خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 3-1-2020 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 3-1-2020

خطبة الجمعة 3-1-2020 196

نص الخطبة

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

نعزي صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف )  والإمام آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله الوارف) وللشعب الايراني والشعوب المستضعفة وكل المجاهدين والمقاومين والشرفاء في العالم باستشهاد القائد الكبير اللواء الحاج قاسم سليماني والشهداء الذين مضوا معه ، ونسأل الله لهم جميعا الرحمة وعلو الدرجات.

الشهيد الحاج قاسم كان ينتظر هذه اللحظة منذ سنوات وهو الذي كان ينتقل من جبهة الى جبهة ومن محور الى محور، ففي الحرب التي فرضها صدام على ايران كان مقاتلا شجاعا دفاعا عن الجمهورية الاسلامية، وفي مواجهة اسرائيل واميركا وصنيعتهما داعش كان حاضرا بقوة، وكان سندا كبيرا وداعما قويا لحركات وفصائل المقاومة، وتشهد له بذلك كل الساحات والميادين المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن، فهنيئا له هذه الشهادة العظيمة وهذه العاقبة الحسنة على نهج الحسين وزينب عليهما السلام

شهادة الحاج قاسم هي اختيار إلهي رباني ، الله هو الذي اختاره شهيدا ليكون في مقامات القرب عنده فليس كل من يسعى للشهادة ينالها انما ينال الشهادة من يختاره الله ليكون في هذه الدرجة الرفيعة، الشهادة اختيار الهي حيث ينظر الله إلى عباده المؤمنين والمجاهدين في سبيله فيختار منهم الأصفى سريرةً ، والأنقى طهارةً ، والأكثر إيماناً وإخلاصاً ، والأشد حباً لله ، فيتخذه شهيداً وخليلاً وحبيباً ورفيقاً في المحل الأعلى ، حيث لا عَينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشر .

والشهادة هي إنجاز إنساني يقوم على أساس اعتناق قضية تتجاوز الشخص والطوائف والقوميات والاحزاب والمصالح الضيقة ، لتكون قضية التزام لمصلحة الأمة ولمصلحة المستضعفين والمظلمين.

الشهيد الحاج قاسم لم يكن في العراق يسعى لامبرطورية فارسية او لهيمنة ايران على العراق او لتحقيق مكاسب ومصالح معينة، الحاج قاسم كان في العراق الى جانب القيادة العراقية المخلصة للمساعدة في نهوض هذا البلد، وإعزاز شعبه وأهله، وإخراجه من الاحتلال الامريكي والهيمنة الامريكية على ثرواته ونفطه ومقدراته، وحماية هذا البلد من ادوات اميركا والارهاب التكفيري الذي ترعاه اميركا والذي لا يزال يتهدد العراق وشعبه ومقدساته.

شهادة الحاج قاسم هي أشرف الموت ، وأرفع البر ، وأفضل الرزق ، وخير الختام ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” فوق كل ذي برٍّ برٌ ، حتى يُقتل الرجلُ في سبيل الله ، فإذا قُتل في سبيل الله عز وجل فليس فوقَهُ برّ  ” و ” إنَّ  أشرفَ الموت قتلُ الشهادة   ” .

ولذلك فإن أعظم شرف وأعظم وسام حصل عليه هذا العزيز الكبير هو وسام الشهادة، فلن اعظم وسام يمكن ان يحصل عليه الإنسان هو أن يكون شهيداً ، أو أن يكون حياً ينتظر الشهادة ، ويحمل إرادتها ومشروعها ، ويسعى نحوها ، ويندفع إليها كاندفاع ذلك الصحابي الذي كان في يده قبضة من التمر يأكلها في أحد ، فقال وقد احتدم أوار المعركة  : ” لا يفصلني  عن الجنة إلا هذه التمرات “، ثم ألقاها من يده، وشهر سيفه وانخرط في القتال  .

إن هذه الإرادة – إرادة الشهادة في سبيل الله – هي ما شهدناه في كل شهدائنا من الشهيد القائد الكبير الشهيد سليماني الى سيد شهداء المقاومة الإسلامية  الشهيد السيد عباس إلى شيخ الشهداء الشيخ راغب إلى سائر الشهداء ، وهي ما نشهده في كل مجاهدي المقاومة الإسلامية ، وهي ما ينبغي أن نعمل من أجل أن تتكوّن فينا وفي من نحب في كل زمان ومكان .

وللشهداء رسالتان:

الاولى: رسالة تحمل المسؤولية واداء التكليف والايثار والتضحية في سبيل الله.

الثانية: الثبات في مواجهة أعداء الله

الرسالة الاولى تتلخص بالإيثار والتضحية ، فالشهيد آثر وضحّى لله بمعنى أنه أنكر ذاته ولم يدخلها في الحسبان لأنه كان يتطلع إلى أوامر الله والى تحمل المسؤولية واداء التكليف الملقى على عاتقه تجاه عباد الله ووالشعوب المستضعفة .

