ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الثلاثاء 4-7-2023 في بيروت على عدد من المواضيع وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي..
البناء:
الكيان ينتقل من حرب على إيران إلى تهديد لبنان والتلويح بضرب غزة… وينتهي باقتحام جنين
المقاومة تواجه ببسالة تكتيكات المناورة بهدف إطالة المعركة وإفشال أهدافه وفتح باب التحوّلات
غزة تستعدّ للدخول في المواجهة وفق توقيت غرفة عمليات جنين… وتوقيت المحور في غزة
كتب المحرّر السياسيّ
يدرك كيان الاحتلال أن التسليم بالمعادلات المحيطة به تعني الاستسلام للتآكل الذي يصيبه من الداخل ويعمق أزماته وانقساماته، ويعيد طرح مأزق القدرة على البقاء بصفته مأزقاً وجودياً على السطح، فما حوله هو تنامي حضور وقدرات محور المقاومة مجتمعاً وقواه متفرّقة، وصناعة معادلات وحدة الساحات داخل فلسطين، ووحدة الجبهات بين فلسطين والمحور، وتدرك حكومة بنيامين نتنياهو أن كل ما وعدت به مهدّد بالتبخر، ووجودها بالتالي مهدّد بالسقوط، فما تمّ في آخر شهر رمضان من الاستسلام لتهديدات المقاومة وقبول حظر دخول المستوطنين إلى المسجد الأقصى، وما فرضته معادلة معركة ثأر الأحرار، وما تشهده الضفة من فشل أمني للجيش والمخابرات ومن تنامي روح المقاومة وحضورها، واستهداف متزايد للمستوطنين، أسقط نظريات ايتمار بن غفير حول الميليشيا التي تحمي، وقد وقف بن غفير يصرخ طلباً لتدخل الجيش، وأسقط معه نظريات بتسلئيل سومتريتش عن إنشاء مئات المستوطنات لبعثرة جغرافيا الضفة، بعدما ارتفع صراخ المستوطنين طلباً لحماية الجيش ودعوة الجيش الى تجميع المستوطنين لتوفير الحماية لهم، ولذلك تلاقت الحكومة المأزومة مع لحظة قراءة الجيش للحاجة الملحّة لفعل شيء يوقف التدهور.
شهد الشهر الماضي تصريحات وبالونات اختبار عن ضربة لإيران تحت عنوان ملفها النووي، وعن ضربة من نوع مختلف تستهدف سورية وقوى المقاومة فيها، وعن حرب محدودة مع لبنان، ومثلها مع غزة، لكن التدقيق في كل هذه الفرضيات أوصل قيادة الكيان إلى أن الرهان على المجيء من الأكبر إلى الأصغر رغم أنه أشد فعالية في ترميم الردع، لكنه فوق طاقة الكيان، فمن جهة إيران تستعرض صواريخها الجديدة، سورية ترسل رسالة مشفرة برأس صاروخيّ يصل إلى النقب، والمقاومة في لبنان تجدّد رسالة مناورة العبور، وغزة تذكر بثأر الأحرار، فبدأ التراجع عن السقوف العالية للكلام، وعاد الحديث لحملة عسكرية على الضفة، ثم صارت حملة على جنين.
بدأت الحملة وحصدت عشرة شهداء حتى منتصف ليل أمس، وشارك فيها عناصر نخبة جيش الاحتلال وعشرات الدبابات والطائرات المسيّرة والطوافات والدبابات، والحصيلة اعتراف بأن هناك الكثير مما يجب فعله حتى يمكن الحديث عن نجاح العملية، خصوصاً بعدما نجحت جنين بتظهير عبواتها وصواريخها وقدرتها على إسقاط الطائرات المسيّرة خلال الأيام التي مضت.
الاحتلال مستعجل كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، والمقاومة في جنين تناور وتجيد استعمال عامل الزمن، لإطالة أمد العملية، بما يفشل العملية ويمنعها من تحقيق أهدافها، ويفتح الباب أمام التحولات الكبرى، وقادة المقاومة في جنين يؤكدون أنهم يسيطرون على الموقف، ويديرون معركتهم ببرود أعصاب وتحكم بالمسارات واقتصاد بالموارد، وتدبّر على درجة عالية من الاحترافية، واحدة تجمع كل الفصائل في إطار عملي واحد تديره غرفة عمليات واحدة.
قوى المقاومة في غزة على جهوزيّة كاملة للتدخل، وقرارها محسوم بأن لا مجال للتسامح مع ترك الاحتلال ينجح بخطته في جنين، وبالتالي في الضفة الغربية، لكن قبل ساعة الصفر للتدخل، يجب أن يترك المجال للضفة أن تدخل على الخط، ولجنين أن تستنفد وقتها في إفشال العملية، وغرفة العمليات المشتركة في غزة على اتصال بغرفة عمليات المقاومة في جنين لتقدير الموقف، وساعة الصفر عند جنين، وفق مبدأ وحدة الساحات، وفي المنطقة محور المقاومة مستنفِر، وعند التزامه بوحدة الجبهات، لكن ذلك يتوقف على تقدير الموقف في غرفة عمليات غزة بالحاجة للتدخل، وهو أمر ينتظر مدى قدرة الاحتلال على مواصلة المواجهة وتوسيع نطاقها، أولاً بترك الأمور تصل إلى تدخل غزة، ولاحقاً بترك الأمور تصل إلى تدخل محور المقاومة.
مشهد جنين خطف الأضواء عن المشهد اللبناني الداخلي فتراجع حضور الملف الرئاسي الى أدنى المراتب بينما كان اللبنانيون يتابعون تداعيات حادثة القرنة السوداء، وعيونهم على ما يجري في جنين وما يمكن أن يتبعه في المنطقة.
وخطفت جريمة بشري الأضواء المحلية في ظل مخاوف سياسية وأمنية من تداعيات وأبعاد هذه الجريمة وما إذا كانت منفصلة عما يجري من أحداث في لبنان والمنطقة أم مرتبطة بها، وما إذا كانت بداية للانفلات الأمني المنتظر بعد إقفال أبواب الحلول للأزمة الرئاسية بعد الجلسة الـ12 للمجلس النيابي التي انتهت بفشل جديد، واصطدام المبعوث الرئاسي الفرنسي بجدار المواقف السياسية الصلبة.
وعلمت «البناء» أن سلسلة اتصالات واجتماعات جرت وتُجرى على مدار الساعة بين مرجعيات وقيادات سياسية ودينية وأمنية وقضائية لاحتواء غضب الشارع من خلال العمل على ثلاثة مسارات:
الأول سياسي – روحي لقطع دابر الفتنة وأي ارتدادات للجريمة على المستوى الوطني.
وفي سياق ذلك أعلن رئيس بلدية بقاعصفرين – الضنية بلال زود، في بيان «الحداد عن روح الفقيدين هيثم ومالك طوق من أبناء جيراننا في بشري، في بلدة بقاعصفرين، وإغلاق المؤسسات الرسمية فيها، وتنكيس الأعلام على مبنى البلدية».
الثاني قضائي عبر إجراء تحقيق شفاف لتحديد المسؤوليات وكشف المجرمين وكل المتورطين في الحادثة النكراء.
وأفيد أن قاضية التحقيق الاول في الشمال، سمرندا نصار، التي تتولى التحقيق شخصياً في حادثة القرنة السوداء، استدعت المدير الطبي لمستشفى بشرّي الحكومي، الدكتور إبراهيم مقدسي، للتحقيق معه اليوم على خلفيّة التصريح الذي أدلى به الأحد الماضي.
الثالث قانوني – عقاري للبحث عن حلول للخلاف العقاري بين المنطقتين على القرنة السوداء وترسيم الحدود بينهما. ويتكفّل محافظ الشمال ورؤساء البلدية والمراجع الأمنيين المعنيين حل هذا الأمر.
واستبعدت معلومات لـ«البناء» فرضية قنص الشابين من آل طوق التي سوّق لها البعض لتوجيه أصابع الاتهام الى أهالي بقاعصفرين – الضنية، موضحة أن أحد الضحايا لا ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية بل مؤيّد للنائب وليم طوق.
ولفتت أوساط مطلعة لـ«البناء» الى أن أهالي بقاعصفرين – الضنية منفتحون على أي حل يضمن إنهاء الخلاف العقاري مع بشري، ويؤدي الى إحلال السلم في المنطقة ويرفضون جرهم الى الفتنة، لكن لن يتنازلوا عن حقوقهم العقارية تحت هول وضغط الجريمة وقوة الأمر الواقع ووضعهم في موضع الاتهام بالجريمة.
وتُحذّر مصادر سياسية شمالية من طابور خامس استثمر على الخلاف بين المنطقتين لتحقيق مآرب سياسية وفتنوية تصبّ في صالح أعداء الوطن لضرب أمنه واستقراره وتخدم مشروع الفدرالية وغيرها من الطروحات التقسيمية، مشيرة لـ«البناء» إلى أن الحادثة المستنكرة بغضّ النظر عن الأسباب، ليست منفصلة عن ما يجري من أحداث في لبنان والمنطقة لا سيما الاعتداءات الإسرائيلية على سورية والتهديدات الإسرائيلية للبنان على خلفية التوتر في مزارع شبعا وكفرشوبا. محذّرة من المواقف التي تستثمر على الفتنة ووقوع المزيد من الأحداث المشابهة، أو الاعتداء على أحد من أبناء الضنية.
وكانت بلدةَ بشري وفي ظل أجواء من الحزن والحداد شيّعت الشابين هيثم ومالك طوق، وشهدت إقفالاً عاماً للمحال التجارية والمؤسسات السياحية.
ودعا البطريرك الماروني مار بشارة الراعي «لترسيم الحدود في منطقة القرنة السوداء وإنهاء الفتنة، كما دعا لكشف الفاعل أو الفاعلين في جريمة قتل هيثم ومالك طوق والاقتصاص منهم».
ولفت الراعي خلال عظته من كنيسة السيدة في بشري، الى أننا «نؤمن بالدولة ونعرف حدودنا ونعرف القاتل وهذه ليست مجرد حادثة». وأوضح بأن «شباب بشري يعلنون دائماً استعدادهم للحل، ونحن جميعاً تحت سلطة القانون العادل».
وأكد النائب وليام طوق، بعد مراسم دفن الشابين هيثم ومالك طوق في بشري، على أننا «لا نفرط بدم شهدائنا ولا نساوم على كرامة أرضنا وأهلنا، ودعوتنا الى ضبط النفس لا تعني التساهل او التفريط بدم هيثم ومالك طوق».
بدوره، أكد النائب فيصل كرامي أن «لا قلق على الوحدة الدّاخلية والسلم الأهلي في ظل الوعي الذي يتحلى به الجميع الذين رفضوا الفتنة، ولجأوا الى الأجهزة الأمنية والقضائية». وبالنسبة إلى إنضاج الفراغ الرئاسي من خلال افتعال قلق أمني، قال كرامي في حديث إذاعي «إذا كان هذا الامر صحيحاً فقد دفناه في مهده». ومن جهة أخرى، طالب الحكومة بـ»حل الخلافات العقارية في الجرود»، منتقداً سياسة التمييع، مضيفاً «لا يمكن المراهنة دائماً على وعي الشعب من دون تقديم الحلول وندعو إلى عدم استباق الأمور في انتظار التحقيقات»، رافضاً الربط بين حادثة القرنة السوداء والملفات الخلافية بين بشري والضنية.
كما لفت النائب طوني فرنجيه عبر «تويتر» الى أن «رهبة الموت لا يعلوها أي صوت، وحكمة أهلنا في بشري في التعاطي مع مصابهم الأليم يجب ان تُلاقى بتحقيق جديّ شفاف وسريع جداّ يُحدد المسؤوليات ويظهر الفاعلين ويحقق العدالة. الرحمة لـ«هيثم» و«مالك» طوق والتعازي الحارة لذويهم ولأهلنا في بشري».
على صعيد الاستحقاق الرئاسي لم يسجل أي جديد بانتظار عودة مبعوث الرئاسة الفرنسية جان ايف لودريان الى لبنان والمتوقعة منتصف الشهر الحالي وسط ترقب لما سيحمله في جعبته من مقترحات أو دعوة الأطراف السياسية للحوار.
وتشير معلومات «البناء» الى أن «الملف الرئاسي سيتحرك قبل الزيارة الثانية لمبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان الى بيروت، وسيشهد لبنان حراكاً ديبلوماسياً عربياً وسعودياً بموازاة التحرك الفرنسي الذي سيتفعل أكثر خلال الفترة المقبلة، ومن غير المستبعد أن يزور مسؤول سعودي يرجّح أن يكون مستشار الديوان الملكي نزار العلولا لبنان بموازاة مساعٍ يقوم بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري باتجاه بعض المراجع السياسية المعنية.
إلا أن مصدراً نيابياً رجح لـ«البناء» أن يطول أمد الفراغ الرئاسي بسبب تعقيدات داخلية وخارجية، ولارتباط الملف اللبناني بملفات عدة في المنطقة لا سيما السوري واليمني والمفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي فضلاً عن التطورات العسكرية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وفتح الصراع على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر. ودعا المصدر جميع الأطراف إلى إعادة النظر بمواقفها والتنازل عن مصالحها السياسية والشخصية والتجاوب مع الحوار وتلقف المبادرة الفرنسية والمساعي التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ماكرون بالبحث عن تسوية رئاسية تضمن انتخاب رئيس للجمهورية بأوسع توافق وطني وتشكيل حكومة جديدة قادرة على لجم الانهيار بالحد الأدنى وملء الشغور في المؤسسات الأمنية والقضائية والنقدية لا سيما في حاكمية مصرف لبنان والمجلس العسكري.
وجدّد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، على «دعوته للحوار والتفاهم من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت»، معتبراً أن «ذلك هو المعبر المتاح وطنياً ودستورياً في ظلّ عدم إمكانية أيّ فريق أنّ يؤمن وصول مرشّحه بمعزل عن تعاون الفريق الآخر».
وقال رعد، خلال حفلٍ تأبيني أقيم في بلدة جبشيت: «عندما ندعو الجانب الآخر للحوار إنّما ندعوه بموجب دستوري فضلاً عن الموجب الوطني والأخلاقي في حين نواجه دائماً بالطعن في النيات وتحميل دعوتنا ما لا تحمله وذلك تضليلاً للرأي العام وافتراءً علينا».
وسأل «من لا يريد الحوار ماذا يُريد؟ انه لا يريد رئيساً، بل يريد فراغاً يطول واستقواء بأجنبي يتوهم أن يدعم تعنّته».
على صعيد آخر، نفت مصادر مقربة من السراي الحكومي لـ«البناء» أن يكون رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي طلب صلاحيات استثنائية لاتخاذ قرارات بملفات هامة كالتعيينات إذا طال أمد الفراغ الرئاسي، مشيرة الى أنه عندما كانت الحكومة أصلية لم يطلب هذا الأمر فكيف هو الحال اليوم.. وشددت على أن ميقاتي يقوم بتصريف الأعمال وفق ما ينص عليه الدستور لا أكثر ولا أقل.
وأبلغ ميقاتي وفق مصادر إعلامية الوزراء بنيته تحديد جلسة قريبة لمناقشة مشروع قانون الموازنة على طاولة مجلس الوزراء.
وكشف وزير الأشغال علي حمية أن «إيرادات المطار تناهز نحو 250 مليون دولار «كاش»، ولكن نحن إدارة عامة وكل الإيرادات يتمّ تحويلها إلى الخزينة العامة وتنفق الأموال على سد عجز الموازنة، ورواتب القطاع العام والمتقاعدين والعسكريين والمدنيين والإدارة عامة، وجزء منها يذهب لكهرباء لبنان».
على صعيد آخر، أوضحت مفوضيّة الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان، «أما وأنّ الحكومة اللبنانية غائبة في سُباتها بحثاً عن صلاحيات هنا وهناك، يبدو أنها لم تتنبّه لحقيقة أنّ العدو الإسرائيلي قضم الجزء اللبناني من بلدة الغجر المحتلة دون حسيب أو رقيب. وإذا كانت اهتمامات الحكومة كبيرة طبعاً بالملفات المحلية من التربية والصحة والاتصالات التي تتولاها ببراعة وحرفية، فهل لها أن تمنح بعضًا من وقتها للحدود الجنوبية وتتخذ ما يلزم من إجراءات لمنع وضع أراضٍ لبنانية تحت احتلالٍ تم تنفيذه تحت أعين الجميع».
اللواء:
قلق متزايد من توسُّع الضربات الإسرائيلية.. ومن نسف عودة النازحين
بشري تدفن الفتنة مع ضحايا «القرنة السوداء».. وترتيبات مالية انتقالية في مصرف لبنان
تكاد الأحداث والمواقف المحيطة بلبنان، لا تشغل فقط اللبنانيين بالانعكاسات غير المريحة على أوضاعهم غير المستقرة، بل تعطي الانطباعات بأن ما يجري على أرض فلسطين، حيث تواجه المقاومة الفلسطينية جحافل جنود الاحتلال في جنين والبيرة ونابلس، يترك صداه ليس في المخيمات الفلسطينية، بل أيضاً في الجنوب الذي يسوده الحذر عند الحدود، وبأن ما نقل عن الرئيس السوري بشار الاسد لجهة الشروط المتعلقة بعودة النازحين الى بلادهم، يوحي بأن هذه العودة محفوفة بمخاطر انتظار طويل حتى اعادة الاعمار وتوفير البنى التحتية، على الرغم من استعداد الوفد الرسمي الوزاري الاداري بالتوجه الى سوريا في اطار السعي لإعادة النازحين التنسيق مع الجهات السورية المختصة.
