة موسكو، في وقت لم يعلن عنه بعد، لكن مصدراً مطلعاً أكّد ان الكرملين وجه دعوة لرئيس الجمهورية لزيارة روسيا الاتحادية، في زيارة هي الأولى من نوعها لدولة كبرى يتوقع ان تتناول المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، بالتزامن مع معلومات أخرى ان على جدول الرئيس الحريري زيارة، قد يرافقه فيها إلى هناك وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب.
مؤتمر السنيورة
على ان اللافت في ما طرحه الرئيس السنيورة من وقائع في مؤتمره الصحفي أمس، والذي دحض فيه بالأرقام والحقائق الكاملة تفاصيل ملف مبلغ الـ11 مليار دولار، الذي انفقته حكومته بين سنوات 2006 و2009، واصفاً اياه بـ «زوبعة في فنجان» كانت الخلاصة السياسية التي انتهى إليها، وهي ان «الفساد الأكبر والشر الأعظم هو الفساد السياسي»، مصوباً بالذات على «حزب الله» حين اعتبر انه «يعتبر فاسداً» كل من يقيم دويلات داخل الدولة، ويسيطر على مرافقها، ويغل يد القانون عن الوصول إلى أي كان وإلى كل مكان، ومن يعطل الاستحقاقات الدستورية ومن يحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين، ويسخر النصوص القانونية فيجعلها كالجواري في بلاط القوة الفائضة. مشيرا إلى انه «يتفرغ عن الفساد السياسي الفوضى في النظام العام والارتباك في الوظيفة العامة، واستتباع الدولة ومؤسساتها لصالح الميليشيات وملوك الطوائف وفقدان السيطرة من قبل رجال السلطة، وافساح المجال واسعاً امام التعدّي على القطاع العام ونهب ثرواته ولجوء المرتكبين إلى طوائفهم لكي يحتموا من الملاحقة والمحاسبة ويتفرع عنه أيضاً وايضاً ضياع مرجعية الدستور، بحيث يُمكن للمهيمنين ان يعدلوا الدستور بالممارسة، كما يقولون ويبتكرون في كل يوم قاعدة جديدة تخدم مصالحهم المتبادلة بحسب الظروف والأحداث.
ومن هنا، اكد السنيورة، ان «من نصبّ نفسه والياً للحسبة من دون ان تكون لديه المرجعية الأخلاقية ولا القانونية لمحاسبة الآخرين، يرفض الاحتكام إلى علم المحاسبة والتدقيق ومرجعية المستندات ويتحصن خلف فظاظة تعابيره لكي يبقي على نفسه سلطاناً جائراً، ويضع المواطنين في حالة اتهام دائم بوطنيتهم وشرفهم واستقامتهم ونظافة كفهم، باسلوب المحاكمات الميدانية التي كان يرأسها المهداوي أيام حكم عبد الكريم قاسم في العراق أو تلك التي شهدتها فرنسا عقب الثورة الفرنسية.
وقال «إن من أدخل نفسه في مأزقه السياسي وتورط في النزاعات الإقليمية والدولية معرضا مصالح لبنان واللبنانيين والدولة، والتي لا قدرة لها ولهم على مواجهتها وأخذ الدولة رهينة وعرضها للمخاطر وعطل مؤسساتها ومواعيدها الدستورية، ومنع دوران العجلة الاقتصادية بصورتها الطبيعية وحجب أموال الجمارك عن خزينة الدولة عبر رسوم جمركية خاصة به في عدد من المنافذ، والذي صادر قرار الحرب والسلم، وخاض حروبا مدمرة للبلد واقتصاده وبنيته التحتية والتي كلفت الخزينة أموالا باهظة وحالت دون استمرار تحقيق النمو المستدام، إذ أدخل البلاد في مرحلة من التراجع الاقتصادي ابتداء من العام 2011 حيث انخفض النمو إلى حدود الواحد بالماية سنويا بعد أن بلغ 8.5% سنويا على مدى السنوات 2007-2010، وفرض تحول الفائض الكبير في ميزان المدفوعات إلى عجز كبير مزمن، كذلك منذ العام 2011. وهو من دفع إلى تهميش مؤسسات الدولة، والذي لم يصرح عن الهبات الإيرانية المباشرة دون علم الدولة بها، وهو يتصرف وكأنه امتداد لنظام أجنبي، والذي احتل ساحات الوطن واعتدى على المواطنين الآمنين في حياتهم وأمنهم وأملاكهم، والذي يحاول إدخال لبنان في سياسة المحاور والتدخل في شؤون الدول الشقيقة والمشاركة في قتل أبنائها، وذلك خلافا للسياسة التي اعتمدتها الحكومة بالنأي بالنفس. ان من فعل ويفعل كل ذلك لا يحق له ولا ينبغي أن يستتر في مأزقه وراء غبار غث لا يدوم. ولدينا ما يكفي من الضوء لكشفه وتبديده. فمن عاش حياته في كنف الدولة وظل القانون وأنفق خبرته وجهده في خدمة مشروع النهوض الوطني وتحديث مالية الدولة لا تشغله هذه الحملة الجديدة من الافتراءات التي اعتاد عليها فصدها في كل مرة وهو مستعد لصدها في كل حين».
وكان الرئيس السنيورة، شبه ما يجري هذه الأيام من حملات ومن اتهامات وافتراءات تستهدفه بما جرى قبل 20 عاماً، وتحديداً في العام 1999 مع ما كان يسمى بـ «فضيحة محرقة برج حمود والتي اتهم بالتورط فيها، ومع انه الوحيد الذي وقف ضد تسوية هذه المسألة الشائكة، التي كانت قد حصلت في العام 1987، أي قبل خمس سنوات من حكومة الرئيس رفيق الحريري، ومن تاريخ تسلمه هو مسؤولية وزارة المال.
واعتبر ان إعادة العمل بالقاعدة الاثني عشرية من قبيل الهرطقة القانونية والمالية والسياسية، لأن التوازن في الأنظمة عندما يختل تغيير الأحوال وعندما لا يُمكن اعتماد القاعدة نفسها، مشدداً على أن انفاق مبلغ الـ11 مليار دولار، سواء أكان تمّ من اعتمادات الموازنة أو من حساب الخزينة، لم يكن انفاقاً مخالفاً للقانون بل كان قانونياً كامل الاوصاف وبموجب قوانين صدرت من المجلس النيابي، وخضع لذات الأصول ولذات الآليات المنصوص عنها في قانون المحاسبة العمومية، مشدداً على ان كل عمليات الانفاق مدونة في سجلات الوزارات التي قامت بها، وأن جميع المستندات الثبوتية وقيودها المحاسبية موجودة في وزارة المال، مستشهداً بما كان أعلنه وزير المال السابق محمّد الصفدي، ووصف ما أدلى به البعض من عدم وجود مستندات وسجلات لتلك النفقات «بالنكتة السمجة» لا يُمكن ان يقبلها عقل، وهدفها تشويه صورة تلك الحكومات التي ترأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والنيل من صورته وصورة رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا بعده، بمن فيهم الرئيس سعد الحريري. لافتاً النظر في هذا السياق إلى ان المدير العام للمالية موجود في موقعه منذ العام 1999 والذي كان مازال مشرفاً ومسؤولاً بشكل كامل ومباشر عن كل أمر يمت بصلة إلى مديرية المالية العامة المسؤولة عن مديريات الموازنة والمحاسبة العامة والواردات والصرفيات والخزينة والضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي هو الذي ينبغي ان يسأل عن الحسابات.
وكشف السنيورة بأنه أعد دراسة كاملة لشرح كامل المسائل بالتفاصيل، سوف يزود بها رئيسي الجمهورية والحكومة لتوزيعها على الوزراء وكذلك سيرفع نسخة أخرى إلى رئيس مجلس النواب لتوزيعها على النواب.
وبالنسبة لمسألة الهبات، أوضح السنيورة ان معظمها كانت هبات عينية مسجلة «في محاضر مجلس الوزراء ويمكن استخراجها بسهولة، الا انه لا يُمكن تسجيلها في حساب الموازنة»، لافتاً إلى ان الهبات النقدية كانت قليلة جداً، وكان الواهب يحتفظ بها في حسابات يتولى هو فتحها أو تحريكها وانفاقها. كاشفاً بأن كل المبالغ النقدية التي قدمت إلى لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 2006 اودعت في حساب الهيئة العليا للاغاثة في مصرف لبنان، وتم اعتماد هذا الاسلوب للإسراع في دفع المبالغ اللازمة للبدء بعملية الاعمار والترميم، لكنهم نسوا ذلك. (راجع الوقائع الكاملة للمؤتمر الصحفي في الصفحتين 3 و4)
ولم يشأ الرئيس السنيورة في رده على أسئلة الصحافيين، التأكيد عمّا إذا كان سيمثل أمام المدعي العام المالي علي ابراهيم في الاخبار الذي قدمه النائب حسن فضل الله، لكنه استغرب كيفية تسريب معلومات التقرير الذي كان يعده وزير المال إلى النائب فضل الله. معتبراً انه يجب درس الموضوع، لأن هذا الأمر يذكرنا بفضيحة برج حمود، مشدداً على ضرورة ان يظهر القضاء حيادية وموضوعية، لا أن يتم تركيب الملفات.
وقال: انه عندما تثبت الدولة حياديتها فعلى كل إنسان ان يمثل أمام القضاء.
وردا على سؤال اذا كان يخاف من الملاحقة القانونية وما اذا كان رئيس الحكومة سعد الحريري تخلى عنه بدليل عقده لمؤتمره الصحافي في نقابة الصحافة، اكد السنيورة انه لا يخاف الا من الله وانه قوي في ضمائر الناس وان اكثرية اللبنانيين يؤيدونه، معتبرا انه «لا يوجد فرق بينه وبين «تيار المستقبل» والرئيس الحريري يقف الى جانبه، وجميع نواب التيار اتوا اليوم لاثبات دعمهم له»، وفي مقدمهم رئيسة كتلة «المستقبل» النائب بهية الحريري.
ورأى السنيورة انه «لا يمكن فصل شخصه عما يمثل، وانه وفريقه السياسي والافكار التي يحملها مستهدفون، الى جانب كل الذين يؤمنون باستقلال لبنان وحريته، وان ثمة من يحاول ان يبني قضية لاستخدامها في المقايضات او الضغوط او حرف الانظار عن الامور الاساسية».
وعن الهبة الايرانية التي قدمت الى لبنان في العام 2006 ابان حرب تموز، لفت السنيورة الى انه حين كان رئيسا للحكومة استدعى السفير الايراني عدة مرات وشكره، وابدى له كل التقدير على المساعدات الايرانية للبنان، لكنه طلب منه تقديم احصاء عن التقديمات الى الدولة، فقوبل الطلب بالرفض من الجانب الايراني.
ماذا بعد؟
لكن، ومع ان السنيورة قال ما عنده، مرحباً بأن المواجهة هي تحديدا مع «حزب الله» يبقى السؤال: كيف ستواصل حكومة الرئيس الحريري عملها بانسجام، إذا كان كل طرف سياسي سيكمن للطرف الآخر، وما إذا كانت عملية مكافحة الفساد أصبحت «قميص عثمان» يحمله كل طرف ليرمي به الطرف الآخر ويحمله مسؤولية ظروف البلد الصعبة؟ وكيف سيتجاوز الرئيسان ميشال عون والحريري الكمائن السياسية الداخلية والخارجية المنصوبة للبنان؟
وفي احاطة موجزة للجواب، رأت أوساط الرئيس الحريري ان في فتح الملفات استهدافاً مباشرا لما سمي «السياسة الاقتصادية والمالية الحريرية» وبالتالي للرئيس الحريري شخصياً، لكن مصادر نيابية ووزارية مطلعة على موقف «حزب الله» قالت ان الجو داخل مجلس الوزراء لم يتأثر من قضية فتح الملفات المالية، ولو ان الرئيس الحريري ألمح خلال الجلسة الأخيرة إلى نوع من الامتعاض لتوقيت فتح الملفات، وركز على مفهوم حكومة الوحدة الوطنية بما يعني التضامن بين مكوناتها من أجل دينامية العمل فيها، لكنه لم يفتعل مشكلة حول الموضوع، فهو لديه معطياته التي يتعامل بها وفق ما يراه مناسباً حيال كل الأمور داخل الحكومة وخارجها.
واوضحت المصادر: ان «حزب الله» مستمر في متابعة كشف ملفات الفساد والتجاوزات والمخالفات حتى نهايتها، ولن تغير حملة الردود حتى التي اعلنها الرئيس السنيورة من هذا التوجه، لكنها تستدرك: ان الحزب لم يتهم السنيورة ولم يثر فقط ملف الأحد عشر مليار دولار، بل اثار كل الملفات المالية من الهبات الى سلف الخزينة الى الحسابات الاخرى في كل العهود، ومن المفروض على القضاء ان يتحرك في متابعة هذه الملفات ويتخذ الاجراءات الواجبة، وعلى الجهات المعنية بهذه الملفات ان توضح للقضاء تفاصيلها وتبرر اجراءاتها آنذاك، انه من الخطأ ربما ان يضع الرئيس السنيورة نفسه سلفا بموضع الاتهام، ومن الخطأ ان يقوم «تيار المستقبل» بحملة مسبقة قبل تحديد القضاء موقفه.
ومهما كان من أمر، فإن الحزب لم يشأ الرد، أقله حتى الآن، مكتفياً باصدار بيان رفض فيه بشدة القرار البريطاني بادراجه على لائحة المنظمات الإرهابية، بجناحيه السياسي والعسكري، معتبراً انه «حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ولا يحق لأي دولة في العالم تحتضن الإرهاب وتموله وتدعمه ان تتهمه أو أي حركة مقاومة بالإرهاب»، وراى في هذا القرار «انصياعا ذليلا للإدارة الأميركية يكشف أن الحكومة البريطانية ليست سوى تابع في خدمة السيد الأميركي».
مبعوث «سيدر»
من جهة ثانية، أكد المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مؤتمر «سيدر» السفير ميشال دوكين الذي زار الرئيس الحريري ووزراء المال والاقتصاد والاتصالات والبيئة أن «الإجراءات التي ستتخذها الحكومة اللبنانية لاحقاً، مؤشر أساسي للمستثمرين والمانحين للمساهمة والمشاركة في تنفيذ مشاريع «سيدر»، خصوصاً لجهة تسمية الهيئات الناظمة للطيران المدني والطاقة والاتصالات ومكافحة الفساد والحوكمة وتعزيز عمل المجلس الأعلى للخصخصة»، مشدداً على ان الإصلاحات لا تقتصر على الموازنة. وأشار إلى أن «لبنان لا يملك ترف إضاعة الوقت». وقال:» ليس صحيحا ان اموال سيدر ذهبت، انها موجودة ولكن ليس للتوزيع او الصرف مجاناً، او بطريقة عشوائية».
ورأى دوكين في مؤتمر صحفي عقده في قصر الصنوبر انه «خلال اسبوعين يجب ان نلاحظ رغبة اللبنانيين في السير بالاصلاحات اللازمة لمؤتمر «سيدر»، وشدد على انه «يجب أن تضع الحكومة برنامجا محددا من أجل تنفيذ بنوده».
أضاف: لعل بعض المانحين يرغبون في أن يحصل ذلك، ولكن في المقابل يجب تقديم إشارات الآن في مختلف المجالات الواردة في البيان الوزاري، ولا بد من تقديم موازنة 2019 بشكل سريع..
وشدد على أن الرؤية التي أرساها مؤتمر «سيدر» الذي عُقد برعاية بلادي، تقضي بالتقدّم على كل هذه الصعد. ويجب العمل أيضاً على ترتيب المشاريع بحسب الأولويات، وإرساء مشاريع البنى التحتية الضرورية التي تحتاج إليها البلاد»، ورأى أنه «يجب ان يكون الإصلاح في قطاع الكهرباء، ويجب ان تكون الكهرباء ٢٤/٢٤، لأنه دون كهرباء لا مجال للإنماء والإستثمار والتطور».
جلسة الحكومة الخميس
إلى ذلك، اشارت مصادر وزارية لـ«اللواء» الى ان الوزراء لم يتبلغوا بأي تفاصيل عن جلسة مجلس الوزراء المقبلة وما اذا كان المجال متاحا لعقدها بسبب الجلستين التشريعيتين الأسبوع المقبل ام لا، كما افادت ان لا معلومات عن طرح التعيينات في الجلسة المقبلة للحكومة معربة عن اعتقادها ان المجلس سيباشر بدراسة جميع الملفات التي تحمل صفة العجلة لإتخاذ القرارات بشأنها.
وفي مجال اخر افادت مصادر مطلعة ان مؤتمر القضاء يعقد في قصربعبدا على الارجح في الشهر الحالي متحدثة عن مخطط وضع من اجل مواضيع ومحاور البحث المطروحة والمشاركين مؤكدة ان اهميته تكمن في عرض المسائل المتعلقة بعمل القضاء وتبادل الاراء والنقاش مكررة انه يأتي من ضمن سلسلة مؤتمرات يتم التحضير لها تباعا.
تزامناً، كشفت مصادر سياسية عبر قناة O.T.V الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر» عن احتمال ردّ رئيس الجمهورية للقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء أمس الأوّل بخصوص الدرجات الست للاساتذة المتمرنين في كلية التربية، في ضوء المواقف الحادّة التي أطلقها الوزير جبران باسيل، وذلك استناداً إلى المادة 56 من الدستور، التي تمنح رئيس الجمهورية حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها خلال 15 يوماً من تاريخ ايداعه رئاسة الجمهورية.
وإذ لفت إلى ان المادة عينها تنص على انه إذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو اعادته يعتبر نافذاً حكماً، رفضت الرد على سؤال حول احتمال لجوء رئيس الجمهورية إلى مثل هذا التدبير، مشددة على ان القرار في هذا الإطار يعود إلى رأس الدولة دون سواه.
* البناء
الجزائر بعد السودان وفنزويلا تدخل مرحلة القلق… وتساؤلات حول القاسم المشترك النفطي؟
السنيورة يعترف وينحرف: هناك نقص في القيود المالية… لكن حزب الله دولة ضمن الدولة
المشرف الفرنسي عن سيدر يبشّر بالخصخصة وزيادة تعرفة الكهرباء… وإلا لا استثمارات
كتب المحرّر السياسيّ
تصدّرت التظاهرات الحاشدة التي شهدتها الجزائر في تعبير واضح عن حجم المعارضة الداخلية الاهتمامات السياسية والإعلامية، ومثلها كان حال الاهتمام بما بدأ ولا يزال مستمراً في السودان، والبلدان العربيان الأفريقيان جزء من معادلة الأمن الإقليمي المؤثر في مصر، التي تشكل الدولة العربية المحورية بحجمها السياسي والعسكري والجغرافي، ومكانتها في النظام العربي، وهي محاطة أصلاً بانشغالات أمنية كبيرة، من الحدود المفتوحة مع ليبيا، التي لا تعرف أفقاً لنهاية أزمتها، إلى سيناء حيث سيطرة داعش المقلقة للأمن المصري، إضافة لما يمثله تنظيم الأخوان المسلمين من تحدٍّ داخلي حقيقي للدولة المصرية وأجهزتها، بحجم تمثيلي وبيئة حاضنة ودعم تركي قطري، لا يمكن الاستهانة بتأثيراته، قبل اندلاع أزمات السودان والجزائر، فكيف بعدها؟
الرابط الجامع بين حالة ليبيا والسودان والجزائر، وربما اليمن، هو حجم الثروات النفطية الهائلة التي تمتلكها، أو التي يمكن أن تمتلكها، كما هو حال اليمن والسودان، بالإضافة لكونها نطاق الأمن الإقليمي لمصر، بينما يجمعها جميعاً وربما معها مصر بثرواتها الواعدة في مجال الغاز، مع فنزويلا هذه المكانة للثروات في مجال النفط والغاز، ما يجعل تصديق التفسيرات العفوية لما تشهده صعباً، رغم الطابع الشعبي الظاهر والمعبر عن احتقانات واحتباسات سياسية محلية حقيقية وصادقة، لأن اليد الأميركية الظاهرة في فنزويلا، يمكن أن تقدم تفسيراً لما يجري في غيرها دون ظهور أيادٍ خارجية واضحة.