فالشباب الذين قصدوا ساحات الجهاد والمقاومة وضحوا بأنفسهم كان للكثير منهم عوائلَ وأُسراً ، وكان لكل منهم أبوان عطوفان ، وكان بإمكانهم أن يعيشوا حياة دعة واستقرار ،  إلا أنهم تخلوا عن كل ذلك وقصدوا ساحات المقاومة ، لأنهم كانوا يحملون إرادة الإيثار والتضحية وإرادة الجهاد والشهادة .

وقد حققت المقاومة كل تلك الانتصارات والإنجازات . . بفعل عوامل الإيثار والتضحية التي تمسك بها هؤلاء الشهداء، والتي يتمسك بها المجاهدون الأحياء ممن يحملون إرادة أن يكونوا شهداء . والجميع مطالبون بالسعي لأن يكونوا ضمن هذه الفئة لينالوا هذه الدرجة الرفيعة .

إذن فالنداء الأول للشهداء هو نكران الذات أمام الله تعالى وأوامره وتكاليفه وأمام عباده والأمة ، ويجب علينا استيعاب هذا النداء وهذه الرسالة .

اما الرسالة الثانية فهي : الصمود والثبات والصبر والتحمل في مواجهة العدو ، وعدم خشيته ، وعدم التهيب منه ، أو الانفعال أمامه . فقد مثل الشهداء على مر التاريخ وإلى يومنا هذا أروع صور الثبات والشجاعة في مواجهة العدو ، وكانوا كما قال الله تعالى { الذين قال لهم الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} .

فالنداء الثاني للشهداء هو الصمود في مواجهة العدو ، وعدم خشيته أو تهيب قوته الجوفاء وأساليبه البتراء ، وإدراك أهمية الاتكال على الذات والتوكل على الله في جميع الأمور  .

اليوم الجريمة الأمريكية النكراء  التي اودت بحياة سليماني وقادة عراقيين، أتت بعد فشل اميركا في ضرب العلاقات العراقية الايرانية، وفشل رهانها على تغيير المعادلة القائمة في العراق بواسطة الشارع، فقد حاولت اميركا خلال كل السنوات الماضية ابعاد العراق عن ايران وتحريض الشعب العراقي ضد ايران وحركت ادواتها في اكثر من مرحلة ومؤخرا وحركت بعض  المظاهرات المشبوهة من اجل تاليب العراقيين على ايران وضرب العلاقات بين البلدين ولكنها فشلت  وفشلت في ابقاء داعش في العراق وإشاعة الفوضى فيه، ولذلك هي تنتقم اليوم لفشلها من شخصية قيادية بحجم الشهيد سليماني الذي كانت له مساهماته الكبرى في تحرير العراق من الجماعات الارهابية والقضاء على داعش في العراق وسوريا، وله إسهاماته وبصماته الكبيرة في المواجهة الدائرة مع الكيان الصهيوني وفي دعم حركات المقاومة في المنطقة.

ولكن كما قال الامام القائد السيد علي الخامنئي في بيان نعي الشهيد القائد الحاج قاسم: سوف لن يتوقف عمله ونهجه برحيله ولن يبلغ طريقا مسدودا  لكنّ الانتقام الشّديد سيكون بانتظار المجرمين الذين تلوّثت أيديهم القذرة بدمائه ودماء سائر الشهداء فليعلم جميع الأصدقاء-والأعداء أيضاً- أنّ نهج الجهاد في المقاومة سيستمرّ بدوافع مضاعفة وأنّ النّصر الحاسم سيكون حليف مجاهدي هذا المسار المبارك. فقدان قائدنا المضحّي والعزيز مرير لكنّ استمرار النّضال وتحقيق النّصر النهائي سوف يكون أشدّ مرارة على القتلة والمجرمين.

نحن في المقاومة الاسلامية وكما قال الامين العام حفظه الله: سنكمل طريقه وسنعمل في الليل والنهار لنحقق أهدافه، وسنحمل رايته في كل الساحات والميادين والجبهات، وستتعاظم انتصارات محور المقاومة ببركة دمائه الزكية كما كبرت بحضوره الدائم وجهاده الدؤوب، كما أن القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم.

القتلة الاميركيون لن يستطيعوا إن شاء الله أن يحققوا اياً من أهدافهم بجريمتهم الكبيرة هذه، بل ستتحقق كل أهداف الحاج قاسم بفعل عظمة روحه ودمه وعلى أيدي اخوانه وأبنائه وتلامذته المقاومين والمجاهدين من كل شعوب أمتنا التي ترفض الذل والخضوع للمستكبرين والمستبدين.

 

البث المباشر