عامٌ كامل، من مايو/أيار 2017 الذي أعلن خلاله ترامب من القمة الإسلامية – الأميركية في الرياض عن ضرورة تشكيل “ناتو إسلامي” لمواجهة إيران، ومايو / أيار 2018 الذي تبخَّرت فيه أحلام ترامب بتشكيل قوة من 34 ألف جندي لهذه الغاية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، مع تبخُّر مبلغ نصف تريليون دولار من الخزينة السعودية قبضها ترامب و”كان الله يُحب المُحسنين”، لأن مقررات “قمة الرياض” رُميَت أوراقها في القِمامة، وها هو ترامب يمدُّ اليد الآن لإيران، لا ليقبض، بل ليدفع من كرامة دولة عُظمى يقودها كاوبوي مُتهوِّر.
والمُلفِت في الزعماء الذين شاركوا في “قِمَّة الرياض”، أنهم وصَّفوا كلمة ترامب يومذاك بأنها “تاريخية”، و”ستؤسّس لشراكة جديدة مع الولايات المتحدة تحدّ من مخاطر الإرهاب والنفوذ الإيراني” ورحَّبوا باتّهامه طهران برعاية الإرهاب، وأنها تسلّح وتموّل المليشيات التي تنشر الدمار والفوضى، وأن السياسة الإيرانية مسؤولة على الكثير من الصراعات التي أدّت إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وكما النعام الغارقة رؤوسها في الرمال، أغفلوا وما زالوا يتغافلون جرائم العصر التي يرتكبها “التحالف السعودي” بحق ملايين المدنيين في اليمن والتدمير المُمنهج لما تبقى من البنى التحتية في ذلك البلد المنكوب بموارده المادية والشامخ بموارده البشرية.
وإذا كان ترامب قد أجاد مُخاطبة بعض الخليجيين بلهجتهم، “الحماية الأميركية للعروش العائلية مُقابل المال”، والذي بلغت دُفعة واحدة منه ما يوازي الموازنة السنوية الكاملة للسعودية، فإنه أخطأ كثيراً عندما اعتبر أن المفاوضات مع إيران ستأتيه على طبق من ذهب، وقارن بين كوريا الشمالية وإيران عندما قال أن التفاوض ضرورة لتفادي الحرب، وأثبت أنه إذا نجح في تبريد الأجواء مع “كيم جونغ أونغ”، سينجح في استرضاء الرئيس حسن روحاني والقيادة الإيرانية العُليا، التي أسمعته الردّ السياسي الحازم، وألحقته بتصريحٍ لمصدر عسكري رفيع، أن أميركا قد تبدأ الحرب لكن إيران سوف تُنهيها.
منذ العام 1979، وأميركا لم تفهم بعد اللغة الفارسية، وأن دولة بحجم أمبراطورية لا تُقارَن بدويلات عائلية مُستحدثة، وأن الحصار الإقتصادي قد تسجُد له أية دولة خليجية بعد أيامٍ معدودات، وصمدت بوجهه إيران سنوات، لا بل كان الحافز الذاتي لها في الدفع بنظرية “الإكتفاء الذاتي” في كل مناحي حياة شعبها الإقتصادية والإجتماعية، وفي كل قطاعاتها المُتَّصلة بسيادتها، سواء عبر تطوير قدراتها العسكرية أو عبر الإرتقاء بالفيزياء النووية الى حدٍّ أذهل العالم.
القاسم المُشترك بين ترامب والزعماء من حلفائه الخليجيين، هو “امتهان الهزيمة في التقديرات”، ومُقارنة الشعبين الإيراني واليمني مع شعوب ممالك وإمارات النفط خطأ قاتل في الرهانات، والمسألة ليست فقط في القدرات العسكرية، بمقدار ما أن المواطن الإيراني يقتات من العقيدة الإيمانية ويفطر على معنويات قومية، والمواطن اليمني يُقاتل حافي القدمين، فيما بعض الشعوب الخليحية تُغادر بلادها الى المنتجعات الأوروبية عند أول طلقة، وعلى هذا الأساس يجب أن يعتمد ترامب في توسُّل المفاوضات مع الشعوب الكريمة، وعساه يفهم بديهية العقيدة قبل أن يُقدِّم عروض التفاوض، وأن إيران الحضارة التاريخية، والقومية المتجذِّرة والدولة الديموقراطية، لا يجوز أن يُخاطبها ترامب – لو أراد التفاوض – كما يتخاطب مع قبائل نبعت من أرضها آبار نفط وباتت دولاً عمرها بضعة عقود، وعروشها العائلية تتأرجح على حافة بئر في كل مملكة أو إمارة كرتونية بُنِيَت على الرمال…
المصدر: موقع المنار