في لبنان، احتلّ الرئيس فؤاد السنيورة المشهد الإعلامي والسياسي، عبر مؤتمر صحافي خصصه لتناول حزب الله وتحميله مسؤولية الأزمات المالية اللبنانية، واتهامه بخطف الدولة وإقامة دولة ضمن الدولة، من دون أن ينكر أن الغموض وضعف القيود يحيطان بالمبالغ التي يجري الحديث عنها تحت عنوان الـ11 مليار دولار الضائعة في المالية العامة، لكن ليقول إنه قام بإنفاقها على شؤون الدولة وتغطية لحاجاتها.
المصادر المتابعة لكلام السنيورة، وصفت المؤتمر بالقول، إنه اعتراف وانحراف، فهذا الحشد السياسي والإعلامي في المؤتمر واضح الأهداف، وهو القول إن هناك معركة سياسية وربما طائفية تنتظر من يريد بلوغ التحقيق في قضية الـ 11 مليار دولار نهاياته، خصوصاً أن السنيورة الذي قال ما قاله في حزب الله، لم ينته بالقول إنه مستعد لقبول التحقيق في الملفات المالية الغامضة، وإنه جاهز لوضع ما بحوزته من معطيات وأرقام بتصرف أي جهة قضائية ترغب بالمتابعة، بل نصب نفسه رقيباً على القضاء بقوله إنه سيحكم على القضاء من أدائه، ما يعني عملياً رفض الاستجابة لأي دعوة لتقديم المعلومات للقضاء المالي الذي ينظر في قضايا المالية العامة ومنها قضية الـ 11 مليار دولار.
الاستنفار السياسي والطائفي الذي ظهر في مؤتمر السنيورة رسم علامات استفهام كبيرة حول موقف الرئيس سعد الحريري من السير في كشف خبايا المالية العامة للدولة، في مرحلة يجري الحديث خلالها عن الحاجة لتحسين صورة الدولة أمام مواطنيها وأمام الخارج المعني بالتمويل، وحيث المساءلة والشفافية وضبط الإنفاق عناوين بدت موضع توافق داخلي خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري، فهل سيصطف الحريري مع وضع خط أحمر حول أي مساءلة للسنيورة وفقاً لمضمون المؤتمر الصحافي الذي حضره أركان من تيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار، أم سيعتبر أن إغلاق ملف الهدر بات أولوية تستدعي تحمل الكلفة المترتبة عليها، ولو تعرّض بعض رموز المسؤولية المالية في السنوات الماضية للمساءلة وربما للتحقيق والاتهام؟
في سياق مشابه كانت زيارة المسؤول الفرنسي عن متابعة ملفات مؤتمر سيدر السفير بيار دوكان الذي أنهى جولته على المسؤولين اللبنانيين بالتحدث عن مصير مقررات سيدر، مؤكداً أن هناك توافقاً حول مسائل عدة، وأن ما تمّ الاتفاق عليه في باريس بـ 6 نيسان لا يزال قائماً والخطوات المرافقة المتوقعة من وضع خطة للبنى التحتية موضع التنفيذ. كما أن البرنامج الذي قدمته الحكومة اللبنانية حينها لا يزال صالحاً، إضافة إلى التمويل المرتبط بهذا البرنامج، والذي يبلغ 11 مليار دولار والإصلاحات اللازمة على المستوى القطاعي من أجل الحصول على الاستثمارات، فضلاً عن الإصلاحات الاقتصادية نظراً للوضع الاقتصادي في البلد».
وأوضح أن «هذا الاتفاق لا يزال سارياً، وترجمته الفعلية نجدها في البيان الوزاري الذي أكد أن سيدر هو من ضمن النقاش العام في لبنان، وهناك اتفاق من قبل القوى السياسية اللبنانية للسير قدماً في المجالات التالية: المشاريع والتمويل والإصلاحات».
وقال دوكان إن «ما يجب القيام به هو تسمية المراكز الشاغرة في الهيئات الناظمة لثلاثة قطاعات، هي: الطاقة والاتصالات والطيران المدني»، وقال: «إن المشاورات حول الأسماء أمر طبيعي في كل الديموقراطيات، فمن دون هذه التسميات، لا يمكن لهذه الهيئات والقطاعات أن تعمل، ولن تكون هناك استثمارات فيها. يجب إعطاء مجلس الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص الوسائل اللازمة للقيام بالعمل الذي يمكنهما من السير بقانون أيلول 2017 المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص».
وختم دوكان، مؤكداً «وجوب إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان من أجل أن تأتي الكهرباء 24/24 ساعة وأن تكون هناك استثمارات، فمن دون كهرباء من الصعب الاستثمار»، وقال: «من أجل خفض عجز الكهرباء، هناك أمور يجب حلها على المستويين المتوسط والقصير، ومن بينها أن تتلاءم التعرفة مع السعر الحقيقي للكهرباء».
