شلت حركة النقل وأغلقت المدارس والمعاهد والكليات والادارات الخميس في تونس إثر إضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) مطالبا بزيادة الأجور في مناخ سياسي مشحون في مطلع سنة انتخابية.وتجمع الآلاف من أنصار الاتحاد أمام مقره بالعاصمة تونس مرددين شعارات “ارحلي يا حكومة” و”شاهد يا جبان .. الشعب التونسي لا يهان” موجهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي يتهمونه بالخضوع لاملاءات صندوق النقد الدولي.
ورفع المتظاهرون صورا لرئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مشطوبة بعلامة حمراء بينما صدرت جريدة “الشعب” التابعة للمركزية النقابية في صفحتها الأولى صورة مركبة للاغارد تمسك بخيوط دمية متحركة تتدلى منها صورة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد. وعرف الاضراب نسبة مشاركة واسعة فاقت 90 في المئة حسب مصدر من الاتحاد العام التونسي للشغل. وحصلت تونس التي تعاني صعوبات مالية في 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.4 مليار يورو على أربع سنوات مع الوعد بتنفيذ إصلاحات واسعة.
وزار وفد عن أبرز المانحين الدوليين الثمانية في تموز/يوليو 2018 تونس للدعوة الى الاستمرار في هذه الاصلاحات وخصوصا منها التقليص من كتلة الأجور في القطاع العام. وأغلقت المدارس والمعاهد والكليات أبوابها في كافة الولايات كما تعطلت حركة الملاحة الجوية والبرية والبحرية. وشهد مطار تونس قرطاج الدولي اضطرابات وتوقفا شبه كلي للرحلات حيث بقي آلاف المسافرين عالقين وسط تذمر من غياب الارشادات الكافية من المسؤولين. وأكدت وزارة النقل لفرانس براس أن طائرة واحدة تمكنت من الاقلاع لنقل مشجعين للنادي الافريقي التونسي الى القاهرة حيث يخوض النادي مباراة الجمعة ضد الاسماعيلي. وظل المسافرون والسياح عالقين في المطار أمام شاشات مواعيد السفرات مع أمتعتهم وحقائبهم، وفقا لمراسل فرانس برس.
تسخير
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل لاضراب الخميس يشمل 677 ألف من الموظفين الحكوميين وحوالى 350 الف من القطاع العام ما يمثل نحو ربع السكان العاملين في البلاد. وتجمهر الالاف من المتظاهرين في مدينة صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية. كما أصدر رئيس الحكومة قرارا ليلة الأربعاء الخميس بتسخير موظفين للعمل في 64 مؤسسة حكومية تشمل النقل البري والجوي والبحري والسكك الحديدية ووزارات الداخلية والتجهيز، منبها الى أن كل من يرفض العمل سيتعرض لعقوبات وفقا للقانون.
وهاجم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي في خطاب أمام أنصار النقابة العمالية المركزية حكومة الشاهد قائلا “سنتصدى للخيارات الليبيرالية الفاشلة للحكام الجدد” و” لقد ضربوا كل القطاعات الاستراتجية”، مشددا على مواصلة النضال “تونس واستقلالية القرار الوطني”. ورفض الاتحاد مقترحا تقدمت به الحكومة ويقضي بزيادة 70 دينارا (20 يورو) في 2019 و110 دينار (33 يورو) في 2020 بداعي ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ 7.5 في المئة في 2018، ويبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي التونسي حوالى 1580 دينارا (حوالى 500 يورو)، وفقا لتقرير رسمي.
وقال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطاب بثه التلفزيون الحكومي مساء الأربعاء إن وضع المالية العمومية لا يسمح بزيادة في الأجور، مضيفا “إذا رفعنا الأجور دون مراعاة المالية العمومية في البلاد، سنضطر لمزيد من الاقتراض والاستيدان… وهذا نرفضه”. وذكر الشاهد أن الزيادات في الأجور بعد الثورة في 2011 وفي “غياب نمو حقيقي أدت الى تضخم ومديونية وتراجع القدرة الشرائية”.
اصلاحات هيكلية للاقتصاد
ويرى الباحث المتخصص في الاقتصاد عزالدين سعيدان أن تفاقم الوضع ووصول الأزمة للاضراب سببه “غياب رؤية شاملة” و”إصلاحات هيكلية للاقتصاد”. وبين لفرانس برس انه “كان من الأجدى الانطلاق في المفاوضات الاجتماعية قبل تقديم ميزانية 2019 والتي لا تتضمن أي بند للزيادات في الأجور”، منبها في نفس الوقت الى أن الزيادات “يمكن أن تؤدي الى التضخم وبالتالي وجب برنامج اصلاحات هيكلية للاقتصاد والتي يمكنها خلق مواطن شغل وتحقيق النمو”.
وأعلن الاتحاد انه سيعقد اجتماعا داخليا يوم السبت القادم لتحديد أشكال التصعيد الممكنة. ويقول الباحث السياسي سليم الخراط لفرانس برس إن “التعبئة نجحت والخطاب المهاجم (للحكومة) لا يبشر بخير”، متوقعا “امكانية تواصل الخلاف الحاد (بين الاتحاد والحكومة)”.
واضراب الخميس هو الاول من نوعه الذي يجمع الموظفين الحكوميين وموظفي الشركات الحكومية. وفي 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 نفذ موظفو المؤسسات الحكومية في تونس إضرابا عاما للمطالبة بالأمر نفسه.
ويتزامن الإضراب مع تزايد التجاذبات السياسية في البلاد مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية 2019 والتي يريد الاتحاد أن تكون له فيها كلمته. ولئن تميزت تونس بكونها البلد العربي الوحيد الذي استمر في درب الديموقراطية وحقق انتقالا سياسيا بارزا إثر ثورة 2011، غير أن البلاد لم تتمكن من الاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية بالرغم من أن نسب النمو تعود تدريجيا.
ولم ينعكس الانتعاش الاقتصادي على سكان الضواحي الفقيرة ومدن الداخل حيث تفوق نسبة البطالة بضعفين أو ثلاثة أضعاف النسبة الوطنية للبطالة البالغة 15.5 بالمئة، خصوصا بين خريجي الجامعات، يضاف الى ذلك تراجع قيمة الدينار أمام اليورو والدولار.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية