تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 6-3-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
البناء:
القوات الروسيّة تحسم سيطرتها على باخموت… والغرب يستعدّ لمرحلة الهزيمة الاستراتيجية/ كيف انقلب الميزان فجأة بين دعوة داعمي معوّض إلى عدم التعطيل إلى التهديد بالتعطيل؟/بكركي لاجتماع النواب المسيحيين… وباريس لتشاور خماسي… واليوم يتحدّث السيد محلياً وإقليميا
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء “لا شيء في العالم والمنطقة معزول عن ما يجري في لبنان، وقد باتت فيه مقاومة لها وزنها في معادلات المنطقة، ولا شيء يجري في لبنان معزول عن متغيرات وتحولات المنطقة، ومحورها التراجع الأميركي والإسرائيلي، لذلك تبدو تهديدات السيد حسن نصرالله للأميركيين بمعادلة قوامها، أخذ لبنان الى الفوضى من باب الجوع يعني أخذ “إسرائيل” إلى خطر الحرب، مكوّناً حاضراً في المعادلة الرئاسية، بمثل ما هو التراجع الأميركي المتصاعد في العالم، والعجز الإسرائيلي المتفاقم، والمأزق المتزايد مع الانقسامات التي تهزّ جسد الكيان، عاملاً مقابلاً يحضر في المنازلة الرئاسية اللبنانية.
دولياً، لا تزال الحرب في أوكرانيا تشكل المسرح الرئيسي لرسم التوازنات العالمية الجديدة، وتبدو وجهة هذه الحرب قد حسمت لصالح موسكو مع تأكيد الأهمية الاستراتيجية لمعركة باخموت في هذه الحرب، حيث تبدو السيطرة الروسية في مراحلها الأخيرة، بقدر ما تبدو هذه السيطرة مدخلاً لتطورات لاحقة تطال أغلب جبهات الحرب من الدونباس إلى خيرسون وصولاً الى أوديسا، حيث تقع هذه المدينة المفصلية على تقاطعات الطرق الرئيسية بين المدن الأوكرانية الكبرى ومقاطعاتها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً, وفي الغرب تجمع التقارير والدراسات العسكرية على هذه النتيجة، كما تجمع على أن الاستعداد لمرحلة ما بعد الهزيمة، هو العنوان الراهن.
الاستعداد الغربي للمرحلة المقبلة يدور في كواليس ألمانية وفرنسية تحت عنوان الإعداد للتفاوض مع روسيا، وظهر أميركياً بالتوجه من بوابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانفتاحها الإيجابي اللافت على إيران موضوعاً وتوقيتاً، فيما يتسابق الأميركيون وحلفاؤهم على من يمسك زمام المبادرة نحو سورية. وفيما يحضر قائد القوات الأميركية الى شرق سورية، تستعدّ تركيا والسعودية الى ترسيم الخطوات الانفتاحية على الدولة السورية، بصورة تبدو رسالة الزيارة الأميركية الى شرق سورية بمثابة رسالة تهديد للحلفاء، لأن واشنطن تريد أن تمسك بيدها وحدها أوراق التفاوض.
لبنانياً، يدرو في الأوساط السياسية السؤال المحوري حول سبب الانقلاب المفاجئ في الجبهة الداعمة لترشيح ميشال معوض، من الثقة واليقين بوجود دعم دولي وإقليمي لخيارهم تحويل الرئاسة إلى خط اشتباك مع المقاومة، وصولاً الى اعتبار الهدف هو تجميع 65 نائباً يرونه ممكناً، ويخوضون معركتهم السياسية تحت عنوان مطالبة خصومهم بعدم تعطيل النصاب، إلى النقيض تماماً، فيتحدّثون عن مخاطر جدّية لنجاح خصومهم بتجميع الـ 65 نائباً لخيارهم الرئاسي، ويبدون الخشية من تخلّي حلفائهم الدوليين والإقليميين عن خيار المواجهة مع المقاومة، وانفتاحهم على التسويات معها حول مرشح تقبل به، وصولاً الى تهديدهم باستخدام سلاح التعطيل لمنع حدوث ذلك، وسط تشكيك بتماسك عدد كافٍ من النواب وراء خطابهم بما يكفي لترجمة التهديد بالتعطيل. وتقول المصادر النيابية المتابعة للملف إن تغييراً في المناخ الدولي الإقليمي في غير صالح خيار المواجهة مع المقاومة، وصلت أصداؤه وتداعياته إلى جبهة دعم ترشيح معوّض ترتب عليها هذا الارتباك، وأن المزيد من الوضوح سيلحق في ضوء التطورات المرتقبة.
المصادر النيابية اعتبرت أن توقيت دعوة بكركي لاجتماع النواب المسيحيين وباريس لاجتماع ثانٍ لممثلي الدول الخمس المعنية بالوضع في لبنان، يتم على ايقاع هذه الأجواء الجديدة، ونتائجها سوف توضح الاتجاه أكثر، بانتظار ان تضع كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله النقاط على الحروف اليوم.
يفترض أن يتجدد الحراك الخارجي على مستوى الدول، حيث تردّدت معلومات ان هذه الدول سوف تجتمع على مستوى الوزراء في باريس الشهر المقبل لاستكمال البحث في الأزمة اللبنانية.
وأعلنت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية ان – كلير لوجاندر في الساعات الماضية أن “الحل في لبنان معلوم وبسيط، ومؤلف من ثلاث مراحل أولاً انتخاب رئيس يجمع جميع الاطراف، ثانياً تشكيل حكومة فاعلة تباشر العمل، وثالثاً تنفيذ الإصلاحات التي تتيح لصندوق النقد الدولي بالتدخل لدعم الوضع الاقتصادي اللبناني”. ولفتت الى ان “الحاجة ملحة اليوم لمنع المسؤولين اللبنانيين من تعطيل هذا الحل الذي هو واضح بالنسبة الى الجميع”. واضافت “فرنسا تعمل بجدية مع شركائها، بما في ذلك كعضو في مجموعة الدعم الدولية للبنان، في باريس وبيروت لجعل القادة اللبنانيين يتحملون أخيراً مسؤولياتهم والخروج من المأزق”. وحذرت الذين يعيقون ويعطلون الحل فقالت “من الواضح ان جميع اولئك الذين يعيقون او يجعلون أنفسهم متواطئين في انهيار الاقتصاد اللبناني يتعرّضون لعواقب”، من دون الدخول في تفصيل هذه العواقب.
على المستوى المحلي تتجه بكركي الى توجيه الدعوات للنواب المسيحيين لاجتماع في الصرح البطريركي، حيث بدأت الدوائر المعنية تحضير جدول الأعمال والنقاط التي يمكن أن يتضمنها البيان الصادر عنه.
وبينما أبدى تكتل لبنان القوي موافقته على المشاركة في الاجتماع أسوة بحزب الطاشناق، أفادت المعلومات أن كتلة الجمهورية القوية “ستبتّ موقفها مطلع الأسبوع بعد اجتماعها، وهي لن تعطي أي موقف قبل ان تطلع على جدول الأعمال.
ورأى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنه “يتعثر انتخاب رئيس للجمهورية لأن الخلاف يدور حول انتمائه إما لفئة الممانعة، كما يُسمّى، وإما لفئة السيادة.”
وأشار إلى أن “الحل الوحيد هو في الخروج من هذه المعادلة والعمل من قبل الشعب على انتخاب رئيس وطني متحرّر من كل ارتباط وإنحياز وفئة ومحور. هذا هو الرئيس الذي يحتاجه لبنان لكي يكسب ثقة الجميع في الداخل، وثقة كل الدول في الخارج، ولكي يتمكن هذا الرئيس من قيادة الإصلاحات اللازمة والمطلوبة من أجل نيل المساعدات الدولية والإقليمية.”
واعتبر أن “السعي إلى تمديد الشغور الرئاسي من أجل أهداف مبطنة منافية للهوية اللبنانية، فهو الإمعان في تكبير حجم الجريمة: بهدم مؤسسات الدولة، واضطهاد المواطنين اللبنانيين بإفقارهم وتهجيرهم من وطنهم وحرمانهم من تحقيق ذواتهم على أرض الوطن، ومن المساهمة في بنيانه، مثلما يفعلون في بلدان أخرى استضافتهم.”
وتتجه الأنظار الى الكلمة التي يلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم الاثنين في يوم الجريح، حيث سيتناول في إطلالته ملفات عدة محلية تتصل بالاستحقاق الرئاسي من دون أن يعني ذلك أنه سيرشح رئيس تيار المرده سليمان فرنجية رسمياً للرئاسة وسوف يركز أيضاً على الملفات الاجتماعية والمالية والنقدية، فضلاً عن التطورات الإقليمية، ربطاً بأنه سيتحدث عن المناسبة بالمفهوم الوطني والديني.
على خط آخر، يعود المتعاقدون الثانويون الى التدريس اليوم حيث طلبوا من المديرين فتح المدارس بمن حضر. توازياً، دعا أساتذة في ملاك التعليم الثانوي لجنة الأقضية، الاساتذة الى الحضور الى الثانويات اليوم من اجل التوقيع مع الامتناع عن التدريس كما دعوا الهيئة الإدارية إلى الاستقالة فوراً، “لأنها أصبحت عاجزة عن إدارة المرحلة الراهنة، وفقدت الثقة بها”، وتمنت المشاركة الحاشدة في الاعتصام المركزي أمام وزارة التربية الساعة الـ 11 من اليوم الاثنين في 6 الحالي.
وكان وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي أعلن، أنه تم تأمين بدل قيمة 5 ليترات بنزين يومياً بمعدل أربعة أيام عمل أسبوعياً للملاك كحد اقصى، و3 أيام للمتعاقدين في المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس الفنية كحد أقصى، و300 دولار أميركي عن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الدراسي الحالي، التي سبقت عطلة رأس السنة، وأكّد أنّ الدفعة الأولى من قيمة الـ 125 دولار تصل إلى شركات التحويل في نهاية آذار 2023، ويتم استكمالها في نهاية كل شهر حتى أواخر شهر حزيران 2023.
الى ذلك، أعلنت الهيئة الإدارية لموظفي الإدارة العامة، الاستمرار بالإضراب لمدة أسبوعين يمتد ليوم الجمعة المقبل ضمناً، وتنفيذ اعتصام ومؤتمر صحافي يوم الأربعاء صباحاً في ساحة رياض الصلح.
أمنياً، أعلن الجيش اللبناني عبر “انستغرام” بعد حادثة الخرق الإسرائيلي في عيتا الشعب: “حدودنا أمانتنا ممنوع الخرق”.
وكان قد صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه، البيان الآتي:
“بتاريخ 5 / 3 /2023 بين الساعة 11.55 والساعة 12.00، خرقت دورية تابعة للعدو الإسرائيلي الخط الأزرق قرب النقطة BP 13 (1) – عيتا الشعب بمسافة متر واحد تقريبًا، فحضرت دورية من الجيش اللبناني وأجبرت الدورية المعادية على التراجع إلى ما بعد الخط الأزرق باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما حضرت دورية من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان للتحقق من الخرق.
تتم متابعة موضوع الخرق بالتنسيق مع القوة المذكورة”.
وكانت معلومات قد أفادت بأن منطقة حرج الراهب شهدت عند حدود بلدة عيتا الشعب الحدودية في قضاء بنت جبيل استنفاراً متبادلاً بين الجيش اللبناني والقوات الإسرائيلية، بعد قيام ضابط في الجيش اللبناني بدفع ضابط إسرائيلي واقتلاع وتد حديديّ كان يزرعه الجيش الإسرائيلي خارج “الخط الأزرق”.
وتعليقاً على هذا التوتر، أشارت نائب مدير المكتب الإعلامي لليونيفيل كانديس آرديل الى أن “اليونيفيل على علم بالتوترات التي تحصل على طول الخط الازرق في منطقه عيتا الشعب، حيث تجري بعض أعمال الصيانة الاسرائيلية. وحثث جميع الأطراف وكل الحاضرين في المكان على الحفاظ على تهدئة الوضع”. واعلنت أن “أي نوع من العمل بالقرب من الخط الأزرق حساس للغاية، ونحن نواصل مطالبة جميع الأطراف، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، بتجنب الأفعال التي تؤدي الى التوتر غير الضروري”.
الأخبار:
إعلان الترشيحات لا يعني اقتراب الحسم
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار “ثمّة عقدة كبيرة تتحكّم بملف الانتخابات الرئاسية تعكس واقع الانقسام والاختلافات بين اللبنانيين حول تصوّراتهم لمستقبل البلد وموقعه في الصراع في المنطقة. العقدة تاريخية، لكن شاءت ظروف البلاد اليوم وجوده في حالة توازن سلبي بين القدرات الداخلية على صنع رئيس، مع ثمن كبير لخياراته الخارجية، وبين التأثيرات الخارجية التي يمكن أن تدفع البلاد نحو حرب أهلية دامية.
جديد المعركة، إشهار ثنائي أمل وحزب الله ترشيح سليمان فرنجية على لسان الرئيس نبيه بري. قد يفعل حزب الله الأمر نفسه، وربما يبقى على صمته إفساحاً في المجال أمام مزيد من المفاوضات مع القوى الداخلية والخارجية. إلا أن هذا هو الإعلان الأول الحقيقي، إذ إن ترشيح الفريق الآخر للنائب ميشال معوض لم يؤتِ ثماره، ولا يزال الخلاف مستحكماً بين خصوم الثنائي في شأن اختيار اسم جديد في مواجهة فرنجية. المرشح الجدي في مواجهة الزعيم الزغرتاوي هو قائد الجيش العماد جوزيف عون، المرشّح من الخارج والمدعوم (صمتاً) من القوى المحلية الحليفة لأطراف لقاء باريس. فيما يبقى التيار الوطني الحر وحده، باحثاً عن ثغرة للنفاذ منها، ورهانه أن الاصطدام بين الفريقين سيؤدي حكماً الى تطيير كلّ من فرنجية وعون، ويفتح الباب امام البحث عن مرشح ثالث. وفي هذه الحالة، سيدخل التيار الى الحلبة وسيكون لموقفه أثر حاسم في وجهة التصويت.
في غضون ذلك، تواصل بكركي مساعيها لتكوين تصور عام قد يسمح للبطريرك بشارة الراعي بالتدخل أكثر، علماً أن المرحلة السابقة، ونتائج الجولات التي يقوم بها مبعوثه المطران طوني أبي نجم على الأطراف المسيحية، أعادت بكركي إلى الإحباط الذي شهدته عام 1988. وربما يراجع الراعي اليوم أوراق البطريرك الراحل نصر الله صفير التي نشرها الزميل جورج عرب، والتي تعكس مرارة بكركي من صراعات الموارنة الداخلية، قبل أن يضيف إليها مرارته من الدور الخارجي الذي يهمل مصالح لبنان، وصولاً الى نكسة الترشيحات التي أفضت الى إهمال كل الأسماء التي أودعها صفير لدى الأميركيين. تلك الحقبة تجعله متنبّهاً إلى أن لا يلدغ من الجحر ذاته مرتين أو أكثر!
علامَ يراهن المنتظرون؟
في سياق المناقشات التي جرت بين حزب الله والتيار الوطني الحر حول الملف الرئاسي، أثار النائب جبران باسيل مسألة بناء الدولة. وهو مهّد لها بمراجعة أسباب فشل عهد الرئيس ميشال عون، سواء بسبب أخطاء ارتكبت من قبله، أو بسبب الحرب التي شنّتها إدارة الرئيس دونالد ترامب عليه، واستكملتها الإدارة الحالية بحصار هدفه التضييق على حزب الله. ويرى التيار أن طبيعة الأزمة القائمة اليوم تفترض البحث عن صيغة تحقق ثلاثة أهداف دفعة واحدة:
الأول، الحفاظ على التمثيل المسيحي انطلاقاً من قوته الحقيقية، وليس برافعة من القوى الإسلامية النافذة. وهو، في هذه النقطة، يرى أن فرنجية لا يعكس التمثيل الحقيقي، وإن كان لا ينفي عن الرجل تمثيله.
الثاني، توفير الضمانات الحقيقية، لا اللفظية، التي تحتاج إليها المقاومة في هذه المرحلة وما بعدها، وخصوصاً أن التيار يفهم جيداً أن حزب الله لا يريد تكرار تجربة ميشال سليمان تحت أي ظرف.
الثالث، القدرة على إقناع العرب والغرب بفك الحصار عن لبنان، والدخول في برنامج دعم، يفترض حكماً أن يكون لبنان خارج الصراعات الكبيرة في المنطقة. وهو أمر يحتاج ضمناً الى موافقة خارجية على المرشح المقصود.
في هذا السياق، يفترض التيار أن التسوية، بجانبَيها الداخلي والخارجي، ستفرض صيغة ومواصفات، وعندها ينتقل النقاش الى اسم الشخص. وفي هذه النقطة، لا يشير التيار الى أشخاص يثق هو، و/أو يضمن أنهم قادرون على تحقيق هذه الشروط. لكنه يفترض أن الحوار يجب أن يتركّز على هذه الأمور، لا حصر البحث في الاسم، لئلّا نبقى في مربع الاشتباك القائم حالياً.
حزب الله نفسه، الذي ناقش رئيس التيار جبران باسيل طويلاً، لا يرى أن الأمور تستقيم على هذا النحو فقط. إذ يجب الأخذ في الحسبان أن المعركة اليوم ليست على إصلاحات جذرية في بنية الدولة، وأن ما يجري يؤكد أن معظم القوى المؤثّرة داخلياً لا تخوض معركة التغيير الشامل، بل يرى أن الصراع في المنطقة لا يقود الى تقدير بأن الانفراجات قريبة، لا لجهة وقف التدخل الغربي في لبنان أو فك الحصار عنه، ولا الى تغيّر منطق الابتزاز الذي تقوده السعودية ضد اللبنانيين. وبالتالي، ينظر حزب الله الى المسألة من زاوية ضمان الاستقرار السياسي العام، وذلك من خلال شخصية تحظى بشرعية أصلية، وبمقبولية معقولة عند المسيحيين، وبدعم غالبية إسلامية واضحة، ويمكنها أن تكون على وئام مع الخارج. وعندما يشار الى فرنجية، وموقف الخارج منه، يذكّر حزب الله محاوريه بأن الأخير حصل عام 2015 على موافقة الخارج عندما اتصل الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند بفرنجية، مهنّئاً قبل حصول الانتخابات. وحتى السعودية نفسها لم يكن موقفها آنذاك حادّاً كما هو اليوم، أما الولايات المتحدة فكانت تبحث عن أي مخرج يقيها شرّ وصول ميشال عون الى القصر الجمهوري. لذلك، يدافع حزب الله عن ترشيح فرنجية، وإن كان الحزب – من أعلى الهرم فيه – لا ينفي صوابية النقاش الذي طرحه باسيل. لكن هنا يقع صراع الأولويات!