حطّ السفير المكلف متابعة مؤتمر سيدر بيار دوكان في لبنان حاملاً دعوة الى تنفيذ الإصلاحات التي وردت في مقررات سيدر سريعاً، لافتاً الى أن المجتمع الدولي يقف إلى جانب السلطات اللبنانية ليدعم ما يرد فيه. ورأى أنه يجب تقديم إشارات الآن في مختلف المجالات الواردة في البيان الوزاري، مشدداً على ضرورة تقديم موازنة 2019 بشكل سريع، ومعتبراً أن على الموازنة أن تلحظ خفض العجز وفقاً لما هو وارد في البيان الوزاري بما لا يقلّ عن واحد بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. ولفت الى أنه يجب التقدم على صعيد موضوع الوظيفة العامة ونظام التقاعد والقيام بالإصلاحات اللازمة في قطاع الكهرباء، مكرراً أن ثمة مثلثاً مكوناً من المشاريع والإصلاحات والتمويل ويجب التحرك على المستويات الثلاثة بالتوازي. وإذ شدد على أن أموال سيدر حاضرة دائماً والدول المانحة المؤسسات الدولية مستعدّة للمساعدة، أوضح أن الإصلاحات لا تقتصر على الموازنة.
والتقى دوكان الرئيس سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل ووزير البيئة فادي جريصاتي. ومن قصر الصنوبر أطلق سلسلة مواقف فشدّد على أن «الحكومة لا تملك ترف الانتظار»، لافتاً إلى «أن عنوان البيان الوزاري هو: الى العمل»، وقال: «يجب العمل بسرعة، وكل ما تقوم به الحكومة في الأسابيع والأشهر المقبلة على مستوى القرارات التي تؤكد ارادة التقدم الى الأمام نافع وضروري».
وأشار إلى أن «ما يجب القيام به هو تسمية المراكز الشاغرة في الهيئات الناظمة لثلاثة قطاعات، هي: الطاقة والاتصالات والطيران المدني»، وقال: «يجب إعطاء مجلس الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص الوسائل اللازمة للقيام بالعمل الذي يمكنهما من السير بقانون أيلول 2017 المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص».
وتطرق إلى قطاع الطاقة، مؤكداً «وجوب إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان من أجل أن تأتي الكهرباء 24/24 ساعة وأن تكون هناك استثمارات، فمن دون كهرباء من الصعب الاستثمار»، وقال: «من أجل خفض عجز الكهرباء، هناك أمور يجب حلها على المستويين المتوسط والقصير، ومن بينها ان تتلاءم التعرفة مع السعر الحقيقي للكهرباء».
وأشار إلى أن «هناك عملاً يجب القيام به في ما يتعلق بمكافحة الفساد»، وقال: «لقد أعلنت الحكومة أنها ستعتمد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وهذا أمر جيد ويجب أن يتم من خلال أمور تقنية، منها التحول نحو الإدارة الإلكترونية التي تشكل الوسيلة لتخفيف الفساد».
أضاف: «هناك أمور عدة يجب القيام بها، مع العلم بأن ما يخصّ المانحين فلم يعلن أحد منهم أنه ألغى المبالغ المخصصة للبنان، وقدرها 11 مليار دولار».
السنيورة اختار الهروب إلى الأمام!
لم يُقدِّم الرئيس السابق فؤاد السنيورة جديداً في مؤتمره الصحافي المطوّل الذي خصصه للردّ على النائب حسن فضل الله، بل كرّر بيان مكتبه الإعلامي الأخير مع توسيع إطاره والتعمّق في التفاصيل، مستعرضاً المراحل السابقة من العام 1997 مستعيناً بعرض جداول ومستندات، محاولاً تضييع «الشنكاش» في حديثه عن التمييز بين حسابات الموازنات وحسابات الخزينة، إلا أنه ومن حيث يدري أو لا يدري نقل المعركة سريعاً الى الملعب السياسي مستحضراً سلاح التهديد بالفتنة المذهبية مستخدماً سياسة الهروب الى الأمام على قاعدة أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، لكنه تهجّم على حزب الله، علماً أن لا أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ولا النائب حسن فضل الله ولا أي مسؤول آخر اتهم السنيورة بالاسم! فالنائب فضل الله أودع القضاء ما في جعبته من مستندات وأدلة ومشى، فلماذا علا صراخ السنيورة في السياسة والإعلام؟ ولماذا لا يحذو حذو فضل الله ويخوض المعركة القضائية؟ فحزب الله لن ينجرّ الى المعركة السياسية والمذهبية بحسب ما قالت مصادره لـ»البناء» «لكي لا تضيع القضية ويضيع المال المنهوب بل مستمرّ في مكافحة الفساد كما عاهد السيد نصرالله، فعمل لجنة التحقيق في الحزب يتركز على الجانب التقني والعلمي بكل موضوعية ولا أهداف سياسية لنا كما يدّعي البعض».
لكن حزب الله بالنسبة للسنيورة «براءة ذمة سياسية ومذهبية» يضعه متراساً لإطلاق النار عليه ما يجعله عصياً على الملاحقة القضائية بعدما فقد حصانته الرئاسية والنيابية.
مُحاطاً بالنواب المسقبليين منهم الجدد ومنهم القدامى وشخصيات من فريق 14 آذار أُعيد إحياؤها على عجل و»غب الطلب»، اعتبر السنيورة الذي بدا الخوف والقلق في عينيه واضحاً، أن الحديث عن مبلغ الـ 11 مليار دولار «عاصفة في فنجان وهي مُحاولة يقوم بها فريق مُعيّن لحرف انتباه الناس نحو مسائل أخرى تُخفي ما يقوم به من ممارسات»، معتبراً أن الحديث عنها لا يؤدي إلا الى إثارة الفتن وعدم الاستقرار ولا يوصل لإيجاد أي حل بل يتم خلق مشكلة دون إيجاد حل».
وشنّ هجوماً على حزب الله من دون أن يسمّيه قائلاً: «الفساد الأكبر والشر الأعظم هو الفساد السياسي وكل من يقيم دويلات داخل الدولة ويسيطر على مرافقها ويعطّل الاستحقاقات الدستورية».
ووجّه النائب السابق رسالة مشفرة الى رئيس الحكومة سعد الحريري تتضمّن من جهة إشراكه في مسؤولية الإنفاق في السنوات الماضية، حيث كان رئيساً للحكومة ومن جهة ثانية دعوة الحريري للتضامن معه وعدم التخلي عنه، معتبراً ان «الكلام عن عدم وجود مستندات نكتة سمجة هدفها تشويه صورة كل الحكومات التي رأسها رفيق الحريري والنيل منه ومن كل رؤساء الحكومات الذين أتوا بعده بمن فيهم سعد الحريري»، ومعلناً أنه أعدّ «دراسة كاملة سأزوّد بها الرؤساء الثلاثة والنواب والوزراء للانتهاء من القصص التي تشوّه عقول الناس وكي يكون الأمر واضحاً لدى الجميع». لكن الأنظار تتّجه الى موقف الرئيس الحريري فهل سيغطي السنيورة أم سيتخلّى عنه عملاً بالمثل القائل «العين بالعين والسن بالسن»، أي موقف السنيورة إبان أزمة الرئيس المحتجز في السعودية. ومع أن السنيورة أكد في رده على سؤال بأن الحريري سيدعمه في هذه المعركة إلا أن أوساطاً مراقبة تشير الى أن رئيس الحكومة مصاب بإحراج شديد، فكيف سيقف مع السنيورة المشتبه به في ملفات فساد وهو أي الحريري يُكلِل خطاباته بلازمة مكافحة الفساد والفاسدين! وكيف سينفض يديه من رئيس نطق وحكم وقرر باسم المستقبل وشغل منصب رئيس الكتلة الزرقاء طوال سنين خلت؟ إلا أن مصادر نيابية تتوقف عند صمت الحريري في هذا الملف وتشير لـ»البناء» الى أن «رئيس الحكومة يقوم باتصالات ولقاءات لاحتواء الموقف وتهدئة الأجواء والحوار للبحث عن تسوية لقضية الـ 11 ملياراً وملفات السنيورة»، ولم تستبعد مصادر أخرى «تواصل الحريري مع حزب الله ورئيس الجمهورية بهذا الشأن بعدما قصد الرئيس بري فجأة منذ أيام». لكن السؤال كيف سيوازن حزب الله بين تعهّده كشف مكامن الفساد حتى النهاية وبين الضرورات الواقعية التي تفرضها التسوية السياسية بين التيارين الأزرق والبرتقالي؟
وحاول السنيورة إيجاد المبررات السياسية والمالية والقانونية للاستمرار بالصرف على القاعدة الإثنتي عشرية والاستعانة بمجلس النواب ورئيسه لإضفاء الشرعية على سياسته المالية، قائلاً: «الرئيس نبيه بري هو أول من تحدّث عن الـ 11 ملياراً إثر خروجه من بعبدا و»قعدنا 11 سنة بلا موازنة وعلى القاعدة الإثنتي عشرية لأسباب كثيرة منها الإقفال القسري للمجلس. وأنا أصلاً أرسلت موازنات كثيرة إلى المجلس لم تُدرس». وأكد أن «الانفاق الذي تمّ أكان من اعتمادات الموازنة او حساب الخزينة وعلى مدى كل السنوات لم يكن إنفاقاً مخالفاً للقانون بل قانوني بموجب قوانين صادرة عن المجلس النيابي وخضع للأصول ذاتها والآليات المنصوص عليها في قانون المحاسبة القانونية».