ولا يقتصر القلق من انعكاسات اوضاع الخارج على هشاشة الوضع في الداخل، بل ان الحوادث الامنية المتنقلة في المناطق ذات الحساسيات العشائرية والطائفية تزيد من المخاوف، على الرغم من الحرص الوطني المشترك على تجاوز الاوضاع الشاذة، والاجراءات السريعة التي تقوم بها القوى العسكرية والامنية لاحتواء الاحداث وضبط الامن والاستقرار.
على وقع هذه المعطيات، تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، كما تراجع سعر «صيرفة» الى 85500 ل.ل.، في وقت تتجه فيه الانظار اليوم الى اجتماع المجلس المركزي في مصرف لبنان، للتداول في مصير التعاميم من 151 الى 158 و161، فضلاً عن التعميم 165، وسعر صيرفة، مع بدء العد التنازلي لانتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة التي استمرت لعقود حيث يغادر المصرف عند الساعة صفر من ليل 31 تموز- 1 آب، على ان يتسلم مهامه النائب الاول وسيم منصوري الذي يفترض ان يكون عاد من رحلة استشكاف مالية الى واشنطن.
وفي محاولة لإحتواء مخاطر الضغوطات على حركة المسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي، خصص اجتماع السراي الذي ترأسه الرئيس نجيب ميقاتي، بحضور الوزراء المعنيين: علي حمية (الاشغال)، بسام مولوي (الداخلية والبلديات)، والسياحة (وليد نصار) ومديرا الامن العام والطيران المدني اللواء الياس البيسري وفادي الحسن ورئيس مجلس ادارة والمدير العام لشركة طيران الشرق الاوسط محمد الحوت.
وحسب ما سمع احد الوزراء الذين شاركوا في الاجتماع، فإن الرئيس نجيب ميقاتي ذكر انه بصدد دعوة مجلس الوزراء لجلسة قريبة، وعلى جدول هذه الجلسة مشروع الموازنة للعام 2023.
وقالت اوساط سياسية لـ«اللواء» أن غياب جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع لا يعني ان لا جلسات حكومية قريبة، ولفتت إلى أنه عندما تتصدر ملفات ضرورية البحث وتتطلب النقاش فإن المجلس سينعقد موضحة أن حكومة تصريف الأعمال هي مؤسسة دستورية تعمل وتبت في القضايا الملحة كما جرى في عدة محطات.
وقالت إن معارضي إجراءاتها يواصلون مواقفهم في حين أن بعض الملفات قد تبقى من دون قرار لاسيما تلك التي تتطلب حضور رئيس الجمهورية.
إلى ذلك رأت هذه الأوساط أن هناك استحقاقات تحتاج إلى بت وهناك مخارج سيصار إلى اللجوء إليها وهذا ما قد يتوضح قريبا.
وفي السياق، لم يتقرر حتى يوم امس عقد اي جلسة لمجلس الوزراء على الاقل هذا الاسبوع، لكن الاتصالات قائمة من اجل ترتيب جدول اعمال لجلسة قريبة لا يثير اعتراضات كبيرة، لا سيما بعد المعلومات عن رغبة الرئيس ميقاتي في توسيع مهام حكومة تصريف الاعمال ومنحها صلاحيات استثنائية وإجراء بعض التعيينات العسكرية وربما في حاكمية مصرف لبنان، وتمرير العديد من الامور التي برأيه تُسهّل عمل الوزارات، وهو ما كان مثار اعتراضات سياسية ونيابية لا سيمامن قوى مسيحية وحتى من قوى مستقلة.
في غضون ذلك، سيطر الهدوء على منطقتي بشري والضنية، بعد الحادثة المؤلمة التي اودت بحياة شابين من آل طوق، لكن خيم الحداد العام على بشري وبقاعصفرين، وتم تشييع الفقيدين في مأتم حاشد. لكن السياسة كانت لا تزال في ثلاجة الانتظار فلاحراك ولا مبادرات حول معالجة ازمة الاستحقاق الرئاسي وسط استمرار تكرار المواقف ذاتها من الموضوع.
لقاءات السرايا
فور عودة ميقاتي من مكّة، قام فوراً بجولة تفقدية في مطار بيروت شملت العديد من الاقسام، واستمع من المواطنين الى ملاحظاتهم واقتراحاتهم، ودوّن مشاهداته التفصيلية، وذلك بعد تلقّيه العديد من الرسائل والشكاوى بشأن الاجراءات المتخذة والواقع الاداري في المطار.
وبناء على ذلك دعا ميقاتي الى اجتماع وزاري عقد امس في السرايا الحكومي، للبحث في وضع مطار رفيق الحريري الدولي، شارك فيه وزراء الداخلية والبلديات بسام مولوي، السياحة وليد نصار، الأشغال العامة والنقل علي حميه، المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، المدير العام للطيران المدني فادي الحسن، ورئيس مجلس إدارة والمدير العام لشركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت.
وقال الوزير حمية : تمت بداية دراسة الأمور من محطة الوصول حيث اتخذ قرار من قبل الأمن العام بفرز 12 عنصراً للارشاد والتوجيه قبل التدقيق بجوازات السفر من أجل أن تسير العملية بشكل منظم توفيراً للوقت ولأجل التسريع بالتدقيق في جوازات للسفر وحتى لا تستغرق هذه العملية أكثر من ثلث إلى نصف ساعة.
ثانياً: سيقوم الأمن العام بصيانة المستلزمات التقنية والحواسيب في الكونتوارات لكي يقوم باستعمال كل كونتوارات الوصول والمغادرة.
ثالثاً: أما بالنسبة الى الأحزمة، فلا مشكلات تقريبا إنما هناك مشاكل في عدد عربات نقل الحقائب وتم البحث في هذا الموضوع وستقوم شركة طيران الشرق الأوسط بالتواصل مع شركة «ميز» لزيادة عدد العربات.
رابعاً: أما بالنسبة إلى الجمارك فسيؤمن مسربان للوصول لتخفيف الضغط عن الجمارك وتم التواصل من قبل رئيس الحكومة مع المدير العام للجمارك وهناك اتفاق على ايجاد مسربين لتخفيف الزحمة.
خامساً: بالنسبة إلى التفتيشات فهناك 7 أجهزة سكانر تعمل وسنقوم بصيانة الاجهزة الاخرى ليرتفع العدد إلى 9. أما في ما يتعلق بتكييف المطار فقد اتخذنا اجراءات احترازية وتم تأمين مولد إضافي لعمل المكيفات».
ومع الشلل السياسي، والابتعاد عن اي جهد تواصلي داخلي، إلتقى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في مقر رئاسة الوزراء في لندن، نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الاوسط أجاي شرما، ومسؤول الشرق الاوسط في رئاسة الوزراء جورج بومان، يرافقه سفير لبنان في انكلترا رامي مرتضى ونائب رئيس البعثة مروان فرنسيس.
وغرّد باسيل عبر حسابه على «تويتر» انه «جرى البحث في ضرورة تعميم مناخ الاستقرار في المنطقة، وفي دور المملكة المتحدة في هذا الصدد وتأثيره الايجابي على لبنان».
وضع بشرّي
الى ذلك، شهدت بلدة بشري امس، اقفالاً عاماً للمحلات التجارية والمؤسسات السياحية بعدما اعلنت يوم امس حداداً عاماً على مقتل الشابين هيثم ومالك طوق في القرنة السوداء. بإنتظار نتائج التحقيقات التي تجريها مديرية المخابرات في الجيش والقضاء، والمفترض ان تظهر خلال ايام قليلة نظرا لحساسية ودقة وخطورة الموضوع.
وإحتُفل بالصلاة لراحة نفسي الشابين هيثم ومالك عند الخامسة عصراً في كنيسة السيدة في البلدة.حيث ترأس القداس والجناز البطريرك الماروني بشارة الراعي الموجود في المقر الصيفي في الديمان. والقى عظة دعا فيها «الى ترسيم الحدود في منطقة القرنة السوداء وإنهاء الفتنة، كما دعا لكشف الفاعل أو الفاعلين في جريمة قتل هيثم ومالك طوق والاقتصاص منهم».
وقال الراعي: اننا نؤمن بالدولة ونعرف حدودنا ونعرف القاتل وهذه ليست مجرد حادثة. واوضح بأن «شباب بشري يعلنون دائما استعدادهم للحل، ونحن جميعا تحت سلطة القانون العادل».
وأضاف: أنّه لو قام القضاء بعمله لما كنا وصلنا اليوم إلى مأساة القرنة السوداء. إنّ الخوف أن يستمرّ القضاء بتخاذله فيفلت المجرمون من يد العدالة وسيشرّع ذلك الأبواب لشريعة الغاب.
