قبل نحو عشرة أيام من مهلة تقديم اللوائح، المئات من المستقلِّين يُكثِّفون جهودهم للتموضع ضمن لوائح تحت طائلة استبعادهم عن العملية الإنتخابية، الى درجة أن – البعض منهم – عاجزون عن التواصل مع الناخبين، والأولوية هي لضمان استمرارية ترشيحهم عبر إنضوائهم في لوائح، مما يعني غياب البرامج الإنتخابية باستثناء الوعود والشعارات المُستهلكة، على أن يُستعاض عن التواصل مع الناخبين، بقُدرة تجيير أحد أعضاء اللائحة من عائلته أو عشيرته لزملائه في اللائحة، أو قُدرة شراء الأصوات التي يُمَوِّلها الأغنى مادياً ضمن اللائحة، ونستثني من الإتهام باستخدام المال الإنتخابي، مَن يُقيمون ولائم أو لقاءات لدعم حملتهم الإنتخابية، وهذا يُعتبر تصريحاً علنياً بالحاجة الى التمويل لمصاريف الحملة، ولا حرج فيه على مَن يرغب اعتماده، سواء على مستوى الأحزاب أو الأفراد، شرط أن تكون مداخيل الدعم الرعائي مُعلنة على الملأ، ومصاريف الحملة واضحة وشفَّافة.
بعض الأحزاب الكبرى التي تعتمد على مُناصريها وعلى بيئتها الشعبية الواسعة، ليست بحاجة الى الكثير من المصاريف في حملاتها، لأن لديها الآلاف من المُلتزمين المُتطوِّعين، الذين تُعتبر كلفة أتعابهم بسيطة وتقتصر على تأمين مستلزمات المأكل والمشرب خلال عملهم على الأرض، سواء في التحضيرات على مستوى المندوبين أو خلال اليوم الإنتخابي الطويل وانتهاء بأعمال الفرز التي سوف تكون مُجهِدة بالنظر الى اختلاف تقنية الإحتساب بدءاً من الحاصل الإنتخابي لكل مُرَشَّح وانتهاءً بالصوت التفضيلي.
ولأن المال الإنتخابي في شراء الذمم والأصوات هو الأخطر، فإن البعض سيلجأ حُكماً الى اعتماده، ومكمن الخطر الأكبر فيه، ليس بشراء الأصوات بالطرق التقليدية عبر الدفع قبل الإقتراع أو بعده، لأن اللوائح المطبوعة سلفاً داخل الأقلام لا تضمن للشاري مصداقية الناخب البائع لصوته، ولا شيء يمنع أن يبيع الناخب صوته في “الهواء” للائحة الشارِية ويقترع للائحة أخرى وفق قناعاته الأساسية، سيما وأن لوائح البعض ستكون مُرَكَّبة من مجموعة أسماء غير مُقنِعَة للناخب، لأنها تجمع مَن لا تجمع بينهم، لا مبادىء سياسية، ولا التزامات وطنية، ولا برامج عمل، بل رفقة طريق الى “ساحة النجمة”.
ولأن تبذير المال الإنتخابي عبر المُشاركة في الإقتراع غير مضمون المصداقية المُتبادلة، سواء من اللناخب قبل عملية الإقتراع، أومن المُرشّح إذا ارتأى الدفع بعد إدلاء الناخب بصوته، فإن البعض سيلجأ الى أفضل الوسائل، عبر “الإقتراع السلبي”، على طريقة “إقبض والتزم منزلك” مع احتمال مُصادرة الهوية ومعها جواز السفر إن وُجِد، حتى إقفال صناديق الإقتراع، إضافة الى مراقبته بواسطة المندوبين المتجوِّلين وأولائك الراصدين له داخل الأقلام.
ومخاطر الدفع لغايات الإقتراع السلبي، أنها لا تستهدف المواطن “الرمادي” في خياراته، بل سوف تُحاول إغراء الحزبيين المُلتزمين المعروفة وجهة أصواتهم سلفاً، وإذا كانت بعض الأحزاب لديها جماهيرها المُلتزمة، المُحصَّنة ضد بازار شراء الذمم، وتعتبر مشاركتها واجباُ وطنياُ مُقدَّساً لصالح أحزابها الراعية لشؤونها، والمُتفاعلة على مدار الساعة مع همومها، فإن قواعد بعض الأحزاب ستكون عُرضة للعرض والطلب في التصويت السلبي.
ولا حرج عند من يلتزم التصويت السلبي لقاء بدل مادي، بالبقاء في منزله، سواء بذرائع عائلية أو صحيَّة أو عدم القدرة على الإنتقال من بيروت على سبيل المثال الى حيث الدائرة التي يتبع لها، سيما وأن بعض الأحزاب لا تمتلك قدرات تأمين وسائل نقل للمُتردِّدين، وعليها الإنتباه، أن الصرف من بعض المُتموِّلين بهدف شراء أصوات “التصويت السلبي” يبدو أنه قد بدأ وغايته هدفان لا ثالث لهما:
أولاً، شراء ناخبين للتصويت السلبي، في كَسب صوت كل ملتزم عبر التزام منزله وعدم المشاركة في عملية الإقتراع، وذلك لصالح اللائحة الشارية التي سوف تدفُق بناخبيها للمشاركة الكثيفة.
ثانياً، شراء ناخبين مُلتزمين لمُحاربة حزب أو تيار مُعيَّن وإسقاطه في دوائر هي مواقع طبيعية له على المستوى الشعبي، حتى ولو لم يكُن هذا الأمر لخدمة لائحة مُعينة بل لإسقاط أو خرق اللائحة الحزبية كائناً من كان الفائز الخارق!
من هذا المُنطلق، فإن الهيئات الرقابية الرسمية والمدنية، مدعوَّة لرصد هذا النوع من شراء الذمم، وليقترع الشعب اللبناني لمن يرغب ويشاء بعيداً عن الإغراءات المادية المُذِلَّة، وحمايته من التصويت الإيجابي لقاء بيع الذمم لمن يدفع أكثر، أو بالتصويت السلبي عبر بيع الغياب عن القيام بواجب وطني، وممارسة أبسط واجبات الكرامة الإنسانية بالتعبير الحرّ عن الرأي، في انتخاب مجلسِ نيابي يُمثِّل إرادة الناس بعيداً عن سلطة حيتان المال وتُجَّار الذمم…
المصدر: خاص