وعلق وزير مال سابق على كلام السنيورة بالقول لـ»البناء» بأن «السنيورة مُحقّ بما قاله لجهة الجوانب التقنية ومبادئ المالية العامة لا سيما بضرورة الإنفاق من خارج الموازنة لاستمرار عمل المرافق العامة ومصلحة الدولة من خدمة دين العام الى قوانين البرامج ورواتب الموظفين وغيرها، لكن المشكلة بطريقة الإنفاق ووجهتها وعدم تسجيلها في القيود الرسمية والتناقض بين حجم الإنفاق وحاجة المشاريع ما يؤكد اختلاس مبالغ مالية كبيرة بطرق غير مرئية ومموّهة وتلاعباً في مستندات الحسابات عبر الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار». وتساءل «لماذا لم تُجرِ حكومات السنيورة والمتعاقبة جردة للحسابات المالية؟». وأبدى استغرابه لـ»تهجم السنيورة على بعض الموظفين لا سيما المدير العام السابق لوزارة المال المشهود بكفاءته ونزاهته».
وإذ قالت مصادر قانونية ودستورية لـ»البناء» إن القضاء لا يستطيع استدعاء السنيورة للتحقيق أو أي وزير آخر، دعا الرئيس بري الى جلسة عند الحادية عشرة من قبل ظهر يومي الأربعاء والخميس في 6 و7 آذار الحالي وكذلك مساء اليومين المذكورين لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ودرس وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال.
ودعا نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال في بعلبك، القوى السياسية والطائفية إلى «رفع يدها عن أي مرتكب، حتى ولو كان ينتمي إليها»، وقال: «ليكن معلوماً أن المرتكب من طائفة أو حزب أو مذهب، لا يدين لا الطائفة ولا الحزب ولا المذهب، وحتى لو كان أحداً في تنظيم من التنظيمات اذا تمت إدانته لا تعني إدانة التنظيم الذي هو فيه، لأن كل واحد يتحمّل بمسؤولية فردية، وبالتالي نحن لا نحمل المسؤولية إلى أي جهة حتى ولو انتمى عدد من المرتكبين إليها، وإنما على هذه الجهات أن تقف موقف الشرف وموقف الأخلاق وموقف الجرأة من أجل أن ترفع الغطاء وتتبرأ من أولئك الفاسدين من أجل أن يُحاسَبوا».
مراد: فساد في القضاء والتربية
الى ذلك، كشف النائب عبد الرحيم مراد خلال لقاء حواري شبابي نظمته حملة «تحرّك» في الخيارة – البقاع الغربي عن معلومات لديه حول ملفات فساد في القضاء ووزارة التربية، وقال: «قريباً سأعقد مؤتمراً صحافياً حول الفساد في القضاء والتربية ولدي معطيات دقيقة حول ذلك»، متسائلاً: «كيف أن في العالم كله، يسجن المسؤول او الوزير الفاسد إلا عندنا، فلنفعل ذلك ولو لمرة واحدة». واضاف: «رأس الفساد هو في القضاء وفي المديرية العامة للتربية، واعتبر ذلك بمثابة إخبار للنيابة العامة، وانا أسمي بالاسم، فالفاسدون معروفون وبالتحقيق نصل الى نتائج».
على صعيد آخر، ردّ حزب الله في بيان على القرار البريطاني بتصنيف الحزب على لائحة الإرهاب، ورأى في هذا القرار «انصياعاً ذليلاً للإدارة الأميركية يكشف أن الحكومة البريطانية ليست سوى تابع في خدمة السيد الأميركي تستجلب العداء مع شعوب المنطقة إرضاء لحكام واشنطن على حساب مصالح شعبها ودورها ووجودها في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي».
وتابع: «إن تهم الإرهاب التي تفبركها الحكومة البريطانية لا يمكنها أن تخدع الأحرار في العالم، ومن بينهم الأحرار في بريطانيا نفسها، الذين يعرفون جيداً من صنع الإرهاب في منطقتنا وموّله ودعمه وما زال يغطي جرائمه في سورية والعراق واليمن، أي الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها الدولية والإقليمية». وقال: «لقد وجهت الحكومة البريطانية بتبنيها لهذا القرار إهانة لمشاعر وعواطف وإرادة الشعب اللبناني الذي يعتبر حزب الله قوة سياسية وشعبية كبرى منحها تمثيلاً واسعاً في المجلس النيابي والحكومة العتيدة، وهو يلعب دوراً هاماً ورئيسياً في مختلف جوانب الحياة اللبنانية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية».
وختم: «إن حزب الله الذي قاوم الاحتلال الإسرائيلي طويلاً حتى تحرير معظم الأراضي اللبنانية وما زال يقاوم الإرهاب التكفيري والتهديدات والأطماع الإسرائيلية في أرضه ومياهه وثرواته الطبيعية لن يمنعه شيء من مواصلة الدفاع عن لبنان وحريته واستقلاله».
كما اعتبر الشيخ قاسم أن «هذا التصنيف هو وسام إضافي لحزب الله، ودليل على أن تأثيره بالغ في إعطاء الصورة النموذجية للأحرار في العالم. هم يريدون تشويه هذه الصورة، لكن خسئوا لن يستطيعوا ذلك، لأن الأرض المحرّرة بارزة، والعناوين الأخلاقية منيرة في العالم، ولا يمكن للظلام أن يمنع النور، فالنور وجد من أجل أن يبدد الظلام».
المصدر: صحف لبنانية