شذى مرمر
“همي كيف العالم تاكل، مش بالبالة..”
جملةٌ قالها مدير عام وزارة الإقتصاد في نهاية الاتصال به تلخّص المشهد: لا رقابة أو إجراءات تُتخذ من قبل الدولة بشّأن الرقابة على سلامة سوق البالة صحياً. “فأنتَ وحظك بكل قطعة بتشتريها!”.
بعد التقرير السّابق الذي نشره موقع المنار الإلكتروني حول انتشار أسواق الألبسة والأحذية المستعملة في لبنان، كان لا بدّ من سؤال يُطرَح: في ظلّ عالمٍ مليء بالأوبئة والأمراض منذ ظهور كورونا مطلع العام 2020 وليس آخرها الكوليرا، هل استيراد هذه البضائع المستعملة والتي ستلتصق بأجسام اللبنانيين يمكن أن تشكل خطراً صحياً؟
أولى الخطوات للإجابة عن هذا السؤال بدأت بالتّواصل مع التّجار. تعددت الإجابات والإفادات بينهم حول هذا الأمر، بل وتناقضت في بعض الأحيان. ولكن الجميع اتفق أن البضائع المستوردة من البلدان الاوروبية يتمّ تعقيمها في منشآت تعقيم خاصة قبل السماح في تلك الدول بتوضيبها وتصديرها إلى الخارج، وحيث أن معظم سوق البالة في لبنان يستورد من أوروبا، فإن البضائع الموجودة في السوق هي بضائع معقمة.
لكن الاختلاف بين التجار كان بشأن السؤال: هل هناك جهات رسمية في المرافئ اللبنانية تتأكد من حصول التعقيم قبل السماح بإدخالها؟ فبعض التّجار أكدوا أن هناك طبيباً من وزارة الصّحة يشرف عليها، والبعض الآخر نفى وجود أمرٍ كهذا تماماً.
بعد جهدٌ جهيد، وإحالة من شخص إلى آخر، لم نستطع الوصول الى أيّ جهة مختصّة في وزارة الصّحة للتحدث حول هذا الأمر، حتى أن مصدراً في وزارة الصحة طلب عدم ذكر اسمه أو منصبه قال إن هذا الأمر بعيد كل البعد عن اختصاص وزارة الصحة، ومسؤوليتها عن مكافحة الأمراض والأوبئة لا تشمل المرافئ والبضائع المستوردة بل الركاب والمسافرين فقط.
إنتقلنا بالسؤال إلى وزارة الاقتصاد، الجهة الرسمية التي تشرف على استيراد البضائع من الخارج، ومن ضمنها البالة. تواصلنا مع مدير عام الوزارة الدكتور محمد أبو حيدر، وبعد حوار قصير أجاب حرفياً: “همّي حالياً يتركّز على كيف العالم تاكل، مش بالبالة..”. الجواب تقريباً كان ذاته – ولكن بصيغٍ مختلفة – من رؤساء البلديات في المناطق اللبنانية: “لا نتدخل في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، وكل مواطن يصطفل”.
نهاية الاتصالات مع المؤسسات الرسمية كانت مع د. جوزيف متّى، مدير المختبرات في معهد البحوث الصناعية، الذي أجاب عن السؤال ذاته: ” لا توجد مواصفات إلزامية لهذا النوع من السلع المستوردة (البالة)، لذلك لا لتخضع لرقابة من جهتنا، ولا يوجد أي مرسوم ينصّ على ذلك”.
إذاً، حصيلة الاتصالات بجميع مؤسسات الدولة لم توصلنا للأسف إلى بر الأمان في ما يتعلق بصحة المواطن وسلامته جرّاء استهلاكه للألبسة والأحذية المتعملة المستوردة، كل ما هنالك أن الدول التي يستورد منها لبنان “هيي وضميرها” في هذا الأمر. وإذا كانت الدول الأوروبية تشترط التعقيم قبل التصدير، فإن بلداناً أخرى لا يبدو أنها تفرض إجراءات من هذا النوع على تصدير البالة.
أضرار عديدة اذا لم تتم متابعتها!
وقطعاً لأي سوء ظن، تابعنا الموضوع من جوانبه الطبية من خلال طرق باب عددٍ من الاطباء، كانت نتيجة المتابعة أن لهذه الثياب المستعملة أضرار عديدة اذا لم يتم متابعة بيعها واستخدامها بالطرق السليمة.
“البكتيريا التي يمكن أن تكون في هذه الملابس لا يتمّ التّخلص منها بسهولة من خلال غسلها”، كان هذا جواب د. أنجيلا ياسين الأخصائية بأمراض الجلد” – وتابعت – “هذه البكتيريا من الممكن ان تسبب الجرب، كما أن الصناديق والأكياس التي تتخزن بها الثياب بسبب سوء التخزين وعدم تعرضهم للشمس سوف يسبب البراغيث”.
وفي شرحها لبعض الدراسات، إستنتجت د. ياسين أنه من المحتمل أن يتسبب استخدام الملابس المستعملة دون تعقيم صحيح بطفح جلدي أو الأكزيما خصوصاً على الأطفال. “بعد تخزين الملابس لفترة طويلة، تحمل الكثير من الأتربة والغبار مما يعزز احتمالات الإصابة بالربو”.
بدوره، الدكتور محمد شعيتو أخصائي في الصحة العامة وأمراض الأطفال، فخفّف من وقع استخدام الملابس المستعملة بقوله: “إن هذه الثياب لا تسبب الامراض إذا تمّ غسلها جيداَ بالماء الساخن وتعريضها للشمس والهواء جيداً، وكيّها على الجهتين قبل استعمالها للمرّة الأولى، الاّ اذا كان هناك حساسية لدى الطفل من استخدام الصوف أو بعض أنواع الأقمشة التي لا نستخدمها عادة في لبنان، خصوصاً تلك التي يتم استخدامها في الدول شديدة البرودة”.
خلاصة هذا التقرير، قد يكون سوق البالة حلّاً يخفف من حدّة الأعباء المعيشية التي يتسبّب بها الحصار الاقتصادي الخانق على لبنان، ولكن لا بدّ للبناني من التعايش مع هذا الواقع الجديد بحذر ودقّة. فكما يقع عليه عبء الإنتباه إلى ما يشتريه من سلع غذائية ودواء وأدوات كهربائية منخفضة السعر، فأيضاً عليه اتخاذ اجراءات وقائية إضافية حين يشتري من سوق البالة، فالتوفير حين تقع الواقعة لا سمح الله يصبح في هكذا حالات أكثر كلفة…ودمتم سالمين.
المصدر: موقع المنار