محصلة هذا النقاش هي أنّ أيّ قوة داخلية أو خارجية يمكنها، بحسابات معينة، إيصال رئيس من دون الحصول على موافقة الطرف الآخر. لكن ذلك يعني أننا سنكون أمام مشكلة كبيرة، ما يقودنا اليوم الى المعادلة الواضحة:
ترشيح جوزيف عون مرفوض من أكثرية وازنة في المجلس النيابي، لكنه يحظى بدعم أكثرية وازنة في الخارج. وفي حال فرض على لبنان مع ترغيب بالدعم والمساعدات، فهذا لن ينفع في منع الصدام الكبير، لأن الخارج يريد من قائد الجيش ما لا يمكن تحصيله إلا بحرب أهلية أو ديكتاتورية غير ممكنة في هذا البلد.
أما ترشيح فرنجية فيحظى بدعم مسيحي محدود، لكن بدعم إسلامي كبير، يمكن أن يتوسع سريعاً إن انضمّ وليد جنبلاط إلى نادي الداعمين له، وجنبلاط لا يرفض فرنجية، لكنه لن يقدم على خطوة كهذه من دون موافقة سعودية، لأنه لا يريد أن يُنبذ سعودياً وخليجياً كما هي حال سعد الحريري. لكن إيصال فرنجية إلى بعبدا يحتاج الى معركة نيابية كبيرة، وقد يتمكّن الثنائي من توفير الأصوات الكافية. لكن، كيف يمكن أن يحكم إذا تزامن انتخابه مع رفض خارجي وتشديد المقاطعة العربية (اقرأ: السعودية) ومعارضة داخلية قاسية؟
هذا ما يعيدنا الى العقدة. وهنا، لا مجال للتبصير أو الضرب في الرمل. هناك ثغرة وحيدة قد تفرض متغيّرات كبيرة، وهي ترتبط بتحوّل أكبر على صعيد الوضع في الإقليم، يسمح بذهاب سوريا إلى تسوية تستعيد فيها موقعها العربي المؤثّر، ما يؤدي الى فتح الباب أمام نقاش أكثر جدية حول لبنان… غير ذلك، علينا أن نعيش على رقصة الموت التي يؤدّيها بنجاح تحالف أركان الدولة مع أركان المافيا المالية بقيادة رياض سلامة!”.
حليف الصمت وخازن الأسرار | الحاج صالح: ظلّ رضوان وذو الفقار
وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “منذ نشأته، دأب حزب الله على تطوير هيكله ومأسسة وحداته وأقسامه. إلا أن طبيعة علاقة الحاج صالح بالحاج عماد مغنية وارتباطه بملفاته الحساسة المتعددة وصفاته الذاتية، جعلته استثناءً وأسكنته وسط دائرة فيها الأمين العام لحزب الله والحاج رضوان والسيّد ذو الفقار وأقسام واسعة من جسم عسكري أمني يمتدّ بامتداد محور المقاومة من طهران إلى غزة!
«الحاج صالح قلبي وعيوني، وإذا ما توفّي شهيداً فهو قائد للشهداء»، بهذه الكلمات واسى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله زوجة القائد الجهادي أسد صغير (الحاج صالح) قبل أيام من وفاته، عندما اتّصل لمتابعة وضعه الصحي. جملة كانت كافية لتزيد من صدمة العائلة والمحيط بهوية صالح وموقعه وأدواره داخل حزب الله، بعدما طال صمته أكثر من أربعين سنة وشمل حقيقة مرضه. ولولا أن الموت جلس في حضنه في أيامه الأخيرة ما كان ليقبل بأن تأتي إليه العائلة للوداع.
عند وفاته ونعيه وخروج قريته الخرايب للتشييع، كان الهمس بين أبناء البلدة يبحث عن إجابة لسؤال واحد: «مين الحاج أسد اللي جاي كل الحزب على تشييعو؟».
مع الحاج عماد
في مسجد زين العابدين في الغبيري، في الضاحية الجنوبية، كانت بدايات أسد (مواليد 1968)، مع بروز الحالة الإسلامية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتأثّراً بحركة الإمام موسى الصدر في لبنان. هناك كانت بداية اللقاء بعدد من الشباب، يتقدّمهم الحاج عماد مغنية (الحاج رضوان) والسيد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار). رغم صغر سنّه، برزت لديه صفات لعل أكثرها جذباً للحاج عماد كانت دقّته والتفاته إلى التفاصيل، ما دفع الأخير الى تكليفه بمهمة عملية تحتاج الى «اختراق ونفوذ». الفتى الذي كان في الخامسة عشرة نفّذ ما طُلب منه بإتقان.
بعد التحرير، عام 2000، طلب أحد مرافقي الحاج رضوان، بشكل مفاجئ، من صالح التوجه الى دمشق لموافاة مغنية الذي لم يكن في العاصمة السورية. هناك، تلقّى صالح اتصالاً آخر يطلب منه أن يستقلّ طائرة الى طهران، حيث كان الحاج قاسم سليماني في انتظاره. من دون تمهيد أو تحضير، كان عليه أن يجيب عن أسئلة المعني بالإجابة عنها بشكل مباشر شخص واحد هو: عماد مغنية. عاد صالح الى بيروت، وقصد مغنية مباشرة، وقبل أن يسأله: لماذا فعلت بي ذلك، عاجله رضوان بضحكات عالية!
هذه الحادثة تلخّص العلاقة الخاصة بين الرجلين، والتي بدأت تُنسج في الظلّ عملياً في فترة الثمانينيات. آنذاك، بدأ صالح يكتسب صفات الرجل الأمني الرفيع الطراز، واعتمده مغنية أساسياً في فريقه، فعمل على رفع كفاءته الى جانب انصرافه لتحصيل شهادة جامعية (دراسات في الإلكترونيك ولاحقاً في الموارد البشرية).
مع تولي مغنية مسؤولية الأمن في حزب الله، مطلع التسعينيات، أخذ دور صالح بالتبلور أكثر. أصبح المعاون الأساسي للحاج رضوان، وظلّه، وثقته، وخازن أسراره. وقد أشركه مغنية في كل تفصيل، من المهمات السرية الى المتابعات والتحقيقات وإعداد الدراسات. وعندما تولّى مسؤولية المعاون الجهادي للأمين العام لحزب الله، كان صالح صلب هذه المعاونيّة، وبرع في إتمام هيكلياتها كما فعل في هيكلية المعاونيّة الأمنية، ما أكسبه معرفة ضخمة بقيت كلها في خدمة المقاومة وحبيسة عقله وصدره، ولم يخرج منها شيء على لسانه حتى الى أقرب المقربين.
بعد التحرير، حمل رضوان المقاومة الى مستويات وتحديات أكبر. بدأ العمل الفعلي على مشروع إزالة إسرائيل من الوجود، وانفجرت انتفاضة الأقصى بعد تدنيس أرييل شارون للمسجد الأقصى.
في الملفّين، كانت للحاج صالح الريادة ونال ثقة الحاج رضوان. وعندما تشكلت لجنة لمتابعة ملف «الإزالة من الوجود»، كان يتابع كل تفصيل فيها، من المراحل الى الأهداف والضوابط والسياسات، كما كان في كثير من الأحيان ينوب عن مغنية في الرأي والتقدير.
الانتفاضة وفلسطين
علاقة صالح بالمقاومة في فلسطين وفصائلها قديمة من عمر علاقة مغنية بها. في كل الجلسات التي عقدها الحاج رضوان مع كل فصائل المقاومة الفلسطينية، تكررت الجملة نفسها: «بخدمتكن. بيتابع معكن الحاج صالح… بينسّقها صالح».
تعرّف إلى كل قادة فصائل المقاومة الفلسطينية وأصبح الرابط بينهم وبين الحاج رضوان، من الدكتور فتحي الشقاقي الى الدكتور رمضان شلح، مروراً بالكادر القيادي الجهادي لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي. كما ربطته علاقات مع بعض كوادر فتح اللصيقين بالزعيم ياسر عرفات، وهذا كان من إرث الشهيد علي خضر ديب (أبو حسن سلامة) الذي ظل صالح يذكره بحبّ وشوق حتى آخر أيام حياته.
مع اندلاع الانتفاضة واتخاذ القرار بنقل الشرارة من قبل حزب الله، حضر صالح في الميدان. شكّل الحاج رضوان فريقاً تمثّل فيه بصالح الذي أصبح التواصل المباشر في بيروت ودمشق يتمّ عبره، من دون تمييز بين فصيل وآخر، فحضر في كل الأعمال من رسم المسار الى الاستراتيجيات والجلسات القيادية الى نقل التجربة وإيصال السلاح. وهذا كله كان له أثر مباشر في تفعيل الانتفاضة.
مع تحرير غزة عام 2005، انطلقت ورشة شاملة بين حزب الله والفصائل الفلسطينية لنقل التجربة. وكان الحاج صالح حاضراً في كل النقاشات، وعمل بشكل تفصيلي على الهيكلة والبناء، وساهم في توسيع العمل الأمني لدى تلك الفصائل. وقد برزت النتائج في كثير من المحطات لاحقاً.
العراق من الغزو إلى داعش
عام 2003، مع سقوط بغداد تحت الاحتلال الأميركي، تحرّك حزب الله لمساعدة العراقيين في مقاومة الاحتلال الأميركي، ووضع كادره بتصرف الأحزاب والفصائل التي أرادت المقاومة. أوفد مغنية الحاج صالح على رأس فريق، فكان المشرف والموجّه، ونسج علاقات مع الفصائل العراقية وتمكّن من بناء الثقة معها وبدأ العمل على الهيكلة والمأسسة، وهو أمر كان في غاية الصعوبة في دولة منهارة تماماً، ولم يختبر أبناؤها التجربة العسكرية على غرار الفلسطينيين واللبنانيين.
