خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش

الشيخ دعموش

لا زلنا في أجواء ذكرى شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) وقد تحدثنا في الاسبوع الماضي عن الزهراء باعتبارها البنت الوحيدة لرسول الله(ص) والتي كانت بمثابة الام لأبيها، وفي هذه الخطبة سأتحدث عن الزهراء الزوجة.
فالزهراء(عليها السلام) كما كانت تمثل انموذج البنت الصالحة العطوفة فانها من جهة اخرى الأنموذج والمثال والعنوان للزوجة الصالحة والمثالية، حيث عاشت مع أمير المؤمنين ما يقارب التسع سنوات في حياة زوجية ناجحة ومليئة بالسعادة والاطمئنان والاحترام والثقة والتوفيق رغم الظروف الصعبة التي مرت بهما في حياتهما جراء تحمل أعباء الرسالة، والوقوف الى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والعمل على نشر الإسلام.
ويمكن بيان بعض ما يرتبط بالحياة الزوجية للسيدة الزهراء (عليها السلام)، والقواعد الاساسية التي كانت تسير عليها في تعاملها مع زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) في عدة أمور :
اولا: حسن التعامل مع الزوج: فان من الامور المهمة في نجاح الحياة الزوجية هو حسن التبعل للزوج، والمقصود به إطاعة الزوج، وحسن التعامل معه ومعاشرته بالحسنى والاخلاق والاحترام، وقد كانت السيدة فاطمة الزهراء(ع) تدبر حياتها الزوجية بحسن التدبير، وحسن التبعل حتى قال عنها أمير المؤمنين (عليها السلام): (ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً).
حسن التبعل للزوج والتعامل معه باحترام وثقة هو نوع من أنواع الجهاد، فإذا كان جهاد الأعداء واجب على الرجال فإن جهاد المرأة حسن تبعلها لزوجها، حيث يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها). ولذلك على المرأة المؤمنة، أن تُحسن التبعل لزوجها، وأن تحسن معاشرته، وأن تطيعه فيما يرضي الله تعالى.
ثانيا: القيام بالأعمال المنزلية: فان من الامور المهمة التي تقوم عليها الحياة الزوجية الناجحة هو القيام بالأعمال المنزلية وتقسيم الأدوار وتوزيع المهام بين الزوج والزوجة ، فرغم مكانة الزهراء (عليها السلام) وعظمتها ومقامها الرفيع إلا أنها لم تستنكف عن القيام بالأعمال المنزلية، فكانت تطحن بالرحى حتى مجلت يداها وتقرَّحت من العَمَل ، وكانت تنظف البيت وتطبخ وتعجن وتخبز، فكانت تقوم بالأعمال المنزلية وما تتطلبه الحياة الاسرية داخل البيت، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقوم بالاعمال التي تتطلبها الحياة الزوجية خارج البيت، فكانا يقسمان الاعمال بينهما بتعاون وانسجام ومحبة وتفهم كامل لواجبات كل منهما.
وهذه النقطة هي من أهم النقاط في حياة وسعادة أيّ بيت زوجيّ، وفي هذا المجال نقرأ ما جاء عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: “إنّ فاطمة ضمنت لعليّ: عمل البيت والعجين والخبز وقمّ (كنس) البيت، وضمن لها عليٌّ ما كان خلف الباب: نقل الحطب، وأنْ يجيء بالطعام وما يحتاجه البيت من الخارج.
وفي روايةٍ أنّه قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخدمة فاطمة دون الباب، وقضى على عليّ عليه السلام بما خلفه. وقد فرحت الزهراء(ع) بما قرره النبي(ص)؛ لأنّها كانت تدرك أنّ معقل جهاد المرأة بيتها، وأكبر التحدّيات التي تواجهها إنّما تقع داخل المنزل، والتي يأتي في مقدّمتها تربية الأطفال وبناء الجيل الرساليّ الواعيّ القادر على مواجهة التحدّيات والشبهات والانحرفات.