وقال في العظة: نطالب بالعدالة في ترسيم الحدود وإنهاء هذه المسألة الشائكة وبقيام الدولة، ولطالما دافعنا عن أرضنا وقدّمنا الشهداء ونحن من قاومنا كلّ محتلّ ونريد دولة تبسط سلطتها بشكل كامل وشامل.
وقال النائب وليم طوق في مراسم دفن هيثم ومالك طوق: بشري لم تتعوّد بتاريخها على الغدر، تماماً كما لم نتعوّد نحن أن نغدر أحداً. ودماؤهما باتت الخط الأحمر لرسم حدود أرضنا التاريخية. ولمن لا يعرفنا بعد نحن لا نفرّط بدم شهدائنا ولا نساوم على أرضنا وكرامة أهلنا. و«ما تغلطوا» لأن دعوتنا لضبط النفس لا تعني أبداً التساهل، وقرارنا واضح بأننا لن نرضى بأقل من توقيف مَن غدر بشهدائنا وحرّض على هذه الجريمة.
وقالت النائب ستريدا جعجع من بشرّي: إنّ «المنطقة تواجه، ومتمسّكون بالسلم الأهلي وحريصون على القانون، ويهمّنا معرفة الحقيقة وتسليم المجرمين بأسرع وقت.
اضافت: إتّصلت بقائد الجيش وأبلغني أنه لا تزال هناك حاجة لإبقاء الموقوفين من بشرّي لبعض الوقت الى حين اتّضاح الصورة. وسنتابع الموضوع حتى النهاية للوصول الى حقنا في قضية القرنة السوداء بالقانون.
وقدّم النائب طوني فرنجيه واجب العزاء لأهالي الشابين هيثم ومالك طوق في صالون كنيسة السيدة في بشري. وكتب عبر حسابه الخاص على «تويتر»: رهبة الموت لا يعلوها أي صوت، وحكمة أهلنا في بشري في التعاطي مع مصابهم الأليم يجب ان تُلاقى بتحقيق جديّ شفاف وسريع جداّ يُحدد المسؤوليات ويظهر الفاعلين ويحقق العدالة.
وصدر بيان صادر عن رابطة آل طوق اعلنت فيه: «ان بشري لم ولن تكون مكسر عصا.. وإلى متى سنظل ندفع الغالي في بلد يغيب فيه الامن عن المواطن والقضاء عن إحقاق الحق»؟
بدوره، أعلن رئيس بلدية بقاعصفرين الضنية بلال زود، في بيان، «الحداد عن روح الفقيدين هيثم ومالك طوق من أبناء جيراننا في بشري وإغلاق المؤسسات الرسمية فيها، وتنكيس الأعلام على مبنى البلدية». وقال: رحم الله الفقيدين، وحمى وطننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وزار زود امس الرئيس ميقاتي في السرايا، في حضور الامين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد المصطفى والأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير.
واعلن زود بعد اللقاء: تمحور اللقاء حول موضوع النزاع على القرنة السوداء مع بلدة بشري. ووضعت دولته في الأجواء الراهنة.
وقال إتحاد بلديات الضنية في بيان: إننا نتأسف للحادث الذي حصل مهما كانت أسبابه ومسبباته، ولن ندخل في تفاصيل هذا الحادث وما هو السبب، ومن هو المسبب، لأننا نعتبر أن تدخل الجيش قد أنهى الموضوع، وأياً كان المسبب يجب أن ينال جزاءه وعقابه، وإننا نرفض بشدة أن يقول البعض أن هناك مشكلة بين أهل بشري والضنية، خصوصا أن الوضع لم يعد يحتمل هذا النوع من الكلام، ويجب معرفة الفاعل وإعلان الحقيقة للناس مهما كانت، كما نتمنى من كل السياسيين أن يسحبوا هذا الموضوع من البازار السياسي، لأن لبنان لم يعد يحتمل أكثر من ذلك.
اضاف: يجب ان نعتبر أن ما يسمى بحدود جغرافية بين المنطقتين هو من إختصاص المراجع المولجة بذلك والقضاء المختص، ولن ندخل في سجالات لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفتن، وإن مثل هذه الأمور يجب أن تعالج بالطريقة الصحيحة من خلال المراجع المختصة، وحسب القوانين المرعية الإجراء فقط.
الى ذلك، افيد ان «مخفر درك بشري تواصل مع المدير الطبي لمستشفى بشرّي التي نقل اليها القتيلان الدكتور ابراهيم مقدسي، وطلب منه الحضور أمس الى المخفر من دون تحديد سبب الدعوة. لكن ترددت معلومات عن استدعاء المقدسي من قبل قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار، على خلفيّة التصريح الذي أدلى به أمس الاول الأحد عن إصابات القتيلين، «والذي من شأنه تضليل التحقيق، ويُعتبر ايضاً خرقاً لسريته». لكن تبين ان هذه المعلومات غير دقيقة.
وفي اطار متابعة تداعيات الحادثة، ترأس محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا في مكتبه في سرايا طرابلس، اجتماعا طارئا لمجلس الامن الفرعي في الشمال، حضرته قيادات قضائية وامنية من مختلف مناطق الشمال، وبعد الاجتماع، أصدر المجتمعون المقررات التالية:
– تم طرح اقتراحات عدة لحل النزاعات القائمة بين الطرفين في بشري والضنية بقاعصفرين بشكل نهائي وابرزها:
– احالة الى رئاسة مجلس الوزراء اقتراح قانون انشاء محمية طبيعية في منطقة القرنة السوداء ومحيطها المتنازع عليها بعد تحديد مكانها من قبل القاضي العقاري المختص، بمعاونة مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش وتحديد الانتفاع بالري من قبل الوزارات المختصة أو تشكيل لجنة لإدارة الري.
– الطلب من وزارة الطاقة والمياه انشاء برك للمياه في المناطق غير المتنازع عليها من الجهتين والطلب من وزارة العدل الاسراع بالبت في النزاع القضائي حول ملكية الأراضي. والاحالة الى رئاسة مجلس الوزراء لاعتبار منطقة القرنة السوداء ومحيطها منطقة تدريب عسكرية».
وشدد المجتمعون على «وجوب المتابعة المستمرة لضبط الوضع الأمني في المنطقة المتنازع عليها، تفاديا لحصول أي إشكالات بين الطرفين مع التقدير لجهود فاعليات المنطقتين لتهدئة النفوس والحفاظ على العيش المشترك».
صواريخ وسرقة ماعز
جنوباً، استمر التوتر الصامت لكن وسط اجراءات معادية عند الحدود، حيث افادت معلومات امنية، عن قيام قوة اسرائيلية مدعومة برافعة ضخمة بتركيز مكعبات اسمنتية بالقرب من السياج الحدودي في منطقة «بوابة حسن» في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
كما وأفيد عن قيام دورية اسرائيلية اخرى باختراق الخط الازرق مقابل «رويسات العلم»، حيث عمدت الى مصادرة حوالي 250 رأس ماعز عائدة للمواطن «ن.ع.» من بلدة حلتا واقتادتها الى داخل الاراضي المحتلة بعد ان تمكن صاحبها من الافلات من عناصر الدورية.
من جهة ثانية، أعلن جيش الكيان الإسرائيلي، امس الاثنين، نشر منظومة «القبة الحديدية» على حدود لبنان وقطاع غزة تحسباً لإطلاق صواريخ من هناك، وذلك على خلفية العملية العسكرية التي شنتها قوات الإحتلال ضدّ مدينة جنين الفلسطينية ومخيم اللاجئين فيها، اليوم الإثنين.
وقالت إذاعة جيش العدو: إن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تستعد لإمكانية رد فعل الفصائل الفلسطينية في غزة ولبنان، كعلامة على التضامن مع مخيم جنين للاجئين.
وأضافت: تم نشر بطاريات القبة الحديدية، والجيش الإسرائيلي يُجري استعداداتٍ لتصعيد واسع النّطاق وهجمات فلسطينية على أهداف في الضفة الغربية.
ومن جهته، ازال حزب الله احدى الخيمتين اللتين نصبهما في ارض لبنانية في مزارع شبعا، وذكر وقع «واللا» العبري ليل امس الاول، أن «عناصر الحزب نقلوا إحدى الخيمتين اللتين نصبهما قبل اسبوعين من مزارع شبعا إلى داخل لبنان». وقال: تقدر المؤسسة الأمنية في اسرائيل أن «حزب الله يبحث عن وسيلة لمنع المواجهة ونقل الخيمة الثانية إلى الأراضي اللبنانية كذلك. لكن تردد ان الحزب أبقى على جميع مقاتليه داخل الخيمة الثانية التي بقيت مكانها.
وقبل حوالي أسبوعين ونصف، قدم ممثلون عن «وحدة العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي شكوى إلى قيادة اليونيفيل حول توسيع موقع حزب الله إلى الأراضي الإسرائيلية في مزارع شبعا التي تُعرف إسرائيليا بـ هار دوف (جبل روس)، على الحدود اللبنانية».
واوضح مسؤول أمني إسرائيلي في ذلك الوقت، إنه «تم نقل رسالة دبلوماسية وعسكرية مفادها أنه إذا لم يتم إخلاء المواقع التي أقيمت على الحدود، فسيتم تنفيذ عملية لتطهير المنطقة». وأضاف أنه «لا توجد نية لتحمل الاستفزاز، وهذا عمل استفزازي آخر من قبل حزب الله».
الاخبار:
جنين: من هنا يدخلون جهنّمَ
أكبر من عملية وأصغر من اجتياح | العدو يضيق بجنين: حتى لا تكون للمقاومين حاضنة
جنين | لم يعد ممكناً للعدو احتواء تطوّر المقاومة، أسلوباً وعدداً وعتاداً، في مدينة جنين ومخيّمها، بالأدوات القديمة ذاتها، بعدما وجد نفسه أمام تهديد متصاعد منبعث من المخيم خصوصاً، الذي صار خلال الشهور الأخيرة، مركز قيادة المقاومة في الضفة الغربية، والملجأ الآمن لمنفّذي العمليات الفدائية وأولئك المطلوبين لأجهزة الاحتلال الأمنية، والبقعة الوحيدة في الضفة، وكامل الأراضي الفلسطينية – ما عدا قطاع غزة -، التي باتت في عُرف المقاومين، وكذلك في حسابات العدو، منطقة «محرّرة»، يتطلّب أي دخول إليها عملية اقتحام كبرى، تشبه اجتياحاً صغيراً، ودونها مخاطر كبيرة. أشعلت تطوّرات الشهور الفائتة في هذه البقعة بالذات، وفي محيطها القريب، الضوء الأحمر لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتحديداً «الشاباك»، الذي رفع توصية إلى المستوى السياسي، يطلب فيها – سريعاً – تدشين حملة عسكرية واسعة في شمال الضفة. لكن قيادة الجيش الإسرائيلي عارضت مقترح «الشاباك»، واعتبرت أنه ليس ثمّة داعٍ لتدشين عملية واسعة، قد تستجلب تهديدات أمنية كبرى، وخسائر في الأرواح. بدورهما، جادل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، بأن الظروف السياسية التي يعيشها الكيان، على المستوى الداخلي في ظل الأزمة السياسية المتفاقمة، وعلى المستوى الخارجي حيث العلاقات مع الولايات المتحدة غير مستقرّة، لا تسمح بشنّ عملية واسعة في الضفة، ستعرّض حكومة تل أبيب لضغوط شديدة حال تنفيذها.
إلا أنه خلال الأسبوعين الفائتين، وبعد أخذ وردّ بين أقطاب القرار السياسي والأمني، وعلى وقع «الكمين» الذي تعرّضت له قوات الاحتلال في مخيم جنين أخيراً على يد مقاتلي «سرايا القدس»، وبعده العملية الفدائية في مستوطنة عيلي، والتي قُتل فيها 4 مستوطنين، وتبنّتها «كتائب القسام»، جرى الاتفاق على شنّ حملة من «الإجراءات المكثّفة» في المخيم تحديداً، تحت مسمى «البيت والحديقة»، تفوق حملة «كاسر الأمواج» التي كانت تهدف الى إحباط المقاومة في الضفة، ولا ترقى إلى عملية «السور الواقي» في العام 2002، خلال الانتفاضة الثانية. وفي حين لا تبدو العملية الجارية حملة عسكرية شاملة، إلا أن ذلك لا يعني أنها ستنتهي خلال ساعات، بل ستسغرق على الأقل يومين، وفقاً لتطورات الموقف الميداني، والضغوط السياسية. وأكثر من هذا، قد يكون ما جرى أمس، المرحلة الأولى فقط، ما يعني أن ثمّة مراحل ثانية وثالثة وربما أكثر، تختلف فيها طبيعة الأهداف وأساليب العمل، وقد تفصل بينها فترات زمنية، خصوصاً أن العدوان يبدو من النوع الذي يطول تنفيذه، ويتحول إلى سياسة عمل دائمة وروتينية لفترة محددة، كما هو الحال مع «كاسر الأمواج». لكن الأكيد حتى الآن، أنه من اليوم فصاعداً، لن يكون استخدام الطائرات المسيّرة والمروحية في شمال الضفة أمراً محظوراً لدى العدو، بل سيصبح خياراً حاضراً دائماً، لتنفيذ اغتيالات، أو إحباط عمليات، أو تدمير منشآت.
استمرّت الاشتباكات حول المسجد 5 ساعات، ثم نجح المقاومون في الانسحاب عن طريق نفق
وافتُتحت عملية «البيت والحديقة» بهجوم جوي على مقرّات يتجمّع فيها المقاومون في مخيم جنين، ثم اندفعت القوات الإسرائيلية إلى داخل المخيم، وسيطرت على مبانٍ كان يستخدمها المقاومون للتجمّع أيضاً، ولإنتاج وتخزين الأسلحة والعبوات، بحسب زعم العدو. وفي خلال ذلك، عملت قوات الاحتلال على جمع المعلومات الاستخبارية، وإجراء تحقيقات ميدانية مع معتقلين، بحيث يكون من الممكن عبر هذه التحقيقات الوصول إلى المزيد من المقاومين، وأيضاً المخازن ومراكز التجمّع. وتزامناً مع تنفيذ هذه المهمة، دخلت جرّافات العدو إلى أحياء المخيم الجانبية، وعملت على هدم بعض الجدران وحفر الطرقات وتخريبها، للحؤول دون انفجار عبوات بالجنود، ومنع زرع عبوات جديدة. وطوال يوم أمس، لم تقع اشتباكات عنيفة بين المقاومين وقوات الاحتلال، التي لم تكن قد توغّلت بعد إلى قلب المخيم، بل بقيت على أطرافه بعدما حاصرته وعزلته. لكن استثُني من تلك الحالة محيط مسجد تحصّن فيه مقاومون، بينما حاصرهم جنود العدو، وقصفوهم بالطائرات المسيّرة. واستمرّت الاشتباكات هناك 5 ساعات، لكن بعد دخول قوات الاحتلال إلى المسجد، وجدت أن المقاومين قد غادروه عن طريق أنفاق تحت الأرض.
وفي حصيلة اليوم الأول، وحتى ساعات المساء الأولى، كان جيش العدو قد هاجم نحو 20 هدفاً محدّداً مسبقاً في مخيم جنين ومحيطه، فيما سُجّل سقوط 9 شهداء و50 مصاباً بينهم 10 حالتهم خطيرة، غالبيتهم نتيجة الضربات الجوية، إضافة إلى شهيد في البيرة برصاص الاحتلال. كما أعلنت سلطات الاحتلال اعتقال 20 فلسطينياً لإجراء مزيد من التحقيقات معهم، واستجواب حوالي 70 آخرين ميدانياً. كذلك، كشف جيش العدو عن عدد من العبوات الناسفة المزروعة في باطن الأرض، ومخازن ذخيرة ومواد متفجّرة، ومشاغل لإنتاج العبوات البدائية، إضافة إلى منصّة بدائية لإطلاق الصواريخ. وفي المقابل، أعلن إصابة جنديين من جنوده، واحد بنيران المقاومين، وآخر بنيران صديقة.
وفي ساعات الليل، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن العملية «ستستمرّ طالما اقتضى الأمر ذلك»، مضيفاً أنه «في الأشهر الأخيرة ، أصبحت جنين ملاذاً للإرهاب. لسنا مستعدّين لقبول هذا، ونحن نضع حداً له. لا توجد أماكن محصّنة للإرهاب. ليس في غزة ولا في الضفة الغربية ولا في أي مكان». لكن يوسي يهوشع، المراسل العسكري في «يديعوت أحرونوت»، رأى أن «الضربة الاستباقية في جنين، لم تكن ناجحة بقدر ما تمّ التهويل والترويج لها»، مضيفاً أن «عملية عسكرية واحدة في جنين، لا تكفي للقضاء على (المقاومة هناك)، يجب شنّ سلسلة عمليات هجومية»، مشدداً على أهمية «عدم المفاخرة بإنجازات الجيش في جنين، وإنهاء العملية بأسرع وقت ممكن، لأن الساعات القليلة القادمة حاسمة للغاية». وفي الاتجاه نفسه، نبّهت دراسة نشرها «معهد دراسات الأمن القومي»، تزامناً مع العملية، إلى أهمية أن لا يكون عنوان العملية «استعادة الردع»، لأن «استعادة الردع ليست هدفاً عملياً، كونها غير قابلة للقياس». واعتبرت الدراسة أنه «من الممكن أن تؤدّي العملية العسكرية في جنين إلى تحسّن أمني على المستوى التكتيكي، ولكن ليس من المؤكّد أنه سيستمر لفترة طويلة».
لودريان يحضّر مسوّدة حوار بين اللبنانيين
لودريان يناقش مع اللجنة الخماسية اقتراح ضمّ إيران: «مسوّدة عمل» فرنسية لحوار لبناني – لبناني
علمت «الأخبار» أن باريس أجرت تقييماً لنتائج زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان لبيروت، الشهر الماضي، وقرّرت إطلاق ورشة عمل على خطين، الأول في اتجاه العواصم المعنية بالملف، والثاني نحو القوى الأساسية في لبنان.
وبحسب المعلومات، فإن الفرنسيين في صدد البدء بمحادثات مع الرياض، سيطرحون خلالها فكرة ضم إيران إلى الاتصالات حول لبنان. كما أن لودريان الذي سيزور الرياض قريباً، يدرس القيام بجولة تشمل قطر ومصر وربما الولايات المتحدة، إضافة إلى اتصالات سيجريها مع طهران.
وتشير المعلومات إلى أن فرنسا تتصرف على قاعدة أن الأزمة الرئاسية باتت تتطلب «حلاً إبداعياً» بسبب السقوف المرتفعة لمختلف الأطراف. وأشارت إلى أن لودريان نفسه كان يفترض وجود صعوبات، إلا أنه فوجئ بأن الصعوبات أكبر مما كان يتوقع، وأن المشكلة تكمن في أن هناك قوى ترفض محاورة الطرف الآخر، وتصر على مواجهة رئاسية واسعة، إذ إنه وصل إلى بيروت على وقع نتائج جلسة 14 حزيران، وكان يفترض أن نتائج الجلسة قد تفتح الباب أمام نقاش من نوع مختلف. إلا أنه غادر إلى باريس مقتنعاً بأن الطرفين في حالة تعادل سلبي، وأن البحث يجب أن يتطرق مباشرة إلى برامج العمل وعدم حصره في اسم الرئيس.
وتقول مصادر معنية إن الموفد الفرنسي شعر منذ البداية بأن الحوار يمثل نقطة مهمة، لكنه صُدم بموقف الرئيس نبيه بري الذي قال إنه جرّب حظه بالدعوة إلى الحوار ولم تكن هناك استجابة، وإنه بعد إعلان دعمه المرشح سليمان فرنجية صار طرفاً ولم يعد قادراً على إدارة الحوار. كما صُدم لودريان، مرة أخرى، عندما أبلغه البطريرك الماروني بشارة الراعي بأنه فشل في تنظيم حوار مباشر بين الفرقاء المسيحيين، فكيف يمكنه إدارة حوار وطني.
بناءً على ذلك، ارتأى لودريان أن من الأفضل إجراء الحوار برعاية فرنسا أو اللجنة الخماسية، وهو بادر قبل سفره بسؤال جهات كثيرة أساسية عن موقفها من الحوار، وحصل على إجابات تجعله قادراً على إعداد مشروع جدول أعمال يرسله إلى الأطراف الرئيسية المعنية لمناقشته معها في زيارته الثانية المرتقبة هذا الشهر.
التطورات الداخلية في فرنسا قد تبعد ملف الرئاسة إلى مرتبة دنيا في سلّم اهتمامات باريس
وقالت المصادر إن لودريان سيدعو خلال زيارته الثانية المسؤولين اللبنانيين إلى حوار جامع، من دون حسم مسبق لمكانه أو موعده، علماً أن البعض تحدّث عن احتمال استضافة باريس له في حال تعذّر حصوله في لبنان.
وأشارت المصادر إلى أن لودريان ناقش مع وفد حزب الله النقطة المتعلقة بالحوار طويلاً، وأن الحزب لم يكن مؤيداً لفكرة الحوار الموسّع حول النظام، معتبراً أن من الأفضل حصره بالأزمة الرئاسية والملفات المرتبطة بها، ومشدداً على ضرورة الاتفاق على جدول أعمال الحوار قبل الانطلاق به.
كما أن النقاش تطرّق إلى مستوى تمثيل القوى، وسعي فرنسي لرفعه إلى الصف الأول، حتى لا يكون الحوار غير مثمر إذا تم على مستوى موفدين يضطرون في كل مسألة للعودة إلى مراجعهم في بيروت.
من جهة أخرى، يدرس الفرنسيون فكرة ضم إيران إلى اللجنة الخماسية التي تضم فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر. وقالت المصادر إن لودريان سيطرح الأمر على ممثلي الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية وعلى طهران أيضاً، وإن القرار النهائي سيكون رهن نتائج اتصالات الفرنسيين مع أطراف اللجنة الخماسية. إلا أن المصادر لفتت إلى ضرورة مراقبة الوضع الداخلي في فرنسا، إذ إن التطورات قد تؤثّر على جدول أعمال الرئاسة الفرنسية، ما قد يبعد الملف اللبناني إلى مرتبة دنيا.
أحلام التقسيم [2/3]: هل بات علينا نبش أرشيف الحرب لمنع تجدّدها؟
ابراهيم الأمين
في غياب الإحصاءات الدقيقة، اعتاد اللبنانيون لعبة الأرقام المنفوخة. حتى اليوم، لا يزال كثيرون مقتنعين بأنّ الحرب الأهلية قضت على نصف مليون شخص. بعد انتهاء الحرب، سادت قناعة أخرى بوجود مئة ألف جنديّ سوريّ في لبنان. وفي عام 2005، تبارى اللبنانيون في حشر الملايين في ساحات لا تتّسع لأكثر من 350 ألف شخص. بعد اندلاع الحرب على سوريا، قرّروا أنّ في لبنان أكثر من ثلاثة ملايين سوريّ. وعندما حصل الانهيار، خرج من يعمّم أنّ مئات المليارات من الدولارات هُرّبت إلى الخارج. وحتّى عند الحديث عن موظّف فاسد، لا يقبل أحد بحصوله على أقلّ من خمسين مليون دولار أو مئة مليون! طبعاً، من دون أن ننسى الـ 12 مليون لبناني في المهجر، وكأنّ نصف اللبنانيين – على ما يقولون – الذين هاجروا خلال عشرين عاماً، بين القرنين التاسع عشر والعشرين، أنجبوا 12 مليوناً، بينما النصف الثاني الذي بقي في لبنان لم ينجب أكثر من ثلاثة ملايين. وحتى عندما يطرح موضوع العمالة اللبنانية في الخليج، تُطرح أرقام توحي وكأنّ هناك مليون لبناني يعيش في الجزيرة العربية! وقسْ على ذلك.
ولأنّ لعبة الأرقام محفوفة بالمخاطر؛ كونها تُلامس القاعدة السّكانية لقوى النظام الطائفي، فإنّ فكرة الإحصاءات مرفوضة فعلياً. لكن، على سبيل المثال، أظهرت لوائح الشطب قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، وأقلام اللبنانيين في الخارج، أنّ هؤلاء ليسوا بالرّقم الذي يقلب المعادلات داخلياً، حتى لو أثّروا في هذا المقعد أو ذاك، وأنّ نسب التصويت بحسب توزيعهم الطائفي ليست فارقة إلى حدّ يسمح بالقول إنّ المسلمين في الخارج أقلية مقابل غالبية ساحقة للمسيحيين. وفي انتخابات الداخل، حتى لو حصل تضارب في قراءة الأرقام، فإنّ النسب الإجمالية تشير إلى أنه لو أُتيح التصويت لمن هم في الثامنة عشرة، لكان عدد المسيحيّين سيقارب نحو ثلث اللبنانيين، وربما يصل إلى حدود خُمْس السكان.
صحيح أنّ لعبة العدّ ليست في مصلحة أي لبنانيّ يريد وحدة هذا الكيان وتماسكه، لكنها تصبح إلزامية عندما يطلق التقسيميّون فكرتهم الجديدة عن الانفصال، لأنّ الأمر لا يتعلق عندها بالعدد فقط، بل بأمور كثيرة، أهمها مكان السكن. إذ إنّ هناك مناطق (يفترض التقسيميون أنها جزء من كيانهم المنشود) خالية من أبناء الطائفة التي يسعون إلى «إنقاذها» بالانفصال. فيما ثلُث سكان المناطق التي يعتبرونها ذات صفاء طائفي، هم من غير أبناء الطائفة نفسها. لذلك، فإنّ فكرتهم تقوم على طرد هؤلاء، وعلى أن يشكل الخوف والاضطهاد المضادّ، وإغراء «البلد الجديد» أسباباً كافية لانتقال أولئك إلى هذه المناطق. وهو ما حصل خلال تجربة الانفصال الأولى، عندما طرد حزب الكتائب ومتفرعاته كلّ من هو غير مسيحيّ بالهوية، أو القناعة من مناطق سيطرته، قبل أن يطلق عملية «النّقاء بالولاء» ضدّ خصومه من المسيحيين أنفسهم.
يبدو أنّ هناك حاجة إلى نبش الماضي؛ حتى لو خرج من يقول إنّ ذلك نكء للجراح. إذ ثمة ضرورة لإنعاش ذاكرة جيل من اللبنانيين، وإطلاع جيلين آخرين على حقيقة ما كانت عليه الأمور يوم سادت الحروب الأهلية لبنان، وتوضيح الصورة الافتراضية عن مآل العيش في ظل حكم أقلية انفصالية فاشية، وعن طبيعة التحالفات الداخلية والخارجية التي تنشدها هذه الجماعة عندما تتحكم بالأمور.
المرض اللبناني بالأرقام الفلكية يجعل أصحاب طروحات الفدرالية يتخيّلون بلداً مختلفاً عن لبنان اليوم
الفكرة هي أنّ النّسخة الجديدة من التقسيميين ليست أفضل من القديمة، بل إنها، ربما، أقلّ معرفة وجدية وخبرة وقدرة على تحقيق الهدف ذاته. وإذا كانت الأطماع الأميركية والإسرائيلية، في مرحلة ما بعد قيام كيان العدو، فرضت وقائعها على لبنانيين قبل أن تقودهم نحو الحرب المجنونة، فإنّ هذه الأطماع لم تغب بعد. لكن، ما تغيّر هو أنّ العدو الذي كان يستطيع أن يصل بجيشه إلى بيروت لتنصيب رئيس كما فعل في 1982، لم يعد قادراً على تكرار ذلك. حتى الأميركيون أنفسهم يكادون يستنفدون كل أسلحتهم، بما فيها الحصار الاقتصادي والعقوبات المالية والتحريض وأعمال التجسس الفتنوية. مع ذلك، فإنّ من سيقفون مرة جديدة إلى جانب الانتحاريين الجدد يعرفون أنّ المطلوب هو أمر واحد، وهو إدخال لبنان، مجدداً، في أتون حرب تقضي على ما تبقى من دولته، وتُهجِّر أكثر من نصف أهله. والمشكلة أنّ التقسيميين الجدد يفترضون أنّ اللحظة الراهنة مناسبة، فيتخذون من كل حراك داخلي عنواناً لرفع رايتهم. هكذا فعلوا مع حراك 17 تشرين، وبعد انهيار النظام المصرفي، وهكذا يفعلون اليوم مع المعركة الرئاسية، ومشكلة النزوح السوري. وسيرفعون كل الوقت صوتهم ضد سلاح المقاومة التي لا تعنيهم بشيء، لأنّ «علاجهم» لمشكلة الاحتلال الإسرائيلي هو الاستسلام والتطبيع مع العدو. وهم لا يرون حاجة إلى علاقة بين لبنان وسوريا، واعتبار الأخيرة معبراً نحو العالم العربي، إذ إنهم، أساساً، يفضّلون هجرة مسيحيّي الأردن وسوريا والعراق إلى لبنان إن كانوا أغنياء، أو إلى الخارج إن كانوا فقراء.
أمر آخر لا يقلّ خطورة، وهو أنّ أصحاب هذه النظرة العنصرية لم يعيشوا هذا القلق عندما قامت سلطة «داعش» في العراق وسوريا، وكادت تصل إلى لبنان. ولم يقل هؤلاء كلمة عن عمليات الإبادة التي تعرّض لها المسيحيون، بل كانوا يتساءلون في غرفهم الضيقة: لماذا لم يغادروا هذه البلاد أصلاً؟ وبعضهم كان يعتقد أنّ اضطهاد هذه الأقليّات من جانب «داعش» سيتحوّل إلى سلاح إضافي لإخافة من تبقّى من المسيحيين، سواء بعنوان التطرّف السنّي أو التطرّف الشيعي.
رسالة من العدوّ عبر السفارة الأميركية: لا نريد الحرب… وملف «الخيمتين» بيد اليونيفل
بعد شهرٍ ونصف شهر من التهديد والوعيد والضغوط السياسيّة، يئس العدوّ الإسرائيلي من إمكانية إزالة خيمتين نصبتهما المقاومة في مزارع شبعا المحتلة، قرب مزرعة بسطرة المحرّرة، داخل «خطّ الانسحاب».
وفيما حفل الشهر الماضي بوساطات دولية بطلب من العدوّ الإسرائيلي لحلّ الأزمة التي سبّبها وجود الخيمتين على مستوى قدرة الردع، والعجز أمام المقاومة اللبنانية، عبّر العدوّ عن يأسه خلال عطلة عيد الأضحى، بإيصال رسالة إلى حزب الله، عبر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، تفيد بأن جيش الاحتلال «لا يريد حرباً ولن يقدم على إزالة الخيمتين بالقوّة، وأن الموضوع عند القوات الدولية العاملة في الجنوب».
وعلمت «الاخبار» ان شيا طلبت موعداً عاجلاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لابلاغه بالرسالة. وهي اضافت عليها بأن ادارتها تأمل ان تحث الحكومة اللبنانية على التوصل الى تفاهم بين قيادة الجيش وقوات الطوارئ الدولية لمعالجة ازمة الخيمتين، وان التهدئة في الخطاب وعدم حصول تحركات اضافية من قبل حزب الله والمواطنين الداعمين له في المنطقة المذكورة يساعد على تنفيس الاحتقان لدى الاسرائيليين. ونقلت أن حكومة العدو ليست في وارد التصعيد أو القيام بأي عمل عسكري في هذه المنطقة، او في غيرها من المناطق اللبنانية. ولفتت السفيرة الاميركية رئيس الحكومة الى انه يفضل ان لا يحصل اي عمل عسكري من الاراضي اللبنانية تجاه اسرائيل ربطا بما يجري في فلسطين.
وفيما تبين ان شيا أبلغت الرسالة نفسها إلى قيادة الجيش ايضاً، اجرى الرئيس ميقاتي اتصالا بقيادة حزب الله لإبلاغها بمضمون الرسالة الاميركية.
ويأتي تراجع العدوّ عن التهديدات بعدما وصلت رسالة واضحة من المقاومة عبر عدة قنوات، وفي خطاب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قبل أيام، بأن أي عمل إسرائيلي لإزالة الخيمتين، مهما كان مستواه، سيكلّف حرباً.
وتؤكّد معلومات «الأخبار» أن المنطقة المحيطة بالخيمتين، صارت في عداد المناطق المحرّرة بعد أن كانت جزءاً من المزارع المحتلّة، إذ نجحت المقاومة في نصب الخيمتين هناك (بعمق 30 متراً داخل «خط الانسحاب» كما يقول العدوّ الإسرائيلي). كما بات عددٌ من رجال المقاومة وأهالي المنطقة، يسكنون في الخيمتين. ولا تبعد الخيمتان كثيراً عن ثكنة زبدين التابعة لجيش الاحتلال، والتي انطلق منها جنود العدوّ يوم 1 حزيران الماضي مع دبابة ميركافا، في محاولة للتهويل على الأهالي والمقاومين لترك الخيمتين والتراجع.
وكان العدو طلب من فرنسا التواصل مع قيادة حزب الله لإقناعها بإزالة الخيمتين، وكذلك فعل مع قيادة «اليونيفل» التي تولّت التواصل مع قيادة الجيش اللبناني للغاية نفسها. وكان رد حزب الله على كل الرسائل بأن المنطقة التي يتحدث عنها العدو، هي أراضٍ لبنانية محتلة، وليست أراضيَ سورية أصلاً، كما أن لبنان يقر بحق المقاومة في تحرير كل المناطق المحتلة، والمقاومة وكذلك الأهالي لن يتوقفوا عن التواجد في هذه المنطقة.
المنطقة المحيطة بالخيمتين صارت في عداد المناطق المحرّرة بعدما كانت جزءاً من المزارع المحتلّة
وبعد فشل هذه المساعي، لجأ العدو إلى إطلاق تهديدات على لسان مصادر أمنية وعسكرية عبر وسائل الإعلام العبرية، فيما تجنّب المسؤولون الرسميون الحديث عن الأمر علناً، وتفادوا الرد على استفزازات معارضيهم لهم بالخوف من مواجهة حزب الله. فيما صدر موقف واحد عن وزارة الحرب الإسرائيلية قال إن جيش الاحتلال سيزيل «التعدي» من دون التورط في أعمال عسكرية تؤدي إلى حرب.
محاولة التهديد والمهل الزمنية الفاشلة، تكرّرت أكثر من مرّة، ولا سيّما بعد اجتماع «الكابينت» المصغّر الذي انعقد لمناقشة الوضع في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً بعد عملية 20 حزيران الماضي، والتي قُتل فيها أربعة صهاينة. وقد استغل معارضو رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو، عرض الملفّ خلال الاجتماع، وشنّوا حملة مزايدة شعبية عليه تحت عنوان الخوف من حزب الله، ودفاعاً عن صورة «الردع المهزوز».
لكنّ لعبة المزايدات الداخلية، لم تنجح في جرّ المستوى العسكري إلى المغامرة في اختبار جديّة المقاومة وتنفيذ أيّ من التهديدات على الرغم من انقضاء المهل المتكرّرة.
