“أحمل ذلك اليوم الأسود معي منذ ذلك الحين، يوماً بعد يوم، وليلة بعد ليلة، سأحمل معي إلى الأبد الألم الرهيب للحرب”، هكذا تحدث رئيس “شعبة الاستخبارات العسكرية” في جيش الاحتلال أهارون هاليفا في رسالة استقالته التي رفعها إلى رئيس هيئة الأركان في الجيش، هرتسي هاليفي، عن عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/اوكتوبر.
بحسب إعلام العدو، فإن “هاليفا كان قد اتخذ قراره المبدئي بالاستقالة في مرحلة مبكّرة من الحرب، في ضوء إخفاقات 7 أكتوبر”، لكنه كان يعوّل ربما على انجاز عسكري كبير خلال العملية العسكرية على قطاع غزة، انجاز يمحو عار الطوفان، انجاز لا زال قيد الانتظار بعد مئتي يوم، فقرر هاليفا الرحيل، قائلاً في رسالته “في بداية الحرب عبّرت لكم عن رغبتي في تحمّل المسؤولية وإنهاء واجباتي، والآن وبعد مرور أكثر من نصف عام، وفي نفس الوقت الذي تبدأ فيه التحقيقات، أتمنّى إنهاء مهامي والتقاعد من الجيش الإسرائيلي”.
استقالة رئيس “أمان” رأت وسائل اعلام عديدة تابعة للكيان أنها لن تكون الوحيدة وأنه ستتبعها استقالات في مختلف وحدات الجيش. وهذا وما حدث، إذ إن قائد ما يُسمى المنطقة الوسطى التابعة لجيش الاحتلال، الجنرال يهودا فوكس، أخطر اليوم رئيس أركان الجيش أنه يعتزم الاستقالة من منصبه في آب/ أغسطس المقبل.
200 يوم من الهزيمة
هذه الاستقالات من المؤكد أنها ليست صدفة، هي ومعها مؤشرات أخرى عديدة تعكس ارباكاً كبيراً في المؤسسة العسكرية للكيان والسياسية ايضاً، عقب مئتي يوم من المراوحة، وعدم تحقيق أي من الأهداف المعلنة (استعادة الأسرى، القضاء على قدرات المقاومة واغتيال قياداتها)، رغم الدمار الكبير في قطاع غزة، وأعداد الشهداء التي فاقت الأربعة وثلاثين ألفاً.
انطلاقاً من ذلك، يوصّف محرر الشؤون العبرية في قناة المنار حسن حجازي هذا الواقع بـ “الهزيمة المدوية للكيان”، الذي فشل “رغم كل الامكانيات المتاحة لديه، والدعم الدولي المنقطع النظير من منع المقاومة من الاستمرار في القتال أو اطلاق الصواريخ”، وهنا نذكر استهداف سديروت وغيرها من مستوطنات الغلاف اليوم من قبل المقاومة، في رسالة تحمل دلالات كثيرة.
ويتابع حجازي بالقول إن “العدو لا زال غير قادر على احداث خرق استخباراتي داخل صفوف المقاومة يمكنه من اغتيال قادتها أو جمع معلومات عن الأسرى للوصول إليهم”، إضافة إلى استمرار المقاومة في مفاجأته في الميدان، وايقاع الخسائر في صفوفه.
هذا ويتطرق حجازي إلى المزيد من المؤشرات التي تؤكد اخفاق العدو بعد مرور أكثر من ستة أشهر، ليس على مستوى غزة فقط بل على مستوى جبهات الإسناد من لبنان إلى العراق إلى اليمن وصولاً إلى الجمهورية الإسلامية في ايران.
كلام حجازي عكسه ايضاً تقريرٌ للمحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، قال فيه إنه “لا مفر من الحديث عن فشل خطير في وضع الأمن القومي الإسرائيلي”، موضحاً أن “إيران أشارت إلى نقطة مقلقة أخرى، بقرارها إطلاق أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه “إسرائيل”، وحزب الله صعّد مؤخراً هجمات المسيرات والقذائف المضادة للدروع التي يطلقها من لبنان، فيما حوالي 50 ألفا من سكان حدود الشمال لا يزالون منفيين عن بيوتهم. وعودة سكان غلاف غزة إلى بيوتهم تتقدم ببطء، والجاليات التي دُمرت قرب الحدود (مع قطاع غزة) سينتظرون فترة طويلة إلى حين الترميم والبناء من جديد”.
ووصف هرئيل الوضع الحالي للكيان، بالقول إن الأخير عالقٌ في “مصيدة إستراتيجية” في إطار تطورات دولية واسعة.
“حماس” ستظل قوة في غزة
الصحف الغربية من جهتها، أجرت مقاربة للحرب المستمرة في غزة. فقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين، أن “الأنفاق ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل نفسها بمجرد توقف القتال في غزة”، وأنه “من المرجّح أن تظلّ حماس قوة في غزة، عندما ينتهي القتال”.
كما نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤولين إسرائيليين أن “”إسرائيل” لم تدمّر حماس، ولا تستطيع ذلك، لكنّها جعلت احتمال تكرار هجوم 7 أكتوبر بعيداً”.
وبحسب الصحيفة نفسها، فقد اعترف مسؤول في المخابرات العسكرية الإسرائيلية بأن “ما بين 4 آلاف و5 آلاف مقاتل (من المقاومة) صمدوا في شمال غزة”، في حين أشار مسؤولون آخرون إلى أن “حماس والمنظمات المسلحة الأخرى لا تزال لديها قوات عديدة فوق الأرض وتحتها”، معتبرين أن “سحق حماس قد يستغرق سنوات”.
“رفح”… الوهم الأخير
في مقاربة له للعملية المرتقبة في رفح جنوب قطاع غزة، أكد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل أن “من يرى بذلك نهاية الحرب يضلل الجمهور. والدليل الأفضل على ذلك موجود في شمال القطاع. فالجيش الإسرائيلي أخلى هذه المنطقة كلياً تقريباً، وحماس تعود للسيطرة عليها تدريجياً”.
وهذا ما يتقاطع مع مقولة أن نتنياهو يحاول شراء المزيد من الوقت من خلال الاصرار على عملية رفح، أو التعويل على تحقيق انجاز ما، كما أنه يرى أن العملية قد تشكل ضغطاً على فصائل المقاومة لجهة أن رفح باتت الملاذ لمليون ونصف المليون نازح تقريباً.
لكن الحقيقة التي تحدث عنها هرئيل بالدليل، لا تزال قيد الانكار لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي زعم مؤخراً أن “حماس تسعى إلى تقسيمنا، وتتشدّد في موقفها، (في إشارة إلى عدم رضوخ المقاومة لشروط العدو في المفاوضات) لكنّنا سنردّ بحزم”، وفي هذا محاولة للتعمية عن حضور المقاومة القوي وثباتها في المفاوضات وهذا لا يدل إلا على قوتها وحضورها وثباتها في الميدان.
المصدر: موقع المنار