وقيام الزوجة بالأعمال المنزلية وإن لم تكن واجبة على الزوجة إلا أنه يستحب لها القيام بذلك ولها عظيم الاجر والثواب على ذلك. وتوجد العديد من الروايات التي تحث المرأة على خدمة زوجها، فلا ينبغي للمرأة المؤمنة مهما كان شأنها أن تستنكف عن القيام بتلك الأعمال لما فيها من الأجر والثواب، ولما يولده ذلك من شعور بالألفة والمودة والتماسك والانسجام، ووالنجاح في إدارة البيت ونجاح الحياة الزوجية، فان المرأة مهما كانت عظيمة لن تبلغ عظمة الزهراء(ع) ولن تبلغ المكانة والمنزلة والمقام الرفيع الذي بلغته الزهراء(ع) ومع ذلك لم تستنكف الزهراء وهي ابنة اعظم مخلوق في هذا الوجود عن القيام بالاعمال المنزلية ولم تتأفف من شيء ولم تعمل اي اعتبار لا لنسبها ولا لمقامها العظيم ، بل كانت تبذل كل جهدها في سبيل تأمين الراحة والسعادة لاسرتها رغم كلّ الصعوبات والمشاقّ والمتاعب ، حتّى إنّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام أشفق لحالها و طلب منها ان تأتي النبي(ص) وتطلب منه خادما لانه لم يكن بمقدوره ان يأتي لها بخادمة، فأتت اليه وطلبت منه خادما، فقال لها النبي(ص): أفلا أُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين” وهوتسبيح الزهراء . فالنبي(ص) علمها ان تستعين بالله على اعمالها وان تستبدل الخادم بالتسبيح والتوجه الى الله والاستعانة بالله سبحانه وتعالى، وعند ذلك قال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): “مَضَيْتِ تريدين من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة”.
ثالثا: مراعاة ظروف الزوج المالية: فان من المهم جدا في الحياة الزوجية أن تراعي الزوجة ظروف زوجها المالية، وقدراته المادية، وعدم إجبار الزوج على شراء أشياء كمالية بما لا يتناسب مع وضعه المادي، لأن ذلك قد يجبره على الاقتراض وتحمل أعباء الديون الثقيلة، خصوصا عندما تكون هناك اوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة كما هو الحال اليوم في لبنان بالنسبة الى معظم الناس، حيث هناك ضائقة معيشية بسبب الحصار والتضييق والعقوبات الامريكية المفروضة على لبنان،فان على العائلات في مثل هذه الاوضاعالصعبةان تقتصر على الضروريات وان تبتعد عن الاسراف والتبذير والكماليات لان الامور قد تسوء اكثر .
وقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) لا تكلف زوجها شيئاً، ولا تطلب منه أي شيء خارج قدرته، بل ان الزهراء(ع) كانت تمتنع عن طلب حتى كماليات الطعام مثل الاصناف الاضافية او المقبلات او الفاكهة وما اشبه ذلك مما لا يتوقف الشبع عليه، وعندما يعلم أمير المؤمنين (عليها السلام) بعدم وجود مثل هذه الاشياء في البيت يقول لها: يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟
فتقول (عليها السلام): ((يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه))
نعم، كانت فاطمة عليها السلام تواجه الجوع بالصبر، والحرمان باليقين بما عند الله ومرارة العيش بحلاوة الإيمان، فهي لم تطمع في دنيا ابدا، ولم يذكر التاريخ لنا أيّ شيء يدل على ان الزهراء تاففت او انزعجت او اختلفت مع زوجه بسبب ذلك.
والأهمّ في هذه النقطة أنّ حياتها الشاقّة لم تتغيّر حتّى بعد أن أصبحت موفورة المال، في سعة من العيش -خصوصاً بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها أرض فدك وغيرها- عمّا كانت عليه قبل ذلك، رغم غلّتها الوافرة؛ إذ روي أنّ أرض فَدك كان دَخْلها أربعة وعشرين ألف دينار، وفي رواية سبعين ألف دينار سنويّاً، لكنّ هذا المال كانت عليها السلام تنفقه على الفقراء والمساكين، وفي سبيل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام.
رابعا: التجمل والتزين للزوج: فانه من الضروري أن تهتم الزوجة بزينتها ونظافتها ومظهرها لزوجها لأن ذلك يزيد من تقوية وتمتين العلاقة الزوجية، أما إهمال هذا الجانب فيؤدي إلى النفور والكراهية بين الزوجين، وربما أدى إلى الانفصال والطلاق.
وقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) تهتم بهذا الجانب من اجل زوجها كما أفادت العديد من الروايات.
اما ما تقوم به بعض النساء من اهتمام بالتزين والتجمل ولبس أجمل الملابس عند ما تخرج من البيت، وإهمال هذا الجانب لزوجها فهذا التصرف خطأ وخلاف الحكمة، ويؤدي إلى خراب وفساد الحياة الزوجية، فالزوج أولى بالاهتمام من الاخرين .
خامسا: تبادل المودة والمحبة بين الزوجين: فان من الأمور المهمة ايضا في نجاح الحياة الزوجية هو تبادل المودة والمحبة بين الزوجين، فقد كانت الزهراء (عليها السلام) تحزن وتبكي عندما يفارقها الإمام (عليه السلام) للخروج في إحدى الغزوات شفقة عليه ومحبة له، وعندما يعود تستقبله بوجه مشرق وباسم حتى قال (عليه السلام) عنها: ((وقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان))
وكان أمير المؤمنين (عليها السلام) يحبها حباً جماً، فلم يتزوج عليها أحداً طيلة حياتها، وعندما سمع بوفاتها وفع على وجهه قائلاً: ((وأما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد)).
هذه جوانب من اسلوب الزهراء كزوجة تعيش مع زوجها امير المؤمنين(ع) في بيت الزوجية.
ومن الطبيعي أن يتحوَّل كلّ فعلٍ أو قولٍ أو سلوك في ذلك البيت الزوجيّ الذي كان يعيش فيه هذان الشخصان المعصومان إلى أسوةٍ وقدوة حسنة لكلّ البيوتات الزوجيّة. لانه البيت الوحيد الذي كان يضمّ في داخله زوجين صالحين يتّصفان بالفضائل الأخلاقيّة والكمال الإنسانيّ .
ولذلك اليوم المرأة المسلمة عليها ان تقتدي بسيدة نساء العالمين في سيرتها وحياتها المباركة، وأن تلتزم بمقومات الحياة الزوجية المثالية والناجحة حتى تحقق السعادة الزوجية، وتنجح في مسيرتها كزوجة ناجحة بهدف تكوين أسرة صالح وعائلة متدينة وملتزمة.
خصوصا في هذه المرحلة التي تواجه فيها العائلة تحديات ومخاطر عديدة ومتنوعة.
فمن جهة يشهد مجتمعنا تفككا اسريا وزيادة في نسب الطلاق نتيجة عدم مراعاة الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين وانعدام الثقة وسيطرة الانفعال والغضب والقلق والتوتر والتعاطي اللااخلاقي على الحياة الزوجية وعدم تحمل احدهما للاخر وعدم صبر احدهما على الاخر وافتعال المشاكل لاتفه الاسباب.
المشاكل الزوجية كثيراً ما تكون بسبب التوتر الدائم في البيت، حتى ينتهي شيئاً فشيئاً إلى الطلاق، أو المفارقة بدون طلاق..
ومن جهة اخرى يحاول الغرب واعداء مجتمعاتنا ضرب مفهوم العائلة من خلال طروحات وافكار تتنافى مع الطبيعة الانسانية مثل الشذوذ الذي يعبر عنه بالمثلية وموضوع التمكين والجندرة وغيرها.
ومن جهة ثالثة تواجه الكثير من العائلات اوضاعا معيشية واقتصادية سيئة وضائقة مالية صعبة مما يستوجب مراعاة هذه الظروف من قبل افراد العائلة والاقتصاد في الصرف والابتعاد عن الطلبات غير الضرورية او الكمالية والتحلى بالصبر والوعي والقدرة على التحمل لتجاوز هذه المرحلة.
ما يهمنا في في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان أولاً الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية ليس لحماية المقاومة فالمقاومة قادرة على حماية نفسها وليست بحاجة لحماية من احد، بل لانقاذ لبنان من التخبط والانهيار الشامل. وثانياً اعطاء الأولوية للحلول الداخلية عبر الحوار والمبادرة الى معالجة الازمات الاقتصادية وتلبية حاجات الناس المعيشية. اللبنانيون ملو المهاترات والسجالات والشعارات والمزايدات والمناكفات السياسية والصراع على المواقع والامتيازات الفئوية والشخصية وهم بحاجة الى قادة مخلصين أولويتهم انقاذ البلد ومنع الانهيار الكامل وخدمة الناس والمحافظة على السيادة والمصالح الوطنية وليس استرضاء اميركا والسعودية والحفاظ على الامتيازات والمصالح الخاصة.
اللبنانيون بحاجة الى رئيس توافقي يجمع اللبنانيين ولا يفرقهم، ويحاورهم ولا يرفع شعار المواجهة مع شريحة كبيرة منهم رئيس يعمل على حماية البلد من الفتنة والفوضى ، وترسيخ السلم الاهلي وتعزيز الوحدة الوطنية..
من يُعطل عملية انتخاب رئيس للجمهورية ليس من يضع ورقة بيضاء ويدعو للحوار والتوافق بل هو من يصر على التصويت لمرشّح تحد لا أفق له بالفوز والوصول الى موقع الرئاسة.
المسار المتبع حتى الآن لانتخاب رئيس للجمهورية لن يوصل الى نتيجة، لان التوازنات السياسية داخل المجلس لا تمكن أي تكتل نيابي من الوصول الى ما يريده، والحل الوحيد المتاح أمام اللبنانيين هو الحوار والتفاهم الداخلي، اما التدويل والتدخل الخارجي فلن يحل المشكلة بل سيؤدي الى تعقيد الامور وزيادة الانقسامات وفتح الأبواب امام المتربصين بالبلد لفرض املاءاتهم وشروطهم، وهذا ليس فيه مصلحة لاحد.