بالمحصّلة، انكفأ العدو بعد أن حرص جيش الاحتلال على قراءة رسائل المقاومة السياسية والعسكرية والأمنية جيّداً، مع إدراكه استعداد المقاومة لخوض أيام قتالية أو حرب مفتوحة، دفاعاً عن أشبارٍ من أرضٍ لبنانية، تحرّرت بـ«القوّة الناعمة».
ميقاتي وسلامة لنواب الحاكم: ممنوع المس بـ«صيرفة»
نواب الحاكم يرضخون بعد لقاء ميقاتي؟ «صيرفة»: أداة للجم الفقراء وإثراء الأثرياء
ما بات يُعرف باسم «عمليات صيرفة» يعبّر فعلياً عن الآتي: تنفيذ عمليات خاصة بموجب التعميم 161 على المنصّة التي أنشأها مصرف لبنان باسم «صيرفة». الاسم طغى على التعميم، فيما الأولى هي آلية لتنظيم وتنفيذ عمليات العرض والطلب بين الليرة والدولار، بينما التعميم هو آلية توزيع وقواعد يفرضها المصرف المركزي لهذه العمليات، وينفذها على المنصّة. وعندما أنشئت هذه المنصّة، كانت هناك آراء كثيرة، من ضمنها خبراء في مؤسسات دولية، تصفها بأنها آلية تنظيمية مناسبة لبدء توحيد سعر الصرف، لكن لم يطل الأمر قبل أن تستعمل كآلية لتوزيع مخزون الدولارات الذي تحرّكه قوى السلطة لخدمة استمراريتها. هذا هو منطوق التعميم 161 الذي يصدر بقرار من حاكم مصرف لبنان وفق المادة 70 والفقرة (ب) من المادة 83 من قانون النقد والتسليف اللتين تجيزان لمصرف لبنان أن يقوم مباشرة في حالات استثنائية، وبالاتفاق مع وزير المالية، بشراء العملات الأجنبية من الجمهور وبيعها منه. بهذا المعنى، أصبحت المنصّة والتعميم آلية توزيع ضمن ثلاثة مسارات:
– الأول، وهو الأهم، يتعلق بشراء وبيع الدولارات من الجمهور وإليه. وهذا مسار يتعلق باستقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار. هذه الآلية تتيح لمصرف لبنان أن يتحكّم بكتلة الدولارات الوافدة إلى لبنان، سواء كانت وافدة بشكل نظامي أم عبر طرق أخرى. فهو يشتري من السوق الحرّة الدولارات، ويعيد بيعها على المنصّة، ويحفّز استمرارية هذه العملية من خلال الفرق بين سعر الدولار على المنصّة، وسعر الدولار في السوق الحرّة، والذي كان يبلغ، قبل عطلة الأعياد، نحو 8 آلاف ليرة للدولار الواحد. أي أنه يغري الناس لبيع الدولارات، والاستفادة من فرق السعرين، لكنه، في المقابل، يموّل هذه العمليات من الليرات التي بحوزته والتي يطبعها. والفرق بين السعرين يفترض أن يسجّل خسارة في ميزانيته. وفي مرصد البنك الدولي الأخير، يظهر أنّ كلفة العمليات المترتبة على مصرف لبنان منذ إنشاء صيرفة حتى مطلع الربيع الماضي، بلغت 2.5 مليار دولار، وأنّ هذا المبلغ أصبح أرباحاً في عمليات المضاربة بأيدي المنتفعين منها.
– الثاني، متصل بدعم رواتب القطاع العام. فقد تبيّن لقوى السلطة أنها غير قادرة على اتخاذ قرار شامل بتصحيح الأجور بالتوازي مع توزيع الخسائر بشكل واضح ومعلن تمهيداً لبدء تنفيذ خطّة النهوض والتعافي. لذا، قرّرت هذه القوى، بإدارة مصرف لبنان ومجلسه المركزي، أن تموّل بعضاً من الزيادات المقنّعة في رواتب القطاع العام عبر «صيرفة» أي السماح لموظفي القطاع العام بتحويل رواتبهم على المنصّة للاستفادة من فرق السعر مع السوق الحرّة، وهذا يمنحهم كمية زهيدة من الدولارات الإضافية فوق قيمة رواتبهم الأصلية. باختصار، المنصّة استعملت كأداة لدعم رواتب موظّفي القطاع العام الذين قد يقلقون راحة قوى السلطة. المنصّة وتمويلها يخفّفان عنهم «الإزعاج» والشكاوى، ولا سيما أنّ عدداً كبيراً من العاملين في القطاع العام هم مؤيدون ومناصرون لواحدة من القوى السياسية التي تتقاسم لبنان.
– الثالث، مرتبط بكون منصّة «صيرفة» أداة تضمن حصول بعض فئات النافذين وأصحاب المصلحة والتجار على الدولارات المجانية بمعزل عن أحقيتها فيها. سقوف الاستفادة، وسهولة عملية التحويل، وغياب آليات الرقابة الفعلية كلها عناصر تضمن أن يكون للنافذين والأزلام والمحاسبين حصّة وافرة من الدولارات التي يضخّها مصرف لبنان عبر صيرفة.
عملياً، مصرف لبنان يضخّ الأموال في إطار إدارة دقيقة لهذا النظام تستهدف لجم الفقراء، ومنح الكثير للأقوياء. لكن رغم قوّة هذه الأداة، إلا أنها تمثّل عائقاً أساسياً أمام أي حاكم جديد لمصرف لبنان. فالاتفاق بين النائب الأول وسيم منصوري، والنواب الثلاثة الآخرين (سليم شاهين، بشير يقظان، ألكسندر موراديان)، وكلّهم عارضوا بعض التطوّرات التي أرساها رياض سلامة على «صيرفة» لتصبح بشكلها الأخير، ينصّ على أن هذه المنصّة يجب أن تكون أداة في السياسة النقدية، لا أداة للتوزيع كما أصبحت عليه. وامتناعهم عن ذلك، دفع سلامة إلى التخلّي عن التعميم 161 وتمديد العمل بالسقوف المفتوحة لصيرفة عبر القرارات المستندة إلى المادة 70 من قانون النقد والتسليف، ومواد أخرى تجيز له وحده سلطة الاستمرار بما يقوم به من دون موافقة المجلس المركزي.
هكذا وجد النواب الأربعة أنفسهم أمام حائط أقامه سلامة أمام أعينهم، وهم اتفقوا على الاستقالة إذا لم تقم الحكومة بمعالجة قضية انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان بأيّ شكل يبعد عنهم المسؤولية التي نبذوها في اجتماعات المجلس المركزي. لكن عندما أدركوا أنّ عين التينة لا ترفض تسلّم النائب الأول مهام الحاكم، ارتفع الحائط الثاني بوجوههم، وناقشوا مسألة استقالة ثلاثتهم باعتبار أنّ منصوري لن يرفض أي طلب لزعيمه نبيه بري، وهذا أمر مقلق بالنسبة إليهم. فاتفاقاتهم مع سلامة الذي لم يكن يردّ أي طلب لبرّي، على بعض التعاميم، كلها سقطت. التعميم 158 الذي انتهت مدّته في نهاية حزيران المنقضي، يتضمن منح المودعين 400 دولار نقداً و400 على سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة (كان 12 ألفاً في البداية)، وكان اقتراحهم بأن يُمنح المودعون الحق باختيار الحصول على 400 دولار نقداً فقط، أو مع الـ400 على سعر الصرف. سلامة ضرب بكلامهم عرض الحائط، ونفّذ ما يريده فقط.
وكان لافتاً بالنسبة إلى هؤلاء، أنه في المجلس المركزي الأخير كان الحاكم رياض سلامة إيجابياً مع وسيم منصوري، وأبلغ المجتمعين أنه يسعى لتقليص الفرق بين سعر صيرفة وسعر السوق الحرة، وأن قدرات مصرف لبنان محدودة، بينما المصارف تطلب الكثير من الدولارات، فيما هناك فرصة لشراء الدولارات وتعزيز الموجودات بالعملات الأجنبية.
على أي حال، تعدّ صيرفة التحدي الأهم والأول أمام أي حاكم جديد لمصرف لبنان، سواء عُيّن أو تسلّم بحكم القانون. فمن جهة سيواجه الحاكم الجديد مطالب القوى السياسية بدعم الرواتب والأزلام والمحاسيب، ومن جهة ثانية، تمتنع هذه القوى عن أي خطوة تجاه توزيع الخسائر وترتضي بأن يوزّعها سلامة، كما يفعل الآن، بطريقة مقنّعة يوافق عليها الجميع، وتوفّر لها وقتاً إضافياً في انتظار شيء ما. فكيف سيكون موقف النواب الثلاثة: يقظان، شاهين وموراديان، بعد تسلم منصوري الحاكمية؟ هل يستقيلون، أم أنهم رضخوا للضغوط السياسية التي مورست عليهم والتي توّجت باجتماعهم مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليطلب منهم الاستمرار؟
المصدر: صحف