تطرق مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الى المأساة التي يتعرض لها النازحون السوريون، قائلاً ” أيها اللبنانيون: ليس الفلسطينيون وحدهم هم الذين يتعرضون لجرائم وممارسات التهجير والاستيطان. فقد أعلنت الأمم المتحدة أنه وفي الشهور الأولى لهذا العام فقط ، تعرض تسعمئة وعشرون ألفا من الإخوة السوريين للتهجير. لقد أرغموا بالقصف وبالحصار لسنوات، على ترك ديارهم التي عاشوا فيها لمئات من السنين، وهم مهددون بعدم العودة، ومهددون بأن يتابعهم القصف والقتل هم وملايين أخرى في المواطن التي تهجروا إليها. ثم يأتي أناس منا ليضيقوا ذرعا بالذين اضطروا للنزوح إلى لبنان وهم يريدون الإيهام بأن الذي هجرهم من قبل، وهجر إخوانهم الآن، يريد إعادتهم الآن، وأن الحائل دون ذلك، هم الدوليون يساعدون هؤلاء الممتحنين بالحد الأدنى ترقبا لفرص الخلاص من هذا الواقع الماساوي. ولست أدري كيف تكون هناك إدارات سياسية متعددة في هذا البلد الصغير؟! كيف يقرر فرد أو طرف في مسألة خطيرة كهذه، كأنما ما عادت هناك حكومة عندها سياسة واحدة بالداخل وتجاه الخارج؟! بل صارت لكل طائفة إدارتها السياسية، ولها دويلتها وجيشها وسياستها التي تستطيع فرضها على الآخرين ساعة تشاء”.
وفي خطبة عيد الفطر التي القاها في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، قال المفتي دريان إنه “منذ مدة، تتفاقم سياسات التفرقة والتمييز حتى في المسألة الواحدة. إنه ليراد طرد هؤلاء المستضعفين في اتجاه المصير الذي هربوا منه. وفي الوقت نفسه، يجري تجنيس المئات من هنا وهناك، ليكون هناك صيف وشتاء على سطح واحد! من قال إن أرض هؤلاء وبلادهم ليست عزيزة عليهم، مثل عزة أرضنا علينا؟ فلتتوقف عشوائيات الكراهية هذه، لنظل نشعر أننا جميعا بشر وعرب ولبنانيون، وأبناء دولة واحدة، ونظام واحد. وأن هناك حكومة مسؤولة، تستطيع اتخاذ القرار المناسب للمصالح الوطنية، مهما كانت التمايزات”.
واضاف “أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون: نحن في أزمة اقتصادية كبرى، بل وفي أزمة سياسية كبرى . لقد ذهبت حكومة الرئيس سعد الحريري في اتجاه العرب، وفي اتجاه المؤتمرات الدولية، من أجل المساعدة والتعاون، وطلب الدعم للمعالجة والخروج من عنق الزجاجة. لكن كيف سيساعدنا الآخرون إن لم نستطع أن نكون على قلب رجل واحد في مكافحة الفساد والهدر؟ وفي إنفاذ الخطط والمشروعات التي جرى الاتفاق عليها؟ وبدلا من التجنيس واتهام الدوليين، يكون على أصحاب المطالب والحصص التنازل عن أنانيتهم، والتعاون مع رئيس الحكومة المكلف، من أجل إنجاز التركيبة الوزارية، والانطلاق للعمل الجاد، ونخشى أن يكون هناك عقبات وعراقيل لتأخير تشكيل الحكومة التي يعقد عليها الآمال، وهذا يتطلب من جميع القوى السياسية، المساعدة في تذليل العوائق أمام ولادة الحكومة في أسرع وقت ممكن، لان التأخير لا يصب في مصلحة أحد، والمتضرر هو الوطن والمواطن. هناك صراعات هائلة في المنطقة من حولنا، ولا يفيدنا في شيء زيادة الخصوم والأعداء في كل يوم، سواء أكانوا عربا أم دوليين، والدخول في سياسات المحاور التي تضر ولا تنفع. إن المطلوب الوقوف مع الرئيس سعد الحريري سواء اكان في تشكيل الحكومة، أو في سياساته، لجلب الدعم للبنان. نحن في غمرة الامتحان، هل ننجح وينجح بلدنا، ويستعيد أبناؤه التنفس والخروج من الاختناق؟ أو تصبح صراعات الهويات الصغيرة، وصراعات المحاور والتحزبات، هي المقصلة التي تمتحن عندها الرؤوس والأجساد؟ أيها المسلمون: رمضان شهر الصبر وشهر الشجاعة ضد هوى النفس وجشعها. وهو شهر الانضباط في القول والعمل. وكما نجحنا في صوم طويل، وتعبد طويل، يكون عليكم أيها المسلمون بالذات، أن تثبتوا نجاحكم ونزاهتكم وشجاعتكم في عدم الوقوع في ما وقع فيه كثير من الشركاء في الوطن. ليس من المصلحة ولا من الوطنية ولا من الإسلام في شيء، الدخول في تذمرات وتطلبات الحصص والمغانم، مهما بدا ذلك مغريا ومبررا بأن الآخرين يقومون بذلك. إن علينا التمسك بالطائف والدستور والعيش المشترك، ودعوة الآخرين إلى الشيء نفسه. إن العقد الاجتماعي والدستوري، إنما ينعقد مرة واحدة لا عودة عنها، لا بالاستبدال، ولا بخلق أعراف نقيضة بالممارسة. وصدقوني أنه لن يفوتكم شيء حتى لو تفوق الآخرون في التناوش والقسمة التي لا تنتهي. فعبر تاريخ لبنان الحديث ، سعى كثيرون – طوائف وأفرادا وأحزابا للغلبة – فتكسرت أنيابهم ورماحهم على صخرة هذا الوطن الصلبة. إن عيشنا المشترك ، هو هذه الصخرة التي لا يمكن تحطيمها مهما تحكمت الغرائز، وتصاعدت الإيهامات والأوهام”.
وتابع “أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون: أريد إطلاع الشركاء في الوطن، وإطلاع من لم يشهد ذلك منكم، على تجربة عذبة وسلسة وروحية في مساجد لبنان، بقيام ليالي الشهر المبارك، والتعبد فيه. لقد كان المسلمون يقومون الليل بالصلاة والدعاء بحرقة، ويسعون لإحساس عميق بسلام النفس، وسلام الفطرة، وسلام الدين الخالص. ما سمعت أحدا يدعو على أحد، أو يتمنى السوء لأحد. كل القائمين والمتعبدين والقانتين والراكعين والساجدين، يطلبون رحمة الله ونعمته ومغفرته، وأن ترتفع هذه المحن والفتن، وأن يعود الرشد إلى النفوس والعقول. وقد حفل جمهور المتعبدين بالأطفال والفتيان، وعشرات ألوف النساء في صلوات التراويح، وصلوات التهجد والقنوت. وإنني إذ شهدت هذه الظاهرة الغنية والرائعة وقدرتها، والتي تنم عن إحساس عميق بالإيمان والخشوع، وتطلب مرضاة المولى عز وجل؛ فإنني ومن وحي هذا الروح الحي المشبوب، أدعو المسلمين وسائر اللبنانيين إلى الالتفاف والتضامن من حول المؤسسات الخيرية والتعليمية التي ازدادت أعباؤها ومسؤوليتها، ولم تزدد مواردها. هناك مئات الألوف من المحتاجين المتعففين. وهناك الحاجة إلى إنقاذ المرافق التعليمية، بعد زيادة أعبائها كما تعلمون. إن مساعدة هذه المؤسسات التي أثقلت كواهلها، هي جزء من العبادة أيضا. وهي الجزء الذي يمتحن فيه الإيمان أشد الامتحان. قال تعالى: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، لقد كانت المرافق التعليمية المتفوقة ميزة بارزة للبنان، وينبغي أن تبقى كذلك”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام