وسط الحماوة الإنتخابية، والخطاب التجييشي العالي النبرة، يمتلك الشعب اللبناني، الثقافة والوعي لتقييم أدبيات المُرشَّحين سواء كانوا حزبيين أو مُستقلِّين، ويُترك له الحكم عليها، والتمييز بين الكلام الإستهلاكي وبين البرامج الواقعية وخطط العمل القابلة للتطبيق، ولا حاجة بنا للدخول في تفاصيل الخطابات والبرامج الإنتخابية، لأن قرار بناء الدولة قد اتُّخِذ على مستوى المؤتمنين على الوطن بمعزلٍ عن نتائج هذه الإنتخابات، سيما وأن القانون النسبي أتاح فرصة المنافسة للجميع، ومَن يريد الشعب اللبناني وصوله الى المجلس النيابي سوف يصِل بإرادة قواعده الشعبية.
وعلى ذكر القواعد الشعبية، ولأن الكوادر الشبابية الجامعية هي من نُخبة هذه القواعد، وبعيداً عن أية مصالح شخصية انتخابية، تنادى قطاع الشباب في التيار الوطني الحر مع زملاء لهم من التعبئة التربوية في حزب الله، في الثامن من شباط الماضي، ضمن سلسلة لقاءات سنوية لإحياء ذكرى توقيع وثيقة التفاهم، وبحثوا بعُمق البند الرابع من الوثيقة الذي ينصّ على بناء الدولة، وعندما سُئِل المجتمعون عن دوافع اللقاء ونحن على أبواب انتخابات، جاء الجواب الصريح الواضح: نحن نجتمع كل سنة منذ توقيع الوثيقة في 6 شباط من العام 2006، لتقييم ما تمّ من إنجازات في بنود الإتفاقية، وبهدف الحوار حول البنود اللاحقة، وقد وصلنا الى البند الرابع المُرتبط ببناء الدولة.
هذه المنهجية العملية التي اعتمدها فريقٌ من شباب لبنان، جمعتهم وثيقة تفاهم وطني، هي نموذج يُحتذى لبناء الدولة وفق الأولويات، خاصة أن البنود الثلاثة الأولى من الوثيقة نصَّت في البند الأول على الحوار، وفي الثاني على الديموقراطية التوافقية، وفي الثالث على قانون الإنتخاب، وآن أوان البحث في البند الرابع، حول آليات عملية لبناء الدولة من وجهة نظر شبابية لقواعد حزبية شعبية مُلتزمة، وهذا النوع من اجتماعات الكادرات الحزبية هو بطبيعة الحال تحت إشراف قيادتي الحزب والتيار.
وإذا كان الحوار الذي جاء في البند الأول من الوثيقة، قد أرسى تفاهمات وطنية عميقة، وأنتج تسوية رئاسية بعد فراغٍ في سُدَّة رئاسة الجمهورية دام سنتين ونصف، فإن الديموقراطية التوافقية التي وردت في البند الثاني، هي أساس استقرار الوطن المتنوِّع الإنتماءات الدينية والسياسية، وسبق لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن أكَّد عليها مراراً، “لأن الأكثرية النيابية كائناً من كان يمتلكها، لا يجوز أن تنتهك الديموقراطية التوافقية، وأنه ثبُت بالوقائع، أن من امتلكوها خلال انتخابات 2005 و 2009 لم يستطيعوا إملاء خياراتهم على الآخرين لأن التوافق هو الأساس”، ثم تحقق ما ورد في البند الثالث حول قانون الإنتخاب، وتم إقراره بعد مخاض سنوات طويلة، ولو أنه ليس بحجم التطلعات التي تسعى الى جعل لبنان دائرة انتخابية وطنية واحدة.
في نفس الإطار حول ضرورة البدء ببناء الدولة، جاءت كلمة سماحة السيد نصرالله مؤخراً، والتي تضمَّنت “البرنامج الوثيقة” الذي سوف تتبناه كتلة الوفاء للمقاومة ووزراء الحزب بدءاً من أول حكومة يتم تشكيلها بعد الإنتخابات، والمُلفِت أن الخصوم السياسيين قبل الحلفاء، قد لمسوا حجم العمل الوطني الكبير للمباشرة بإعادة بناء الدولة الذي أخذه سماحة السيد على مسؤوليته الشخصية لتطبيقه، وأعطى مثلاً في هذا الإطار عن موضوع المناقصات والآليات الدستورية والقانونية الواجب اعتمادها فيها تحت طائلة رفض نواب الحزب ووزرائه الموافقة عليها.
وأمام صدقية “صاحب الوعود الصادقة” كما وصَّفه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يحدُونا الأمل كلبنانيين، أن من قاد مسيرة تحرير وطن وحمايته من العنصري الصهيوني ومن الشيطان التكفيري، يؤمِن أكثر من سواه بدولةٍ تستحق هكذا وطن، ومُدرِكٌ لضرورات وآليات بناء هذه الدولة في ظلّ عهدٍ يسعى الى التغيير، ومسيرة بناء الدولة ستنطلق فور انتهاء الإنتخابات، كائناً ما كانت نتائج هذه الإنتخابات، لأن القرار أكبر من كل البرامج الإنتخابية، ومن أسماء النواب والوزراء، وهو إرادة وطنية يجب أن تكون جامعة لبناء دولة يستحقها وطن الجيش والشعب والمقاومة..
المصدر: موقع المنار