عام 2004، بدأت النتائج في الظهور مع تصاعد العمليات وانطلاق عدّاد قتلى الجيش الأميركي. أما الإنجاز الأبرز فكان قدرته على تطوير العمل الأمني لدى فصائل حديثة البروز، وتجلّى ذلك في تحقيق اختراق داخل جيش الاحتلال الأميركي وقواعده العسكرية. وخلال فترة قياسية، باتت لدى فصائل المقاومة عشرات المصادر التي تزوّدها بالمعلومات.
في تلك السنوات، توسّعت نار الإرهاب في العراق، وعاشت المنطقة تهديدات القاعدة ومشتقّاتها، فكان لوجود الحاج صالح وفريقه في العراق أثر كبير في فهم طبيعة عمل تلك الخلايا وإتمام إجراءات وقائية ساهمت في تجنيب لبنان وجواره أحداثاً إرهابية لم يحن الوقت بعد لكشف كل ملابساتها.
بعد سنوات، ومع سقوط الموصل عام 2014، أطلّ الإرهاب التكفيري برأسه متمدّداً نحو بغداد وكربلاء والنجف. في الاتصال الذي أجراه الأمين العام لحزب الله بمصطفى بدر الدين لتجهيز فريق للسفر الى العراق خلال ساعات، كان الحاج صالح هو المنسّق والمتابع لكل الإجراءات بين الضاحية ودمشق وبغداد وطهران، وكان الى جانب قاسم سليماني والفريق للوقوف على احتياجات الحشد الشعبي والفرق التي تشكلت لمواجهة خطر الإرهاب.
من رضوان إلى ذو الفقار
في جلسة ربيعية في دمشق، التفت السيد ذو الفقار الى أحد الجالسين، وقال له: «بس موت بتكتب ع قبري إنو هيدا الزلمي هو أكتر واحد حبّيتو بالحزب!». كان الحاج صالح قد انصرف مغادراً الى مهامه بعد نقاش طويل وحادّ بينه وبين بدر الدين.
مع استشهاد عماد مغنية عام 2008، أُلقي بقسم كبير من مهامه ومسؤولياته على بدر الدين. صالح هو من سيضمن الاستمرارية في عمل الملفات. معرفته الواسعة، دقّته وموهبته، فضلاً عن كونه مستودع أسرار الحاج رضوان وثقته، أمّنت له هذا الدور.
كانت تلك أيام نهوض وتوسيع في ظلّ نتائج حرب تموز 2006. واحد من الملفات التي وضعت على الطاولة كان الاختراق الإسرائيلي للساحة اللبنانية. بين 2008 و2010 انهارت شبكات التجسس على يدَي ذو الفقار وفريقه، وفي مقدمه الحاج صالح. ومع أن المقاومة لا تزال إلى اليوم تتحفّظ عن عرض تفاصيل هذا الإنجاز، إلا أن حجمه برز لاحقاً من خلال إجراءات العدو بعد افتضاح هذه الشبكات.
سريعاً، اكتسب صالح ثقة ذو الفقار، فأشركه في كل تفصيل، وتحوّل قائماً بأعمال معاونيّته. كان هذا واضحاً جداً مع الحرب التي شنّت على سوريا منذ عام 2011.
الأمن في سوريا
لم تكن الحرب السورية أول عهد صالح بالعمل في سوريا، إذ كان قد خبر هذا الملف لسنوات طويلة أثناء متابعته ملفات الحاج رضوان. عام 2007، نسج علاقات تنسيق وتعاون واسعة مع الأجهزة الأمنية المتعددة في سوريا، وكان العمل بأبعاد وقائية وردعية واستباقية.
مع الهجمة الشرسة عام 2011، تفعّل التنسيق والتعاون الأمني بين حزب الله والدولة السورية. ورغم الضخّ المالي والبشري للتنظيمات الإرهابية حقّق هذا التعاون نتائج ممتازة. البداية كانت من تأمين محيط مقام السيدة زينب في دمشق. ومع توسع النار خارج الحدود، وصولاً الى التفجيرات في الضاحية الجنوبية، حضر الحاج صالح في كل تفاصيل العمل الأمني، من الاختراق الى النفوذ، وصولاً الى التفكيك، والذي كانت ثمرته معركة القلمون الأولى حيث فُكّكت مصانع التفخيخ في يبرود ورنكوس وغيرهما، ما أمّن الداخل اللبناني بشكل كبير وأنهى خطر التفجيرات.
مع الارهاب التكفيري، حضر صالح أيضاً مفاوضاً على الأسرى وأجساد الشهداء الى جانب ذو الفقار أو نيابة عنه.
أما أكثر الملفات حساسية فيبقى ملف عملاء العدو الإسرائيلي على الساحة السورية، وهو ملف «الإنجازات الصامتة»، وثمرة التعاون بين صالح وفريقه والأجهزة الأمنية السورية.
علاقة خاصة مع الأمين العام
لم تكن ثقة رضوان بصالح السبب الوحيد للعلاقة بين الأخير والأمين العام لحزب الله. حظي صالح أيضاً بثقة السيد نصر الله بشكل منفصل. وحتى خلال عمله مع مغنية وبدر الدين، كان الأمين العام يضع بين يديه عدداً من الملفات والمهام. وعلى امتداد سنوات عمله، كان الخط مفتوحاً بينه وبين الأمين العام، وكانت الجلسات تطول بينهما حتى آخر أيام مرضه، إذ التقاه السيد مرات عدة. صالح، بنظر السيد نصر الله، كان استراتيجياً ورؤيوياً وولّاداً للأفكار و«سابقاً للعدوّ بخطوة»، وليس مجرد امتداد يضمن عدم الانقطاع بين مسارات تنظيمية.
هذا الرابط كان أيضاً موضع اهتمام سليماني. في إحدى المرات، طلب الأخير من الحاج صالح مرافقته الى طهران، وأخبره أنهما في طريقهما للقاء المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي. ظن بأنّ ذلك سيكون لقاءً لنيل البركة من المرشد، لكنّه وجد نفسه في جلسة خاصة نوقشت فيها مواضيع استراتيجية عالية المستوى!
الإعلام والإعلام الحربي
أوكل ذو الفقار الى صالح متابعة شؤون الإعلام الحربي في المقاومة، فكان يوجّه ويشرف ويدقّق، وكان من الأجهزة الأساسية التي طلبها الى سوريا منذ البداية، وعمل على تطوير البنية التحتية وتأمين ما يلزم لمواكبة المعركة في ظل هجمة إعلامية شرسة. وكانت لصالح أيضاً ميزة الإشراف على المضامين العسكرية والأمنية لعدد من المسلسلات والأعمال. رغم مهامه وانشغالاته، كان يقرأ النصوص ويتابع دقة المعلومات الواردة فيها، كما كان دائم الحرص على حضور افتتاح أفلام سينمائية أو محافل أدبية وفنية وتراثية للمقاومة كالتي تقيمها جمعية رسالات أو غيرها!
صمت وسرّ وصبر
أمران يؤكدهما من عرفوه: لا يمكن أن تخرج من فمه جملة تطول أكثر من ثوان قليلة، ولا إمكانية لسماع صوته خلال مكالمة هاتفية. شديد الكتمان الذي لازمه حتى في زواجه وحياته الشخصية. فهو تقدّم لخطبة زوجته على أساس أنه أستاذ في جمعية التعليم الديني الإسلامي. ومع كثرة انشغالاته، اضطرّ إلى إبلاغها أنه «في حزب الله»… هكذا فقط، من دون الخوض في تفاصيل عمله. فيما كبر أولاده وهم يعتقدون بأن والدهم يعمل «خلف الشاشة» في قناة «المنار»! مع بداية الحرب في سوريا وحماوة المعارك، سأله ابنه باستغراب: «لماذا تبقى في العمل الإعلامي والديني ولا تذهب للعمل في سوريا؟».
توفّي والده في ذروة انشغاله في الأحداث في سوريا. حضر ذو الفقار لتعزيته على رأس وفد كبير من الشخصيات القيادية والوزراء والنواب. أصابه ذلك بإرباك شديد، فضلاً عن دهشة العائلة والمحيط، ولدى سؤاله عن سرّ هذا الاهتمام، أجاب أن «الحزب يحب أن يكرّم العاملين لديه».
منذ بداية عمله حتى وفاته، لم يحضر أيّاً من الأعياد مع عائلته. في كل المناسبات، كان يجول على فريقه في جغرافيا مترامية بين دمشق وتدمر والبادية وحلب والساحل السوري وغيرها، ويتابع تفاصيلهم الى جانب تفاصيل عوائل الشهداء والجرحى الذين سقطوا معه، واستمرّ في ذلك حتى آخر أيامه. قبيل وفاته، تفقّد أحوالهم جميعاً!
لم تنل عائلته أي حظوة مالية أو اجتماعية رغم المقدّرات الواسعة التي وضعت بين يديه طوال 30 عاماً. في أيامه الأخيرة، وقبل أن يفقد قدرته على الكلام، طلب منه أحد العاملين المقرّبين منه أن يوصي لينفذوا وصيته. فكّر قليلاً، وأجاب: «عم حاول أتذكّر، أنا ما عندي شي ملك حتى وصّي فيه»!”.
المصدر: الصحف اللبنانية