أعلنت أذربيجان الأربعاء استعادة “السيادة” على إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه منذ عقود مع أرمينيا، بعد عملية عسكرية سريعة انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار وموافقة الانفصاليين على إلقاء أسلحتهم وإجراء محادثات.
بدأت باكو الثلاثاء عملية “لمكافحة الإرهاب” في قره باغ أعلنت نهايتها بعد 24 ساعة، لتحقق أذربيجان ورئيسها إلهام علييف بذلك انتصارا مهما في المنطقة ذات الغالبية الأرمنية. وأكد الانفصاليون أن هذه العملية تسبّبت بمقتل 200 شخص على الأقل.
وأعلن علييف في خطاب الى الأمة ليل الأربعاء أن بلاده “أعادت بسط سيادتها” على قره باغ. وأكد أن قوات باكو “دمّرت معظم” قوات الانفصاليين وعتادهم العسكري، وأن هؤلاء بدأوا الانسحاب وتسليم أسلحتهم بموجب الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه.
وأتى ذلك بعد ساعات من تأكيد السلطات الانفصالية أنه “عبر وساطة قيادة فرقة حفظ السلام الروسية المتمركزة في ناغورني قره باغ، تمّ التوصل إلى اتفاق بشأن الوقف الكامل لإطلاق النار اعتبارًا من الساعة 13,00 (09,00 بتوقيت غرينتش) في 20 أيلول/سبتمبر 2023″.
وأشارت الى أن الاتفاق يشمل “انسحاب الوحدات والعسكريين المتبقين من قوات أرمينيا المسلّحة … وحلّ التشكيلات المسلحة لجيش الدفاع عن ناغورني قره باغ ونزع سلاحها بالكامل”.
وأوضحت أنه “ستتم مناقشة القضايا التي أثارها الجانب الأذربيجاني بشأن إعادة الدمج وضمان حقوق وأمن أرمن ناغورني قره باغ … في اجتماع بين ممثلي السكان الأرمن المحليين والسلطات المركزية لجمهورية أذربيجان” الخميس في مدينة يفلاخ على بعد 295 كيلومترًا غرب باكو. وأكدت قوات حفظ السلام الروسية عدم تسجيل أي خرق لوقف النار.
وستكون هذه القوات “الوسيط” في المباحثات، وفق ما ورد في اتصال بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، بحسب ما أفاد الكرملين الأربعاء.
وعشية المباحثات، أوضح مستشار الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف أن بلاده تريد “إعادة الإدماج السلمي للأرمن في قره باغ وتدعم أيضًا عملية التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان”، متعهدا بتوفير ممر “آمن” للمقاتلين الانفصاليين.
وأثار الانتصار الأذربيجاني مخاوف من نزوح جماعي للسكان المقدر عددهم بـ120 ألف نسمة، في وقت أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام محلية جموعا في مطار عاصمة الإقليم ستيباناكرت.
وقال أمين المظالم لشؤون حقوق الانسان في المنطقة غيغام ستيبانيان إنه “تم إجلاء أكثر من 10 آلاف شخص من مناطق إقامتهم الأصلية” نحو أنحاء أخرى في الإقليم، مشيرا الى افتقادهم “التغذية الملائمة والأدوية ومواد النظافة الأساسية”، ومنددا بوقوع “كارثة”.
وكانت القوات الروسية أكدت إجلاء 3154 شخصا بينهم 1428 طفلا الى مواقعها.
وفي حادث لم تتضح تفاصيله، أعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل عدد من جنود قوات حفظ السلام بعد تعرض سيارتهم “لإطلاق نار من أسلحة خفيفة”. وتنتشر هذه القوات منذ أواخر 2020 في أعقاب الحرب الأخيرة التي خاضتها باكو ويريفان بشأن ناغورني قره باغ.
وكان بوتين أعرب الأربعاء عن أمله في إبرام “تسوية سلمية” للنزاع. ورأى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنه “لا يوجد أدنى شك بأن قره باغ شأن داخلي لأذربيجان”، مؤكدا أن الأخيرة “تتصرف في أراضٍ عائدة لها، وهو ما يقرّ به المسؤولون الأرمينيون”.
من جهته، أكّد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الأربعاء أن بلاده لم تشارك في صياغة اتفاق وقف النار، مذكّرًا بأن يريفان “ليس لديها جيش” في الجيب الانفصالي منذ آب/أغسطس 2021.
وأعادت الأزمة الأخيرة تحريك الانتقادات الداخلية في وجه باشينيان. وحاولت المعارضة الأرمينية على مدى السنوات الماضية إقناعه بمغادرة السلطة محمّلة إياه مسؤولية الهزيمة العسكرية خلال حرب خريف 2020 في قره باغ.
ولليوم الثاني تواليا، تجمّع متظاهرون خارج مقر رئيس الوزراء في يريفان واتهموا الحكومة بالتخلي عن الأرمن الذين يشكلون غالبية سكان الإقليم. ووقعت مواجهات بينهم وبين الشرطة.
وكانت باكو اشترطت منذ بداية عمليتها العسكرية، استسلام الانفصاليين وتسليم أسلحتهم. وأكد علييف ذلك لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مكالمة هاتفية.
وخاضت أذربيجان وأرمينيا حربين بشأن قره باغ إحداهما بين 1988 و1994 راح ضحيتها 30 ألف قتيل، والثانية في 2020 انتهت بهزيمة أرمينيا.
وقال المحلل الأذربيجاني المستقل شاهين حاجييف إن الانتصار الجديد “سيزيد بالتأكيد من شعبية إلهام علييف” الذي يتولى مقاليد الحكم منذ 20 عاما، وسيكون في امكانه “الايفاء بوعده بضمان حقوق أرمن قره باغ”.
وحضّ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال علييف الأربعاء على حماية حقوق أرمن قره باغ، داعيا إياه خلال اتصال لمعاملتهم “بكرامة، يجب ضمان حقوقهم الانسانية وسلامتهم”، مؤكدا الحاجة “الفورية” لتلقيهم مساعدات.
وكرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا المطلب في اتصال مع علييف، وفق ما أعلن الإليزيه. ودان الرئيس الفرنسي “خيار اذربيجان باللجوء أمس الى القوة والتهديد بزيادة حدة الأزمة الانسانية في قره باغ وتهديد الجهود للتوصل الى سلام عادل ودائم”.
وتجدد النزاع الثلاثاء بعد مقتل أربعة شرطيين ومدنيَّين بانفجار لغمَين في قره باغ واتهام باكو الانفصاليين بالمسؤولية عن هذه الأعمال “الإرهابية”. والأربعاء، قال أمين المظالم ستيبانيان “ثمة 200 قتيل على الأقل وأكثر من 400 جريح” جراء العملية. وأشار الى أن من بين القتلى 10 مدنيين على الأقل، بينهم خمسة أطفال.
وكانت السلطات الانفصالية قد أفادت أنّ ستيباناكرت وبلدات أخرى في المنطقة تعرّضت “لقصف كثيف” استهدف أيضًا منشآت مدنية.
وكان تجدّد الأعمال العدائية في ناغورني قره باغ أثار قلق المجتمع الدولي ودعوات متعددة لوقف النار، أبرزها من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والبابا فرنسيس ودول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
وفي حين دعت فرنسا الثلاثاء الى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث التوتر، رأت باكو أن لا جدوى لذلك. وقال المستشار حاجييف “نعتقد أن جلسة كهذه في حال انعقادها، ستكون غير ذي جدوى وضارة… ليست ضرورية”.
تصاعدت التوترات بين أرمينيا وأذربيجان مطلع تمّوز/يوليو بعدما أغلقت باكو بذرائع مختلفة ممرّ لاتشين الذي يربط الجيب بأرمينيا، ما تسبّب بنقص كبير في الامدادات. وأثار ذلك مخاوف من تجدّد المعارك بين البلدين.
المصدر: أ ف ب